26 ديسمبر، 2024 7:48 م

مع (كتابات) .. “عائشة بنور” : غياب المثقف النوعي أظهر أشباه مثقفين تابعين للسلطة !

مع (كتابات) .. “عائشة بنور” : غياب المثقف النوعي أظهر أشباه مثقفين تابعين للسلطة !

حاورتها – سماح عادل :

تكتب الكاتبة الجزائرية “عائشة بنور” القصة القصيرة والرواية منذ نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.. مارست الكتابة الصحافية في العديد من الجرائد والمجلات الوطنية والعربية، وأسهمت بمقالات ودراسات حول قضايا المرأة والطفل.. وهي عضو “رابطة إبداع الثقافية”.. فازت مؤخراً في مسابقة أدب المرأة “منارة الإبداع” التابعة لاتحاد الأدباء الأميركي.. حاورتها (كتابات) لمناقشة إنتاجها الأدبي..

(كتابات): في روايتك “نساء في الجحيم” لما اخترت أن تكتبي عن نضال الشعبين الفلسطيني والجزائري ضد الاستعمارين الصهيوني والفرنسي ؟

  • منذ أن وعيت وأنا أحمل في قلبي فلسطين الحبيبة.. وأول نص قصصي كتبته عن فلسطين كان بعنوان “جهاد”، وهو مهدى لروح الشهيد الفلسطيني “أبو جهاد” سنة 1988، ونص قصصي آخر بعنوان “دموع الشبح الأزرق”، وكل أعمالي الأدبية المنشورة لا تخلو من الوجع الفلسطيني.. ألم فلسطين فجـر بداخلي شلاّل متدفق من شجون الذكريات على الوجع العربي والراهن العربي.. وبالتالي جاءت فكرة روايتي الجديدة “نساء في الجحيم”، وهي رواية تخاطب العقل والوجدان الانساني.. حكاية الحب والنضال للمرأة وللقضية التي تشابهت فيهما مقاومة الشعبين للاستيطان الفرنسي والصهيوني، لإبراز صورة الشخصية الفدائية، المناضلة، المقاومة للاضطهاد بكل أنواعه.. حاولت أن أنسج من أحداث تاريخ “الثورة الجزائرية” مشاهد درامية لفصول أدبية تتمازج، وتتلاحم مع نضال الشعب الفلسطيني ومعاناته تحت نير الاستيطان الصهيوني، وهو لا يختلف عن الاستيطان الفرنسي للجزائر وما تكبده الشعب الجزائري من معاناة وتعذيب وتشريد وقتل واغتصاب….الخ.

فلسطين في القلب، علاقة أخوّة وتلاحم وتواصل، الجزائر تقاسم الشعب الفلسطيني الرغيف والنزيف والألم والحب وتقاسمه الحلم بالتحرر، وكما قال الشاعر “محمود درويش” كل فجر وله موعد ثائر.

(كتابات): هل رغبت في الرواية في تعريف القراء بالمرأة المناضلة الفلسطينية والجزائرية.. أم في رصد تاريخ نضال المرأة والحديث عن رموز نسائية لن يناساها التاريخ ؟

  • في سؤالك الاجابة نفسها.. كلاهما يكمل الآخر.. رواية “نساء في الجحيم” استنبطت أحداثها من الواقع الفلسطيني والجزائري، وهي ترصد نضال ومسيرة المرأة الفلسطينية والجزائرية عبر التاريخ، ووضع النساء الأسيرات في المعتقلات الاسرائيلية، وقد اتخذت من الرموز النضالية “غسان كنفاني، دلال المغربي، لينا النابلسي، رسمية عودة، مريم الشخشير، إيمــان عيشة، لطيفة أبو ذراع، محمود درويش..” حكاية العشق والنضال للوطن وعمق الوعي النضالي، ودور المرأة المحوري في أي عمل تحرري.

ولا شك أن هذه الرواية التي تنتقل من فضاء إلى آخر على ألسنة نساء تعتصرهن فواجع الواقع المزري، والمجازر الرهيبة التي يتكبدها الشعب الفلسطيني، والذي فرضه الاحتلال الصهيوني، ستصبح يوماً وثيقة تاريخية، وشهادة حيّة على مرحلة هامة في تاريخ المرأة الفلسطينية، والمدن الفلسطينية التي أزيحت أو غيرت ملامحها ومعالمها الأثرية، وعن نكبة 1948.

كذلك حاولت قدر المستطاع أن أزاوج بين نضال المرأة الفلسطينية وبين نضال المرأة الجزائرية أثناء كفاحها ضد الاستعمار الفرنسي على لسان البطلات “جميلة بوحيرد، مريم بوعتورة، فضيلة سعدان…إلخ”. من خلال واقع معاش وخيال مجنح في الحقائق التي وردت على ألسنة أبطال هذا العمل الروائي المتميز بشهادة القارئ أو الناقد.

(كتابات): ما هي المصادر التي اعتمدت عليها في كتابتك لرواية “نساء في الجحيم” ؟

  • مصادري كانت أحاسيسي أولاً.. ثم رصد وقائع الأحداث في فلسطين وما عاناه الشعب الفلسطيني وخاصة في مرحلة النكبة 48، بالإضافة إلى تاريخ الثورة الجزائرية المجيدة، ونضال المرأة خاصة التي كانت شاهدة على هذا العمل الروائي، وبالتالي إسقاطها على الواقع الفلسطيني، هذا من جهة ومن جهة أخرى عودتي من إسبانيا ألهمتني الكثير.. عدت محمّلة بالكثير من عبق الأندلس وهذا التاريخ العريق.

هذه الرحلة كانت بالنسبة لي محطة اكتشاف، وانبهار بحضارة عريقة تركها أسلافنا، والمختلف فيها أنني كتبت رواية “نساء في الجحيم” قبل أن أراها، وبهذا الانبهار والألم في نفس الوقت كانت الرحلة لحظات لتوثيق ما كتبت.

(كتابات): لما اخترت طريق الكتابة.. وماذا تشبع لديك ؟

  • أولاً الكتابة ليست اختيار.. وإنما هي وهج يسكنني منذ طفولتي، وما يغريني في الكتابة هي المتعة والجمال والحبّ، ما يغري في بصوت مرتفع، وأسمع أناه عند الآخـر، خلق مادة إبداعية مميزة، افتكاك شخصية سوية يمكن اللعب بها، الكتابة هي تحريك المياه الراكدة في الرغبات المقموعة، المقهورة، لتتكلم على حبل أفكارها وأبعادها النفسية، وما يثيرها من جدل أو قلق كالشخصية الانطوائية أو الحسية المنهزمة في أي عمل روائي أكتبه…إلخ.

(كتابات): حدثينا عن الجوائز التي فزت بها ؟

  • الجائزة هي تثمين الجهد.. والمبدع تواق إلى تحقيق التميز من خلال نصوصه التي يتمناها أن تصل إلى الآخر وتنافس النص المغاير.. وبالتالي فقد تحصلت وبفضل الله وكرمه، على العديد من الجوائز الأدبية في مجال القصة والرواية منها:

–        جائزة الكاتب الناشئ (قصة السفينة) لجريدة “الجمهورية” الأسبوعية 1993.

–        فازت قصتي (عذرية وطن كسيح) بجائزة في “فوروم” نساء البحر الأبيض المتوسط  بمرسليا ـ فرنسا ـ 2002 وترجمت إلى اللغة الفرنسيـة.

–        جائزة مديرية الثقافة للقصة القصيرة ببومرداس 2003.

–        فازت قصتي (أنين عاشقة) على الجائزة الأولى في المسابقة القصصية للموقع الالكتروني مجلة “أقلام” الثقافية سنة 2006.

–        فازت روايتي (اعترافات امرأة) بجائزة الاستحقاق الأدبي، جائزة نعمان الأدبية بلبنان 2007.

–        فازت قصتي (زهور زيراري.. الشاعرة السجينة) في مسابقة القصة مجلة الإبداع العربي 2015.

–        فازت قصتي (الفتى العكاوي) مؤخراً في مسابقة “منتدى المثقفين في أميركا وكنـدا” 2016، وقد كانت مهداة لروح الشهيد “غسان كنفاني”.

–        ومؤخراً فازت قصتي (فريكي) بالجائزة الدولية الأولى ماي 2017، في مسابقة أدب المرأة عن هيئة اتحاد الأدباء الدولي بأميركـا.

(كتابات): هل واجهتك صعوبات في طريق الكتابة والنشر.. خاصة لكونك امرأة ؟

  • نحاول تذليل كل الصعوبات أمام ما نحب تحقيقه.. المهم الإصرار والمواصلة، والصعوبات أكيد تصادف كل مبدع في بداية طريقه، والحمد لله مساعدة زوجي كانت سندي في عملية النشر.

(كتابات): ما رأيك في حال الثقافة في الجزائر والعالم العربي ؟

  • لا يمكن الحديث عن مشهد ثقافي ما لم تكن هناك إستراتيجية واضحة المعالم، وخطة عمل ممنهجة تتبع وتتابع، كما لا يمكن الحديث عن مردود ثقافي، ما لم يتحول إلى ملموس يومي لدى المواطن العادي، إذ أصبح المثقف العربي محاصراً بعدّة موانع تجعله منغلقاً على نفسه، وسلبياً تجاه تلك الموانع أو المؤثرات، وأعتقد أن لعبة السياسي قد ساهمت في هذا الجمود، فأصبح المثقف تابعاً للسلطة ينساق وراء طموحه الاجتماعي.

إن المشهد الثقافي أصبح يشهد غياب المثقف النوعي، والذي شجع على أشباه مثقفين تابعين للسلطة، وطموح الكاتب السياسي هو الذي أقبره فكرياً، وبدل أن تصبح رسالة المثقف رسالة في خدمة الأمة، أصبحت رسالته تنحصر في كيفية التخلص من ظروفه الاجتماعية المزرية.

حال الثقافة في الجزائر على العموم لا يختلف عن حالها في الوطن العربي، فبالرغم مما تشهده من حراك فعال، إلا أنه يبقى باهتاً، يفتقر إلى الدعم الكبير.

(كتابات): تكتبين القصة والرواية وقصص للأطفال عن ماذا يكشف هذا التنوع في الإبداع ؟

  • أنا لم أكتب للطفل لأن الكتابة له صعبة.. ما قمت به هو تدوين القصص الشعبية خوفاً عليها من الاندثار والنسيان، فكانت سلسلة حكايات شعبية والتي صدرت بالجزائر عن دار الحضارة، ثم عن اتحاد الكتاب بدمشق، وترجمت إلى الفرنسية، وصدرت مؤخراً بفرنسا عن منشورات EDILIVRE والتي كانت رفقة الأديب “رابح خدوسي”.

هذا الجنس من الكتابة أخافه وأهابه، والمغامرة فيه صعبة، لا يجيدها إلاّ السباح الماهر الذي يتفنن في الغوص، وذلك من خلال مراعاة المواضيع المختارة، والولوج إلى عالم الطفل النفسي، وهذا شئ مهم في كتابة أية قصة حتى يكون العمل ناجحاً ويؤدي الغرض بشد انتباه الطفل وتحريك ملكاته الفكرية والنفسية.

أما عن التنوع فهو دليل على أهمية الابداع بالنسبة للكاتب، والقادر على أن يضيف شيئاً ما في كافة الحقول الأدبية التي يجد نفسه فيها.

(كتابات): ما رأيك في قصص الأطفال في الوقت الحالي.. وهل تعاني من أزمات ؟

  • سأقول بصفة عامة أن الطفل العربي يفتقد إلى مثله الأعلى، وإلى البطل الرمز في مخيلته، والذي لم ننتبه له بفعل إلغاء رموزنا، وتهميشها، ومحو صورة الشخصيات التاريخية التي يمكن أن يقتدي بها، فأصبح مرتبط بالشخصيات العالمية التي تصنع شخصيته وتشكل وعيه من خلال (سوبرمان.. باتمان.. باربي) للأسف الشديد نحن أمة لا تحترم طفولتها، ولا تعمل على بناء الانسان منذ صغره وتنشئته المنشأ الصحيح، فكرياً، وتربوياً، ونفسياً، ولا تعزز ارتباطه بتاريخه ورموزه، وبالتالي هي أمة لا يعول عليها، لأنها لا تعي أن مستقبلها مرهون بجيل هي تلغيه في مشاريعه المستقبلية، موازاة مع ما يبديه الغرب وما يمليه من اهتمام، وتقديس للطفولة، يعمل جاهداً على توفير الراحة والطمأنينية الفكرية والنفسية لها من خلال الشخصيات القوية التي يخترعها في القصص الموجهة لهم، والتي للأسف تنعكس بالسوء على نفسية الطفل العربي المحبط، ومدى تعلقه وارتباطه بها، كذلك البرامج المسيطرة سواء المرئية أو السمعية لا تولي الاهتمام بهذه الشريحة.

هناك غزو ثقافي رهيب ومرعب ومادي، وجيل لا يعي هذه التحولات الراهنة، هناك جيل يُغيب فكرياً وأخلاقياً، أو بما يسمى تغييب الوعي لدى الناشئة حتى يعيشوا فقط في مستنقع الأهواء النفسية بعيداً عن الطموح السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي وحتى الاجتماعي.. بالتأكيد هناك قصور في الإبداع الموجه للطفل لا من ناحية القصص المنشورة أو المجلات أو المهرجانات التربوية والترفيهية، وهذا راجع إلى التقصير الذي تتحمله كل من الأسرة والمدرسة والمؤسسات الثقافية الفاعلة التي لم تأخذ على عاتقها المسؤولية الكبيرة، وتجنيد كل طاقاتها المادية والمعنوية لخدمة جيل المستقبل.

الأمة التي لا تحترم طفولتها لا تصنع مستقبلها في ظل المتغيرات العالمية وثورة التكنولوجية والروافد الثقافية المختلفة التي تعزز ثقافة الانسلاخ.. أن الطفل العربي صورة مصغرة عن مجتمعه، لا يعكس الصورة الجمالية التي يطمح لها الكاتب العربي المصاب بالخيبة والإحباط، ولم نعد قادرين على تشكيل وعيه كما نريد، ولا استفزاز ملكاته الخيالية أو قدراته العقلية، وبالتالي هي محاولات فردية بعيدة عن المؤسسات الثقافية أو السياسية التي لها الإمكانات الكبيرة لفتح آفاق مستقبلية أمام جيل الأطفال المتعطش لمجلة الطفل أو مجلة المدرسة، أو مجلة الحي، مجلة الطبيعة والمسرح ..الخ، متعطش للأمن والاستقرار النفسي والاجتماعي والجمالي.

خزانة تراثنا زاخرة وموروثنا الشعبي غزير يمكن أن نغرف منه صوراً رائعة تقدم في حكاية جميلة، ورسومات فنية تجذب الطفل الباحث عن القصص العالمية، ومع ذلك تبقى الكتابات المقدمة للطفل قليلة جداً مقارنة بالكم الهائل الذي يغزونا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة