23 ديسمبر، 2024 4:24 ص

مع (كتابات) .. “عبد الرحيم طايع” : استخدمت فن المربع الشعري لتوثيق الثورة

مع (كتابات) .. “عبد الرحيم طايع” : استخدمت فن المربع الشعري لتوثيق الثورة

حاورته – سماح عادل :

“عبد الرحيم طايع” شاعر وروائي مصري.. له أحد عشر كتاباً، تسعة دواوين شعرية ودراسة في الأدب الشعبي، وآخر إصدار له كان روايته الأولى (كسر خاطر) التي فاجأ بها قراءه ومتابعيه.. نال عدداً من الجوائز القيمة، خلال مسيرته الإبداعية، وكرمته “وزارة الثقافة المصرية” مرتين: في “مؤتمر إقليم جنوب الصعيد الثقافي” بالأقصر عام 2014، كواحد من الشخصيات الأدبية المؤثرة.. وفي “مؤتمر أدباء مصر” بالمنيا عام 2016، لدوره في إثراء الحركة الأدبية وممثلاً لأدباء الوجه القبلي.. مشهور أنه من المهتمين بالشأن اللغوي بين الكتاب والشعراء، ويتميز بأنه ممارس بارع لكافة الأشكال الشعرية، وباللغة الفصحى والعامية على السواء، وأنه متنوع الثقافة.. أجرت (كتابات) معه هذا الحوار…

(كتابات): متى بدأت رغبة الكتابة لديك وكيف تطورت ؟

  • بدأت مبكراً.. في المرحلة الثانوية، وتطورت بالقراءة والمناقشة والأسئلة.. كنا مجموعة من الأصدقاء الموهوبين، المهتمين بأفكار تسبق أعمارنا، وبالقصة والشعر واللغة والأساليب، وأذكر في “الفسحة” المدرسية لم نكن نلهو قدر ما كنا نذهب لبيت صديق لنا يجاور المدرسة، يصنع لنا الشاي، ونقرأ ونتحاور وننفعل ونحتد ونتلو محفوظاتنا الأدبية والدينية والتاريخية وكذا، كما لو كنا جماعة مكلفة بتغيير العالم !

(كتابات): هل وجدت صعوبات كمبدع في الصعيد ؟

  • أفهم هذا السؤال تماماً، وأقدره.. الأجواء هناك ملبدة بالغيوم وعاصفة ومعقدة إلى حد كبير، لكن الصعيد، الجنوبي بالذات الذي أنتمي إليه، ليس مفهوماً بالقدر الكافي وربما ليس مفهوماً بالمرة، وأنا أعذر الناس وحتى المثقفين الذين تغيب عنهم منه الكليات والجزئيات, فانغلاقه سر تشوش الذين يعرفونه من بعيد.. ههنا أود أن أقول إنه أصل مصر وأصل حضارتها وتقدمها أيضاً (صار نكتة للأسف وصار الجهلاء به يرمونه بالتخلف).. البيئة قد تكون متخلفة لكن ليس الإنسان.. قديماً حين أراد الملك “مينا” توحيد القطرين, كان أكبر أسبابه نفع الشمال البائس بحضارة الجنوب المتفوقة الزاهية.

لدينا عادات وتقاليد وأعراف ورثناها من الوجود العربي بأرضنا الجنوبية، لكن لدينا تأثر عظيم بالمصرية القديمة أيضاً، ولدينا موروثاتنا الخاصة التي تنتجها الظروف بمرور الوقت، الفلكلور الصعيدي الجنوبي مدهش، وبه ما يجعل قارئه يتحير في طبيعة الإنسان الذي هناك، لكن لن يساوره شك في ذكائه وتقدميته في كل الأحوال. لقد عانيت معاناة ما تتعلق بمناوشة الموروث أو التمرد عليه، لكن للأمانة عانيت أكثر وأكثر من غياب الإعلام الحقيقي هناك ومن الفنون الناقصة (الأغنية والأوبرا والباليه مثلاً) ومن استحالة الاحتراف مع ضحالة الإمكانات عموماً.

(كتابات): لماذا تكتب الشعر بالعامية والفصحى.. وأيهما أقرب إليك ؟

  • نشأت فصيح اللسان مميزاً جداً بين أقراني بهذه الفصاحة (كان الأساتذة يختارونني لقراءة النشرة الإخبارية في طابور الصباح في مدرستي الابتدائية بمدينة قنا وسط غيرة الزملاء) والإنسان لا يدري لماذا نشأ فصيحاً حتى لو كانت جملة من الأسباب حاضرة.. وكنت ابن شارع بامتياز في صباي, أحب اللعب والمغامرة وسماع الأساطير وكم أصابني من الشارع ما أصابني, أضحك كثيراً عندما أتصور أن حاصل الجمع بين الحالين يساوي حالة الكتابة بالعامية والفصحى (على قدم المساواة)، أما الأقرب لي فما أكتبه الآن مهما يكن: بالدارجة أو بالعربية.

(كتابات): في ديوان “سبع تنويعات” كتبت عن الثورة عن حماسها وقوتها.. هل سعيت للتأريخ للثورة من خلال شعرك ؟

  • سبقه ديواني المؤرخ فعلياً لثورة يناير “روايح فل تحريرها”.. ولعله الوحيد الذي وثق اللحظة الثورية الفارقة أولاً بأول إلى حين. فيه استخدمت فن المربع الشعري لتوثيق الحدث الجلل – الفن الذي يوشك أن ينقرض، متوخياً أن أبعثه من الموت كما أحافظ على الثورة من سارقيها وقاتليها، التنويعات كان شيئاً أعمق، كان حساً صوفياً خالصاً امتزج فيه الشخصي بالعام في إطار الحفاوة بالثورة – الفعل الإيجابي الداعي إلى الخلاص.

(كتابات): هل في رأيك يجب أن يكون الكاتب معبراً عن جماعته عن قضاياها وهمومها وأحداثها الكبرى ؟

  • مهم طبعاً، لكن في النهاية كل كتابة مهمة، وحتى الكتابة التي في دائرة التجريب أو دائرة أسميها أنا “الأفكار التي عن الكتابة”، أو الكتابة الموغلة في الشخصانية، كلها كتابات مستساغة ومقبولة، ونحاسبها على جمالياتها وفنياتها، ونحتفي بها ما دامت تستحق، وبالمناسبة كل الكتابات، في النهاية، معبرة عن جماعة بشرية ما، والمجتمعات، في آخر الأمر، تجد ما تعبر به عن نفسها، ولو صرخة قوية واحدة، ما لم تجد من يعبر عنها بصورة واضحة.

(كتابات): ما رأيك في حال الشعر العربي ؟

  • بخير على عكس ما يقال، خصوصاً الكتابات الشابة الجديدة.. هناك أصوات رفيعة حقاً، وهناك قامات تطاول نخيل بلاد العرب، لكن الإعلام مقصر، ومتواطئ مع الرواية، وأود هنا أن أشير إلى ضعف الإعلام الأدبي العربي في العموم، وقلة تأثيره وانتشاره.

(كتابات): ما هي الروافد التي أثرت في كتابتك ؟

  • جمّة في الحقيقة.. لكن أهمها كتب اللغة والتراث وأمهات كتب التصوف والترجمات والمعاجم اللغوية، وكثيراً ما تكون معي في أثناء الكتابة ولو بالعامية، كما أنني لم أقع في فخ القراءات الأدبية واللغوية البحتة ككثير من الآخرين، لكن قرأت في الطب والفلسفة وعلم النفس والتاريخ.

ولا يفوتني هنا أن أذكر أن متابعة الناس بدقة في أحوالهم اليومية، وسماع الأغاني، ومشاهدة السينما، وتأمل الطبيعة وأخيراً التفاعل على شبكات التواصل الاجتماعي, تعد روافد شديدة الأهمية كالقراءة والاحتكاك والمتابعة.

(كتابات): أخذت شوطاً كبيراً في كتابة الشعر ثم كتبت مؤخراً رواية “كسر خاطر” ماذا تحقق لك الرواية ولما اتجهت إليها ؟

  • شعرت بأن في داخلي ناراً سوى نار الشِّعر، وتنبهت لما فيه وتفهمته، وكتبت الرواية.. الرواية التي تحقق قدرة خاصة على الحكي الطويل المتفرد النبيه، وقد تؤكد على أن الشعراء أشطر وأقدر في مقام النثر أيضاً.

(كتابات): ما رأيك في حال الثقافة في مصر والعالم العربي ؟

  • ليس جيداً على المستويين الشعبي والرسمي، ولو كان جيداً لما أنفقنا كل هذا الوقت والجهد في مواجهة اليأس ولما بذلنا المال والأرواح في محاربة التشدد الديني والأفكار البائسة المظلمة.

(كتابات): ما سر اهتمامك بالتراث الشعبي ؟

  • الثقافة الشعبية تعكس المجموع الأكبر من الناس الذين يسكنون وطناً ما.. وهي من ثم مدخل عبقري سهل لمعرفة بسطاء الناس وإدراك ما في أعماق أعماقهم من الحكمة والمخاوف والأمنيات.. هناك شئ أساسي أيضاً جعلني أهتم بالأمر: نشأتي بالجنوب المصري.. محافظتي قنا لو نظرت إليها على الخريطة لوجدتها على انحناءة النيل بالضبط.. أكثر البلدان حفاظاً على فلكلورها وحماية له من الاندثار، ولدي جدتي لأمي (يرحمها الله) لم تكن تكف عن ذكر الأمثال والحكم والعديد والمأثورات الشعبية والأغاني التي تناسب كل الأحوال كالزواج والطهور والسبوع، كانت تتلو شيئاً من كل شئ في يوم “الخبيز”، وكنت أشهد الطقس كله على سطح بيت جدي مرة في الأسبوع.

(كتابات): هل تتوقع أن تنجو مصر في ظل الأزمات الحالية وبعد ثورة شعبية مبهرة.. وكيف ؟

  • الأمل أن تنجو وسط هذا الكم الهائل من التآمر على النفس (مضافاً إلى التآمر عليها من الآخرين)، وفشل الحكومات المتعاقبة، والانهيار الاقتصادي، والتردي الاجتماعي، وخراب التعليم والإعلام والثقافة، وبقاء الأحوال الإدارية كما هي، بل أسوأ مما فات.

معادلة نجاة مصر بسيطة بالمناسبة مهما حاولوا الإيحاء بصعوبتها: التخلص من العفن القديم السابق بحق بشراً وأفكاراً.. تغليب مفهوم التغيير الجذري على مفهوم الإصلاح.. التفريق بين الخيال النافع والرومانسية الوهمية.. وإعلاء قدر الإنسان المصري في بلاده وخارجها.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة