خاص: حاورته- سماح عادل
“كاظم اللامي” كاتب ومخرج مسرحي وسيناريست عراقي، الاسم الكامل “كاظم نعمة زايد اللامي”، مواليد العراق- العمارة- الماجدية 1968، خريج أكاديمية الفنون الجميلة قسم الإخراج المسرحي- بكالوريوس هندسة حاسبات- ماجستير هندسة حاسبات. يعمل مهندس كهرباء في وزارة النفط.
فنان مارس التمثيل والإخراج والنقد المسرحي والتلفزيوني، كتب نصوصا للمسرح وسيناريوهات لأفلام قصيرة، قاص وشاعر كتب في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية.
كان لي معه هذا الحوار الشيق:
* أنت متعدد في مجالات الإبداع ما بين كتابة الشعر والقصة والعمل المسرحي وكتابة السيناريو. ما سر ذلك التعدد؟
– في البدء أحيي الست سماح لقيامها بإجراء هذا اللقاء الممتع الذي تضمن أسئلة مغايرة وغير تقليدية عكست تجربتها الثقافية المحترمة.
أحيانا موهبة المبدع تفردا في جنس أدبي أو فني معين هي من تفرض سلطتها على المبدع في تبني خط شروعه الإبداعي وانطلاقاته الجمالية. وهذه الموهبة تُكتشف بالصدفة وبلا تخطيط ذاتي، وقد يكتشفها شخص آخر وأيضا بالصدفة لكنها تمثل الشرارة الأولى في تعدد المواهب والتي تتوسع وتتعمق كالنار في الهشيم باتجاه الأجناس القريبة الأخرى.
وهي ليست فوضى وتشتت كما يراها البعض بل تشظٍ إبداعي زاخر لحقيقة جوهر الفنان أو الأديب. فالإبداع الفني والأدبي جماليا هو حادثة حريق كونية تلقف كل ما يمكن أن تطاله في جوانيات الإنسان باتجاه صيرورة جمالية رائدة أخرى، بإعادة صياغة الحقيقة الخارجية داخل المعالجات الروحية وإنتاج تجربة مغايرة. حيث انطلقتُ من خصيصة طفولية كانت حيثياتها تشاكسنا عندما كنا نقف أمام التلفاز وشاشته الفضية المطفأة لنقوم بحركات فوضوية بكلمات اختمرت في وعينا الجمعي، لممثلين في أعمال درامية مهمة فنزداد رغبة في التماهي مع هذا الحراك عندما نشاهد وجوهنا منطبعة على الشاشة.
وبالتالي حصول عملية تثوير جمالي حرك الراكد من حياتنا باتجاه المطالعة والمشاهدة، لنكتشف عوالم أخرى من الجمال في القصة التي هي سرد وحوارات قريبة من التمثيل، لتتطور الحالة لدينا باتجاه الدراسة الأكاديمية الفنية، وتعرفنا على أجناس أخرى من الفن بمعية الأجناس الأدبية التي طالعناها سابقا. لتتشكل بقوة ميدانية كبيرة بتعاضد ثري من الأنساق الجمالية، كالتأليف المسرحي يشاكس التمثيل والتمثيل يحرض الإخراج، والإخراج يتشظى ليلاقح السيناريو، وجميع ما مر سيكون في خدمة الشعر بتواشج منتظم لا فوضى تعتريه.
لكن لكل من هذه الأجناس الإبداعية المختلفة حجمها ومساحتها واحترافيتها وركائزها في ذواتنا تختلف من مبدع لآخر، وفي العموم تعدد المواهب يعتبر مزيج من الشغف والموهبة والفضول والرغبة لتحقيق الذات، وتعزيز فرص التواجد في الساحة التي يجتهد الإنسان في لمعانها وكمالها والتعبير من خلالها عن الأفكار والمشاعر بأشكال وصيغ متجددة ومختلفة. وبشكل عام تواجد الاستمتاع الذاتي المتحصل من كل هذا الحراك الإبداعي يقف بقوة بين هذه الأسباب الداعية لتعدد الأجناس الإبداعية المتبناة.
* تدير فرقة “سبوت لايت” للبانتومايم حدثنا عن نشأة الفرقة ونشاطها؟
– تم تأسيس فرقة “سبوت لايت” في سنة 2010 وهي فرقة مسرحية لتقديم العروض التعبيرية الصامتة التي تعتمد على التعبير الجسدي والحركة، لتقديم فنا فريدا مبتكرا يتحدى التقاليد المسرحية التقليدية كمسرحية (قيامة القيامة والشطر الآخر وأين أنت؟) وغيرها، وبتجارب أخرى صامتة تعتمد على الحوار كمسرحية (نجوم هوت والنهام وأحلام رجل مر) وغيرها.
أيضا حيث استثمرت الموروث الإبداعي لأساتذتنا الكبار الراحلين. وكان السبب في تأسيس الفرقة إضافة إلى شغفي وحبي للمسرح الصامت ارتأيت استقطاب الفتيان والفتيات بتجربة فريدة وناضجة وبأعمار بين العاشرة والثامنة عشر، من الذين يعانون التشرد والضياع والتسرب خارج أسوار المدارس أو الذين يعانون من جانب فني من الذين لا يملكون صوتا لأداء التمثيل الصامت.
فعملت توليفة بين كل هؤلاء الفتية لتحقيق وتقديم عروضا شكلت في حينها انتقاله إبداعية وصفها أحد النقاد المهمين الأستاذ “علي العقابي” بأنها عروض مهمة في سياق ما بعد الحداثة منذ سنة 2000، والتي غيرت الكثير من مسارات الفتيان بالاتجاه التربوي والعلمي فأكثرهم توزعوا ما بين كليات علمية محترمة وآخرون في معاهد وكليات تعنى بالفنون والآداب، مع نجاحات متعددة في المهرجانات وتسابقوا على حصد الجوائز المهمة.
وهي تجارب ومثابات إبداعية تزيدني فخرا بأني حركت حجرا من مكان إلى مكان آخر، قدمت من خلاله حالة مغايرة للسائد العام، بإنتاج عناصر مجتمعية مهمة تبني الوطن من خلال فكر سليم وعقل معافى وسلوك أخلاقي محترم.
* تشارك في مركز “فوبوس وديموس” لثنائية العرض المسرحي/ أمريكا حدثنا عنه؟
– بداية مركز “فوبوس وديموس” لثنائية العرض والذي مقره أمريكا، نيويورك هو ثمرة أفكار الكاتب والمخرج العراقي “ميثم السعدي” حيث يرتكز ابتكاره هذا على ثنائية جغرافية للمسرح مع ثنائية شخصية ولغوية أخرى، بفضاءات متعددة بمعية العناصر المسرحية المختلفة كالنص والسينوغرافيا والممثل، نزولا عند حقيقة وجود كوني معروف ومتداول هو قمرا المريخ “فوبوس وديموس”، اللذان يعيشان التناوب في الظهور بتواطئ معين مع حقيقة الثنائيات العديدة التي نعيشها في حياتنا اليومية.
فأخذت على عاتقي الترويج والتقديم النقدي للابتكار بتحليل مفاصله وحيثياته ومنتجاته الفكرية، مع نقد فني للمسرحيات المقدمة في تطبيق المشروع في الدول العربية كمهرجانات وورش فنية كالجزائر وفلسطين والعراق. وبزعمي هي تجربة رائدة ومحترمة أبدع المبتكر السعدي في تقديمها.
* هل المسرح العراقي يعاني من مشكلات في الوقت الحالي وما هي؟
– قياسا بالسابق يعاني المسرح العراقي كثيرا في عدة جوانب تمثل عصب الحياة والوجود للعرض المسرحي، انطلاقا من ضعف التمويل وأحيانا انعدامه وهو ما يقوض التجارب لتكون محدودة وعلى نطاق شخصي فردي، يفتقر لكثير من المفصليات المهمة في صيرورة العرض كعرض ينافس ما يقدم في الدول العربية على أقل تقدير، أو بأسوأ الحالات عرض يحرض المتلقي لقطع المسافات لحضوره مما يشكل حالة من العزوف للعديد من المبدعين، فضلا عن تقديم عروض غير محترفة تشكل تراجعا جماليا، لا تنتمي لما قدم سابقا على أيدي أساتذتنا ومن زرع فينا الحب والجمال ولو بدرجاته الدنيا.
كما لا نغفل عن البنية التحتية للمسارح كبيئة عرض حيث تتواجد مسارح التربيات النافقة الخالية من كل مقومات العناصر الجمالية، وأهمها المنظومة الموسيقية والإضاءة مع مقاعد متهالكة لا تسر عدوا ولا حبيب، مع اشتراطات مسئوليها الحكوميين والتي تقود إلى المحسوبية والمجاملات في التعاطي مع هذا المخرج أو ذاك، بطريقة الاخوانيات التي ما أفرزت طيلة وجودها جيلا مسرحيا مبدعا متطورا.
وفي فترات معينة كان للواقع الأمني تأثيرا سلبيا لتحجيم نشاطات المبدعين وبالتالي قطيعة واضحة بين المتلقي والمسرح وبين الفنان والحقيقة الإبداعية، والحمد لله تحسنت الظروف الأمنية في أيامنا الحالية دون تطور مسرحنا لافتقار المؤسسات الفنية في الإدارة الناجحة، ومنح الجميع على قدر المساواة الفرص المناسبة لترجمة إبداعهم.
كذلك على المستوى الأكاديمي ما زالت مناهج التدريس قاصرة عن خلق واقع مسرحي متطور وجيل وثاب يعشق المسرح فأكثر طلبتنا يأتون بلا اختبارات حقيقية قبل الدخول في هذه الجامعات والمعاهد وطرق تدريسية كلاسيكية متواضعة، لينتهي بهم المطاف مدرسين لمادة الفنية المحتجبة عن الظهور في مدارسنا الابتدائية والثانوية، مع واقع يعكس حقيقة هذا التدريسي بعيدا عن جماليات الفن وأطروحاته ويكون تركيزه على راتب شهري يرمم به شروخ حياته الاجتماعية المتواضعة.
لكن مع هذا الكم من المشاكل وغيرها يبقى المسرح العراقي، بتجارب رواده وعشاقه والمؤمنين بجدواه، حاضرا متواجدا كمسرح عربي يقتفي أثره الكثير من أشقائنا بتجاربهم المميزة كمنظرين أو مؤلفين أو مخرجين.
* قمت بكتابة نصوص لمسرح الطفل، لماذا وهل الكتابة للأطفال صعبة؟
– أجد نفسي وعلى الدوام غارقا في بحر النوستالجيا باتجاه الطفولة واللحظات الحميمية التي عشناها بهذه الأعمار الصغيرة، حيث البراءة الملونة بالضحك والمتعة وعدم المسؤولية الخانقة التي لازمتنا ونحن كبار، لذلك دائما ما الجأ لذكرياتي الطفولية الجميلة مع كل أزمة أو ملل أو تعب أو ضيق، وبالتالي أجد القلم الواعي يتحرك داخلي لأكتب لي، لطفولتي، لما اختزنته ذاكرتي من قصص وحكايا، لرغبة ملحة في العودة صبيا مشاكسا يحب اللعب والحركة بحثا عن الجمال المختبئ خلف ظلال من نعاينهم كل يوم في مسيرة حياتنا، من أطفالنا وأطفال الجيران والذاهبين صباحا باتجاه مدراسهم.
لكن الكتابة والتمثيل والإخراج للطفل فيها من الصعوبة ما فيها فتحتاج هنا إلى لغة خاصة قريبة من مراحلهم السنية فضلا عن التوجيه التربوي المبني على فرضيات الكمال والمثالية الأخلاقية، وفهم كبير لعقول الأطفال وقدرتهم على التعاطي بمتعة وأُنس مع القصص والمفاهيم المتضمنة في جوانب تلك القصص، مع لغة سهلة بعيدة عن الاستغراق في المصطلحات بمباشرة محدودة لمد جسور حبية ناعمة بين العرض وكادره والمشاهدين، كأطفال بقصة مثيرة لها بيئتها في المخزون العقلي والفكري والسلوكي للطفل.
ومن وجهة نظري الفنية مراعاة مشاركة الأطفال حصرا في التمثيل لردم الهوة المتمثلة بوجود الكبار كمؤدين مع المتلقي الطفل، مع ملاحظة وجود حالة عامة نشاهدها في أغلب المهرجانات في العراق أن الممثلين هم من الكبار والمتلقين من الكبار ومن المسئولين، وأن مسرح الطفل لا تواجد له بشكل عفوي، بعروض خارج نطاق المهرجانات وهذا ما يسبب بفجوة بين الواقع والطموح وانغلاق الأجيال العاشقة للمسرح، إلا من خلال توظيف الطفل من خلال مدرسته بلحاظ مكافئته بدرجات عالية في دروسه الأخرى.
والحقيقة قدمت الكثير من الأعمال فيما يخص مسرح الطفل توزعت ما بين التمثيل والتأليف والإخراج لكن المعيب فيها أنها عروض مهرجانات لوزارتي التربية والشباب والرياضة، إلا المصور الفاشل كانت بعروض مستمرة وببطاقات دخول وهي حالة تثير الشجن والوجع، فلا مسارح للأطفال ولا فرص تفتح لهم الآفاق للتواجد بقوة في عملية بث المتعة والجمال للمواطن بمختلف أعماره.
* كتبت مسرحيات تم تنفيذها في دول خارج العراق لما لم تقم بتنفيذها داخل العراق؟
– بالحقيقة تنفيذ بعض أعمالي بتجارب محدودة في الوطن العربي هو ليس ناتج حتمي عن عدم تقديمها في العراق، بالعكس فما اشتغله الإخوة العرب لي من نصوص هو انعكاس لنجاحها بتقديمها على المسارح العراقية ك “قيامة القيامة والوطن الذي فقد ظله ويوم قيامة آخر” وغيرها. فأعمالي كثيرا ما تقدم على مسارح العراق وبمهرجانات مهمة.
لكن تجربة العمل مع الإخوة العرب له خصوصيته، حيث يمثل انفتاح جمالي يهتم الجميع بتواجده في سيرة حياتهم الفنية، لما له من فرص التلاقح الفكري والدعاية بشكل أوسع وأعم وأجمل وهي فرصة لاطلاعنا على طرق الإبداع المسرحي الإخراجي، وطبيعة التلقي لدى أشقاءنا العرب.
ولابد لنا من ذكر حقيقة مهمة تلخص كل حراكنا التأليفي المسرحي، مفادها أننا لا نعطي أعمالنا لكل راغب بإنتاجه إن لم يكن على درجة مميزة من الإبداع، لاعتبارات تجارب تاريخية عشناها مع البعض، منهم بتواضع أدواتهم المسرحية عند التعاطي مع نصوصنا، وبالتالي تشويه حقيقي لما نكتب وهو يمثل كما تعرفون جهد أيام وبعض النصوص جهد سنين من التفكير، ومحاولة القبض على فكرة بشخصيات جدلية تتناول حيثيات صراعها واقعا نعيشه، واقعا مجنونا تمثل بخلاط كبير لشجون وشؤون حيواتنا بمختلف مسمياتها.
كما يجب أن أنوه بما يخص التفكير وحصره بشأن ما أكتبه في أن يقدم على الخشبة بما لابد منه. لا هذا بعيد عن تفكيري رغم أن النص المسرحي أصل كتابته الرغبة لتقديمه على خشبات المسرح، أنا لا أفكر بهذا الاتجاه فأساس ما أنتجه هو غصة كبيرة في جوانيات روحي أحاول لفظها على شكل مسرحية أو قصيدة أو سيناريو، لا أن أكون مقننا بالكتابة بما يملى علي، لذلك نصوصي هي ذاتي، هي أنا وكل ما فيها يعبر عما أؤمن به.
* ما بين الكتابة للمسرح والتمثيل والإخراج في أيهم تشعر بتحقق ذاتك أكثر؟
– الإجابة على هذا السؤال يعتمد بشكل كبير على الشخص واهتماماته ومهاراته الفردية، لذلك أجد الإخراج المسرحي هو عالمي الحقيقي بمعية الشعر. تصوري أنا حتى في الكتابة للمسرح أكتب بهوية المخرج بوضع تفاصيل التفاصيل داخل النص، لإعطاء مساحة كبيرة من الخيال للمخرج الذي يتبنى النص، وكذلك لأني وفي كثير من التجارب أكتب لكي أخرج.
الإخراج بمفهومي الجمالي تمرد لصناعة واقع آخر من نسج خيالي، أضع نفسي فيه بأي منطقة أؤمن بها، وأعيش الحياة الافتراضية المكتوبة في النص بطريقتي الخاصة، وفقا لأدواتي الإبداعية التي امتلكها، حيث أجد هنا حرية مطلقة أمارسها بوعي لإنتاج وعي آخر لا أفرضه على المتلقي، إنما للتفكير فيه وتبني ما يناسبه منه، لاعتبارات جدلية اضمنها في تفاصيل العرض.
لذلك أجد نفسي عند مثابات الإخراج والشعر، لما لهما حقيقة ساطعة في أناة كاظم اللامي وخبايا روحه، التي عانت ويل عذابات كبيرة وعديدة منذ أن لفظه رحم أمه خارج أسوار الطمأنينة.
* الجوائز والتكريمات التي حصلت عليها هل ترضيك أم تشعر أنك تستحق أكثر؟
– الشعور بالرضا أو الاستحقاق هو شخصي، ويعتمد على الأهداف والغايات والأسباب في تحولاتها، بتطلعات ومرامي لذا أجد أن الجوائز هي تحصيل حاصل، ولا يهمني إن كنت مستحقا لها أو مظلوما فيها، المهم أني أترجم ما أؤمن به من أفكار وثقافة وحقيقة إنسانية راسخة، اعتملت جوانياتي لأن مكوثها هناك في أقاصي روحي يؤرقني ويقلقني ولا يمنحني الراحة أبدا، فوجب التخلص منها بطريقة جمالية، أحاول بمشاركتها الآخر لترتيب أوراق تلاقينا النفسي والروحي والثقافي.
هذا الآخر الذي اعتبره الجنّة لا كما وصفه سارتر “الأخر هو الجحيم”، رغم أن البعض يجتهد كثيرا للحصول على هذه الجوائز، ولو بطريقة بائسة، إلا النهاية موت أحاسيسه وتلاشي إبداعه وانهيار منظومته الأخلاقية. لنترك كل شيء يسعى إلينا بنفسه أن كان نجاحا نحن صانعيه أو جوائزا لهذا النجاح.
* كتبت سيناريوهات لأفلام قصيرة أنتجت محليا هل كانت هناك صعوبات في صناعة تلك الأفلام؟
– أكثر ما يخيفني في كتابة السيناريو هو المخرج المتواضع الأدوات، والخيال البصري والصوري وتركيباته المختلفة، وخاصة لمن أخوض معهم تجربة حديثة، لأنه سيساوي بالأرض كل مثابة كتبها السيناريست لتبعث القوة والحبكة الرصينة المناسبة في مديات السيناريو، والسبب بحجة باهتة الوقت والميزانية والتقنية. لذا يُقدم العمل بطريقة شبه ساذجة لا جودة فيها. وفي رأيي من لا يمتلك مقومات السينما كميزانية وتقنيات وأدوات، عليه أن يلزم بيته ويكتفي بمشاهدة العروض الإبداعية للآخرين.
كذلك من المشاكل والمعوقات التي تعترض العمل السينمائي بشكل عام هو مواقع التصوير، أتعارض بها مع المخرج، والتي دائما ما تكون لدي فانتازية لمزيج جمالي بين الواقع والخيال، من منطلق نظرية الواقعية السحرية التي بها فقط ممكن لنا تقديم فيلم حداثوي ممتع، يحمل سمات الفيلم الجيد والخالد، وهذا ما لايوفق معه أكثر المخرجين الذين نتعامل معهم وبالتالي تقويض وتحجيم لما نؤمن به من جماليات.
ومن المشاكل الأخرى المعترضة لجميع مشتغلي الأعمال السينمائية القصيرة هي صعوبة اكتشاف الموهوبين من الممثلين، لاعتبارات الأجور العالية للمحترفين، وبالتالي معاناة حقيقة في التدريب والتطوير والتأهيل مما يتطلب ذلك وقتا قد يطول.
بشكل عام هناك متعة كبيرة في العمل السينمائي لا يعرف حقيقتها إلا من زُج عاملا فيها بمختلف عناوين مقدمتها بشكل فاعل. ومن اكتنز الوعي والجدوى لن يعير أهمية للمشاكل والمعوقات التي تعترض طريقه، بل سيجد المتعة والراحة لأن وقع عبارة فيلم وقعها كبير لدى الآخرين ضخامة وإبداعا.
* المشاركة في المهرجانات سواء بالتمثيل أو في لجنة التحكيم احكي لنا عنها؟
– رغم انشغالي المستمر على مدار السنة لاعتبارات وظيفية هامة تمثلت بموقعي كمهندس في وزارة النفط وعظم مسؤوليات هذه الوظيفة من عمل إنتاجي نفطي يأخذ من جرف صحتنا ووقتنا الكثير، إلا أني أتقبل دعوات المشاركة في المهرجانات المسرحية بين وقت لأخر قد يطول وقد يقصر، لكنها تبقى مشاركات مهمة أساسها الجدية والعدالة، بما يخص التحكيم والنقد لاعتبارات ثقافية وأخلاقية وبيئية وتربوية وعلمية، عشتها طالبا وأستاذا، رغم أن هناك مزاجية معينة لدى البعض في عدم تقبل ما نؤمن به اتجاه أعمالهم.
فقد تجد من يقاطعك أو يتجنى عليك لأنك تعاملت بمهنية مع أحد عروضه. ويبقى لهذه الكرنفالات والمهرجانات فرصة طيبة للمعني بها للتطور والتلاقح والاستشراف على عوالم إبداعية مهمة، ضمن خانة المشاهدة المستمرة التي أراها عاملا مهما يدعم ما يمتلكه المشارك إن كان حكما أو ناقدا أو ممثلا.
* مع كل الزخم في مجالات الإبداع كيف يكون الشعر ملجأ بالنسبة لك؟
– شكرا لهذا السؤال الذكي الذي يحمل جوابه بين ثناياه، فجميع ما نكتبه من أجناس إبداعية أخرى غير الشعر ربما أبطالها ذوات غيرنا، إلا الشعر لدي فهو محض تجربة ذاتية تفجرت ينابيعها من أناتي ومثابات روحية عمرت طويلا في قلبي.
الشعر لدي طاقة متفجرة لا يمكن احتواؤها وهروب حقيقي من الرتابة والتكرار في الحياة، برفع اللغة إلى مستوى حالم يمكن أن ينقل الطبيعة الدقيقة للتجربة الشخصية بمقامات ظلية لواقع شفاف، لا يجيد التعامل معه إلا من سكنته التفاصيل المنتقاة بلغة خاصة وتعابير مدهشة ومخيال واثق من التحليق، وليس انفعال مأسور بصوت الآخرين ولغتهم.
رغم أني لم أجاهر بإقامتي الدائمة في منطقة الشعر وأساليبه، إلا أنه يبقى تجربة إنسانية مهمة نعيشها من أجل ارتقاء سلم مصنوع من قبل العاشقين المحرومين المناضلين باتجاه النجوم لمعانقتها ومداعبة ضياءها، بعيون من لازورد تعمق الآهات لحظة تلاقي حجرين، وإعلان شرارة ثقافة التلاقي الشفافة بحروف مقتطفة من أقاصي مشاعرنا الناعمة.
الشعر والقصيدة في حقيقتها هي من يطاردك لاستفزاز مواطن جمالك للتشظي، أما الأجناس الأخرى فأنت من يطاردها كالقصة مثلا لبث الحياة في قصص الآخرين ومحاولة لملمة تفصيلاتها، ببحث يحتاج منك مطاردة مستمرة . القصيدة في النهاية كابوس حقيقي تعيشه تتقلب فوق جمره وهي من تضع الكمائن لاصطيادك لذلك أعشقها.
(الرب طفل يتيم)
ذات صغر
كان لي رباً
لا يشبه أربابكم
رب بسيط
بسيط جدا
رب نحبه ويحبنا
كان يلعب
يرقص
يغني معنا
“يا شميسة يا شميسة”
يجري
فنجري خلفه في الحقول ضاحكين
تحت شمس هو صانعها
يسبقنا
نناديه بتعب
ربنا
تمهل
يبطئ من سرعته
يتركنا نسبقه
فنصل بصحبته
عند خط النهاية متعانقين
من كان له رب كربي
فليرفع قامته
* هل واجهتك صعوبات في نشر أعمالك في كتب ورقية؟
حقيقة لا توجد مشاكل حقيقية تمنع من ذلك بسبب تعدد دور النشر والتوزيع في الوطن العربي، لما للحداثة وعملية التطور العلمي الهائلة بهذا الخصوص أثرا مهما، في تجاوز سلبيات ما مضى من مشاكل في طباعة نتاج المبدعين. لذا كان من اليسر التعاطي بنجاح كبير مع هذه الدور لجودة ما تقدم من ورق مميز وطريقة إخراج رائعة وأغلفة مناسبة.
لكن المشاكل بصريح العبارة هي مشاكل إجرائية كالموعد الصادق وطريقة التوصيل وعدد النسخ والمصداقية في مشاركة المطبوعات في المهرجانات المهمة. والحمد لله آخر مطبوعين لي من دار الرياض للتوزيع والنشر مجموعة مسرحية بعنوان (النهام) وقصائد نثرية (رقصات بلون الهور) ومن دار الحضارة العربية للتوزيع والنشر مجموعة قصصية بعنوان (آيبولا).