خاص: حاورته- سماح عادل
“كاظم الشويلي” قاص وروائي وناقد، ولد في بغداد 1968، له تجارب في النقد والقصة والرواية، باشر في مشاريع ثقافية وكان أخرها مشروع الورشة الثقافية كبرنامج تلفزيوني الذي وجد إقبالا كبيرا من الوسط الثقافي والأدبي، وهو عضو اتحاد الأدباء العراقيين، عضو نقابة الصحفيين العراقيين، محرر “رؤى ثقافية” وعمود “أوراق ثقافية”، عمل معد ومقدم في برنامج الورشة من على قناة الغدير، مؤسس مجموعة الورشة الثقافية على صفحة الفيسبوك.
صدر له: الزيلفون، مجموعة قصص قصيرة،2015، ومواسم الثلج والنار، رواية. نشر موضوعاته الأدبية في الصحف والمجلات العراقية المعارضة الصادرة خارج العراق وذلك لغاية 2003، عمل في إعداد وتقديم وإخراج بعض البرامج التلفزيونية بعد عام 2003. كتب عدد كبير من القصص القصيرة والمقالات النقدية وقصص الأطفال. ومهتم بالمساهمة بإقامة الكثير من المهرجانات والأصبوحات الأدبية والثقافية الخاصة بمؤسسة الورشة الثقافية.
إلى الحوار:
“كتابات” متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
* في البداية كان شغفي بالقراءة ومتابعة الروايات العالمية ولم يتجاوز عمري حينها الرابعة عشرة، قرأت ل”دستوفسكي” و”تولستوي” و”مكسيم غوركي”، و”شكسبير”، وكم كان شغفي عظيما بمطالعتي لرواية “الحارس في حقل الشوفان” لمؤلفها “جيروم ديفيد سالينجر”، أحببت هذه الرواية الأمريكية العظيمة كثيرا، هذه الرواية هي التي جعلتني أعشق فن الرواية، و”سالينجر” على ما أعتقد الروائي الأعظم الذي دفعني لتجربة كتابة الرواية.
قرأت الكثير من الكتب ثم بدأ شغفي بالكتابة حيث نضجت في ذهني رواية، سارعت إلى كتابتها مقلدا ما قرأت من كتابات للكبار، وسرعان ما وضعتها في التنور وصببت عليها الزيت لأنها لم تكن الرواية التي أريدها. أعتقد هذه الحادثة جعلتني أكثر إصرارا وتحدي للكتابة، ولم أحتفل بحلم طباعة روايتي إلا بعد مرور أكثر من 33 سنة، يالله وقت طويل جدا.
“كتابات” تكتب الرواية والقصة القصيرة والمقالات النقدية.. علام يكشف هذا التنوع ؟
* قبل ذلك وفي بداية شغفي بالمطالعة كتبت الشعر، ربما نظمت عشرات القصائد في مختلف الموضوعات الاجتماعية والرومانسية، لكن بعد أن اكتشفت إخفاقي وفشلي في نظم الشعر وعدم سيطرتي على الأوزان ابتعدت عن هذه المملكة العصية على اقتحام الفضوليين لها. ثم اتجهت لكتابة المسرحية بعد أن وجدت الأرضية جاهزة لتمثيل النصوص التي أكتبها، فكتبت ومثلت الكثير من مسرحياتي. ولم يكن صعبا الدخول إلى عالم المسرح، غالبا ما تكون الكتابة المسرحية أسهل بكثير من كتابة الرواية. ثم اتجهت بعفوية إلى تعلم فن القصة القصيرة، يبدو أن هذا التنوع التجريبي لبعض الأجناس الأدبية يكشف لي عن مدى انسجامي وقدرتي على خوض غمار التجربة مع فن القصة القصيرة التي درست وتعلمت أركانها وعناصرها.
وبعد سنوات طويلة جدا انتقلت إلى الرواية – التي أحب الخوض في تجاربها- ولاحظت أن سبب انتقالي لها هي نتيجة وحصيلة الاشتغال بالقصة القصيرة، أما تواجدي في عالم المقالة وعالم النقد فهي ممارسة قديمة التجأ لها في بعض الأوقات لأسباب مختلفة. ما يسعدني كثيرا هو أنني اهتم بعالم النقد واعتبره من أحب الأجناس الأدبية لي وأقربها بعد فن الرواية، وما اجتماع هذا الأجناس الأدبية في كتاباتي إلا لأنني استأنست الخوض في عوالهما.
“كتابات” في رواية “مواسم الثلج والنار” حكيت عن حرب العراق وإيران في الثمانينات ومآسيها هل هي تجربة مررت بها في حياتك؟
* نعم فعلا إنها تجربة شخصية واقعية مريرة، مررت بها وأنا لا أتجاوز أكثر من 18 سنة، ودخلنا إلى الموت والدمار والرعب والقذائف، شاهدت مشاهد مجازر بشرية مرعبة. مازال عندي الاعتقاد الراسخ أن تأريخ الحرب العراقية الإيرانية لم يكتب ولم يدون بإنصاف، وإنما كتب بأصابع حكومية، وكنت أدون مشاهداتي بمفكرة صغيرة واحتفظ بها من أجل أن أعيد صياغتها في يوم ما، لقد كانت للحرب رهبة وأزيز الرصاص مخيف جدا، وأصوات القذائف تكاد أن تقلع القلب من مكانها.
“كتابات” في رواية “مواسم الثلج والنار” هل تعمدت الكتابة بسخرية وبلغة لاذعة وإضافة قصة حب للتخفيف من وطأة الأحداث المأساوية؟
* الناس لا تحب سماع أخبار الحرب والموت والدمار والدماء، إن أغلب الناس تهتم لسماع قصص الحب والرومانسية، وما يسلب وجدانهم ويسحر قلوبهم، لهذا وإن قد أقدمت على توثيق وأرشفة صفحات من التاريخ العراقي المغمس بالحرب والدماء واللوعة و… خشيت أن يمل القارئ من أحداث القصة، لهذا لجأت إلى إضافة قصة حقيقية رومانسية وبطلتها المهندسة “وداد” إلى القصة الأولى، وبهذه الطريقة ممكن إضفاء عنصر التشويق على النص من خلال مزج القصتين، هذا ما اعتقدته.
“كتابات” في رواية “مواسم الثلج والنار” هل نلمح تعاطف ما مع الجيش الإيراني أو على الأقل إنصاف له؟
* أنا عشت ونقلت الحقائق إلى روايتي وقد جنبتها أي حوادث مزيفة، كتبت ما شاهدته خلال فترة انتقالي من العراق إلى إيران، وقد كشفت حوادث مزيفة كثيرة، كنا نتصورها أنها حوادث حقيقية، نقلت ما شاهدته بصدق ولم أضف من خيالي إلا القليل وما فرضته التقنية السردية، حاولت تدوين وأرشفة سلوك الشخوص سلبا أو إيجابا، دون الانحياز إلى طرف ما، إنه الصدق والأمانة التاريخية التي يجب أن يلتزم بها الروائي.
“كتابات” في رأيك هل الرواية العراقية في معظمها تؤرخ للعراق في العصر الحديث بحروبه وصراعاته؟
* يبدو أن هذا الأمر عائد لكون العراق بلد صراعات قديمة جدا منذ هبوط آدم وصراع هابيل وقابيل، ولازال البلد غير مستقر إلا في حالات مؤقتة، يبدو أن أغلب الروائيين يتجهون إلى توثيق وأرشفة التاريخ العراقي، بلد الألف أزمة وأزمة، إن الدول العظمى لا تترك العراق بحاله و ذلك لكثرة خيراته وموارده وقدراته، إن هذه القوى الكبرى مثل أمريكا وربيبتها إسرائيل دائما تصنع الأزمات وتصدرها إلى العراق، وتحاول أن تشعل الشرق الأوسط بالصراعات والنزاعات ومنها بلدنا العراق بالطبع.
لهذا فإن الكاتب و الروائي العراقي باعتباره يعيش على أرض العراق وبين أجواء وطقوس العراق ومدن وتقاليد وحوادث العراق لهذا نجد أنه محاط بذاكرة كلها دمار و خراب، ولا يقدر الكاتب صاحب الضمير الحي أن يفلت من تجاهل الواقع المأساوي العراقي، حتى وإن غادر العراق لأسباب قاهرة تبقى روحه ساكنه العراق.
“كتابات” هل اختلف حال الثقافة في العراق في العقود الأخيرة؟
* بالطبع إن الوضع العراقي أو الثقافة العراقية تغيرت كثيرا عن السنوات الماضية، وخصوصا عندما نزلت التقنية الحديثة في وقتنا الحاضر، فقد انتشرت المجلات والصحف والمواقع التثقيفية بكثرة ولافتة للنظر ، وأصبحت مفيدة للغاية وفي شتى المعارف والرؤى والعلوم والثقافات التي يحتاجها الإنسان بشكل عام.
لقد أصبح بإمكان أي شخص أن ينشر ما يريده بواسطة موقعه وحسابه على الانترنت وفي أي وقت، أما في الفترة الماضية كانت الحكومة تحاصر الكتاب والناشرين وتصدر فقط جريدة أو جرائد معدودة، أقل من أصابع اليد الواحدة، وكل هذه الجرائد وبالرغم من أنها حكومية، عليها رقابة شديدة ولا يسمح لها بالنشر الحر، بالإضافة إلى ذلك كانت كلها تمجد القائد وبطولاته المزيفة.
“كتابات” ما رأيك في حال النقد العراقي وهل يواكب التطور في الرواية؟
* تألق النقد العراقي كثيرا في السنوات الماضية، وقد أثبت النقاد العراقيين قدرتهم على متابعة الساحة الثقافية والإصدارات الروائية إلى حد ما، لكن لكثرة الروايات الصادرة أعتقد أن النقد لم يواكب تطور الرواية100% خلال السنوات الأخيرة بسبب قلة عدد النقاد وكثرة عدد الروائيين، ونحن نعلم أن الرواية تحتاج إلى دراسات معمقة من أجل أن تستخلص النقاط المضيئة ونقاط الخلل، أعتقد أنه يصعب على الناقد الإحاطة بكل الروايات التي صدرت في الفترة الأخيرة.
“كتابات” حدثنا عن “الورشة الثقافية” متى بدأت وما هي أنشطتها؟
* لقد تأسست الورشة الثقافية في 4/4/2007 وذلك بعد الاتفاق مع صديقي الروائي المبدع “هيثم الشويلي” وكانت باكورة أعمالنا أن قدمنا برنامج تلفزيوني لصالح فضائية الغدير وفضائية المسار، كان البرنامج يحمل أيضا اسم الورشة الثقافية، وقد تعددت فقرات البرنامج التلفزيوني إلى: حوار مع مبدع، وقراءة في كتاب، وقراءة تشكيلية، ومسرحيون، وفقرة المختبر السردي وهي عملية تحويل القصة القصيرة إلى دراما تلفزيونية، وقد تطور عملنا و قمنا بإنشاء مجموعة تواصل اجتماعي علي “الفيسبوك”، حيث انضم إلى الورشة الثقافية أكثر من 65 ألف عضو.
و استطعنا بعد ذلك نقل عملنا من التلفزيون ومن “الفيسبوك” إلى أرض الواقع، وذلك من خلال إقامتنا لندوات كثيرة جدا في المركز الثقافي البغدادي، وتقديم مئات الشعراء على منبرها، إلى أن تحول اهتمام الورشة بفن الرواية، وكل ما يتعلق بشأنها. وأثناء مسيرتنا تلك استطعنا أن نقيم مجموعة من المهرجانات الشعرية والسردية والأدبية المختلفة. وكذلك أصدرنا مجموعة من الصحف منها جريدة “السياسة الآن” وجريدة “الورشة الثقافية” وجريدة “السياب” وأخر الجرائد التي عملنا عليها جريدة “روائيون” المتخصصة بالشأن الروائي.
مازال عمل الورشة مستمرا بقوة ونشاط مميز وذلك من خلال أعضاء نشطين أمثال الروائية المبدعة “فاطمة خضور” وإدارتها المميزة لموقع الورشة الثقافية، حيث تعمل بصورة مستمرة على تألق صرح الورشة الثقافية، وصناعتها لبرنامج روائيون من خلال حواراتها مع كثير من الروائيون العراقيين والعرب، وكذلك نحن نقوم بشكل مستمر باستضافة روائيين وقصصيين ونقاد يتحدثون عن محاور السرد و عناصر الرواية وكل ما يتعلق بالشأن الروائي.
“كتابات” في رأيك هل تلقى الرواية العراقية رواجا في البلدان العربية.. ولما؟
* الرواية العراقية لها مستقبل عظيم، لقد أخذت تتسع خطوات الرواية العراقية من خلال النمو الذي نلاحظه وازدياد إصدارات العناوين الروائية الجديدة، وكثرة الإصدارات هذا يدل على خير وعافية وصحة للرواية العراقية، والتنافس الشديد بين الروائيين العراقيين دفعهم إلى تألق روائيين مميزين.
إن العراق يمتلك روائيين مبدعين جدا وهم يسعون إلى العالمية، ونجد أن رواياتهم المميزة قد غزت المعارض ودور النشر العربية، وأن كثير من الروايات وصلت إلى جوائز البوكر وكتارا وهذا دليل علي القدرة الروائية العراقية.