15 نوفمبر، 2024 3:06 م
Search
Close this search box.

مع (كتابات) .. “علي الطائي” : أسعى إلى إبراز صورة “الحضارة العراقية” العريقة في أعمالي !

مع (كتابات) .. “علي الطائي” : أسعى إلى إبراز صورة “الحضارة العراقية” العريقة في أعمالي !

خاص : حاورته – آية حسين علي :

في حجرة مليئة باللوحات وقصاصات النحاس والخشب والكثير من الألوان المبهجة، يجلس الفنان التشكيلي العراقي، “علي أمين الطائي”، خلف مكتبه بينما يقوم بتصميم ورسم لوحه يعكس بها عمق ما بداخله، مستخدمًا مواد طبيعية بسيطة مثل الخشب والزجاج والنحاس وأيقونات تراثية لإنتاج عمل فني فريد..

وقد حرصت (كتابات)، على محاورته محاولة الإقتراب من فنه وتفاصيل إبداعاته ..

(كتابات) : بداية ما الذي عزز شغفك بالرسم ؟.. وكيف بدأت علاقتك بالفن التشكيلي ؟

  • اهتمامي وشغفي بالفن بدأ منذ الطفولة.. ربما في سنوات دراستي الإبتدائية أو قبل ذلك، فقد كنت أميل للغاية لحصة الرسم أو كما كانت تسمى “درس الفنية”، فكانت هذه الحصة بمثابة العالم الخيالي الذي أدخل إليه وأغوص في تفاصيل قصاصات الورق والألوان، وكنت متميزًا بأعمالي وأنال شهادات التقدير والإعجاب، كما حرصت على المشاركة في المعارض التي كانت تقيمها المدرسة أو على صعيد وزارة التربية آنذاك.

من هنا بدأت ميولي تتجسد وصورة الموهبة تتجلى، ما دفع أسرتي لدعمي ومساندتي وتوفير كل مسلتزمات الرسم وكراسات التلوين؛ فكبر هذا الشغف وتحول لحب بيني وبين أقلامي وفرش الرسم حتى صارت الأدوات جزءًا من كياني والفن أصبح ملاذي ووطني الذي أسكنه.

بدايتي مع الفن التشكيلي كانت متأخرة؛ ربما أو يمكنني أن أقول إنها أتت في زمانها المحدد، حيث النضوج الفكري والقدرة على الدخول في صميمها، فبعد سنوات دراستي وإتمامها وقرار الإغتراب الذي جاء قاهرًا لجميع أحلامي في وطني “العراق”، جاءت الفرصة للدخول إلى هذا العالم الثري بكل ما فيه من تفاصيل وحيثيات وأبعاد.

(كتابات) : هل تعتقد أن الفن التشكيلي يعتمد على الموهبة فقط أم يحتاج إلى تعزيز بالدراسة والتدريب ؟

  • أجد أن أساس الإبداع هو الموهبة، والموهبة الحقيقة لابد لها من الظهور مهما غابت تحت السطح عميقًا فلابد لها إن تظهر، وبعد وجود الموهبة التي يصاحبها إيمان الشخص بقدراته ويقينه بأن ما يجول في الخاطر هو شيء حقيقي ويستحق أن يسلط الضوء عليه تأتي الدراسة والبحث والغوص في أعماق المعرفة.

وأرى أن الفنان الحقيقي هو من يصقل موهبتة ويسعى إلى تطويرها ليجعل منها كيانًا صلبًا له أبعاد كبيرة، كما أن العلم نور وعلى أي إنسان، مهما كانت مهنته، أن يبحث كثيرًا ويجرب ويتعلم ويقرأ لكي يكون أكاديميًا في مهنته وحرفيًا في صنعته.

(كتابات) : هل تعتقد أن الفنون متصلة ببعضها ؟.. وهل هناك ثمة علاقة بين الفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي ؟

  • بلا شك أن عين الفنان كما “العدسة” تلتقط دومًا المشاهد والتفاصيل وتخزنها في أعماق الذاكرة وتسترجعها حال الحاجة إليها لتجسدها في عمل فني، سواء لوحة أو عمل نحتي أو تشكيلي، لهذا الفنان قد يختلف بعض الشيء عن باقي الناس لاهتمامه بهذه التفصيلة، وجميع الفنون في قرارها تشترك في قاعدة واحدة؛ وهي “خلق الجمال من العدم”، وهذا ما يصل للمتلقي عندما يجد لوحة أو عمل فني بسيط في مضمونه أو خاماته، ولكنه عميق بقيمته وموضوعه وصياغته، تمامًا كما التصوير الفوتوغرافي، فعين المصور تلتقط المشاهد واللقطات العفوية والزوايا الضيقة لترينا أبعاد أخرى قد تسقط من أعيننا سهوًا، لهذا أغلب الفنانين التشكيليين يملكون عينًا دقيقة ترصد خفايا المشهد وتحوله إلى بُعد إضافي في عمق المضمون الفني بصورتة الكاملة.

(كتابات) : ما هي المواد التي تستخدمها في لوحاتك ؟

  • أعمالي متنوعة كتنوع خاماتها وتفاصيلها ومواضيعها.. فأنا منذ بداياتي أحاول اكتشاف عناصر وخامات ومواد لأعيد توظيفها بشكل آخر باستخدامها في أعمالي، ليس فقط للتغير وأنما أجد من الضروري للغاية أن يكون للفن التشكيلي دورًا مهمًا في إعادة اكتشاف الخامات الطبيعية الموجودة بشكل عشوائي في الطبيعة؛ مثل “الخشب والمعادن وجذوع الأشجار والحصى وحبات الرمال والصدف” وغيرها، فمن هنا بدأت حيث جمعت من الطبيعة وعناصرها وكونت أولى أعمالي وعملت بها معرضًا لاقى صدًا كبيرًا جدًا، ومن بعدها عندما زاد حجم أعمالي الفنية وتنوعها بدأت في توظيف خامات أخرى كـ”الزجاج والنحاس والفضة وقطع السيراميك والفخار”، ما أعطى شكلًا جماليًا آخر لأعمالي، متزامنًا مع الرسم بألوان، هذا عوضًا عن “ألوان الزيت والأكريلك والألوان المائية والخشبية والأحبار”، التي صنعت منها العديد من اللوحات والأعمال الفنية، بالإضافة إلى المزج بين أكثر من عنصر ومكون لتكون الحصيلة النهائية عمل تشكيلي بطابع خاص ومختلف.

(كتابات) : هل فكرت في إقامة معارض للوحاتك في “العراق” وخارجه ؟

  • الأمر تحول من مجرد فكرة إلى واقع، حقيقة خروجي من “العراق” له أثر بالغ في نفسي وأتمنى حقًا عمل معرض تشكيلي أنقل به أفكاري ورؤى ما تعلمته في مسيرتي وأعرضه وسط جمهور يهتم بي وبما أقدم في “العراق”.. ولكن الآن الظروف قد لا تكون مناسبة لي، ولكني فعليًا لدي على مدار السنة مشاركات ومعارض أقدم بها أعمالي في كثير من المحافل والمنتديات وقاعات الفنون التشكيلية في “مصر”، ولهذه المعارض دورًا مهمًا في حياتي وحياة أي فنان تشكيلي، فهي المرآة التي يرى بها الفنان نتاجه وأفكاره وطرحه، لذا فأنا اهتم للغاية بالمشاركة في الكثير من المعارض لأسمع آراء النقاد والمهتمين والدارسين لأعمالي واستفيد منهم.

(كتابات) : هل تفكر في تدريب شباب على إتقان مهارات الفن التشكيلي ؟

  • في الحقيقة أنني منذ بداياتي أسعى دومًا لتقديم الدعم الكامل والمشورة والنصح لجميع من يحاول أن يعبر عن نفسه من خلال “الفن التشكيلي”، وهذا ما كان يحدث فعليًا من خلال الدورات أو الاجتماعات والمحاضرات التي كنت أقدمها، وأيضًا من خلال وجودي كمعلم وسط مجموعة من طلاب “ذوي الإعاقة” و”التوحد” لدعم قدراتهم وتعليمهم وزيادة مهاراتهم في مجال الفنون، لما يحمله الفن من دور أساس لتنمية المجتمعات والأفراد، وأيضًا من خلال تواصلي المباشر مع كل من يسألني أو يستفسر عن تقنية أو أسلوب تنفيذ حرفي يخص الفن التشكيلي، لابد من الدعم المستمر لكل من يريد أن يفتح هذا الباب ويدخل لعالم الفن بأدق تفاصيله.

(كتابات) : ما الذي تركز على إبرازه من الثقافة العراقية في أعمالك ؟

  • أسعى دومًا إلى إبراز صورة الحضارة العريقة التي يتمتع بها “العراق”؛ من حيث الإرث الحضاري والتراثي والإنساني، لأن “العراق” كان مهدًا للحضارات العريقة ومنبتًا للكثير من الثقافات والأقوام وما تعاقبت عليه من سلالات وحقب زمنية كانت كفيلة بصنع الموروث الغني، وأحب دومًا تجسيد تلك المضامين في أعمالي وتسليط الضوء على “بغداد القديمة”، عاصمة الخلافة، والطابع المعماري الفريد الذي كان يميزها والقباب والمآذن والنخيل الشاهق.

هذا بالإضافة إلى الموروث الشعبي بتفاصيله البسيطة، ورمزية أنهار “العراق” وجداوله وروافده، كل تلك المشاهد صنعت من أعمالي ثقلًا وقيمة وأعطت مسحة من الجمال، فعندما يعرض لي عملًا وسط الأعمال العديدة يقف المتفرج ويتعمق في أبعاد اللوحة ليكتشف عالمًا زاخرًا وغنيًا بالتفاصيل التي تنبعث من أصل “وادي الرافدين”.

(كتابات) : ما هي أكثر لوحة مفضلة لديك ؟

  • حقيقة لا أعلم فجميع أعمالي قريبة لقلبي وأحتفظ بمجموعة كبيرة منها ولا أفرط فيها، لأنني اعتبرها الأغلى لقلبي ولكني في الواقع تنشأ بيني وبين كل عمل جديد حالة من الارتباط والانسجام, فليس مجرد عمل وإنما هناك محبة وترابط بيتي وبين كل أعمالي.

(كتابات) : كيف ترى مستقبل الفنون عمومًا والفن التشكيلي خصوصًا في “عراق” اليوم ؟

  • أرى أن الفن التشكيلي أو فنون الإبداع عامة؛ كفن “الرسم” و”التشكيل” و”التصوير” و”النحت” و”فن الخط” من الفنون، حالة ضرورية للغاية في الوقت الحالي.. فهي بمثابة صمام الأمان الذي يحول عن انفجار هذا الغليان الحاصل في مفاصل الحياة عمومًا، وللفنون دور أساس وكبير في إمتصاص الغضب والخروج من دائرة الضغوط النفسية والعصبية وتحويل مسارات الطاقة نحو الإيجابية، وهذا ما تصنعه طاقة الألوان والأشكال، والدراسات الحديثة تشجع على العلاج والترويض وضبط السلوك بطاقة الألوان، لهذا الفن التشكيلي أساسه ومنذ قديم الأزل قائمًا على تصحيح المسار وضبط التوازن.

أما عن مستقبل الفن التشكيلي في “العراق”.. بلا شك أن “العراق” يمر بظروف استثنائية جعلت من أرضه مسرحًا مشتتًا للمواهب وساهم قلة إحتضان المواهب الشابة وتوجيه طاقاتهم أو تسليط الضوء على إبداعاتهم في تقلص الفن التشكيلي، ولكن هناك محاولات فذة تصنع أعمالًا جميلة وذات معنى، والفنان التشكيلي العراقي مبدعًا في مجاله أينما وجد، فالكثير من الفنانين العراقيين أثبتوا وجودهم خلال السنوات الماضية ونالوا شهادات التقدير وبيعت أعمالهم في مزادات عالمية، وأتمنى أن تعود الريادة للفن التشكيلي العراقي كما كان في السابق.

(كتابات) : كيف أثرت الظروف التي مر بها “العراق” على الفن وتشكيل وعي الجيل الجديد من الفنانين العراقيين ؟

  • “العراق” منذ فجر التاريخ كان مسرحًا للكثير من الصراعات والحروب، ولكن رغم كل المحن والظروف القاسية كان متألقًا في عالمه متميزًا بعلمه وقدرته على خلق الإبداع والمضي قدمًا، فكل الصعوبات والعثرات لم تغير من صفاته الجينية، اليوم ما يمر به “العراق” ليس أسوأ من هجوم “هولاكو” على “بغداد”، ولا الغزو المغولي المدمر، وبرغم كل الظروف نهض العراق كـ”العنقاء” وعاد للصدارة.

وشكلت الظروف الحالية في وجدان الفرد العراقي وعلمت عميقًا، وهذا ما نلمسه في الأغاني والأشعار أو ما نراه في خطوط عمل فني في معرض تشكيلي، هذه المرحلة الحرجة من تاريخ “العراق” ستمر وستتغير الظروف وستكون هناك شواهد كثيرة عظيمة لا تقل عظمة عمن سبقنا.

(كتابات) : من هم أبرز الفنانين العرب الذين أثروا فيك وفي فنك ؟

  • كثيرون ممن أثروا بي، وربما تأثري بهم جاء لقربي من أعمالهم وما تحتويه من تنوع لوني ودقة متناهية وتنوع في المدارس الفنية، أحيانًا كثيرة لا يهمني اسم فنان؛ إذا كان مخضرمًا أو مستجدًا بقدر اهتمامي بالعمل نفسه، فهو البصمة الحقيقة للإبداع، ومنهم؛ الفنان السوري، “جاك وردة”، والمصري، “حلمي التوني”، وغيرهم الكثيرين حقًا لا يسعني ذكرهم.

وبالطبع أنا امتداد لعمالقة الفن التشكيلي العراقي؛ فكوني عراقي الهوى والهوية فأجد نفسي قريبًا لأعمال أساتذتي العظام أمثال، “نشأت الألوسي”، و”وداد الأورفلي”، وغيرهم.

(كتابات) : ما هي توصياتك للفنانين الشباب ؟

  • وصيتي أن يبحث كل شاب وشابة في قرارة نفسه عن موهبته وأن يكتشفها سريعًا ويسعى لتنميتها وصقلها، وألا يسمحوا لليأس أن يتسرب إلى قلوبهم، فالوقت لايزال طويلًا ومسعفًا، وكثير من الأماني والأحلام تأتي متأخرة وتتحقق في مواعيدها، مع ذلك؛ لابد أن يسعى الإنسان وأن يحقق ذاته ويفرض على الآخرين الإيمان به، ولا ينتظر من الآخر مد يد العون.. وأخيرًا حب ما تعمل كي تعمل ما تحب.. أتمنى لكم عالمًا بحجم أحلامكم وطموحاتكم.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة