15 نوفمبر، 2024 10:33 م
Search
Close this search box.

مع كتابات “فتحية جلاد”: حلمي كان ملامسة تلك الأصوات التي تأتي من ذاك الجهاز والانتماء إلى عالمهم

مع كتابات “فتحية جلاد”: حلمي كان ملامسة تلك الأصوات التي تأتي من ذاك الجهاز والانتماء إلى عالمهم

 

خاص: حاورتها- سماح عادل

“فتحية جلاد” شاعرة قاصة إذاعية تونسية، صدر لها العديد من المجموعات الشعرية وكتبت أيضا باللغة الفرنسية.

إلى الحوار:

* كيف التحقت بالعمل الإذاعي وهل عشت بعض الصعوبات؟

– منذ المراهقة جبلت على حبّ الإذاعة، كنت أحتضن المذياع بلهفة استمع الى إذاعة الشرق الأوسط، صوت العرب، لندن، الإذاعة التونسية. كان حلمي ملامسة تلك الأصوات التي تأتي من ذاك الجهاز والانتماء إلى عالمهم. قلت لنفسي ذات يوم يمكنني تحقيق ذلك وكان قرارا قاطعا أعطاني القوّة الرائعة. كانت هناك أصوات أحدثت لي ضجّة أثناء محاولة تحقيق هذا الحلم لكن أبي صعد بي إلى القمّة لتحقيق أملي. كافحت وصعدت مرّة أخفي دموعي وأخرى تغلبني فتنساب مع المصدح ولكن أورقت نجاحا والحمد لله.

* أنتجت برنامج “مساء الخير يا وطني” وهو أول برنامج موجه للتونسيين بالخارج. لو تقدمين لمحة عنه؟

– برنامج “مساء الخير يا وطني” كان أوّل برنامج مباشر يهتم بالتونسيين بالخارج في الإذاعات التونسية، انطلق سنة 1986 وكان لي شرف إنتاجه طيلة 14 سنة والشكر لله وللأستاذ المنصف الهرقلي مدير إذاعة المنستير آنذاك الذي منحني ثقته، فأفردت له الوقت الكبير إعدادا وتقديما علما أن مقدم البرامج في الإذاعات التونسية إلى وقت ليس بالبعيد هو الذي يقوم بإعداد كلّ فقرات برامجه وهو الذي يقوم بالتقديم أيضا وهذا مجهود جبّار. لقي البرنامج الاستحسان وتصدّر قائمة البرامج الأكثر نجاحا في الإذاعات التونسية، وانتشر وطنيا وعربيا، كانت الرسائل تصلنا من كافة أنحاء العالم وكان التتويج ببث حصة مباشرة من ليون الفرنسية بالاشتراك مع إذاعة السلام بليون ومديرها الأستاذ “علي العابد” وذلك أثر زيارتي إلى ليون قصد التسجيل مع جاليتنا هناك. لإذاعة السلام بليون علاقة وطيدة بالبرنامج من خلال بث مشترك مساء كل سبت من التاسعة إلى منتصف الليل لأكثر من 10 سنوات. هذا البث المشترك ساهم في الاقتراب أكثر من مشاغل التونسيين بالخارج وبسط مشاكلهم وإيجاد الحلول لها مع المسئولين..

“مساء الخير يا وطني” أيقونة إعلامية ، واكبت فيه الندوات الوطنية والأنشطة التي تهمّ التونسيين بالخارج فقد حاورت أغلب السفراء والقناصل والملحقيين الإعلاميين والاجتماعين والمبدعين ورجال الأعمال والطلبة والأسر التونسية بالخارج فكرّمت في باريس وفي ليون من قبل الجمعيات والبعثات الديبلوماسية. من خلال هذا البرنامج قمت بأعمال خيرية عجز كبار المسئولين عن القيام بها وأنا فخورة بذاك لأن نجاحي عندما أقدّم المساعدة لغيري. من الخدمات التي قدمتها في البرنامج تحوّلي إلى الأسر التونسية داخل البلاد لأسجّل معهم وأنقل تحياتهم لأبنائهم بالخارج واربط الصلة مع عائلاتهم وانّي أعتبر هذا البرنامج جزء من ذاتي وكانت خدماته جليلة لجاليتنا بالمهجر في غياب الانترنت ومواقع الاتصال الاجتماعي في ذاك الوقت.

* هل قدمت برامج تهتم بالمرأة؟

– قدّمت وأنتجت عديد البرامج التي تهتم بالمرأة المثقفة وبالمرأة التي صنعت تاريخ تونس كما أفردت المرأة الكادحة ببرنامج ومن العناوين الإذاعية التي قدمتها “إليك سيدتي” و”أنا التونسية” وغيرها من العناوين، حيث وقفت على الصعاب التي تتعرض لها المرأة الكادحة وخاصة الريفية. كنت أنتقل إليها في كل أنحاء البلاد وهذا هو العمل الإعلامي الصحيح حيث نكرّس مفهوم إعلام القرب. وبالمناسبة لقد نقلت هموم المرأة بمختلف فئاتها الاجتماعية في مجموعتي الشعرية الأولى “شهقة الوجد” ووشّحت ذاك في العديد من القصائد التي كانت محاكاة للظروف التي تعيشها المرأة في الريف أو في المدن.

* كرّمت خلال مسيرتك الإعلامية والأدبية كيف ومتى؟

– حظيت بشرف التكريم عندما كنت صغيرة السنّ من خلال النصائح التي كرّمني بها الزعيم الراحل “الحبيب بورقيبة” محرر المرأة وأول رئيس للجمهورية التونسية عند استقباله لأسرة الإذاعة أو عند زيارته لإذاعة المنستير وهو قمّة التكريم بالنسبة لي ولن أنساه أبدا. مع العلم أنّ الزعيم “الحبيب بورقيبة” عمل كصحفي فضح من خلال مقالاته الأعمال المشينة للاستعمار الفرنسي. كما تحصّلت على وسام الاستحقاق الثقافي الصنف الرابع، ويبقى أكبر تكريم لي هو رضا المستمع وتشجيعه وإعطائي مرتبة مرموقة في الإعلام في تونس وهذا أعتز به فهو بوصلة النجاح من عدمه. وكرّمت أيضا من الجامعة العربية وكذلك من اتحاد الشغل والعديد من المنظمات والجمعيات ومن بعض الصحف التي اختارتني آنذاك كأحسن منشطة وقارئة أخبار إضافة إلى تكريمي من قبل العديد من الشعراء.

لقد أنتجت العديد من البرامج الثقافية منها “ورقات ثقافية” وقدمته مع الزميل “الحبيب دغيم”. قدّمت أيضا برنامج “عندما يتحدث الشاعر” الذي سأحوّله إلى كتاب توثيقي عماّ قريب، ومن البرامج الثقافية التي قدمتها برنامج “عقد اللؤلؤ” الذي عرّف بالمبدعين من شعراء وكتّاب ورسامين. اهتمامي بالثقافة دفعني لتأسيس الصالون الثقافي بصيادة لمطة بوحجر ولقي نجاحا وانتشارا، إذ أثّثته أسماء كبيرة منها الشاعر الكبير “جعفر ماجد” وعديد الأسماء الهامة في عالم الأدب في تونس، وكانت فرصة لتقريب المبدعين للعموم إذ كانت الدعوات مفتوحة للجميع في جوّ احتفالي رائع، فكانت مجالس إبداع وهذا ما جعلني أفكر من جديد في بعث صالون آخر عمّا قريب.

* ما هي حكايتك مع الترجمة واللغات؟

– بحكم دراستي للترجمة واللغات كالعربية والانكليزية والفرنسية كانت اللغة الاختيارية الاسبانية ففكرت في ترجمة بعض قصص الأطفال من الاسبانية إلى العربية، بحكم العلاقة التاريخية بين العرب واسبانيا أوّلا إضافة إلى أنّني أردت الإبحار في عالم أدب الطفل الغربي للمقارنة بالكتابة للأطفال في العالم العربي وفي تونس تحديدا، والاطلاع على منهجية ومواضيع القصص التي تقدّم للناشئة بين الضفتين.

* ماذا عن عالم الشعر والأدب النسوي؟

–  في البداية أستشهد بمقولة الفيلسوف الفرنسي باشلار: “الكتابة المبدعة إمكانية كلّ امرأة لأنّه فعل أنثوي”. إلى وقت ليس بالبعيد ظلّ صوت المرأة الشاعرة رديف الغربة والغياب ومنحسرا في الرّثاء والافتخار مع شوارد من أبيات الحبّ عند ولآّدة أو بعض الجواري. أطلق عليه فيما بعد الأدب النسوي، وهذا ناتج عن النظرة الدونية للمرأة في ميدان الأدب باعتباره حسب زعمهم لا يضاهي أدب الرجال، وهذا ما يفسّر غياب المدونة الأدبية النسائية في فترة ما إلى غاية بزوغ الشعر الحديث مع “نازك الملائكة” التي فنّدت هذه النظرية، فكانت الهبّة الكبرى لقلم المرأة فتكسّر هذا الحاجز وأصبح القلم إنسانيا كونيا وهذا ما أومن به. صحيح أنّ المرأة تكتب بإحساس الأنثى لكن في النهاية صوت المبدع واحد والهدف كوني بحت والجميع يكتب الإنسان وله.

* كيف تعرّفين الشعر؟

– إن ذهب العرب إلى أنّ الشعر ديوانهم وانّه الكلام الموزون المقفىّ المبني على الاستعارة والأوصاف فإن الشعر هو موسيقى الروح هو وصف الحالة بعين شاعر لا يضاهيها الإنسان العادي، هو اللوحة الفنية بمنظور قلم شفّاف. الشعر رسم منفرد يتخطى البلاغة التقليدية في الكلام. هو البوح بخلجات وخيبات المجتمع بمداد القلب.

* هل تخافين من الكتابة بجرأة، وتشعرين أن هناك رقيب داخلي يمنعك من تجاوز القيود؟

– تختلف الجرأة باختلاف الزمن والأجيال وكما أنّ الحقيقة نسبية كذلك الجرأة ليست مطلقة، ويجب أن تراعي الجرأة عدّة ثوابت اجتماعية وشروطا جمالية. وتكمن الجرأة أيضا في كسر مفهوم الشكل الموروث للقصيدة وهذا ما انجرّ عنه جرأة في تناول المواضيع والمضامين وضرب المقدّس وكسر القوالب الاجتماعية والدينية والسياسية والجنسية، غير أنّ التطرّق إلى التابوهات ليس شرطا أساسيّا لمفهوم الإبداع كما هو الحال في السينما تقريبا.

أحترم من يطرّز قصيدة بمضمون جنسي مثلا هو حرّ في ذلك، لكن لا أتخيّل أنّي سأنسج على منواله فأنا بصفة عامّة مع طرح المواضيع بصفة غير مباشرة وهذا المطلوب في القريض. إنّ الجرأة ليست فرضا على النص لمواكبة العصر، جرأتي في قصائدي كسر الجدار السياسي والموروث الاجتماعي بمختلف مضامينه.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة