9 أبريل، 2024 12:09 م
Search
Close this search box.

مع (كتابات) .. “عمرو زين” : إنعدام المعايير الموضوعية للأعمال الأدبية يحبط الكٌتاب !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : حاورته – سماح عادل :

“عمرو زين”، كاتب مصري.. يتميز بغزارة إنتاجه الأدبي وتنوعه، فهو يكتب الشعر والقصة القصيرة والرواية والمسرحية، نشرت له أول مجموعة قصصية بعنوان (محاكمة جندي أميركي) عام 2005، ثم نشر له في 2007 مسرحية (إلا أن تكون من الخالدين)، ومجموعة قصصية: (جنية البحر)، وفي عام 2008 صدر له مسرحية (أولو الأمر)، وفي 2010 مسرحية (مرشح الحمير)  ثم مجموعة (كلمات تنتهي بالياء والتاء المربوطة) 2013.

إلى الحوار:

(كتابات) : متى عرفت أنك تريد أن تصبح كاتباً.. وكيف طورت مهاراتك ؟

  • بدأت محاولاتي الأولية في الكتابة وأنا في السنة الأولى من المرحلة الإعدادية.. حيث قمت بكتابة رواية بوليسية، كما كانت لي محاولات متعددة في قرض الشعر، ولكن لسبب ما توقفت عن مواصلة الكتابة، حتى أنني قمت بحرق كل ما كتبته، عندما التحقت بالدراسة الجامعية، في “كلية ألسن عين شمس”، وظننت وقتها أنني لن أعود للكتابة مرة أخرى؛ جاءت لحظة أشبه ما تكون بمواجهة الذات، وأنا في الفرقة الثالثة، حيث كان السؤال يلح عليَ باستمرار: “ماذا أريد أن أكون.. وماذا أريد أن أصنع بحياتي.. وما الهدف من وراء الحياة ؟”.

توصلت إلى الإجابة؛ أننا جميعاً نسير نحن هاوية العدم، سواء أكنا مسيرين أو مخيرين.. لذا قررت أن أقوم بصنع شيء أكسر من خلاله الحلقة الجهنمية المفروضة، ووقتها قررت أنه لا سبيل آخر إلا بمعاودة الكتابة من جديد.. كتبت عندها قصة قصيرة تحمل عنوان، (الصعود الهابط)، ثم أتبعتها بكتابة العديد من القصص القصيرة حتى جاء عام 1996، وكنت وقتها في أسوان، وأعتدت على قراءة عمل كامل يومياً من أعمال الأديب، المفضل لدي، “توفيق الحكيم”، وكتبت أول أعمالي المسرحية، وكان بعنوان (الأغنياء)، ثم كتبت العمل الروائي الأول في السنة اللاحقة بعد عودتي للعمل في القاهرة متأثراً بالحادث الإرهابي الجلل الذي وقع في الأقصر، وكان يحمل عنوان (المطارد)، ثم تتابعت الأعمال، خاصة المسرحية، التي كنت أجد في نفسي ميلاً شديداً لكتابتها.. حتى تلك اللحظة كنت أكتب وأحتفظ بأعمالي لنفسي دون تفكير في الإقدام على نشرها؛ حتى كانت “حرب الخليج الثانية”، وما نجم عنها من تأثير سلبي على حركة السياحة الوافدة إلى مصر، وكنت وقتها أعمل في الغردقة فقمت بإعادة قراءة أعمالي التي سبق أن كتبتها في هدوء وروية.. عندها إتخذت القرار بنشرها، وهذه قصة أخري.. حيث ساقتني الأقدار، بصورة ما، للنشر مع “مكتبة مصر”.. هذه الدار العريقة التي قدمت للقراء في مصر والعالم العربي عمالقة الأدب، وعلى رأسهم “نجيب محفوظ” و”توفيق الحكيم” و”يوسف إدريس” و”السباعي” وغيرهم.. كانت خطوة قدرية، حيث لم أخطط لها، بل حدثت محض صدفة..

(كتابات) : أول مجموعة قصصية لك بعنوان (محاكمة جندي أميركي).. حدثنا عنها ؟

  • الكتاب الأول الذي قمت بنشره يحمل عنوان، (محاكمة جندي أميركي)، وهو مجموعة أدبية تشمل ثلاثة قصص قصيرة وأربعة مسرحيات في فصل واحد.. وأهمية هذه المجموعة تكمن في أنها تكشف بصورة عميقة عن المجال الفكري لمشروعي الأدبي، فمثلاً قصة: (وسرنا نبحث عن نبع يروينا)؛ تحمل رؤية إستشرافية، حيث يجد بطل العمل نفسه يخرج بعد زمن طويل، تحمل خلاله العطش شديد، وسط جموع من البشر أصابها العطش حتى قادتهم خطواتهم إلى نبع ماء صاف، ولكن للعجب أن أياديهم لم تصل أبداً للمياه التي تسيل رقاقة تحت أقدامهم، مما يدفع بطل العمل لتركهم والبحث عن نبع حقيقي لا يضن بمائه على العطاشى من أمثاله.. وفي قصة: (مكتحساً كل ما أمامه)؛ يدور الحدث على ظهر سفينة، حيث تجتاح السفينة في اللقطة الأولى هزة عنيفة يعقبها تطمينات الربان أن ما حدث هو مجرد عطب بسيط، ولكن تحدث هزة أخرى أقوى من سابقتها مما يدفع بطل العمل بالخروج من كابينته لإستبيان ما يحدث؛ عندها يكتشف الحقيقة الصادمة وهو يسعى للنجاة بنفسه من خلال أحاديث الركاب خلف الأبواب المغلقة، إذ أنهم كانوا يعلمون أن السفينة في طريقها إلى الغرق.. وفي قصة: (ولكنهم الآن هناك)؛ تبدأ القصة ببطل العمل في مشهد عبثي، إذ يحمل فوق ذراعيه جثة لا يعرف من أين أتت ولا حتى إن كانت الجثة لامرأة أم رجل.. ولا يعرف إن كان له يد في مقتل صاحب أو صاحبة الجثمان.. كل ما يعرفه هو بحثه عن مكان يخفي فيه الجثة، ولكن عندما يفعل يستيقظ فزعاً من نومه بعد أن رآهم هناك يحيطون بالحفرة التي سبق وأن أخفى فيها الجثة.. هي قصص تحمل إذاً الكثير من الرمزية التي تمنحها مستويات متعددة من الفكر والرؤية، والقارئ بحسب ثقافته وذائقته الأدبية يستطيع الغوص إلى مكنون كل قصة ورمزيتها.

أما مسرحيات المجموعة، فيكفي القول أن (محاكمة جندي أميركي)؛ أستوحيت فكرتها عندما سمعت صديق لي، يعمل مرشد سياحي، أنه صادف بين أفراد مجموعته الألمانية أثناء زيارتهم معالم الأقصر جندي أميركي شارك في الحرب ضد العراق وعاد إلى قاعدته في ألمانيا لقضاء إجازته ومنها جاء إلى مصر للقيام برحلة ثقافية، فكانت محاكمة للقيادة السياسية الأميركية بصفة عامة في الشرق الأوسط، خلال عمل أدبي يحمل، كغيره مما أكتب، رؤية إستشرافية أثبتت الأيام والأحداث الحالية في أرض العراق وسوريا صحتها..

وهناك مسرحية أخرى ضمن الكتاب تحمل عنوان: (في جلسة للحكماء)؛ حيث تقدم مجموعة من أغنياء العالم بوصفهم الحكام الحقيقيين للأرض والمتحكمين في مصائر الشعوب ومقدراتها.. وهنا يطرح العمل السؤال المعضل حول من يحكم عالمنا حقيقة وأي مستقبل تنتظره البشرية في ظل سيطرة هؤلاء الحكماء..

(كتابات) : في (جنية البحر) .. ما سبب إحتفاءك بالموروث الشعبي ؟

  • (جنية البحر)؛ هو محاولة للحفاظ على الموروث الشعبي، فنحن أطفال القرى والنجوع في ريف مصر، كانت تغذي الحكايات في الليالي القمرية خيالنا وتزيده خصوبة، ولكن مع وجود وسائل الاتصال الحديثة ومع سيل الأفلام والبرامج القادمة من الغرب والشرق؛ أدى ذلك إلى تعلق أطفال الأجيال الحالية بثقافات غريبة عنا، فكأن الحادث هو نزع جذور شجرة وارفة بما نجم عنه إصفرار أوراقها وتساقط ثمراتها.. من هنا يأتي توجهي للحفاظ على هذا الموروث ليكون غذاءً روحياً لأطفال مصر..

وفي النهاية القصة تمثل الجزء الأول من عمل المفترض فيه أن يكون متعدد الأجزاء، وقد انتهيت بالفعل من كتابة الجزء الثاني؛ ويحمل عنوان: (خادم المقام)، وأرجو فقط أن كتابة أجزاء هذا العمل الذي أعده العمل الأدبي الحياتي، أي الذي سيبقى مصاحباً لي طيلة حياتي.

(كتابات) : كتبت المسرحية والقصة القصيرة والرواية .. علام يكشف هذا التنوع.. وأي جنس أدبي أقرب إليك ؟

  • التنوع في كتاباتي بين المسرح والقصة القصيرة والرواية والشعر يرضي نوعاً ما غروري الأدبي أو بمعنى أدق اعتدادي الأدبي.. كما أنه يعد نوع من أنواع التحدي الشخصي، وكيف لا وأنا لا يعجزني ضرب من ضروب الأدب !؟.

ولكن الأهم، في رأيي، القيمة الفنية والفكرية والأدبية التي يحملها كل عمل على حده.. أنا أظن أن كل عمل من أعمالي، سواءً كان قصة قصيرة أو قصيدة شعرية أو مسرحية، يمثل حالة إبداعية شديدة الخصوصية..

قمة الإبداع الأدبي؛ هو بلا شك “المسرح”، وخاصة المكتوب بصيغة شعرية، وأعظم أديب في التاريخ البشري (شكسبير)؛ هو أديب مسرحي، ولقد كتبت أعمالاً مسرحية في مقتبل حياتي الأدبية تأثراً بالأستاذ “توفيق الحكيم”..

“القصة القصيرة” لها مكانة خاصة لدي؛ وحدث عندي في السنوات القليلة السابقة حالة من التوهج في كتابتها، حتى أنني كتبت مؤخراً كماً غريباً من القصص القصيرة والقصيرة جداً تكفي لإصدار خمسة مجموعات قصصية، وحالياً أنا في إنتظار صدور أولاها، والتي تحمل عنوان: (موت الحياة)؛ عن الهيئة العامة للكتاب.

(كتابات) : كتابة الشعر ماذا تحقق لك ؟

  • مسألة الشعر مغايرة نوعاً ما، لأنني توقفت منذ زمن بعيد عن كتابة الشعر، ولكني عاودت قبل سنوات قليلة كتابة الشعر على إستحياء، بادئ الأمر، ولكن حدث نوع من الفيض في الكتابة الشعرية خلال الثلاث سنوات الأخيرة متوازياً مع هذا الفيض في كتابة القصص القصيرة.. لا أستطيع حقيقة تحديد سبب كل ما حدث ولا أجد تفسيراً منطقياً.. ولكن الإبداع في المجمل هو خروج عن المألوف، لذا لا يمكن إخضاعه لقوانين العقل والمنطق.

(كتابات) : رغم غزارة إنتاجك وتنوعه.. هل تواجه صعوبات في النشر ؟

  • النشر كان وما زال يمثل مشكلة مستعصية أمام أصحاب الإبداع الحقيقي؛ ويقف في أحايين كثيرة كحجر عثرة في طريق الأدباء الذي يملكون مشروعاً أدبياً.. بالنسبة لي لم يمثل النشر مشكلة، لأني بدأت النشر مع “مكتبة مصر” منذ أول كتاب.. هناك أمر واحد فقط كان يشكل عائقاً أمامي وهو حساسية “عائلة السحار” تجاه الأعمال التي تحمل تلميحات أو مضامين سياسية، وحدث هذا عندما عرضت عليهم مسرحية (مرشح الحمير)، وهي تنتمي إلى الأدب الساخر.. إذ رفضوا طبعها لديهم حتى ولو على حسابي الشخصي.. كما لم أجد من يتحمس لنشر المسرحية، لأن آخر ما تبحث عنه دور النشر حالياً هو الأعمال المسرحية.. المهم أنني نجحت بعد طول بحث ومشقة في طبع المسرحية، والتي كانت تحمل إرهاصات للثورة القادمة ووقعت عقد لتوزيعها مع الجمهورية.. كان تاريخ العقد الموقع 25-01-2011.

(كتابات) : في مسرحية (مرشح الحمير).. هل هناك تأثر ما بـ”توفيق الحكيم” ؟

  • بخصوص تأثري في كتابة مسرحية (مرشح الحمير)، بالأستاذ “توفيق الحكيم”.. أنا لا أنكر أثر الأستاذ على كتاباتي الأولى للمسرح، ويظهر هذا جلياً في مسرحية (إلا أن تكون من الخالدين)، التي تنتمي إلى المسرح العقلي أو مسرحيات الفصل الواحد، والتي أشرت إلى البعض منها.. ولكن للحقيقة بدءاً من مسرحية (أولو الأمر)؛ مروراً بمسرحية (مرشح الحمير)، وانتهاء بمسرحية (كلنا حسين)، لا أقول تخلصت من تأثير “توفيق الحكيم”، ولكن أقول سلكت درباً خاصاً بي، إذ أخترت لغة أقرب إلى رجل الشارع العادي مع الإحتفاظ بعمق الفكرة والرمزية، وما أرغب فيه حقاً أن أتمكن من كتابة مسرحياتي في المستقبل بلغة شعرية.. وربما هذا هو السبب والدافع الخفي وراء إحتفاظي بوتيرة متصاعدة في الكتابة الشعرية.. الشعر هو بلا شك قمة الأدب، وخذي حالة كاشفة مثلاً كحالة الأستاذ “يوسف إدريس”؛ إذ كتب في كافة ضروب الأدب من رواية ومسرح وقصة قصيرة، ولكن إستعصي الشعر عليه..

(كتابات) : هل الجيل الحالي من الكتاب تعرض للظلم مقارنة بالأجيال السابقة.. ولما ؟

  • أدباء الجيل الحالي يعانون أشد المعاناة، ليس بسبب فرص النشر فقط، ولكن بسبب مشكلة غريبة في رأيي الشخصي، وتتمثل في إنعدام المعايير الموضوعية للأعمال الأدبية، فلم يعد كافياً أن يكتب الأديب عملاً جيداً أو أن يحصل على جائزة أدبية، حتى ولو كانت رفيعة الشأن، أو أن تنشر أعماله في كبريات الصحف والدوريات الأدبية، حتى تجد طريقها إلى القارئ وتحقق الإنتشار الواسع.. بينما يشاهد هؤلاء أعمال البعض الآخر من المحسوبين على الشعراء والروائيين؛ وهي تحقق أفضل المبيعات وتجلب لأصحابها الشهرة.. السر وراء إقبال الجمهور على كتاب أدبي ما، سواء أكان رواية أم غيره، بالرغم من ضعف قيمته الأدبية وإحجامه عن أعمال جيدة، أصبح محبط لكثير من شباب الأدباء..

(كتابات) : ما تقييمك لحال الأدب في مصر والعالم العربي في الوقت الحالي ؟

  • عالم الأدب ممتلئ بالألغاز المحيرة.. وعلى مدى تاريخ الأدب؛ كانت هناك حالات إكتسبت المجد والشهرة بالرغم من قلة وضعف إنتاجها، كما أن هناك البعض الذين لفتهم ظلال التجاهل وعدم التقدير طيلة حياتهم ولم يعرف الناس قدر إبداعهم الأدبي إلا بعد رحيلهم بزمن.. لذا على كل من يرغب دخول هذا المجال إدراك حقيقة أن الأدب قد يأخذ منك كل شيء ولا يعطيك في النهاية إلا النذر اليسير وقد لا يعطيك شيئاً بالمرة.

(كتابات) : ما رأيك في كتابات الشباب.. وما سر غزارتها ؟

  • على الأديب أن يكاشف نفسه.. هل يكتب من أجل الشهرة أم يكتب ليصنع لنفسه بصمة.. الشهرة في مجال الأدب قد تأتي صدفة، ولكن البصمة لا تتحقق إلا بمداومة الكتابة الجيدة، حسب رؤية واضحة للذات والعالم من حوله ثم المصير الإنساني في قلبه، ولن يبقى عالقاً في الأذهان وخالداً في الوعي إلا الأديب صاحب البصمة، وهذا ما أسعى بصفة شخصية لتحقيقه من خلال أعمالي الأدبية.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب