حاورته : سماح عادل
“محمد حسين” روائي عراقي شاب، ولد في1983، صدرت له مجموعة قصصية في 2009 بعنوان”ذكريات الفتى الخجول” عن المركز الثقافي- بابل- العراق، ورواية “عزباء الحي” في 2010 عن دار تموز، دمشق، ورواية “الحارس والليلة الأخيرة” صدرت في 2017، مصر، تتميز روايته” الحارس والليلة الأخيرة” بتناولها لمشاكل اجتماعية داخل إحدى المناطق الشعبية في العراق، وتحكي عن هموم البسطاء من خلال البطل “ناصر” الذي يعمل في أعمال هامشية وتشغل النساء باله، لتقدم الرواية ثلاث نماذج من النساء اللاتي تختلف معاناتهن لكنها ترتبط أيضا بنفس الأسباب الاجتماعية.. تحاورت معه “كتابات” حول إبداعه:
كتابات : لما اخترت كتابة الأدب ومتى بدأت رغبة الكتابة لديك؟
• الكتابة ليست اختيار إرادي محض وإنما هي في الأساس موهبة لا تسبقها إرادة مثل الرسم والموسيقى.. إلخ، في حداثتي كنت أكتب اليوميات، أدون كل شيء يحدث في اليوم، وأحياناً التقط جملة أو وصف في رواية ما من الروايات القديمة التي كنت أقرأها وأنقلها لتلك اليوميات، وفي 2007، كتبت أول نص فني وكان أقرب إلى القصة القصيرة.
أكتب عندما تلح عليَ حاجة نفسية أو وجهة نظر قد تمكنت مني وعندها أصوغها بقالب فني.. فمدينتي مثلا أثرت في مخيلتي ونمت شوارعها وأزقتها وحتى شخصياتها في أعماقي بصور شتى.. فأجد تلك الشخصيات والأماكن تزدحم عند طرف قلمي عندما أشرع بالكتابة، في قصص مجموعتي القصصية الأولى “ذكريات الفتى الخجول” معظم الأحداث والشخصيات كانت مستقاة من الواقع بكل تفاصيله..
بعد عام كتبت رواية قصيرة وأسميتها” عزباء الحي” وهي رواية اجتماعية يمثل عنوانها الرمز المخيف الذي تخافه معظم النساء، ولا تتمنى أن يطلق عليها أو يطول بها هذا اللقب، جراء هذا توافق البطلة “عذراء عبد الواحد” على الزواج متقية هذا اللقب لكنها سرعان ما تعرف بأنها قد خسرت بذلك حبيبها حسن الذي يواجه هو الآخر صراعا من نوع خاص، وبين حب حسن وواقع زواج عذراء تدور أحداث الرواية.
كتابات : في رواية “الحارس والليلة الأخيرة” قدمت لثلاث نماذج من النساء “سميرة، فاتن، سعاد” لكل واحدة منهن معاناتها الخاصة في المجتمع العراقي بعد الغزو حدثنا عن ذلك؟
• رواية “الحارس” هي قصة حياة طويلة لرجل من واقع المجتمع العراقي، تتخللها أحداث رئيسية أثرت على مسار الشخصية، وأبرز هذه الأحداث هي لقائه لثلاث نساء يختلفن بشكل قد يكون جوهري فيما بينهن وبقدر ذلك الاختلاف فأنهن يتشابهن أيضا، وبين مدى الاختلاف والتشابه في تكوين شخصياتهن يكتشف البطل رغباته المخبوءة التي راحت تظهر من خلال سلسلة من الأحداث والصراعات المتشابكة..
وقد حل المجتمع في تجربته كأرضية لذلك النسيج المتعدد، والمجتمع العراقي شأنه شأن المجتمعات الأخرى، وبالذات العربية في مشاكلها أو مفاصلها الجوهرية، التي إذا جاز لنا أن نختصرها في مسميات وعناوين واضحة، وهي الدين وإشكاليات تطبيقه بين تعاليمه وطقوسه، والسياسة وأنظمتها وما يستتبع ذلك من نشوء مشكلات قاسمها المشترك هو الظلم والكبت بأنواعه، وأخيرا الإنسان وما يكتنفه من تساؤلات واحتياجات شتى تتعلق بالدين والسياسة أيضا..
ومجتمعي منذ عهد غير قصير لم يشهد استقرار تام أو وضوح في هوية تلك المفاصل الاجتماعية المهمة فيه، فيبدو أن تتابع الأنظمة الاستبدادية على المجتمع منذ عهد بعيد قد أورثت أبناء هذا المجتمع أنواع عدة من الكبت وبشتى تفاصيله، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تشظي الشخصية، كما هو واضح في شخصية “ناصر عبد الجبار” بطل الرواية، وإلى إرباك في تقييمه لنفسه ولوطنه وبالتالي لقيمه التي تربى عليها، وعند التقائه بالنساء الثلاث تبدأ تجربته الحقيقية في الحياة.
فشخصية سميرة البغدادية هي انعكاس وتجسيد لنوع من الشخصيات الباحثة عن الحرية على طول مسار حياتها، وكانت تعتقد أيضا بأن الابتعاد عن فلك الرجال هو الضمان الوحيد لبقائها حرة، أما شخصية فاتن فهي تعتبر المثال النموذجي لضحايا المجتمع، فتلك الطالبة الجامعية هي ابنة مدينتها القديمة وأبوها وأمها كانا معروفين بوقارهما وابتعادهما عن ضجة المدينة، وكان يشهد بذلك معظم أهالي المدينة، لكن حينما زار حبيبها تلك المدينة وراح يسأل عن أخلاقها وأخلاق عائلتها ظهرت له بأن أحد قريباتها كانت سيئة السمعة وتركها لذلك.
و سعاد وهي الشخصية الثالثة دعت البطل إلى بيتها لكي تقنعه بزواج مؤقت، وبين استغرابه من طلبها والسمعة السيئة لهذا الزواج في مجتمعه، يقع ناصر في إشكالية تضعه وجها لوجه أمام مبادئه وتدينه، واقتنع أن سعاد غير مقتنعة تماما بما كانت تفعله ولكنها وجدت مخبئها الأمين في هكذا حلول.
كتابات : طرحت مساءلة عن مفهوم الوطن في رواية “الحارس والليلة الأخيرة”.. واستنكرت أن يكون الوطن قاسيا على أبنائه.. هل هذا رأيك الشخصي؟
• في جزئية الوطن وقساوته، على حد تعبيرك،على البطل، يمكن اعتبار رأي البطل هو رأي أي أحد آخر عانى من الظلم والتهميش وهو في وطنه، وممكن أيضا أن يتساءل كما تساءل البطل عن معنى الوطن الواقعي في الشوارع والمدن، وهذا جاء ملائماً لنوع من معطيات شخصية البطل المراقبة لمفاصل الحياة اليومية.
“كتابات”تناولت المشاكل الاجتماعية في إحدى المناطق الفقيرة في العراق.. وتناولت بالتفصيل المشاكل الحياتية التي يواجهها المواطنون كما طرحت مشكلة السجن والتعذيب عقب انتفاضة 1991.. هل تؤمن بأن للأدب دور فضح مساوئ المجتمع؟
• لطالما كان الأدب هو التدوين الحقيقي أو الواقعي جدا للأحداث بأنواعها.. وهناك أمثلة لا حصر لها من الروايات التي دونت مشاكل المجتمعات وفضحت أساليب الأنظمة السياسية، وأضخم مثال على هذا هي رواية “البؤساء” ل”فيكتور هيجو” التي صورت معاناة الشعب الفرنسي قبل ثورته الكبيرة..
وفي رواية “الحارس” وبالتحديد في جزئية الانتفاضة عام 1991، يأتي سرد الأحداث على لسان البطل الذي يتذكر فيها أخيه، وكيف اعتقل ظلماً من البيت لمجرد الاشتباه أو الشبه، وهنا تأخذ الرواية على عاتقها التدوين المهم لذلك الظلم الهائل الذي حدث في تلك السنة، وهنا تبرز مهمة أخرى لا تقل أهمية عن مهام الرواية الفنية وهي التدوين التاريخي للأحداث من وجهة نظر الأفراد الحقيقيين الذين وقع عليهم ذلك الظلم..
كتابات : هل في رأيك حدثت انفتاح ثقافي في العراق بعد غزو 2003.. ولما؟
• بعد عام 2003 حدث انفتاح في العراق في شتى المجالات ومن ضمنها المجال الثقافي، ولأن الاستبداد والظلم بشتى أنواعه كان مطبقا على الوطن من الشمال إلى الجنوب، لذلك مورست الحرية بأنواع شتى حتى أسيء فهمها من قبل معظم الأفراد، وهذا انعكاس طبيعي لشعب لم يذق طعم الانفتاح والحرية منذ عقود، وحدث بعد ذلك تشوه في مفهوم الحرية، ففي المجال الثقافي أخذ الكل يطبع وينشر وأي أحد يمتلك المال يستطيع أن ينشر كتابا، والصحف أصبحت بالعشرات، ولو إن عددها بدأ يتناقص تدريجيا بسبب عزوف القارئ عن الجرائد، وبذلك اختلط الجيد مع الرديء في فوضى عارمة، واختفى النص الجيد وسط النصوص الهزيلة الكثيرة..
وفي رأي كان لابد من هذا، ولكن يجب أن تهدأ تلك الموجة عاجلا أم آجلا، فالجيد هو من سيستمر والرديء سوف يتلاشى ويضمحل سريعا.
كتابات : هل يجد شباب الكتاب الدعم أم تواجههم صعوبات كثيرة في مجتمعك؟
• بشكل عام لا يوجد دعم حقيقي للكاتب، سواء أكان مبتدئا أو محترفا، سواء من الدولة أو من دور النشر الأهلية، فالكاتب يعمل كل شيء تقريبا بنفسه من الطباعة والنشر والترويج لمنتوجه، وإذا كان الحال كذلك فمن الطبيعي أن يواجه الكاتب الشاب نوعا من العراقيل التي تبدو صعبة في بداية الأمر، لكن مع الصبر والاختيار الصحيح والمتأني لدور النشر، تأخذ تلك الصعوبات بالتفتت شيئا فشيئا، ولطالما كان الكاتب الشاب يعاني من تلك الصعوبات، وبرأيي يجب أن يعاني شيئا منها لكي يتعلم الصبر والمحاولة، فالمهم هو الاشتغال على النص وتطوير الموهبة، والكتابة بجد وديمومة.
كتابات : لما لجأت للنشر خارج العراق.. في مصر وسوريا؟
• كل كاتب يطمح بالانتشار سواء في بلده أو البلاد المجاورة، وبما أن النشر في خارج بلد الكاتب يعتبر خطوة إضافية وجيدة نحو الانتشار الذي يرمي إليه الكاتب، بالإضافة لعوامل عدة تؤدي بالكاتب العراقي بالذات للنشر خارج بلده، أهمها القانون البائس القديم الذي شرع إبان النظام السابق، الذي يمنع طبع الكاتب العراقي مؤلفاته خارج البلد، وللأسف لم تقوم الحكومات بعد عام 2003 بالعمل على إلغاء هذا القانون وبقى ساري المفعول بالوطن العربي، والكاتب الآن ينشر برقم دولي مستعار، بالإضافة إلى الجانب المادي لطبع الكتاب الذي يكون مبالغاً فيه.
كتابات : ما رأيك في حال الثقافة في العراق والعالم العربي؟
• الثقافة مركب قلق، إنها تركيب سرعان ما يتحلل ويتلاشى، أي أن العناصر التي تكون الثقافة ابتداء من العائلة والتربية والتعليم وحالة المجتمع الاقتصادية والسياسية والدينية وعناصر أخرى كثيرة جدا، هي في حالة تغير وتدهور مستمر، بالذات في بلداننا العربية التي لا يختلف العراق عنها اختلافا جوهريا، وللأسف ليست هناك نوايا جدية من الحكومات لإعطاء الثقافة أهمية أكبر، بل بالعكس هناك تجاهل مستمر ودائم لحال الثقافة والمثقف..
وبرأيي أن موجة التشدد الديني التي احتلت البلاد العربية، ما هي إلا نتيجة طبيعية لتجاهل الثقافة من قبل الحكومات، ومن قبل الفرد أيضا حتى لا نلقي باللوم جميعا على الحكومة أو الدولة، فالتعصب يظهر عندما تسود الثقافة الأحادية في المجتمع، أي عندما يكون المجتمع مؤدلج لنوع واحد من الثقافة، إن محاربة التعصب والفكر الأحادي أو الثقافة الأحادية تكون بتعددية الثقافات بالمجتمع الواحد وبإعطاء الكتاب مكانته الحقيقية، وإرجاع القيم القديمة التي تربينا عليها التي كان أساسها هو احترام الكلمة.
كتابات : ما رأيك في حال النقد وهل هو منصف بالنسبة للكتاب المبتدئين؟
• المفروض أن يكون النقد هو انعكاس لحالة الإبداع التي تولد في مجتمع ما، أي يجب أن يسير النقد جنباً إلى جنب مع الإنتاج الإبداعي وبقوة تكافئه، فالنقد هو الجسر بين النص وقارئه، ولا يجب أن يكون عقدة في طريق القارئ لكي لا يسبب ذلك عزلة النقد.
فإذا ما قارنا عدد النصوص الإبداعية المنتجة (شعر، قصة، رواية) مع النصوص النقدية نجد تراجع واضح في نسبة النقد، فنحن بحاجة إذا إلى نقاد شباب يوازون الكتاب الشباب الذين هم في تكاثر مستمر، فالناقد الشاب يكون أقرب فهماً إلى القراء المتوسطين الخبرة في القراءة، وبذلك يكون اقرب أيضا إلى روح الشارع، وهذا لا يعني أن الناقد يجب أن يكتب على هوى أو ذوق القارئ أو الكاتب، ولكنه يجب أن يضع في الحسبان بأن نقده يجب أن يقرأ من قبل القراء جميعا، وبالذات المتوسطين.
كتابات : هل يمكن اعتبار الرواية سجل المجتمعات العربية في الوقت الحالي.. يُدون فيها تاريخهم بأزماته وأحزانه ومواجعه بشيء من البراعة والدقة؟
• بالتأكيد يمكن اعتبار الرواية سجل للمجتمعات العربية وليس للوقت الحالي فقط بل لجميع الأزمان والمراحل التاريخية التي مرت على البلاد العربية، فمعظم مؤلفات نجيب محفوظ مثلاً كانت تسجل وبفنية عالية حياة المصريين في حقب مختلفة ابتداءا من العشرينات وحتى ستينيات القرن الماضي، والقارئ الفطن سوف لا تفوته تحولات الشخصيات التي كان يتناولها تبعاً لتحول الأحداث والمراحل التاريخية الدقيقة التي مرت بها البلاد..
وفي رواية “الحارس” سعيت بقصد أن أدون وأسجل فيها مفاصل مهمة ومحورية في تاريخ العراق المعاصر، من الحرب العراقية الإيرانية حتى سقوط النظام عام 2003 وما تلى ذلك من تغيير في المجتمع، من خلال عدة شخصيات توزعت على متن النص، فحتى الشخصيات الثانوية كان تأثير التاريخ عليها واضحا.
لذلك تعتبر الرواية من أجناس الأدب المهمة والتي تتضمن أنواع عدة من التضمين السردي، فمرة تصبح تأريخية ومرة واقعية تمزج الشخصيات الحقيقية مع الأحداث الخيالية، وتبعا لهذا تعددت أساليب السرد وتنوعت مثلما تنوعت المواضيع التي تتناولها الرواية.