28 نوفمبر، 2024 4:46 م
Search
Close this search box.

مع كتابات..مبارك أحمد: ستجري الدماء في شرايين الثقافة بعد ذهاب النظام البائد

مع كتابات..مبارك أحمد: ستجري الدماء في شرايين الثقافة بعد ذهاب النظام البائد

 

خاص: حاورته- سماح عادل

هو “مبارك أحمد عثمان عبد الله”، كاتب سوداني، من مواليد مدينة القضارف في السودان  في عام 1971. حصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم الاجتماعية في عام 1996 من جامعة الخرطوم. عمل موظفاً بالبنك الإسلامي السوداني ثم قِدم إلى دولة قطر بها.

صدر له رواية “جوهرتان في أكفان الموتى” وهناك روايتان تحت الطبع بعنوان “الوفاء للخلايا السرطانية، هاشم وليمة”.

إلى الحوار:

 (كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

  • منذ وقتٍ مبكر، أمسكت بالقلم لشتل الحروف في مسامات الكلمات لتنبت نصًا جميلاً، وأول أعمالي الكتابية كانت قصة بوليسية بعنوان “زحف الأبالسة ” في معارضة قصص “الشياطين الـ 13” الشهيرة آنذاك.

وتطور شغفي للكتابة في الجرائد الحائطية إبان المرحلة الجامعية، وخطّ قلمي المتواضع أول مقال سياسي عام 1992 بعنوان (التهميش التام…. لإبراهيم نايل إيدام) عندما بدأت ثورة الإنقاذ الوطني في السودان إعفاء ضباطها الإنقلابيين لتمكين جماعة الإسلام السياسي للانفراد بالسلطة فكان العميد/ إبراهيم نايل إيدام أول ضحايا الإعفاء.

(كتابات) رغم أن تخصصك في الاقتصاد إلا أنك اتجهت للكتابة.. لما؟

  • كان حلمي أن أحلّق في فضاء كلية الآداب وأحط في أغصان اللغة العربية الوارفة وفلسفتها الظليلة، بيد أن الواقع ساقني على غير هدى إلى كلية الاقتصاد، فدرست لغتها فوجدتها عصية الفهم، صعبة التراكيب، فقد كان قلبي في شغل شاغل مع سحر اللغة العربية وضروب كلامها ومنهج خيالها.

لسنوات مضت، تساءلت، فعلامَ لا يفصل عقلي بين العرض والطلب، وبين الاقتصاد الجزئي، والاقتصاد الكلي، ويفصل بين القصيد والرجز، والمسجوع والمنثور، والحِيلة والحجة. وفروق البحث والنثر؟  تذكرتُ أني كنت أنتصب بأرفف مكتبة الآداب انتصاب العود، فزهدت في الاقتصاد، ورضيت بالأدب.

(كتابات) في رواية “جوهرتان في أكفان الموتى” ما سر الاهتمام الكبير باللغة؟

  • تأثرت جدًا بأسلوب الأديب “مصطفى لطفي المنفلوطي”، و”أبي عمرو عثمان الجاحظ” فحذقت الكتابة وفنّ الخطابة، فداخلني يقين أن معظم الأعمال الأدبية الناجحة مردّها رصانة اللغة وسلاسة كلماتِهَا، وحرارة رناتها، وجزالة ألفاظها، ودِقة معانيها.

وما يدعم حجتي في ذلك، ما أشار إليه عميد الأدب العربي الدكتور”طه حسين” في شهادته حول تجربة “نجيب محفوظ” بقوله: “إن روعة قصص نجيب محفوظ تأتي من رصانة لغتها”.

بيد أن للغة الرصينة سلبياتها إذا لم يوظفها الكاتب التوظيف الأمثل، فقد عرّفت العرب اللغة الرصينة بأنها “مُطابقة الكلام لمقتضى الحال”، وإلا سيشعر القارئ أنه أمام استعراض لغوي وليس أمام حكاية حيّة.

أما اهتمامي الكبير باللغة في الرواية، هو أني جعلت الشخصية المحورية “أحمد بيلو” يجيد لغة أدبية رائعة المعاني ظاهِرها نُسك وعِبادة، وبَاطِنها رغبةٌ واشتهاء لجذب الأديبة الحسناء “سلوى المعاليك”، فتعشق براعة لغته فتجاريه بلغةٍ شاعرية كلماتها صُدودٌ ونُفور، ومعانيها دعوة وانجذاب.

(كتابات) في رواية “جوهرتان في أكفان الموتى” قصة حب لما اخترت هذا الموضوع في أول أعمالك؟

  • لأنها رواية واقعية، أحداثها وقعت أمام ناظري في جامعة الخرطوم وكنت آنذاك جزءً من البطولة، ثمّ إنها أول عمل روائي سوداني يسرد العاطفة للطالبات السودانيات بدول الخليج من حملة الشهادة العربية بالجامعات السودانية المختلطة.

فضلًا عن هذا كله، أنها تقدم موضوعا جديدا يجمع بين عاطفة متضادة تجمع بين عاطفة الطالب، الرعوي، المزارع القبلي “أحمد بيلو” الفقير الذي لا يملك شيئًا من متاع الدنيا، وبين عاطفة الطالبة الحسناء الأرستقراطية “سلوى المعاليك” التي تعيش عيش الملائكة الناعم بدولة قطر ويقصر النعت عن وصف منزلتها في المجتمع، وتنتمي لأسرة كريمة ذات ثراء، فترضى به زوجا لها بعد أن تفاجأت أن “صفاتها السبع” التي اشترطتها للزواج تامّةٌ فِي “أحمد بيلو” ولازمةٌ في طبعه، ومركبةٌ في جوهره.  فتجهر له بعشقٍ، لا يُخالطه هجر وتدون له في دفتر محاضراته:

” لن أحبك بعد اليوم سراً.. سيعلم الطُلّاب أني أعشقك جهراً”

(كتابات) هل الكتابة عن الحب جاذبة لجمهور من القراء في رأيك؟

  • ثيمة الحب واللوعة والاشتياق تزين النّص وتزكيه وتجعله جاذبًا للقراء، ويمنح للرواية حضورًا متميزًا، فالكتابة عن الحب تصل إلى ملتقى القارئ بسهولة وتوثر فيه لأنه حتمًا قد يكون مرّ بتجربة مشابهة، فلا يوجد عمل روائي أو شعري أو نثري يخلو عن الحب، فمعظم الروايات العالمية التي تعاطت الحب كانت جاذبة فخذ مثالًا رواية “الحب في زمن الكوليرا” ل”غابرييل غارسيا ماركيز”، ورواية “نجيب محفوظ” “الحب فوق هضبة الهرم”

وفي الشعر، معظم أشعار “نزار قباني” كانت عن الحب حتى لقّب بشاعر الحب ولا ننسى الشاعر “محمود درويش” في ديوانه الرائع “أحبك أو لا أحبك”.

أما عن الحب في روايتي “جوهرتان في أكفان الموتى” فإنها في الظاهر تتناول لوعة الحب ولكن بباطنها رسالة اجتماعية أخلاقية عبر بريد الحب لحثّ الشباب للزواج من النساء المطلقات، فبطل الرواية “أحمد بيلو” تزوج من زميلته المطلقة “سلوى المعاليك” فوجدها فتاة عذراء.. فعاش معها في سعادة مُسّكرة، فأكتشف أن المرء قد يجد السعادة مِن المرأةِ المُطَلَّقَةِ، وربما جلبتْ العذراء الشّقاء! وكلّ حياةٍ زوجية خلت مِن السَّعادة فهي حياة شقاء.

خلاصة المسألة، الرواية رسالة قوية للأمهات في دول الخليج عبر بريد الحب لمراعاة الشعور النبيل لبناتهنّ والسماح لهنّ للتعبير عن مشاعرهنّ إبان فترة المراهقة ولو بقدر قليل في المناسبات الاجتماعية لتجنب ما هو أخطر في الجامعات المختلطة.

(كتابات) هل لديك شغف تجاه اللغة العربية؟

  • اشتهائي للغة العربية كاشتهاء من ذاق طعم الجوع، ففي بداية فترة ولهي بالمطالعة واقتناء الكتب، وقع في يدي مقال للأديب”مصطفى صادق الرافعي” يجيب لأحد تلامذته الذي يود أن يكون كاتبا فذًا، فقال: “أصرف همك عن كتب الأدب العربي، كليلة ودمنة، والأغاني ورسائل الجاحظ، وكتاب الحيوان، والبيان والتبين. والألفاظ الكتابية للهمذاني”.

وبعد التهامي لتلك الكتب، أحسست أني شغفت باللغة العربية، وأنها أصبحت صفة من صفاتي ونعت من نعوتي.

(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في السودان؟

  • لا يسر عدو ولا صديق، ولا يرتقي إلى أحقية السودان بالمساهمة في قيادة الحركة الثقافة في الوطني العربي إذا نظر المرء إلى عمق التراث الثقافي السوداني وامتداده إلى دول الجوار في الماضي، وإثراء المكاتب العربية بالثقافة بوجود حضارة دامت لأكثر من 7000 عام، ولعل تدهور الثقافة السودانية الحالي مرده إلى ثلاث محاور رئيسية:

المحور الأول: ظلت الثقافة السودانية خلال ثلاثة عقود الماضية للنظام البائد، تتعرض لمحاولات الاحتواء السياسي وعدم احترام الفن بكافة أشكاله، فأهمل النظام دور الثقافة في إثراء الحركة الثقافية عن قصد، وكما عمد إلى عدم فتح الثقافة كبوابة يمكن من خلالها تصدير الإبداع، فأُسند إدارة وزارة الثقافة إلى فئات ليس لها علاقة بالثقافة بهدف سحق كل ما يمت للثقافة والفن بصلة، وهو مشروع الإنقاذ الثقافي الرامي إلى تحسين صورته بالدين.

المحور الثاني: إغلاق المعاهد العليا للموسيقى والمسرح وإحالة المنتديات الأدبية إلى ندوات للجهاد وتجميد الأنشطة الثقافية والغنائية بحجة إنها تمس للعقيدة السمحة، وتخدش المجتمع المسلم، فرأينا كيف تمّ تحول الأغاني العاطفية للأغاني الجهادية ومنحها حق القداسة لدب روح القتال للمجاهدين.

المحور الثالث: محاربة المثقفين من جميع الأبواب لتحجيم دورهم في نشر الوعي والتغيير فتراجعت الثقافة، وتدهور كل ما يصاحبها، وشدد النظام على معارضة الكتب الثقافية وإخضاعها للتدقيق الأمني قبل السماح لها بالنشر ومصادرة الصحف والمجلات، فضلاً عن ذلك لم تقم صالات العرض التشكيلي ولا وورش الإنماء الإبداعي كالكتابة والخط القويم والنحت ناهيك عن دعمها مالياً.

أتوقع خلال السنوات القادمة أن يدبّ النشاط في شرايين الثقافة بعد ذهاب النظام البائد، وتشجيع المبدعين للعودة إلى منصات المسارح والتمثيل الحر دون رقابة، ولكن ذلك أمل قد يطول.

(كتابات) ما رأيك في الجوائز العربية في الوقت الحالي هل تدعم الكتاب؟

  • الجوائز تختصر للكتاب الطريق، وتحفزه لتأليف مزيدًا من الروايات بعد الظفر بالجائزة، بيد أن الصدمة التي أحدثتها الرواية العالمية للرواية العربية “البوكر” بإعلانها فوز رواية “بريد الليل” للكتابة الكبيرة “هدى بركات”، أبطلت كل العجب وقوبل ذلك بالكثير من السخط والانتقاد من الأدباء والنقاد على السواء. فكانت رواية العراقية “إنعام كجه جي” “النبيذة” هي الأجدر بالفوز وكانت محقة بمقاطعة حفل توزيع الجوائز.

وتكررت تلك الصدمة سابقًا بعدم فوز أي من روايات الأديب المفكر الشاب”عماد البليك”، وروايات الأديب”أمير تاج السر” رغم أنه أكثر الروائيين حضورًا في قائمة البوكر بترشيح أربعة روايات.

وبعد تلك الأخطاء المتكررة، اتجهت الأنظار نحو جائزة كتارا باعتبارها قبلة الآمال، وملتقى الأدباء ومرشحة بقوة لتكون الجائزة العالمية الأولى في الوطن العربي خلال السنوات القلية القادمة فتقودها لجنة أمناء محايدة ومنصفة فضلاً على أن قيمتها المالية يسيل لها اللعاب.

(كتابات) لما اخترت مجال الرواية وهل كتبت قصة قصيرة؟

  • وجدت نفسي أقرب من الرواية في أي مجال آخر، وليس للمرء أن ينجح في عدة مجالات، فحتى مهنتي الحالية وهي كاتب مراسلات إرادية في دولة قطر تتعرض مكاتباتي للتصحيح والانتقاد من ذوي الاختصاص بحجة أنها ليست مكاتبات رسمية بل لغة أدبية تتوشحها عبارات من الخيال معللين بذلك أن المكاتبات الرسمية ذات الطابع الحكومي هي المراسلات الخالية من الخيال.

أما بشأن كتابة القصص القصير، فكتب أكثر من (10) قصص قصيرة في مذكراتي وضمنت (5) منها في رواية “جوهرتان في أكفان الموتى” بلسان الشخصية المحورية في الرواية “أحمد بيلو” الذي سطرها في دفتر محاضرات بطلة الرواية “سلوى المعاليك”.

 (كتابات) ما حال النشر في السودان وهل يدعم الكتاب الجدد؟

  • حال النشر في السودان مرتبط ارتباطا لا تنقطع عراه مع النظام البائد الذي درج على حظر ونشر المصنفات الأدبية التي تكشف فساده بقالب أدبي، في حين أنه يمدح المصنفات ذات الطابع الإسلامي فضاع المجهود المادي والمعنوي لبعض الكتاب ومن أبرز ضحايا النشر الأديب “عبد العزيز بركة ساكن” الذي نال النظام من سمعته ما نال معللين أن رواياته مُخلة بالأدب، وتخدش الحياء والذوق العام. ولم يجد الأديب الأسباب الموضوعية لحظر رواياته ومصادرتها بعد نشرها.

أما في مجال كتب السياسة، فمنع نشر مؤلفات الأستاذ “فتحي الضوء” وحظر دخول كتب “بيت العنكبوت” و”الخندق، أسرار دولة الفساد والاستبداد في السودان”. وحظرت أيضا رواية “الأمام الغجري” للأديب”عماد البليك” من الدخول والتداول بين الناس، ولم تسلم حتى حرية الصحافة من النشر والمصادرة بعد النشر.

من أمتلك الإمكانيات المادية من المؤلفين هرب إلى مصر فنشر مؤلفاته، ومن لا يملك ماتت رسالته في مهدها قبل أن تصل إلى الناس.

(كتابات) من أكثر من تأثرت بهم من الأدباء في الجيل الحالي؟

  • بلا شك المفكر الشاب والروائي “عماد البليك”، فلا أعلم أدبيًا أكثر نتاجًا منه، ولا أعمّ فكريًا في المعرفة ولا أديبًا جمع بين الصحافة والأدب، والنقد والتأليف كما جمع “البليك” إذا قُورن بين حداثة سنّه 48 ربيعا، وقُرب ميلاده 1972، وتتجلى عبقرية “البليك” كونه يملك حاسة قياس لغة السرد والحكي، فدوّن بصفحته بالفيسبوك أن لغة الرواية الخالدة “موسم الهجرة للشمال” لا تصلح لكتابة الرواية اليوم. لأنها تجاوزت مفهوم اللغة الشعرية، فمن يكتب ذلك إلا من يملك أدواته الكتابة؟.

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة