حوار حول المفكر العربي؛ “محمد عابد الجابري”، مع الدكتور “علي المرهج”، رئيس قسم الفلسفة لدى الجامعة “المستنصرية” ببغداد…
خاص : حاوره – هاشم الشماع :
- “محمد عابد الجابري” ناقد العقل العربي ومستفزه
- كرّس حياته الفكرية للبحث في قضايا التراث والعقل العربي
- أصدر كتابه بعنوان: (نحن والتراث) أعلن فيه: أن العقل العربي قام بإلغاء الزمان والتطور
- مرجعية “الجابري” الفكرية: القرآن والسُنة والفقه – تراث الفلاسفة العرب – الحضارة اليونانية والفكر الغربي الأوروبي
- “الجابري” من القلائل الذين اشتغلوا بالثقافة والسياسة معًا
- يعتبر “الجابري”: أن المثقف فوق السياسي
- ولد “الجابري” عام 1935 في “الفجيج”؛ بـ”المغرب”، وتوفي عام 2010، عن عمر: (75عامًا)
النبي تمكن من جمع الناس في عُصبة الدين..
- “الشماع” : كتاب (نقد العقل العربي) أحدث ضجة لأن الكتاب؛ وحسّب رأي البعض، جاء ليُحرر العقل العربي من التراث، والتراث هنا المقصود به (الدين).
“المرهج” : لم أجد أن “الجابري” يُرادف بين الدين والتراث، بل يجد أن فيما أحدثه “النبي محمد” نهضة ينبغي للعرب أن يعوا مقاصدها، لأنها تمكنت من جمع العرب حول رسالة واحدة جمعت القبائل العربية بعد تشّتتها، وتمكن “النبي” من جمعهم حول عُصبة الدين بعد أن كانت تجمعهم عُصبة القبيلة.
“الغزالي” أقصى الفلسفة لصالح الفقه..
- “الشماع” : هل تعتقد أن “الجابري” لم يأتِ لضرب التراث؛ بل أراد أن يقراءه بطريقة مختلفة، أم إنه فعلاً جاء ليفصل العقل العربي عنه ؟
“المرهج” : ميزة “الجابري” أنه وجد في التراث مفصلًا؛ يُمكنه من الفصل بين عقلين أو تراثين: مشرقي وآخر مغربي..
كان “الغزالي”؛ في نقده للفلاسفة، مفصلًا في العمل على تغييّب العقل البرهاني من أجل تفعيل حضور العقل العرفاني، وهذا ما حصل فعلًا بعد أن تمكن “الغزالي” من إقصاء القول الفلسفي لصالح سيّادة القول الفقهي بحضوره الخطابي والوعظي في المشرق العربي، لتغيب شمس الفلسفة في مشرق العرب وتحضّر في مغربها بعد ان تمثلتها فلسفة “ابن رشد” ببُعدها العقلاني؛ (البرهاني)، والنقدي.
العرب يعيشون في التاريخ..
- “الشماع” : في كل العالم، وفي مختلف الأزمنة يشهد نهضات فكرية ومعرفية، لماذا غالبًا العرب متأخرون في النهضة؛ ما هو العامل الأساس الذي يمنع نهضة العرب ؟
“المرهج” : العرب متأخرون لأنهم يعيشون في التاريخ ويجتهدون في جعل الماضي يُفسّر الحاضر ويُمارس سطوته عليه.. العرب يعيشون التاريخ ويتغنون في الماضي، وأغلب شعوب الأرض تجعل من الماضي مخزونًا لها في الافادة منه في فهم الحاضر والإقبال على ما يحدث في استشراف المستقبل.
مجتمعنا يحكمه خطاب الوعظ والعرفان..
- “الشماع” : كيف ينظر “الجابري” إلى التصرف والعرفان اللذان هما جزءً من المدرسة الإسلامية المعرفية؛ بل يرى أصحابها أن نظرياتهما عامل مهم في بناء المعرفة الإسلامية ؟
“المرهج” : لا جدال بأن مجتمعنا المشرقي يحكمه خطابان مهيمنان هما: الخطاب الوعظي؛ (البيّاني)، والخطاب الوجداني؛ (العرفاني)، وكلاهما خطابان لا يحتكمان للقول الفلسفي؛ (البرهاني)، بقدر ما ينزعان لقوالب جاهزة في التلقي للخطاب البيّاني ببُعده الوعظي والتأسي على الفّقد، أو الخطاب العرفاني ببُعده في العيش بالوجد.
“الجابري” يُميز بين العقل المغربي والعقل الشرقي..
- “الشماع” : كيف ترى تقسّيمات “الجابري” ومقارنته بين العقل الأوروبي الذي وصفه بـ”البرهاني” وبين العقل العربي الذي وصفه بـ”البيّاني” الذي يُركز على اللغة ؟
“المرهج” : العقل في الفكر العربي عقل يتداخل معه الدين؛ (الإيمان)، مع الفلسفة؛ (البرهان)، و”الجابري” كشف عن الوظيفة الإيديولوجية في الخطاب العربي الذي تحكمه وتُقيّده، ولكن هذا لا يمنع من القول بتأثر “الجابري” بتقسّيم المستشرقين للعقل وتميّيزهم بين العقل السّامي؛ (العربي)، والعقل الآري؛ (الغربي)، والقول بتميّز العقل “الآري” على “السّامي”، ليصطف “الجابري” في تفضيله للعقل المغربي على العقل المشرقي متفقًا مع المستشرقين في استعارته منهم للتميّيز بين العقل الشرقي والعقل الغربي – لم يصف “الجابري” العقل العربي بأنه بياني..
– هو لم يصف كل معطيات العقل العربي بأنها معطيات بيان، لأن نتاج العقل المغربي هو نتاج عربي، ولكنه مايز بين النتاجين المشرقي والمغربي، وانتصر للعقل المغربي فلاسفته، وهنا يطول الحديث. فهناك رسالة “الشافعي” وهناك نقد “الغزالي” للفلاسفة في كتابه: (تهافت الفلاسفة).
“العقل البيّاني”؛ عند “الجابري”، يختص به أهل المشرق العربي، وقد نحتاج لتفصيل ليس هذا محله في تفصيل.
“أرسطو” كمل عنده الحق..
- “الشماع” : هل توافق على أن النقد يجب أن يأتي بالبديل، فما هو البديل الذي وضعه “الجابري” في نقده للعقل العربي، هل يُريد أن يقول: كن كالعقل الأوروبي المتسّم بالعلم ؟
“المرهج” : في المسّكوت عنه يدفع بنا “الجابري” للقبول بمنطلقات العقل الأوروبي؛ (الغربي)، كما قبل بها من قبل الفلاسفة المسلمين وفي مقدمتهم “ابن رشد”؛ الذي (فجر المنظومة الأرسطية)، بتعبير “الجابري” وكيف فجرها، وهو الذي يقول عن “أرسطو” أنه: “الرجل الذي كمل عنده الحق” !!.
الاستبداد مرض..
- “الشماع” : ألم يكن العرب هم من أنتجوا الكيمياء والرياضيات والفيزياء وغيرها من العلوم.. لماذا برأيك توقف إبداع العرب في هذه المجالات فيما أبدع الغرب فيها بدلاً عنهم ؟
“المرهج” : كلما تمكن الاستبداد من قوم صار حالهم كحال من يعيش ألم مرض يسّري في جسده، ولا يعرف أنه مريض ولا إمكانية لشفائه إلا باستئصال أصل المرض..
العرب مجتمع له قيمة..
- “الشماع” : لماذا برأيك؛ وكما ذهب “الجابري”، نرى أن العرب محكومون بمذهب سياسيهم فنرى نظرة التقديّس متأصلة بل يصل الأمر إلى إنهم يؤسسون منظومة قيمية، بخلاف الغرب ؟
“المرهج” : من حق العرب تأسيس منظومة قيمية بخلاف الغرب، لأنهم مجتمع له قيمه وعاداته، ولكن ليس هذا هو المشّكل، بل المشكل الأكبر الذي ذكرته في مقدمة سؤالك، وهو نزعة العرب للتقديس وفسّح المجال لحضوره واتسّاع مساحته بما يُغيب فعل العقل ويغفل دوره.
“الجابري” استفزنا..
- “الشماع” : هل تعتقد أن “الجابري” نجح في نقد العقل العربي، وجعل التراب يخضع إلى العقلانية، بل إن صح القول هل استطاع “الجابري” تثوير محاولات لاحقة لهذا النقد ؟
“المرهج” : ذات مرة قلت لأستاذي؛ “د. حسام الدين الآلوسي”، لماذا انتم مشغلون بـ”الجابري” وكتاباته ؟!، فإجابتي أن ميزة “محمد عابد الجابري” أنه تمكن من رمي حجر في الماء الراكد، فاستفزنا للرد عليه سواء في الاتفاق معه أو في نقده..
هو مفكر إشكالي قاريء بامتياز للتراث والفكر الغربي وأجاد السؤال الفلسفي.
“الجابري” ومشكلة الشرق..
- “الشماع” : هل ترى أن “الجابري” أراد أن يؤسس لفلسفة عربية جديدة ؟
“المرهج” : أرى أن “الجابري” أراد تخليص الثقافة المغربية من سطوة الثقافة المشرقية في الأدب شعرًا ونثرًا وفي الفلسفة وفي الفقه وفي التفسير، وله ما له وعليه ما عليه، ولكنه مفكر استثنائي تمكن من استفزاز عقول مفكرين عرب كان فكره بالنسبة لهم شغلهم الشاغل.