خاص: حاورته- سماح عادل
“محمد خير عبد الله” هو كاتب وقاص وروائي سوداني ذائع الصيت، عرف بتمرده وأسلوبه في الكتابة المتفرد، وهو رئيس نادي القصة السوداني، آخر رواية صدرت للكاتب حديثا عن دار رفيقي للطباعة والنشر رواية “عرس عبد”، 2020.
ولد “محمد خير عبد الله” في ولاية النيل الأبيض بمدينة الفشاشوية في عام 1946، أما مراحلة التعليمية درس الابتدائي في الفشاشوية ثم الثانوي بمدينة كوستي، ونال الدبلوم تعليم بمنظة سولو ودبلوم تصوير فوتوغرافي بوزارة الثقافة.
في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي عمل “محمد خير” موظفا بالإعلام الزراعي في وزارة الزراعة والثروة الحيوانية، وعند انقلاب عمر البشير على السلطة في عام 1989م، قام بفصل الآلاف من العاملين الذين لا ينتمون لتنظيم الجبهة الإسلامية القومية، فيما يعرف بسياسة التمكين، صار كاتبا صحفيا بكل من صحيفة (الخبر والصحافة ودنيا وصحيفة الرأي العام وصحيفة القرار).
أعماله:
مجموعتين قصصيتين:
– “حنيميات” ( مجموعة قصصية) صدرت في عام 1999.
– “هذا هذا” (مجموعة قصصية) أيضاً صدرت في عام 1999.
الروايات:
– لعنة الحنيماب (2005).
– هذيان كهل (2001).
– ليلة قتلني الرئيس (2011).
– سيرة قذرة (2014) وكانت قد منعت من النشر في فترة حكم الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، عبر المصنفات الأدبية التي تتبع لوزارة الثقافة والإعلام التي كانت تعمل على التضييق على الكتاب والروائيين.
– “شجن الروح شغف الجسد” صدرت في عام 2016م.
– رواية “المانوس” صدرت في عام (2016).
– رواية حيثيات وصل الأمانة، ورواية انتفاخ رئاسي، ورواية عرس عبد.
وفي المجال العام أنشأ نادي القصة السوداني وأندية اليونيسكو/ وصار نائباً لرئيس الاتحاد ورئيس نادي القصة السوداني ومدير عام مجلة سرديات ومدير عام لصحيفة القصة السودانية ولديه الآن أكثر من سبعة مخطوطات في الرواية.
– في عام 2019 صدرت للكاتب كتاب تحت عنوان “أيام مع أبي ذر (أو حينما كانت الخرطوم في قبضة الأصدقاء”، الكتاب يتناول حياة الكتاب والمثقفين في السودان إبان حقبة الثمانينات، وأن الكاتب والصادق الرضي أصدقاء، يرتكز الكتاب بشكل أدق حول حياة الشاعر الفذ أبي ذر الغفاري السوداني وهو الصديق الحميم للكتاب الذي اختفي في ظروف غامضة.
جوائز:
- الجائزة مركز عبد الكريم ميرغني (جائزة الطيب صالح).
- الجائزة الأولى للرواية العربية التي أطلقتها دار الفكر العربي بالدمام.
إلى الحوار:
** في رواية “عرس عبد” تناولت إشكالية الزواج بين العبد أو الذي تعرض للعبودية وبين الحرة من عدة جوانب هل هذه مشكلة اجتماعية ممتدة إلى الوقت الحالي؟
– في السودان نصف بعضنا بأننا أولاد عرب، وهذه الجملة هي اختصار لمقولة عن تاريخ دخول العرب إلى السودان، ربما يتفق بعض السودانيين أن العرب حين دخولهم السودان لم يصطحبوا معهم زوجاتهم فتزوجوا بالنساء السودانيات، والنتيجة أن وسمنا أنفسنا بأننا أولاد عرب. وبعض مثقفينا يطلقون علينا المستعربين، جميع هذه الأوصاف لم تؤثر في النسيج الاجتماعي لدينا، بالرغم من إدعاء البعض بوجود عنصرية في السودان.
لو اتفقنا معهم ربما تكون عنصرية ثقافية، وهي شيء طبيعي بين دولة تجمع أعداد كبيرة من القبائل، ورغم ذلك تجد أن كلمة عربي، شتيمة مثل كلمة عبد وكلمة حلبي، والحلبي هو الإنسان الأبيض، هي كلمات يتم تبادلها بين الأصدقاء ولا تحمل شحنة عداوة، والظروف الاقتصادية ونشوء المدن خفف من هذه العنصرية الثقافية وجعل أمر الزواج بين جميع القبائل أمر طبيعي.
** متى انتهت العبودية رسميا في السودان وهل مازالت هناك وصمة عبودية يواجهها بعض البشر؟
– العبودية في السودان وهي نتيجة لتجارة الرقيق انتهت منذ قرن تقريبا وصارت أحاديث بين الناس حين يتقدم أحد للزواج من فتاة، يطلب أهلها منه الانتظار حتى يتم التشاور بين الأهل ربما رفض لأنه إحدى جداته كانت سرية، بمعنى خادم. وكثيرا ما نسمع أن فلان جدته كانت رقيق، قد يحدث أن أحد السود أراد الزواج من فتاة من قبيلة تزعم أنها عربية ولكنه رفض وتم زواجهما عبر المحكمة الشرعية وهنا قصص كثيرة في هذا المجال.
** في رواية “الأغلف” أيضا تناولت العنصرية التي يتعرض إليها الإنسان الذي يطلقون عليه لقب عبد.. هل فكرت أن تواجه بأدبك وتتناول قضايا هامة تدور في المجتمع؟
– أنا مشروعي هو المحاولة القبض على لحظة دخول أول إنسان أبيض إفريقيا، لا أريد أن أدين أحدا ولست ضد أحد، لكن يبدو إن دخول الإنسان الأبيض واختلاطه بالسود، السكان الأصليين، ترك أثرا جماعيا وتمظهر سياسياً في حركات التحرر التي انتشرت في إفريقيا، لا أقول أن الأبيض هو الجرثومة التي غزت النعرات. ولا أزعم أن الأسود إنسان طاهر. لكن هذا الاختلاط ترك أثرا، وأيضا ازدياد الهجرات إلى السودان من أناس يحملون ديناً مختلفاً وعادات مختلفة ومذاهب مختلفة، بعضها استقبله السكان وبعضها رفض، لذا تجد في الوطن السوداني شيء من التشيع وهو حب أهل البيت رغم تبني الحكومات للمذهب المالكي.
** تناولت أيضا ظاهرة الختان التي تحولت إلى عادة اجتماعية راسخة وارتبطت بالدين بروابط قوية.. حدثنا عن ذلك؟
– المضحك أن الختان في السودان يطلقون عليه الختان الفرعوني، وفي مصر يطلقون عليه الختان السوداني كما سمعت، حاولت الحكومات تحريمه بالقوانين لكنها فشلت، وهو من العادات الأكثر رسوخا من الشلوخ، التي كانت عبارة عن علامات تحفر في وجوه السودانيات وقد اختفت تلك العادة وظل الختان، بالرغم من أنك تجد في كل قرية سودانية مصابة بالناسور البولي ولقد هزتني فتاة كانت ذكية وكانت في الأولى في المدرسة وقد تم تزويجها وهي في عمر العاشرة لرجل كهل، والآن هي مصابة بالناسور البولي وقد حرمت من التعليم وصارت تحمل عاهتها الدائمة.
** في رواية “هذيان إمبريالي” هل كان انتقاد الوسط الثقافي ينطوي على بعض المبالغة كما تخيلت أنا.. أم أن الأوضاع كما رصدتها الرواية؟
– الحديث عن الوسط الثقافي السوادني مؤلم، فالمثقف السوداني كأنما خلق من طينة الحسد والمؤامرة ويبدو أن كل مثقف متآمر وحاسد، كائن يحب الأخبار السيئة إن لم يجدها اختلقها، “لا يعمل ولا يحب أن يراك تعمل” كما يقول طه حسين.
والدليل أن بالسودان أكثر من خمسة اتحادات كتاب، وهذا التشظي طبيعي في المثقف والسياسي الذي هو أيضا يزعم أنه أتى للسياسة عبر الثقافة، وخير دليل كتاب “منصور خالد” النخبة السودانية وإيمان الفشل”. والسودانيون ينسبون قول للدكتور عبد الله فحواه سبعة قبائل عربية مشهورة بالحسد دخل منها ستة قبائل السودان، لذا ظاهرة الحسد متفشية بين المثقفين مع بعض الإشراقات القليلة المتمثلة في الكتاب الجدد أمثال (بركة ساكن والصويم ومعتصم الشاعر وحسام الدين صالح) وغيرهم.
** في رواية “هذيان إمبريالي” سخر البطل من الجائزة ومن اختلاف الآراء حولها.. في رأيك هل الجوائز المخصصة للأدب في المنطقة في الوقت الحالي تدعم الكتاب وتدعم حركة الأدب والثقافة أم ماذا؟
– الجوائز الأدبية والمسابقات هي المتنفس الوحيد ليجد المبدع مجال لينشر أعماله، نعم بعض الجوائز موسومة بمواقف سياسية، ولكن هذا لا ينفى أن بعضها همهما الإبداع، وجائزة “عبد الكريم ميرغني” خير مثال فهي باسم الأديب “الطيب صالح”، والمبدع السوداني محصور في داخل البلد، بسبب ضعف الإعلام، لولا الذين اغتربوا لظل الأدب السوداني يعاني الوحدة.
** عملت في مجال الصحافة الثقافية حدثنا عن ذلك. وهل تعاني الصحافة الثقافية من مشكلات في رأيك؟
– لا يوجد في السودان صحافة ثقافية بل بعض الصحف السياسية تفرد صفحات للأدب من قصة أو رواية، ولسوء الحظ معظم الذين تولوا هذه الصفحات أصحاب أجنده سياسية وشللية، وبعضهم لا يجهد نفسه ليرتقي بصفحته الأدبية وذلك لقلة ما يتعاطاه من مقابل مادي، هناك عدم اهتمام حتى من مجلات الثقافة الحكومية التي هي حكر على أسماء معينة، ونادراً ما تفتح المجال لأديب لا يرضون عنه.
** هل اختلفت أحوال الثقافة في السودان بعد ثورة شعب كبيرة وكيف كان هذا الاختلاف؟.
– الشعب السوداني له تاريخ من الثورات لا تحصى ولا تعد ولكن من أشهرها الثورة المهدية وثورة أكتوبر وثورة أبريل وثورة ديسمبر الأخيرة، الثورة المهدية اشتهرت بعلماء الدين وهم طليعتها، وثورة أكتوبر كانت ثورة الشعر السوداني فأناشيد الأكتوبريات ما تزال تردد، ويبدو أن ثورة أبريل كانت ثورة سردية إذا صح التعبير. بعدها نشط اتحاد الكتاب السودانيين.
أما ثورة ديسمبر ممكن أن نطلق عليها ثورة التشكيلين لقد قاموا بعمل جداريات توثق لها، وتمتاز ثورة ديسمبر بأنها الثورة التي أطلقت غضب النساء السوادنيات في وجه سلطة ظنت أنها دائمة، وقد أغلقت كل نوافذ الإبداع أمام الجيل الجديد الذي سميته أنا “جيل المحرقة”. وقد زعمت قبل سنوات أنه جيل سيجعل للإبداع السوداني مكانة عالية.
حاليا لا يوجد نشاط ثقافي لانشغال المبدع بالبحث عن لقمة عيش ويبدو أنه يشعر بالظلم، حتى رئيس الوزراء في جل خطاباته لم يذكر كلمة ثقافة. والجدير بالذكر أن الذين استولوا على السلطة باسم حركة الإنقاذ أناس لا علاقة لهم بالإبداع وهم يعلمون ذلك لذلك حين استولوا على السلطة حاولوا تزيين سلطتهم بإنشاء وزارة ثقافة، وليتهم لم يفعلوا لأن الثقافة لديهم هي الأغاني، لذلك انتشرت ظاهرة المغنيين والمغنيات في عهدهم.
ولقد حاربوا الإبداع والمبدعين مما اضطر بعضهم للهجرة خارج البلاد وبعض الذين ظلوا بالداخل اختفوا في ظروف غامضة، وخير مثال الصديق الشاعر “أبو ذر الغفاري”.