خاص: حاورتها- سماح عادل
“فاطمة عيزوقي” شاعرة سورية، من مواليد ١٩٨٠ طرطوس سورية، خريجة حقوق- جامعة دمشق. تعمل موظفة كرئيسة دائرة قانونية بمؤسسة العمران. لها مجموعة شعرية تحت الطبع.
كان لي معها هذا الحوار التالي:
* متى بدأ شغفك بالكتابة وهل وجدت الدعم من الأسرة؟
– لقد ولدت مع الكتابة في يوم واحد، ولا أذكر إلا أني كنت أقرأ القصص وأعيشها، كنت مهووسة بعالم الخيال. وبدأت أمارس الحب مع الكلمة قبل سن النضج. وقد شجعني والدي كثيرا وكان يشبه قصصي للكتّاب الروس. كونها تحتوي بعدا إنسانيا وفلسفيا نوعا ما. بينما كانت سخرية أخواتي الذكور تذكي تميزي وتشعرني بالاختلاف وبتفوق ما عن أقراني. وكانت أول قصة أكتبها بعنوان”قتلت أبي من اجل أفعى”.
* ماذا يعني الشعر بالنسبة لك وهل كتابته تشبع ذاتك؟
– الشعر نهج، قضيتي الكبرى، لا أعتبر أني أكتب الشعر بل هو من يكتبني بينما كنت أعيشه. حين أمشي في الشارع كسكرانة. وأقفز على قدم واحدة.. أعيشه في طريقة كلامي ونظرتي للموجودات من حولي.
وكان يكتب جنوني هذا ويخلده نوعاً ما، الشعر حدد ملامحي.. وصرت وإياه واحدا، كأن تقولي مالون عيني.. أقول شعراً، كتابة الشعر ترضي إنسانيتي.. وطبيعتي البشرية، كأن يشبع غرور امرأة حب الآخرين وإعجابهم، كنت والشعر نتبادل الأنخاب واللحظات الحلو، لذا كبرنا معاً دون أن نشيخ.
* نشعر في قصائدك بامرأة قوية، رغم قوتها إلا أنها تعشق البوح بلحظاتها جميعا ومنهم لحظات الضعف والاحتياج والإهمال حدثينا عن ذلك؟
– الحب هو الكلمة، والشعر يمنحني قوة الخلود كما أسلفت، لكنه سكر مؤقت. نعم أنا أتعاطى الشعر وأدمنه، واعترف دوما له بقوتي وضعفي.. كطبيعة إنسانية تحتوي كل المشاعر ولا تخجل بها. تحت تأثير السكر أبوح بكل شيء لنديمي دون خجل أو ندم.
وحين تطول بي الأيام وحيدة دون كلماتي. اضطرب وتبدو علي علامات الفقد والوحدة. وقبيل أن أفقد ابتسامتي أو أن تبهت لهفتي للوجود، أجده يطرق بابي مبللاً. ويسألني هل اشتقت إليّ، فنتوحد بعناق قديم يتكرر دون ضجر.
وبينما يمسح دمعة فرحي، أنثره على الورق، ليبدأ ضوء ملون في روحي. وألمس في أقصى زواياي أيامي وأفكاري التي أخفتها عتمة غيابه المؤقتة.
* كيف هي صورة الرجل الحبيب في شعرك؟
– صورة الرجل في شعري هو الرجل الذي يكمن داخلي. لا كخجل إنما كجزء من شخصيتي كأنثى، كنت أظهره للعامة كما هو. مشعثا أول استيقاظه. أو مضطرباً جراء مرض ما. أو به حزن طفيف.
رجلاً يمشي على الغيم بقدر ما هو بعيدا فهو واقعي وسرمدي.. وكان الرجال الذين ألتقيهم يحاولون التشبه به لإثارة اهتمامي بدافع من الغيرة. أو الاستغراب لاكتفائي به.. إنه زوج روحي الذي عقدت قراني عليه علانية على ورق أبيض. باح بتفاصيل علاقتنا الحميمة كطقس مقدس لا دنس فيه.
الرجل في شعري ليس حلماً يرتجى. إنما حقيقة ساطعة ممكنة، وكثيرا ما كتبت كرجل لامرأة هي أنا. وهذه التبادلية أرضت رغبتي في الحب ودغدغت غروري كأنثى. تبادلنا كل شيء، الملابس، الملامح، النوايا، وحتى الجنون. وهل يمتلك أي رجل فعل هذا دون اضطراب إلا زوج الشاعرة الروحي؟.
* كتبت أيضا عن فلسطين وعن الموت ما هي الموضوعات التي تحبي تناولها في شعرك؟
– أرغب بالكتابة عن سخف النساء الفارغات لأني حانقة عليهن. فحين تمتهن ملكة التسول. ماذا ستكون ردة فعل الشاعرة والموسيقية والطبيبة والفلكية الذين يسكنونها. والأنكى. أنك حين تذكرينها بدورها الرئيس في الحياة تنظر إليك ببلادة أو غضب. ثم تشرد كالمصابة بألزهايمر. لتعود للهو مع الشحاذين والنمامين دون أي شعور بالخجل.
نعم وجدت الأنثى للمعرفة والحب، وحين تمارس تحطيم عالم الخزف هذا بلامبالاتها وهمجيتها، تتحفز روحي لتأريخ هذه اللحظة. لا كي أدينها يوما ما، إنما لأساعدها على تقويم اعوجاج سيرها حين تنوي فعلا أن تصل ذاتها المجروحة دون إرادة. واحلم بالكتابة عن خمر الفقراء، ذلك الحزن الذي يحجب رؤية شمسنا الداخلية، وعن برد وعجز الذين لا يملكون إلا المال.
أحلم كثيرا بالكتابة عن العشاق وتفاصيلهم، وعن الخدع التي يحياها البشر كحقيقة، وأحلم بالكتابة عن الأديان وكيف تصل إلى البشر مشوهة أو معاقة أو منقوصة التكوين. عن علاقة الإنسان بروحه والهه. وعن صنّاع الموت ونوابه.
عن لحظة التقاء شاعرين، ولحظات فراقهما. وأحلم.. وأحلم.. كما أن تجري حواراً معي كاتبة ملهمة مثلك. كنت أرد على كل شيء. في هذا الوجود بالشعر، وتوجهي إليه ك قبلة توجهاً طاهراً.
* هل واجهتك صعوبات في النشر وماهي هذه الصعوبات؟
– واجهتني صعوبات مادية كوني موظفة ولا أملك مالا للنشر أو الطباعة.
* هل تجدين مشاكل في حضور فاعليات ثقافية في الوسط الثقافي في بلدك بسبب كونك امرأة؟
– واجهت مشكلات بسبب طبيعتي أولا. أن تكون المرأة شاعرة يعني أنها صادقة تلامس حقيقة الأشياء، تعيش بعفوية وحرية في داخلها وسلوكها. لطالما كنت ابتعد عن هذه التجمعات بسبب عدم قدرتي على التملق أو المجاملة. ولأني أرفض أن أتلو أشعاري على الملأ، وثمة من ينظر إلى جسدي. ههه نعم هكذا أفكر. رغم أني دعيت لمهرجان الخوابي وفي دمشق أيضا وكانت التجربتان مهمتان لي كتشجيع.
لكني بسبب علاقاتي المعدومة. وتفرغي للعمل والأسرة والكتابة لا أدعى لهذه التجمعات التي تعتمد على التواصل وتقديم الذات والعلاقات، مع فائق الاحترام للمنظمين.
* ما تقييمك لحال الثقافة في بلدك وهل يدعم الكتاب والكاتبات؟
– قبل أن يدعم بلدي الكاتب والكتابة. السؤال هل ثمة من يهتم أو يقرأ في بلدي. قبل الحرب وبعدها يهتم الناس للقمة العيش وهمومهم اليومية كما ينظر للشعر كترفيه. ووسائل التواصل الاجتماعي أفقدت الناس ما تبقى لهم من شغف للاطلاع والمعرفة. ويفضلون سطراً مختصراً على ديوان أو قصيدة، الناس مستعجلة مهمومة وتريد وجبات أدبية سريعة.
* هل توجد اختلافات بين الكتابة لدى النساء وبين الكتابة لدى الرجال في رأيك، وما هي ملامح هذه الاختلافات؟
– نعم يوجد اختلافات ساهم في تفاقمها تقييم الأدب ل نسائي وذكوري.. والرجل أقدر على التعري بكلمته من المرأة الخجولة التي تحسب كلماتها وتغطي لها ساقيها لتتجنب اللغو والاتهامات، كما أن المرأة أقل مقدرة على التجربة كي تكتب عنها لذا ترين كتاباتها أشبه برجاءات وأحلام.
بينما الرجل بدعم وتبرير من المجتمع يتفاخر بتجاربه وإمعانه في توصيف المرأة كجسد، المرأة تجربتها روحية أكثر كونها لن تتمكن من التغزل والانتشاء أمام العامة.
ولي صديقات تكتبن أخبرنني أن أزواجهن يرفضن أن تكتبن عن الحب.. وعليهن أن يكتبن بالتزام وحشمة تحت تهديد الطلاق وحتى كي لا تنالهن ألسنة الناس.
* ماهو رأيك في مصطلح “الأدب النسوي” وهل تسعين في أدبك إلى الدفاع عن قضايا المرأة وحقوقها وكشف التمييز الواقع على المرأة في المجتمع؟
– الروح قبل أن تسكن الجسد تكون بلا جنس يفرض عليها.. جنسها لبوس مؤقت فقط. والشاعرة المتمكنة من تلامس روحها الحرة وتخرج من قوقعة التجسيد هذا وهذا سبب رفضي تصنيف الأدب لنسائي ورجالي كبدلات ولبوس. رغم أن الفرق موجود لا مجال لإنكاره.. لكن يمكن أن نسميه، أدب لروح قبلت السجن وروح ناضلت لتسمو خارجه.
لا أناضل عن قضايا المرأة بالمعنى الدارج. بل أناضل عن حقي ك فاطمة تسعى لخلق قاموس جديد للموجودات والشخوص والمصطلحات. كالخيانة مثلا.. الحب.. إلخ.. كون البشر اعتادوا ترديد هذه المصطلحات وإطلاق الأحكام والتصنيف لبعضهم البعض. وفق مفردات لم يفكروا مرة واحدة في محاولة فهم حقيقتها وإعادة صياغتها وفق روح العصر أو حسب كل حالة.
المرأة عندي هي المعرفة الكامنة التي على الذكر إيقاظها لا المرأة كجسد وأعضاء.. هذا تعلمته من المنهج الكوثري، إن اللغة إله مكفَّر.
* هل تخافين من الكتابة بجرأة، وتشعرين أن هناك رقيب داخلي يمنعك من تجاوز القيود التي يضعها المجتمع والتقاليد؟
– كفاطمة لم أسمح لنفسي أن أخجل بإحساسي أو بقضاياي، لكنه نضال مرير واجهت مجتمعي باللامبالاة وإغلاق حاسة السمع والابتعاد عن السلبيين، وقبلت أن يقال عني أي نعت على أن أصمت أو أزيف شعوري أو ملامح حلمي.
وكان أبو أولادي مشجعاً لي ولم يتذمر من كوني جريئة بمفهوم المجتمع ولم يخجل بي، بل افتخر كوني شاعرة حرة صادقة أكتب من عمق روحي، ولا أعتبر نفسي جريئة بل خوافة لأني لم ألمس قاع حقيقتي بعد وهذا فهمي للجرأة لا كمفردات أو لباس.
* هل في رأيك يواكب النقد غزارة الإنتاج وهل يحتفي بإنتاج الكاتبات؟
– هناك محاولات جادة وتشكر لذلك في مواكبة الإنتاج.. ومنها أنت وكل الاحترام لك لتقديرك الكلمة وخصوصاً للمرأة، ونرى هذا قليلاً كون المرأة اعتادت أن تحبط مثيلاتها لا أن تشد على يدها وتدعمها. الأخريات تمارسن النقد بالشكل والجرأة كثرثرة هه وفق مفهومهم للنقد. وعادة الرجل يمارس النقد لامرأة خاصة إن كانت جميلة كما يشتهي ممارسة الحب معها، والمرأة كذلك مع الرجل وهذا نراه بكل مناحي الحياة.
لكن هناك ناقد ملهم احترم كتابات المرأة والرجل سيان وهو ناقد مصري اسمه “عبد الله السمطي” وله الشكر أيضاً.. نحتاج أمثالكم كي نشعر بالأمان فعلا.. الناقد حضن للكلمة الطفلة كون الكلمة لا تكبر إن كانت نقية وعفوية وصادقة. حتى حين يوجع بنقده فهو داعم لأجل الأفضل وليس للتجريح.