24 سبتمبر، 2024 9:24 ص
Search
Close this search box.

مع (كتابات) .. “عبدالمنعم رحمه” : الكِتابة هي التغيير .. إنها الإنسان والسودان الجديد

مع (كتابات) .. “عبدالمنعم رحمه” : الكِتابة هي التغيير .. إنها الإنسان والسودان الجديد

خاص : حاورته – سماح عادل :

“عبدالمنعم رحمة الله”؛ كاتب وشاعر سوداني وناشط في حقوق الإنسان، من أبناء “الحصاحيصا”، تخرج في كلية التجارة جامعة القاهرة (النيلين) ١٩٨٦، ساهم في إثراء المنتديات الأدبية بالعاصمة “الخرطوم” و”مدني” و”الحصاحيصا” منذ الثمانينيات، فضلاً عن مشاركاته وعضويته في الروابط الإقليمية العربية والإفريقية، وعضويته في اتحاد الكتاب السودانيين قبل انقلاب الإنقاذ وما بعد اتفاقية السلام الشامل.

“عبدالمنعم رحمة الله”، هو رئيس منظمة (سودانا) الثقافية؛ التي تعني بالثقافة والفنون في السودان، وهو أحد مؤسسي صحيفة (أجراس الحرية) المعارضة، وعمل مديراً إدارياً لها؛ والتي قامت الحكومة السودانية بإغلاقها قبل يوم من انفصال الجنوب.

وتم تعيينه لاحقاً مستشاراً ثقافياً بولاية “النيل الأزرق”. وأسهم “عبدالمنعم رحمة الله” في تأسيس أنشطة المسرح المتجول من أجل بناء السلام في مختلف مناطق السودان، وأشرف على عدد من المهرجانات والفعاليات الثقافية والفنية بعد عمله مستشاراً ثقافياً بمدينة “الدمازين”. وظل طيلة إنخراطه في العمل العام ناشطاً في العمل المدني والثقافي الأدبي.

كما عمل في عدة وظائف؛ منها مدير “الأضواء” للطباعة والنشر 1987، ورئيس القسم العربي في (سودان راديو سيرفس) في نيروبي ٢٠٠٠، ومدير لمنظمة “سودانا” للثقافة والفنون ٢٠٠٥، والمدير الإداري لصحيفة (أجراس الحرية) ٢٠٠٧، والمستشار الثقافي والإعلامي لحكومة “النيل الأزرق” ٢٠١٠، إثيوبيا ٢٠١٢، فرنسا ٢٠١٥.

تم اعتقاله في الثاني من أيلول/سبتمبر في ٢٠١١، في مدينة “الدمازين” وتعرض للتعذيب من قبل قوات الأمن، وفي 24/11/2011، في سرية وتعتيم حكمت محكمة إيجازية بـ”سنجة” على (19) عضواً من أعضاء الحركة الشعبية بالإعدام، من بينهم “عبدالمنعم محمد رحمة”، والمحاكم الإيجازية محاكم تصدر حكماً نهائياً على المتهم من غير أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه، وقد استخدمتها “حكومة الإنقاذ” من قبل لإعدام كل من “مجدي محجوب” و”بطرس جرجس” و”آركانقوا” وضباط “حركة رمضان” عامي 1990 و1998، لكنه نجا من الإعدام بأعجوبة..

أجرينا مع “عبدالمنعم رحمة الله”، الحوار التالي، وقد اختار أن يأتي في شكل حكي مسترسل..

بِدايةُ الشَّغفِ: المرأةُ..

بِتقدِيري أنّ المرأة هي أبجّدُ الُّلغةِ/الكِتابةِ. الكِتابةُ هي التَمَديُن، إكتِشاف النّار والحدِيد.. البنسلين. الكِتابةُ هي أنسَنّة الكّون، وهل المرأةُ إلّا كّل ذلك ؟.. هي المرأةُ مَن أَنزّلت بي غِوايَّة الحُروفِ، فَصيَّرتِي عبدّاً وسيِّداً لَها. فأنا ابنُ أُنثى لا ذَكر. لا خِيار إلّا الكِتابة، ولا مناص إلّا المرأة. لِذا، أمَا يَتَوجّبُ عليَّ أن.. أعمل شُكراً، وهل الكِتابة والشّعر إلّا أعمال شُكر ؟.. ومَن لا يشكُر المرأة لا يشكُر الله. وأزِيدُ وأقول: في نِزوعِه الأبدّي لإرواءِ (خَيانَة السُّؤال) يَظّل الشّعرُ/السّريرةُ نَزّاعاً لِخَلخَلةِ الكَّون، وتَحريك مَا هو سَاكن ومَسكُوت عَنه فِي كُّلِ مَا أحِسَّه، أهَمَّه، شَغلَّه، فَتنه، خَربشّه،خَطَّه، أنشدَّه، حَزّه، نَقشّه، عَمَّره وصَبنَه الإِنسان، ويَظَّلُ الشَّعرُ هو مُجمَل القَّول الإِنسانِىِّ، فَصيح عِمرانه وحَضارته.

(سَاسَ يَسوس)..

بالأساس أنا زول سَاي (خَطّاءٌ خَطَّاء، وَيَرجُو رَحمَة رَبِّه):

يَخلِطُ البَّصَرَ بِالبَصِيرةِ وَيَعتَقِدُ صَادِقاً أنّ الشَّرَ كُّلُّه (نِظَامُ حُكم)، وَأنَّ الخّيرَ كُّلُّه امرأة. يُطعِم وَيُطعَم ، يَأكلُ الصَدَقَة وَيَقبَل الهَدِية، يَألَّف وَيُؤلّف، تُفَاجِأه كَرَاهِيتَه لِبَعضِ البَّشر، مِثلَمَا يُفَاجِأه حُبّه لِبَعضِهم، فَيَستَحِى مِن الأُولى ويَزدَهِى بِالثَانية. تَطرِبهُ النَّغَمَة الرُوح والصَّوت الضَبُوح وَالكَلِمة الجَناح. تَروقَه الألوان جَمِيعاً، فَلِكّلِ لَونٍ مَلمَس وَرَائحة وَسَاعَة حُسن. يَتَرَصّد الحُسنَ وَيَفعل حُّبّ الوَطَن آناء الّليلِ وَأطراف النّهار، مُؤكِّداً بأنّ المَاء هُو سِّر الحَياةِ وكَذلك الحُسن. يَكره بِغِلظةٍ السُّلطة والشُّرطَة، ويَستَثنِى (الشُّرطِيات) لأنّ النّهد أسمقُ قَامة مِن كُّلِ كَتفٍ بِنَجمةٍ، أو سَاعِدٍ بِشَريط.

تَغِيظَهُ أفعَال (نَشجُبُ، نُدِينُ، نَستّنكِر.. نُنَاشِد) وَأيِّ نُونٍ أُخرى لا تَصُبُ في خَانة (نَفعَل).

تَورطتُ في (سَاسَ يَسوس) مُنذ صِباي، عندما صَادرَ مُدرس الدِّين العدد (صفر) من جريدتى الحائطية، مُتهِماً لي بالتجدِيف والشِيوعية. وتّواً تّم فصلي مِن المدرسةِ، لِيلتَقِطني نقابي نابه، ومِن وقتِها كانت الكِتابة هي التغيير، هي الإنسان والسودان الجديد. والشّعرُ هو مقاومة القُبح والظلام. بهذا الفهم، ومِن بعدِ تكليفي مِن (الحركة الشعبية لتحرير السودان) قُمت مع أقلامٍ نيِّرة بتأسيس صحيفة (أجراس الحرية)، وهي الأولى من نوعها التي قامت على تحالفٍ ثُلاُثي الدّفع: الصحافيون الديمقراطيون، منظمات المجتمع المدني وقُوى الهامش. ولأول مرة وضعنا ميثاق شرف للصحيفة وسياسة تحرير تَصبُ في خانة تحرير الإنسان والمعرفة. أسسنا فيها منبر رأي ثابت وأصبحت بيتاً للجميع. تم تشميعها بواسطة الأمن.

جائِزة القلم العالمية (2015).. 

هذه الجائزة هي صيغة من صيغ المجتمع المدني العالمي، وحراس الضمير إجمالاً، ليشدوا على أيدي بعضهم البعض، مربتين على الأكتاف، دَاعين إلى استمرار المقاومة. وهي فعل من أفعال الحمد والشكر وتضامن الإنسان مع أخيه الإنسان. أما على مستوى آخر، فأنا لا أنتظر جزاء و لا شكوراً على القليل الذي قدمته من أجل الوطن، وأنا لا أساوم بالفطرة السليمة، وهي قول الخير وفعله، والدفاع عن المستضعفين في الأرض، والمساهمة في تعلية صرح الحرية والجمال. لقد عُذبت وسجنت لمدة عام و حُكم علي بالإعدام مرتان، لا لشئ سوى أنني أحب الإنسان حُراً ومالكاً قوت يومه. وهذا يُحيلنى إلى سؤلك حول الإنصاف ؟.

(إنصاف البّلد والثقافة)..  

السُودان بلدٌ فيه ما يربوا على الـ 500 لُغةٍ وإثنية، ونحنُ نُنادى بـ (قوامة الهامش) وإنتزاعه لحقوقه كاملة في السودان، فهي ليست هبة ولا منحة من أحد، بل هي حق طبيعي. أنا ضد مسخ الثقافات والإنسان وأعمل من أجل توطين الثقافات الأصلية على تعددها وتنوعها وحقها في الجهر والنبر والطقس والممارسة.

مِن هنا يأتي الظلم وعدم الإنصاف لا من البلد ولكن من (ساس يسوس) التي فشلت وعبر تاريخها في (إدارة التنوع)، وجاء هذا حكم الظلاميين، التُرابيين، الجّعبجِّيةِ العلوج، ليفرض ثقافة آخادية الوجه والِّلسان ويدخل كّل البلد في سّم الخِياط ويخيط الأفواه والعقول والأفئدة. لقد أنصفني البلد إذ أنقذني من السجن وحكم الإعدام وهرّبني إلى إثيوبيا. وإثيوبيا هذه هي أحد أسماء السودان القديم، وقد كانت العرب تُطلق اسم السودان على كل ما وراء خط الأستواء. كما إن زوجتى/رومان أببى قيزاو، هي إثيوبية المنبع والمصب.

(إتحاد الكُتاب السودانيين)..   

نعم. أنا عضو مؤسس – ضمن أربعة – لإتحاد الكتاب السودانيين 86، وشاركنا باسمه في انتفاضة نيسان/إبريل الشعبية. لقد طالبنا ومن خلاله بإعادة كتابة تأريخ السودان، كخطوة في الإتجاه الصحيح لرّد الاعتبار لحضارة سودانية عرفت الكِتابة قبل 5000 سنةٍ أو تزيد. أيضاً تدوين الثقافات السودانية والتي يقوم معظمها على (المُشافهةِ). وبإتجاه تلاقح وتناسل الثقافات والتعريف بثقافاتنا، دعونا الكثير من الشعراء، الكتاب، الفنانون شرقاً وغرباً، وكان الخير وافراً.

ولكن يبقى أن الثقافة في الوطن العربي والعالم عامة، تحكمها (مؤسسات ومراكز قوى) وبلا ميزان عدل. وهذه واحدة من معاناة الكاتب في الشرق الأوسط وكثيراً من البلدان، إذ أن تلك المراكز تحتكر النشر والجوائز معاً. كما أن ليس لدينا (قانوناً للإحتراف)، ودولنا تصرف على الثقافة ما يقل عن الواحد بالمئة من ميزانيات فسقها وحروباتها.

(السّجن والرواية والشّعر).. 

غافلتني الرواية هناك، وأنا مرمّيٌ في زنزانةٍ مُنفردةٍ بسجن الاستخبارات العسكرية: (.. مُقيدٌ وأعمى، مهانٌ ومَجروحٌ.. لا تدرى حقاً من أين يأتيك كل هذا الركل والضرب الموجع، وبين كل ضربة وركلة ينكسر فيك، منك شيئاً، يتمزق، ينخلع شيئاً آخر.. منك، من فمك، من ملابسك، وينعجن شيئاً ثالثاً باللحم والدم… ويزداد النزيف، والقلب صاح.

منتهك…. منتهب …. مرضرض الجسم، الروح، النفس والحواس.

صاح فيَّ الشاويش مُخيراً لي بين الموت بشَّدي على عربتي اللاند كروزر، أو الذّبح من الأضان إلى الأضان، أو تقطيعي حِتت حِتت ؟.. قلت ضاحكاً على كيفك، وغاظه ضحكي وإستخفافي بهم، فهرد قلبي بالضرب والركل.

أنت.. من أنت ؟

لا… أحد، لا… شئ.

بلا اسم، بلا تأريخ، بلا هوية .

مجرد من كل شئ.. من وطنك، من دينك، من لون عينيك.

–  لا شئ.. أنت لا شئ.

أن تكون سجيناً أسيراً، هو أن تكون معطوباً وعرضة للتلف.. التآكل، التخثر والإنمحاء. أن تكون أسيراً، هو أن يُصار بك إلى لعبة، فرجة ومسخرة). نعم، يُقال إن حلم الشاعر أن يكتب الرواية. لكن و بالإجمال، وبعدد تعدد أسمائي، تتعدد ضروب الكِتابة عندي. (منعم رحمه، عبد المنعم رحمة الله، العّبد (بيضٌ و زُرق نحن في العائلة) أزرق بندا، أخو التومات وجّلابه)، هذه بعض أسمائي، ومثلها أكتب الشّعر، الرواية، القصة القصيرة، التحليل الصحفي، الموضوعات كما أصنع أفلاما توثيقية قصيرة؟  ولي تجربة مختلفة هنا في باريس، إذ كنت أعيش في نورماندى مُستضافا من قبل موسيقية نابهة لها مدرسة لتعليم الغناء الأوبرالي، و لّما كانت معجبة بطريقتي في القراءة، فقد اقترحت علي أن أشارك معهم في (أوبرا شهرزاد)، فقمنا بتوزيع مقاطع قصيدتي (العاشق و الرؤيا) على حركات الأوبرا، ومن وقتها صرت أُنشد قصائدي مع موسيقيين فرنسيين ومنهم “نَيسام ن” عازفة الفلوت الشهيرة. لدي تجارب مختلفة في كتابة الشّعر وأشتَغلُ على بياض الورقة كثيراً، كما لدي تجريب جديد على مستوى (القصيدة العامية السودانية) أطلقت عليه اسم (مُسدار الدَّرجو فَصِيح)، وأنا أقول بأنا وفي دارجيتنا جّد فُصحاء. أخيراً:

يَبقَى أَنَّ مَسرى النَشيد عِندِي، تَعتوِره الكَّثير مِن الأوشَّابِ والأخطَّاءِ، وعَنها وعَن كُّلما يَقعِد بالعِبَارةِ لا المَّعنَى لا أعتذر، وعن كل إلإملائِى / الفِقهِي / الصَّوتِي / النحوِّي / لا أعتذر، عدا ذلك كله.. فإنِىَّ ـ أيضاً ـ  لا أعتذر !.. و بالإجمال أنا ضِد كّل مَا لا يُؤنِس وحدتي ـ

( منعم رحمه)  باريس 13 مارس 2018

لقاء تلفزيوني مع عبد المنعم رحمة الله

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة