15 نوفمبر، 2024 6:41 م
Search
Close this search box.

مع كتابات.. عبد علي حسن: امتلك النقد العراقي تقاليدا تأسيسية منذ خمسينيات القرن الماضي

مع كتابات.. عبد علي حسن: امتلك النقد العراقي تقاليدا تأسيسية منذ خمسينيات القرن الماضي

 

خاص: حاورته- سماح عادل

“عبد علي حسن” ناقد عراقي، من مواليد  بابل 1951، قدم دراسات حديثة في النقد، كما قدم رؤى نقدية في الصحف والمجلات والعديد من الدراسات النقدية للروايات والقصص، أصدر الكتب التالية:

1– الدراما والتطبيق/ دار الشؤون الثقافية العامة/ 2010.

2– تحولات النص السردي العراقي/ دار الشؤون الثقافية العامة/ 2012.

3– الشاهد والمشهود/ مجموعة مسرحية/ 2014/ وكانت موضوعا لنيل شهادة الماجستير/ جامعة البصرة /2015 .

4– سرد الأنثى/ المركز الثقافي للطباعة والنشر/ 2016 .

إلى الحوار:

(كتابات) كيف كانت بدايتك مع النقد.. ولم اخترته مجالا للتخصص؟

• في البدء كانت الفلسفة، وفضول دفعني للاقتران بهذا الخطاب المتقدم على مستوى التفكير، قادني إلى معرفة الجدل وتحديدا الجدل الماركسي وعده الفيصل في التقدم والتطور الحاصل في مجمل العمليات الحياتية، كان ذلك في سبعينيات القرن الماضي حيث شيوع الأفكار اليسارية في العراق وغيره من المجتمعات العربية، فصرت أبحث عن ذلك الجدل وإقامة المعادلات السسيولوجية في المسرح أولا لقربي من الفعل المسرحي، الذي كان متقدما في مدينتي ثم في مجمل النشاط الثقافي العراقي، وكان ثمرة ذلك الاهتمام كتابنا الأول (الدراما والتطبيق)/ دار الشؤون الثقافية العامة/2010 وهو مجموعة من الدراسات النقدية والمقالات التي اتسمت بالنقد الاجتماعي/ السياقي.

ثم تطورت وجهة نظري بعد ورود المناهج النقدية الحديثة، أعني البنيوية وما بعدها في ثمانينيات القرن الماضي، ولعل سمة البحث المعرفي الدائم والتوصلات النقدية الجديدة كانت وراء اختياري للنقد مجالا للتخصص، على الرغم من بدايتي كشاعر وفنان تشكيلي في سبعينيات القرن الماضي.

(كتابات) في كتابك (تحولات النص السردي العراقي) إشارات إلى وجود تحولات منتظمة للسرود العراقية، أين كانت تلك التحولات في النصوص العراقية؟

• لقد تمكن النص السردي العراقي من التحول والتقدم تماهيا مع طبيعة التحولات القائمة في البنية الاجتماعية/ السياسية/ الاقتصادية منذ عام 1958 وقيام النظام الجمهوري، مرورا بالتحولات المتتالية حتى عام 2003 الذي شهد نهاية النظام الشمولي، وقد كانت هذه التحولات على صعيد المضمون والشكل الذي تأثر كثيرا بما استجد من آليات وتقنيات سردية، تم توظيفها لصالح المضامين الجديدة التي أفرزتها التحولات الاجتماسياسية التي كانت تعد منعطفات حادة في مسيرة المجتمع العراقي، وضعت المبدعين العراقيين في صلب تلك المنعطفات التي لم يجدوا بدا من التعبير عنها وفق نصوص واقعية ومتخيلة، تمكنت من التفاعل مع ما استبطنه الواقع من ظواهر تستوجب الكشف عنها لإغناء ذائقة المتلقي المعرفية والجمالية.

(كتابات)  ما رأيك في الانتقادات التي يوجهها بعض الكتاب إلى النقد العربي من أنه لا يواكب غزارة الإنتاج الأدبي أو أنه يركز على بعض الكتاب دون الآخرين؟

• لقد أسهمت التحولات السياسية في مفتتح الألفية الثالثة لبعض المجتمعات العربية في تقويض المؤسسة الثقافية السياسية، التي شكلت كوابحا لكل منجز لا يتماهى مع المؤسسة السياسية، الأمر الذي أدى إلى غياب عنصر الرقابة على المطبوعات والأنشطة الثقافية الأخرى، فاتسعت دور النشر التي ضخت ولا تزال المئات من الإصدارات الشعرية والقصصية والروائية غثها وسمينها، لذا كان على النقد الموضوعي والجاد أن ينتقي من هذا الكم الهائل من الإصدارات ما يشكل إضافة نوعية وجديدة على مستوى التفاعل مع الأحداث والوقائع المتسارعة الحاصلة في البنية الاجتماعية، دون الإصدارات الأخرى التي لا تحمل مواصفات المنجز المؤثر على صعيد مقاربة الاتجاهات الحديثة في الكتابة ومقتفية أثر المنجزات السابقة.

ولا يمكن في هذه الحالة الإحاطة الكاملة بما تصدره دور النشر التي انتشرت في طول البلاد وعرضها، وربما تتسلل إلى مناطق الإهمال منجزات جديرة بالرصد والدراسة، أما النقد الصحفي السريع الذي لا يخرج عن دائرة النقد الانطباعي والذوقي، الذي أفل نجمه منذ ثمانينيات القرن الماضي، فهو لا يزال يملأ الصفحات الثقافية والمجلات، ولا نعتقده يمتلك المساهمة الفاعلة والجدية في تشكل المشهد النقدي العربي، إذ لا يزال خاضعا للشخصنة والاخوانيات وهو مضر بالمنجز والنقد على حد سواء.

(كتابات) هل لابد للناقد أن يكون متخصصا أكاديميا؟ وكيف ينظر للناقد غير المتخصص؟

• هنالك حقيقة ربما تغيب عن أذهان العديدين، وهي أن الشهادة والتحصيل الأكاديمي لا تصنع ناقدا، بل تهيئ الدارس ليكون باحثا والفارق كبير بين التوصيفين، فالنقد موهبة لا تقل أهمية عن موهبة مبدع النص، وأذكر أن “د. اعتدال عثمان” أشارت مرة إلى أن النص النقدي هو نص إبداعي، لذا تجد العديدين من حملة شهادات الماجستير والدكتوراه يجدون صعوبة في مقاربة النصوص الإبداعية، لأنهم لا يملكون موهبة النقد والنظرة الثاقبة في استكناه مواطن قوة النص وضعفه في ضوء المناهج النقدية المتوفرة والمتبناة من قبل هذا الناقد أو ذاك.

ولعل الوفرة في الكتب التي تناولت مبادئ النقد والمنهجيات المعاصرة قد مكنت الناقد غير الأكاديمي من الإحاطة بتلك الموجهات، والاجتهاد في تطبيق المناهج عند مقاربته للنص الإبداعي، وأية نظرة دونية أو غير موضوعية للناقد غير المتخصص أكاديميا فهي نظرة قاصرة، والدليل واضح حيث يبرز في المشهد النقدي من غير حاملي الشهادات التخصصية التي لا تخلق ناقدا بل دارسا وباحثا.

(كتابات) في رأيك مم يعاني النقد العربي؟ وما هي إشكالياته.. وهل خروجه من عباءة النقد الغربي إحداها؟

• منذ عشرينيات القرن الماضي والنقد العربي قد تأثر بالنقد الفرنسي والانكليزي، نعم جرت محاولات لتأسيس نقد إسلامي يستمد مقوماته من موجهات الفكر الإسلامي، إلا أنه لم يشبع حاجة المبدعين لتقويم وتقييم منجزهم الإبداعي وفق رؤية حديثة تتقصى كل جوانب تكوين النص الشكلية والمضمونية، كما أن توقف الدرس البلاغي منذ الجرجاني والقرطاجني والقزويني دفع النقاد العرب إلى التوجه للنقد الغربي الذي تلقوا مبادئه في الجامعات الأوربية، وامتد التأثر حتى بالنقد الاجتماعي الماركسي وتطور بعد ذلك تبعا لتطور وظهور المناهج البنيوية وما بعدها.

ولو أمعنا النظر في هذه المناهج الحديثة لوجدناها تتصف بالعالمية وتوفر إمكانية استخدام آلياتها لمقاربة النصوص الإبداعية، وقد تمكن النقد العربي من الإحاطة بما ينجز وفق تلك المناهج، ولكن لم تحصل إضافات تذكر نابعة من طبيعة النص العربي وإن حصلت محاولات للمزاوجة بين النقد البلاغي العربي والمناهج الحديثة خاصة في دول المغرب العربي، ولا اعتقد أن الخروج من عباءة النقد الغربي يعد إشكالية أو تمثل عقدة التبعية، إذ أن تبادل الحوار والتثاقف بين الشعوب أمر قائم ومبرر، كما أن النقاد العرب المعاصرين قد اجتهدوا في تطبيقهم للمناهج الحديثة، سيما وأن الدرس الجامعي قد شرع أبوابه أمام هذه المناهج وقدمت الرسائل والأطاريح حول هذه المناهج وتطبيقاتها، وأصبح أمرا قارا قليلا ما تثار في المحافل وإن حصل فإنه مغلف بدعوى قومية ضيقة الأفق.

(كتابات) هل تتبع منهجا محددا في قراءة النصوص؟

• في سبعينيات القرن الماضي كنت اتبع المنهج الاجتماعي الذي خرج من رحم الفكر الماركسي، وتحديدا نظرية الانعكاس ل”لوكاتش”، وحين ظهرت البنيوية وما بعدها وجدت في البنيوية التكوينية ل”لوسيان جولدمان” ضالتي في مقاربة النصوص وفق وجهة نظر ما بعد حداثية، وهي مساهمة ماركسية مهمة في النقد المعاصر، إلا أني وجدت أن ليس هناك وجهة نظر واحدة للنص لذا فإن  تفاعلي مع النص واستيعابه هو من سيحدد المنهج الذي اتبعه، وغالبا ما تكون مناهج ما بعد البنيوية هي الفاعلة في مقاربة النصوص إلا أن موجهات نقد ما بعد بعد الحداثة بدأت تأخذ حيزا في الاشتغال النقدي المعاصر، وظهرت مصطلحات جديدة كالحساسية والبلاغة الجديدة وغيرها من المصطلحات، ووجهات النظر التي استدعاها التقدم الحاصل في بنائية النص الإبداعي خاصة في الرواية والشعر الجديد، وبدأت بتبني بعض هذه المفاهيم واستخدامها في الإجراء النقدي.

(كتابات) هل أنت راض عن النقد العراقي؟ وما تقييمك له ؟ وأين هو في خارطة النقد العربي في الوقت الحالي؟

• امتلك النقد العراقي تقاليدا تأسيسية منذ خمسينيات القرن الماضي، وفي الستينيات تمكن النقاد العراقيين من استيعاب المنجز الإبداعي العراقي وتوجيه دفة الاهتمام بشأن اختيار الموضوعات، وعليه فقد أسهم هذا النقد من قطع الطريق أمام التيارات العبثية والوجودية، وتوجيه أنظار المبدعين إلى تبني قضايا المجتمع ومحايثة المنعطفات التي تخلق تحولات في البنية الاجتماعية، واجتراح أشكال وتقنيات جديدة تناسب تلك التحولات، ولاشك بأن النقد العراقي المعاصر هو وريث تلك التقاليد التي مكنته من التأثير في المشهد الثقافي العراقي عموما، وهنالك محاولات اجتهادية عديدة لإضافات نوعية على صعيد التقنيات النقدية الجديدة، وإزاء ذلك فإن النقد العراقي قد تمكن من احتلال موقع مهم في خارطة النقد العربي، كما تشير المؤتمرات والملتقيات النقدية العربية التي تشهد حضورا عراقيا لافتا.

(كتابات) في كتابك (سرد الأنثى) هل تهتم بالقص النسوي العراقي عن قناعة بعدالة قضية المرأة وتميز كتاباتها السردية؟

• لو لم أؤمن أو اقتنع بعدالة قضية المرأة، وامتلاكها حق التعبير عن مشكلاتها الداخلية والخارجية بسبب من شيوع ثقافة المجتمع البطرياركي/ الأبوي، لما كشفت عن معاناة المرأة ونضالها من أجل إلغاء الفروق التي هي في الأساس فروقا ثقافية أوجدتها ثقافة المجتمع وأسست لها منذ زمن بعيد، وهنا تتبدى أهمية تبني موجهات النقد النسوي ومفاهيم الجندر/ النوع المعاصر لمقاربة النصوص النسوية.

(كتابات) درست النصوص السردية البابلية واعتبرتها ضمن نصوص السرد العراقي، حدثنا عن ذلك؟.

• في دراستي للنصوص السردية البابلية وجدت أن هناك أربعة مستويات تعبيرية أسهمت في تخليقها المفاهيم التي كرستها ثقافة المجتمع الأبوي، وهي علاقة المرأة بالرجل وعلاقة المرأة بالمجتمع وعلاقة المرأة بالمرأة وعلاقة المرأة بنفسها، وكل كشف لهذه العلاقات إنما كان بعدها علاقات أفرزتها ما تأسس من موقف إزاء المرأة عبر الحقب الطويلة التي مر بها المجتمع، ولاشك بأن الظروف الاجتماعية للمرأة في أية مدينة عراقية إنما هي نموذجا لأية امرأة في أي موقع للمجتمع العراقي، لذلك فإن هذه النصوص تتجاوز محليتها الضيقة لتتصف بعمومية وضع المرأة العراقية في المجتمع.

(كتابات) هل واجهتك صعوبات كناقد؟ وهل لديك مشروع متكامل تعمل عليه؟

• لاشك بأن توفر الرغبة والدوافع لخوض التجربة النقدية ستقف بوجه أية صعوبات، كما أن السعي للاجتهاد وتجاوز المنجز الذاتي والموضوعي هو تحصيل لأي جهد نقدي، وإن وجدت صعوبات فهي في ملاحقة ما يترجم وينجز في المناهج الفلسفية والنقدية، ومتابعة ما ينجز من انجازات إبداعية على كافة المستويات، وهي كثيرة ومن الصعب الإحاطة بها وتمييزها.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة