17 نوفمبر، 2024 8:25 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات.. عبيد: نصوص الجيل الثمانيني مليئة بشهقات الجنود واستغاثات الأمهات وعويل البلاد

مع كتابات.. عبيد: نصوص الجيل الثمانيني مليئة بشهقات الجنود واستغاثات الأمهات وعويل البلاد

خاص: حاورته- سماح عادل


“علي حسين عبيد” كاتب عراقي، فاز بالمركز الأول في جائزة “الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي”، فرع القصة القصيرة عن مجموعة “لغة الأرض”، من مواليد 1956 بابل، حاصل على بكالوريوس علوم سياسية من جامعة بغداد 1984، نشر أولى قصصه (الحلم) في مجلة الطليعة الأدبية العراقية 1983. عمل في حقليّ الإعلام الإذاعي والصحفي. وهو عضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين من عام 1987، وعضو اتحاد الأدباء والكتاب العرب من 1991، وعضو جمعية العلوم السياسية في العراق، وأمين الشؤون الثقافية في اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين / كربلاء 1998- 2000، ورئيس اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين / كربلاء 2006 -2007. له عمود صحفي أسبوعي في جريدة الزمان  للأعوام 2005- 2010.

كما عمل رئيسا للجنة الفحص والتقييم لبرامج إذاعة كربلاء ومعدّا ومقدما للبرامج الثقافية للأعوام 2004- 2006 ، و مديرا لتحرير شبكة النبأ المعلوماتية للأعوام 2005- 2007.

صدر له:

1-  مجموعة قصص (امرأة على الرصيف) 1988 لم تصدر بعد/ نُشرت جميع قصصها في الصحف والمجلات.

2-  قصص (كائن الفردوس) صدرت عام 2001 عن دار الشؤون الثقافية/بغداد.

3-  قصص (الأقبية السرية) صدرت عام 2009 عن دار الشؤون الثقافية/ بغداد.

4-  قصص (وردة اللوكيميا) 2002 لم تصدر بعد/ نُشرت جميع قصصها في الصحف والمجلات.

5-   (طقوس التسامي)/ رواية/ صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة/ بغداد/ 2000 .

6-   رواية (رحلة غياب) 2005 لم تصدر بعد/ نُشرت فصولها في صحف عراقية ومغربية.

7- كتاب (المثقفون والملاذ الآمن)/ إصدارات مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.

إلى الحوار:

(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

  • في طفولتي دونت أناملي الصغيرة بيتاً شعريا وأنا في الخامس ابتدائي، فطرتُ به إلى أخي عبد الرزاق وعرضته عليه بخليط من مشاعر الفرح والتوجّس والخوف أيضا، ليجيبني بمفردة أربكتني حين قال أنت شاعر، تلك الكلمة هي التي وضعتني على سكّة الكتابة ولا زلت أسير عليها حتى اللحظة، بعدها بسنتين وأنا في الأول متوسط وقعت في يدي رواية قصيرة لكاتب فلسطيني بطلها ثائر وعاشق في آن، وقد أنهيتها في جلسة واحد بسبب شغفي العجيب بها، ثم قرأت الشعر، “قباني” و”الجواهري” و”المتنبي”، وأحببتُ “غادة السمان”، وانتقلت قبل سقف العشرين إلى “عبد الرحمن منيف” و”شرق المتوسط” التي سحرتني وجعلتني اقرأ كل ما يكتبه “منيف”، وكتبت قصصي الأولى متأثرا بأسلوبه المثير، ومنها قصص (الحلم) أولى قصصي المنشورة في الطليعة الأدبية، و(أحزان الزمن الغابر) و (صفحات من ذاكرة الجدب)، لأنتقل بعد ذلك إلى قراءة الأدب العالمي مستفيدا من أصدقائي الأدباء في كربلاء حين كنّا نتبادل الروايات والمجاميع الشعرية والقصصية، أو العناوين المهمة لكتب كنّا نتعب كثيرا في العثور عليها.

(كتابات) فزت بجائزة الطيب صالح المركز الأول في القصة عن مجموعتك (لغة الأرض) ما هو شعورك تجاه الفوز.. وهل كنت تتوقعه؟

  • الفوز بهذه الجائزة الرفيعة لا يُضاهيه أي فوز سابق بجوائز تعدّ مهمة في حينها، ومن المفارقات الغريبة أن الذي قال لي في طفولتي أنت شاعر حين هنّأني بهذا الفوز قال (هذه أحسن جائزة تختم بها رحلتك مع السرد، إنها مسك الختام!)، فأجبته المستقبل مليء بالمفاجآت، أما بشأن توقّعي بالفوز من عدمه، فالحقيقة كنت مرتابا من الفوز لكثرة المشاركين، إذ تنافست (266) مجموعة قصصية في المسابقة من (26) دولة، لقد شاركت بمجموعتي القصصية (لغة الأرض) ونسيت أمرها لكنني اعترف بأنّ عنوان المجموعة كان يسطع في رأسي كلّما داهمني الإحباط والسأم من هذه الحياة، ويبدو أن هذا السطوع قد تحقق عند إعلان النتائج.

(كتابات) هل الجوائز التي ينالها الأدب العراقي في السنوات الأخيرة تعكس نهضة وتطوراً، وفي رأيك ما ملامح هذا التطور؟

  • لا نستطيع أن نفسّر فوز الأدباء العراقيين بجوائز عربية مهمة بأي تفسير سوى (تطوّر الأدب العراقي)، في الدورة التاسعة لجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي التي أعلنت نتائجها في 13 فبراير/ شباط، فاز عراقيان بالرواية والقصة، وفاز ناقد في محور النقد هو “محمد صابر عبيد”، ثلاثة عراقيين من تسعة فائزين بهذه الجائزة، ما نسبته ثلث الفائزين بهذه الجائزة من بين مشاركة عربية شاملة، ماذا يعني ذلك؟.

أما ملامح التطور، فيمكن الاستدلال عليه بكثرة الجوائز التي يحصل عليها الأدباء العراقيون، بالإضافة إلى تطوّر أساليب السردية العراقية في الرواية والقصة وحتى الشعر، ولابد من القول أن هناك أدباء كتبوا ما يستحق الفوز بجوائز رفيعة وأن فرصة حصولهم على هذا الاستحقاق لا تزال موجودة بل هي في تزايد مستمر، لأن الأدباء العراقيين لديهم ذخيرة كبيرة من الألم والموهبة والقدرة على قطف المزيد من الجوائز بسبب دأبهم الكبير والمتواصل على مواكبة التطور العربي والعالمي في السرد خصوصا وغيره من الأجناس، الخلاصة نعم يشهد الأدب العراقي تطورا ملموسا وهو في حالة تصاعدية في هذا المجال.

(كتابات)  في مجموعة (لغة الأرض) قلت أنك كتبتها عن حرب أمريكا على العراق.. حدثنا عن ذلك؟

  • قصصي في (لغة الأرض) هي مجموعة حكايات عشتها بنفسي، ولم يحدثني عنها أحد، هي قصص نزوح وتشرد عاشها أفراد عائلتي وعدد من أقاربي، هذه الحكايات مليئة بالخطر المميت على مدار الساعة، ففي أية لحظة يمكن أن يطول الموت أحدنا، لقد واجهت الموت ثلاث مرات كان الدم بها يتجمد في عروقي، ولذا لم أكتب ما سمعتهُ بل دونتُ ما عانيته بنفسي مع عائلتي مُضافاً إلى ذلك قوّة السرد وحضور الهمّ الإنساني المؤثر مع العلوّ بالقيم التي تحفظ مكانة وقيمة الإنسان في ظل عالم سياسي متوحش لا تعنيه أرواح الناس ولا حياتهم، في الحروب التي قادتها أمريكا على العراق هناك ضحايا بأعداد كبيرة، هؤلاء لم تعبأ بهم أمريكا ولا غيرها، هؤلاء هم مادة قصصي في (لغة الأرض) التي دوّنتها بأدلّة حاسمة وكنتُ شاهداً على فجيعتها.

(كتابات) في مجموعة (لغة الأرض) رصدت دور المرأة ومعاناتها في فترة الغزو وما بعدها كيف جسدت ذلك؟

  • حين فررْنا من ديارنا بسبب القصف العنيف، كانت شقيقتي حامل في شهرها الأخير، فهرعنا بجلودنا نحو الصحراء التي كانت بهواجسي هي المقبرة التي ستدفن بها أجسادنا، وفي غمرة البحث عن مكان آمن في الصحراء والبرد الذي لا يرحم، وانعدام الطعام وحتى الماء، والطائرات المغيرة فوق رؤوسنا، حدثت المشكلة التي كنتُ أخشاها حيث تعرضت شقيقتي لنوبات الطلق في منتصف الليل، إذ لا طبيب، ولا قابلة مأذونة، بل لا إناء ولا نار لغلي الماء ولا حتى قطعة قماش نلف بها الوليد إذا حل بسلام، وفي تلك الظروف القاسية كانت لنا جولة ليلية في سديم الصحراء  بحثا عن امرأة تساعد شقيقتي على الولادة، وعلى غرار هذه المعضلة تحاصرك مشكلات أخطر وأكبر تعالجها هذه القصص لتُظهر للعالم المتوحش القليل القليل مما تعرض له العراقيون، وحتى اللحظة لا تزال المخيمات تحتضن النازحات والنازحين منهم، قصص لغة الأرض تُظهر المرأة صبورة ومقاومة ويزدحم قلبها بالأمل، فالمرأة العراقية كما رأيتها وقدمتها هي أيقونة الجمال، وأيقونة البهاء والتحدي.

(كتابات) عملت في الصحافة لسنوات طويلة، في رأيك هل اختلفت الصحافة في العراق بعد ٢٠٠٣؟ وما تقييمك لها وللثقافة؟

  • كان عملي في الصحافة متقطعا نتيجة عسر الحال ولذا اقتصر نشاطي على نشر القصص بين حين وآخر، أما الثقافة فهي جزء من مشهد كلي، حالها حال السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة والرياضة، ومع ذلك الثقافة العراقية تتفوق على الميادين الأخرى، وهذا أمر صحي وطبيعي، لأنها هي التي تقود الحياة، ومع ذلك هنالك عقبات تعاني منها الثقافة، أولها تلك اللامبالاة التي تعانيها من القطاع الخاص والأثرياء والحكومة أيضا، فالثقافة والمثقفين لم ينالوا الاهتمام الذي يليق بهم ويستحقونه، الأثرياء يخشون العمل بالثقافة ويخافون من الخسارة ولا يفكرون بالتبرع مطلقا أو تقديم ما يدعم الثقافة على المستويين المادي والمعنوي، وكذا الحال بالنسبة للجهة الرسمية، ومع كل ذلك يستمر الأديب والمثقف مع ما تقدمه بعض المنظمات كي يقدم الأفضل ويرفد الأدب والثقافة بما يواكب الأدب العربي ويسعى لإظهار الأدب العراقي بحلة تليق بتأريخه العريق.

 (كتابات) هل تراجعت القصة القصيرة أمام طغيان الرواية في رأيك.. أم مازال القراء يقبلون على القصة؟

  • الجميع يؤكد بما في ذلك بعض الاستبيانات بأن العصر هو عصر الرواية، حتى على مستوى القارئ العادي فهو بات يفضل السرد على الشعر، وداخل دائرة السرد يفضل الرواية على القصة، لأن الأولى تقدم له عالماً شاملا من الأحداث والصور والشخصيات والآمال والأحلام واحتدام المواقف والمشاعر، أما الشعر فلا يمكنه ذلك بسبب الاختزال والتكثيف، أما القصة فلا يسعها صنع حياة متكاملة يكللها الصراع وتعدد الأشخاص وتناقض المصالح وتكرار المفاجآت والألغاز على مدى مساحة السرد، ولكن حين يتعلق الأمر بقصصي أستطيع القول أنها يمكن أن تكون روايات ذات حدث واحد مكثف، أي أنها تقترب من فنية الرواية.

(كتابات) أنت تنتمي لجيل الحرب- جيل السرد الثمانيني.. ما أبرز سمات كتابات هذا الجيل؟

  • صُدِم الجيل الثمانيني بحرب طاحنة استمرت ثمان سنوات مريرة بين العراق وإيران، فرضت أجواء الحزن والنواح والألم على العراقيين، وكانت قصة الحرب هي التي تتحدث في الثمانينيات أكثر من سواها، ولم يكن الجيل الثمانيني هو وحده المعني بها، بل كتبت الأجيال السابقة قصة الحرب وأصدرت مجاميع قصصية وروايات تسودها أجواء الحرب.

أما سمات الجيل الثمانيني، فقد تأثرت كتاباته بوضوح بالحرب وأحداثها، ولم يقتصر ذلك على الثمانيين فقط، ولكن لأننا ظهرنا إلى عالم القصة ضمن هذا الجيل أُطلق علينا بجيل الحرب، ولعل أبرز سمات هذا الجيل، أن نصوصه مليئة بالبارود والدخان وشهقات الجنود واستغاثات الأمهات وأنين وحسرات الأرامل وبكاء اليتامى وعويل البلاد.

(كتابات) هل واجهتك صعوبات ككاتب وما هو جديدك؟

  • بالطبع هنالك مصاعب كثيرة تواجه الكاتب العراقي شأن الأدباء العرب، أولها ما يتعلق بظروف العيش ومصدر الرزق، فكما هو معروف لا يستطيع الكاتب العراقي العيش من كتاباته الإبداعية، لكن يمكن أن يحصل على مصدره من العمل بالصحافة، وهذا ما حصل معي شخصيا، حيث عملت بعد 2003 في المجال الإذاعي والصحفي، ولم يكن يخطر في بالي مطلقا أن الكتابة الصحفية يمكن في يوم ما أن تكون مصدري المادي الوحيد، هذا بالطبع حرمنا أيضا من نشر القصص والروايات في دور نشر معروفة مقابل ثمن، أي أننا حُرمنا من الانتشار والوصول إلى القراء العرب وحتى العراقيين.

ومن المصاعب أيضا ما تعانيه بلادنا من فوضى سياسية واقتصادية وأمنية، هذا بالطبع ينعكس بطريقة أو أخرى على الكاتب، فالتحول السياسي من حال إلى حال لا يمر من دون خسائر يتعرض لها جميع العراقيين، ولكن الكتاب ستكون خسارتهم ومصاعبهم مضاعفة، ولعل الصعوبة الأكثر ضغطا في حالتي، هي عدم القدرة على التفرغ للكتابة الإبداعية، وصعوبة تحصيل التجارب التي تغني عالمنا الكتابي من السفر أو سواه، فضلا عن حالات الإقصاء التي تتعرض لها الموهبة الأصيلة من مجاميع مريبة ترفع شعار الثقافة وهي في الحقيقة قبض ريح وهم أولئك الذين يتقنون أساليب التملق ومسح الأكتاف ببراعة مخزية والتي يترفع عليها المواهب الذين اكتووا بمنجم الألم والحرمان، لكنهم قاوموا الإقصاء من خلال حصدهم للجوائز الرفيعة.

الجديد رواية وصلتُ منتصفها حين أُعلِنت نتائج الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي، فتوقفت كي أعيد حساباتي، لأنّ مسؤولية الكتابة باتت مضاعفة الآن.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة