خاص: حاورته- سماح عادل
“غفار عفراوي” كاتب عراقي، مواليد بغداد 1970، حاصل على بكالوريوس لغة إنجليزية ودبلوم معهد فني.. وهو عضو اتحاد الصحفيين العراقيين، وعضو بيت الصحافة في ذي قار، وكاتب للقصة القصيرة جدا والشعر، وعضو مؤسس في نقابة الصحفيين العراقيين – فرع الجنوب.
كتب العديد من المقالات والدراسات في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والدينية وغيرها منشورة في المواقع الكترونية والصحف والمجلات العراقية.
إلى الحوار:
(كتابات) لك تاريخ طويل في العمل بالصحافة.. هل اختلفت الصحافة في العراق بعد 2003.. وكيف؟
– من المؤكد أن تختلف جميع مناحي الحياة في البلد الذي يخرج من تسلط حكومة دكتاتورية فرضت سلطتها بالحديد والنار، ولم يكن للمواطن أي رأي أو حرية أو نشاط إلا ما ترتضيه الحكومة، وبالتالي سيكون العمل الصحافي مؤدلجاً وتابعاً للنظام وليس له حرية تعبير عن رأيه السياسي أو الاجتماعي أو غير ذلك.
بعد سقوط النظام القمعي الدكتاتوري في عام 2003 فُتحت الأبواب الموصدة سابقا على مصراعيها وكان باب الصحافة مشرعاً وشاعت الفوضى الإعلامية، وبدأت المؤسسات الإعلامية بمختلف مسمياتها المقروءة أو المسموعة أو المرئية تنتشر كالنار في الهشيم بلا رقابة ولا قانون صارم، وبالتالي فتح الباب الإعلامي على عواهنه لكل من أراد الكتابة وعمل التقارير الصحافية والتلفزيونية بعد ازدياد القنوات الفضائية بشكل غريب، وما تلاها من سيطرة الأحزاب السياسية والمعارضة للعملية السياسية على مجموعة فضائيات حزبية، بعضها ذات ارتباطات إقليمية ودولية أثرت كثيرا على رأي الشارع العراقي وشوهت صورة الفرد العراقي وكثرت محاولات تشويه المجتمع العرقي أمام العالم.
(كتابات) هل يمكن القول أن العراق تتمتع بحرية الصحافة والتعبير عن الرأي في الوقت الحالي؟
– نعم الانتقال من نظام دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي هو انتقال من الخطاب المؤدلج الذي يمتلك الحقيقة الواحدة إلى الخطابات المتعددة التي تمنح المواطن مساحة واسعة من التعبير، مقارنة بحالة القمع والكبت في المرحلة السابقة.
(كتابات) لك دراسات دينية ومقالات في مختلف مناحي الثقافة.. ما الذي أغراك في كتابة الأدب؟
– الكتابة في الجوانب الدينية وكذلك السياسية كانت وما زالت هي الرائجة في مجتمع خرج توّاً من كبت فكري وتضييق سياسي وتسلط حكومي، فكان وجوبا على كل قلم حر توّاق للإصلاح والتحرر والنهوض أن يشحذ همته ويسابق الزمن من أجل استنهاض الفكر والعقل الجمعي والفردي، للبدء بمرحلة جديدة في إعمار البلد نفسيا وفكريا وروحيا.
وبالنسبة للكتابة في الأدب ليست وليدة اليوم ولم أكن لاختارها جزافاً، بل إنها اخترقتني في أول أيام الصبا، كما هو الحال لأغلب الشباب الذين تفتنهم عيون الجميلات وتسرق قلوبهم ضحكات الفاتنات، فكانت أول اهتماماتي بجنس الشعر وكتبت قصائد باللهجة العراقية وكذلك باللغة الفصحى. ثم كان التوقف الطويل لعدة سنوات إذ بدأت مرحلة الثورة الفكرية ضد الظلم والقمع البعثي فكنت أكتب المقالات وأحرقها خوفاً من بطش السلطات، لأنني لم أخرج من العراق، وكان الجهاد حقيقيا وواقعا ملموسا في كل يوم بل في كل ساعة، نتوقع المداهمة التي تغلق ملفنا للأبد. وبعد سقوط النظام عدتُ إلى كتابة المقالات السياسية المناهضة للسلطة التي حكمت العراق بالفوضى والتطرف الفكري والجهل والتجهيل.
بعد ذلك انتقلت أو عدتُ إلى الكتابة الأدبية وتحديداً إلى كتابة القصة القصيرة جداً لتكون لوناً مغايراً في طريقة الرفض والتحدي والتنوير الفكري، فكان أول إصدار لي هو مجموعتي الموسومة “قيامة وطن” التي صدرت بداية العام 2018 عن دار “كيوان” وشاركت في عدة معارض عربية ومحلية.
(كتابات) لما اخترت القصة القصيرة جدا للتعبير أدبيا.. وهل التكثيف والإيجاز احتاج منك لجهد في الكتابة؟
– كما ذكرت لك في جواب السؤال السابق أنني انتقلت للكتابة الأدبية كلون آخر للرفض والتحدي، وكان جُل همي إيصال صوت المظلومين لمن يهتم بهم ورفع الظلامة عنهم بالتوعية والتثقيف عبر المقالات السياسية، ومن ثم إلى جنس الأدب وتحديداً القصة القصيرة جداً التي أعتقد أنها سهلة الوصول إلى القارئ بكل أشكاله، وكذلك لمعرفتي بما يرغب القراء لحضوري العديد من معارض الكتب واطلاعي على المكتبات وحواراتي مع الكتبيين.
فكانت القصة سريعة القراءة، سهلة الفهم نوعاً ما، سلسة العبارات، تتماشى مع عصر التكنولوجيا والسرعة التي جعلت أغلب القراء يبحثون عن السلس المكثف. فكانت القصة بمثابة مقالاً سياسيا أو دراسة كاملة أو رواية مختصرة. إن القصة القصيرة جدا من أجناس السهل الممتنع وهو ليس السلاح الأخير الذي سأستخدمه لمناصرة شعبي إن شاء الله فهناك مشروع آخر سيرى النور قريباً.
(كتابات) وما هو المشروع القادم؟ هل من الممكن أن تحدثنا عنه قليلا؟
– نعم. انتهيت تقريبا من كتابي القادم وسيكون لوناً مغايراً في طريقة رفض التجهيل والتعتيم والتخوين والتخويف التي تمارسها الأحزاب ضد الشباب العراقي . إن شاء الله سيكون منجزا مهما لشريحة الشباب وللمرأة بشكل خاص.
(كتابات) في مجموعة “قيامة وطن” لغة تهكمية ساخرة اشتهرت بها في كتابتك الصحفية.. هل السخرية وسيلة ناجحة في نقد الأوضاع؟
– سؤال مهم جداً ويدل على متابعة مميزة. نعم إن عالم السخرية هو الرائج حالياً؛ بل منذ القدم والأمثلة عديدة من أبرزها الكاتب الايرلندي الساخر “جورج برناردشو” والممثل الكوميدي الإنجليزي “شارلي شابلن”، وفي الوقت الحاضر صار الاتجاه نحو البرامج الساخرة الناقدة للأوضاع السياسية مثل برنامج البرنامج ل”باسم يوسف” الذي أخذه عن البرنامج الشهير البرنامج الايطالي والبرنامج الايطالي يقلد البرنامج الأمريكي، وهكذا كانت البرامج تسير باتجاه السخرية لما لها من سرعة وصول للمتلقي لظرافة ولطافة المقدم والنكات التي تعرض في البرنامج. فأنا وبطبيعة طريقتي في الكتابة الصحفية سابقا وكذلك طريقة حياتي الساخرة من الأوضاع وضعت كل تلك المواهب في كتابة عددا من القصص بطريقة تهكمية، طبقا لما يريده الشارع القارئ حاليا ولإيصال الفكرة بطريقة ممتعة.
(كتابات) صورت في مجموعة “قيامة وطن” انتهاكات السلطة السابقة في التعامل مع الناس.. حدثنا عن ذلك؟
– لقد تضمنت المجموعة أكثر من عشرين قصة تناولت جوانب مختلفة من الانتهاكات اليومية التي كانت تمارسها السلطة الحاكمة في النظام السابق، وكانت مجموعة من تلك القصص شواهد حقيقية ومجموعة أخرى مستقاة من خيال الكاتب لاعتبارات الضرورة عندما كان الزمن لا خطوط فيه!
وقد كانت قصة “أم يعقوب” مثالا حيا لتسلط تلك الطغمة الحاكمة وظلمها غير المحدود. كما تضمن الكتاب أكثر من عشرين قصة حول انتهاكات السلطة الحالية بعد عام 2003.
(كتابات) لما نشرت كتابك في الخارج وهل النشر في العراق به صعوبات؟
– على الرغم من الصعوبات والمتاعب التي ترافق الكتابة والتأليف حتى الوصول إلى ختام البحث وتهيأته للطبع، فأنا أعتبر أن التعب الحقيقي يكمن في اختيار المطبعة ودار النشر فهي الحلقة الأخيرة، والاهم في إبراز المنجز بشكله النهائي لأنني لم أكن لاختار الدار العربية أو العراقية إلا لغرض الترويج والمشاركة في المعارض الدولية والعربية. وكان اختياري لدار كيوان في هذا الديوان لسهولة انجاز المهمة وللوعود التي قطعتها الدار في مشاركة الكتاب بكل المعارض.
(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في العراق؟
– سؤال يحمل عدة إجابات عن عدة جوانب، ولكني سأجيب عن حال القراءة والكتابة فقط. أما الكتابة والتأليف فهي بكل خير بدليل ولادة ونشوء عدة كتاب وكاتبات شباب وخصوصا في مجال الرواية والشعر والقصة والخاطرة. وكذلك صعود نجم عددا من الكتاب العراقيين والروائيين بشكل خاص وترشيحهم إلى القائمة الطويلة والقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية من أمثال “سنان أنطوان” و”إنعام كججي” والمرحوم الذي فارقنا قبل أيام “سعد محمد رحيم” وغيرهم.
إضافة إلى الروائي العراقي العالمي الذي حصد عدة جوائز عالمية لا تقل أهمية عن البوكر. وأخيرا وليس آخرا الروائي “أحمد سعداوي” الذي فاز برائعته “فرانكستاين” في بغداد عام 2014 بجائزة البوكر العربي، وترشيحها للبوكر العالمية 2018 وبذلك تخطى الخطاب الروائي حدوده العراقية والعربية باتجاه العالمية. ولا يقل النتاج الأدبي النسوي أهمية فإنه كان موازيا بل متفوقا احيانا.
(كتابات) ما هي روافد تكوينك الفكري والثقافي والكتاب الذين أثروا بك؟
– ربما انبثقت قراءاتي الأولى من سؤال هوية يتعلق بصيرورة نشأتي بوصفي عربيا مسلما فكان اهتمامي الأول بحقل التاريخ العربي الإسلامي وهو سؤال البحث عن الذات، فكان من إفرازات ذلك الاهتمام بهذا الحقل كتابة سلسلة مقالات تاريخية إسلامية عقدية سياسية اجتماعية حاولت قراءة الحاضر من خلال عمقه التاريخي، لأني أرى أن لا انفصال بين أحداث الحاضر وصيرورات الماضي.
إلا أن ذلك لم يبعدني عن الأدب وعوالمه الساحرة التي أخذت حيزا من عقلي وعواطفي في مرحلة الشباب، فكثيرة هي النصوص التي ما زالت عالقة في ذهني من تلك المرحلة ومنها قصيدة الشاعر محمود سامي البارودي: بين حيطان وباب موصد كلما حركه السجان صر. أو قصيدة شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة: كلما قلت متى ميعادنا ضحكت هند وقالت بعد غد.
إن الكتابة برأيي وسيلة الرفض والاحتجاج والخروج من حالة الصمت إلى الصراخ، وهي أداة التنفيس عن ما يعتري الإنسان من حالات كبت بسبب الأنظمة الشمولية.
(كتابات) في رأيك هل هناك “نهضة ثقافية وأدبية” في العراق.. ولما؟
– سبق وأجبت بوجود نهضة أدبية جيدة من خلال بروز العديد من الكتاب الشباب وتصاعد نجومية الكتاب الكبار، وكذلك صعود عددا من الشعراء إلى منصات التتويج العربية والمشاركات الفاعلة في شاعر المليون وأمير الشعراء وغيرها. وأما النهضة الثقافية فإن العراق بحاجة إلى تغيير كامل وشامل في منظومته الثقافية ليصل إلى الغاية المنشودة والمستوى الذي يستحقه بلد الثقافة والأدب والفنون وغيرها.