خاص : حاورتها – سماح عادل :
“صبيحة شبر” كاتبة عراقية.. بدأت الكتابة في الصحف العراقية عام 1960، أصدرت مجموعات قصص قصيرة: (التمثال) 1976، (امرأة سيئة السمعة) 2005، (لائحة الإتهام تطول) 2007، (التابوت) 2008، (لست أنت).. وصدرت لها روايات منها: (الزمن الحافي)، رواية مشتركة مع الأديب العراقي “سلام نوري”، و(العرس) 2010، و(فاقة تتعاظم وشعور يندثر)، و(أرواح ظامئة للحب).
ألتقت بها (كتابات) في حوار موسع عن أدبها ومراحل إبداعها الثري…
(كتابات) : بدأتي بكتابة الشعر ثم اتجهتي للقصة القصيرة والرواية .. حدثينا عن مشوار الكتابة لديك ؟
- كنت أحب الإستماع إلى القصص التي تحكيها لنا جارتنا، وكنت أقلد الجارة في القص.. فأقوم بقص الحكايات والأطفال يستمعون لي، لكني قد أضيف أحداثاً جديدة لم تكن في قصص الجارة، فيقوم الأطفال بتصحيح الحكايات لي، فقد سبق لهم أن سمعوها من الجارة.. في الرابع الإبتدائي كتبت القصيدة العمودية الموزونة، التي نالت إستحسان المستمعات الكبيرات، فأنتقد أحد زائري بيتنا إعجاب المعلمات بما أكتب، فقال: كيف يمكن لطفلة أن تقول شعراً ؟.. سمعت الكبيرات الإنتقاد كما سمعته أنا، فلم أعد إلى كتابة الشعر التقليدي.
في الدراسة الثانوية، وكانت مدرسة اللغة العربية الأستاذة “إحسان الملائكة”، شقيقة الشاعرة “نازك الملائكة”، حاولت أن أكتب الشعر الحر، فنصحتني الأستاذة “الملائكة” أن أحسن نظم الشعر العمودي أولاً، ثم أحسن نظم شعر التفعيلة، وإذا ما تم ذلك أكتب الشعر الحر..
في إحتفال رفع العلم صباح كل خميس كنت أكتب الخطب الحماسية عن الوطن والدفاع عنه، وتقف الطالبات أمام العلم رمز السيادة والإستقلال وألقي خطبتي، كتبت أول قصة قصيرة وأنا في الصف الثاني المتوسط عام 1962، أول مجموعة قصص قصيرة أصدرتها عام 1976 وكان عنوانها (التمثال)، وأول رواية أصدرتها عام 2010، وكان عنوانها (العرس).. لي الآن ست مجموعات قصص قصيرة وخمس روايات وكتاب يجمع الحوارات التي أجريت معي، كما أن لي كتاباً يتضمن مجموعة من المقالات..
(كتابات) : نشرت مقالات في الصحف في عمر صغير.. من كان يشجعك على الكتابة ؟
- أبي كان يشجعني.. يأتي لي بالكتب وكنت في المدرسة ألقى التشجيع الكبير من معلماتي، في درس الإنشاء كانت المعلمة تقرأ ما أكتبه أمام مسامع التلميذات، حين كتبت مقالة سياسية وأحببت أن تنشر في إحدى الصحف العراقية، أقترح أبي اسم الصحيفة ونصحني أن أستخرج عنوانها، وأن أضع المقالة في ظرف وأكتب عليه عنوان الصحيفة، وكم كان أبي فرحاً حين جاءني وفي يده الصحيفة التي نشرت مقالتي، ثم تعودت على كتابة المقالات وإرسالها إلى الصحف، وقد نشرت حين كنت في الصف السادس الإبتدائي جل مقالاتي في صحيفة (صوت الأحرار)، ونشرت قليلاً في جريدة البلاد والثبات.
(كتابات) : هل كرست كتاباتك الأدبية للدفاع عن المرأة وحقوقها .. وتناول القهر الذي تتعرض له في المجتمعات العربية المغلقة ؟
- في قصصي القصيرة كتبت عن حالات تعيشها النساء، أكون شاهدة عليها، أو أسمعها من أحد المعارف أو الأصدقاء.. أول قصة قصيرة كتبتها وأنا في السنة الثامنة تتحدث عن رجل له أسرة كبيرة العدد ولم يكن له عمل ثابت، فكان يخرج كل صباح باحثاً عن عمل له، وحين كبرت أخذت مشاهد الظلم والإضطهاد التي يتعرض لها الإنسان في بلادنا تظهر جلية واضحة، الإنسان مظلوم في عالمنا العربي الإسلامي، ولكن المرأة تعاني الظلم بصورة أشد، لأن الزوج في البيت هو السيد الذي يجب أن يطاع ، وإن المرأة، وخاصة العاملة، لا تجد الوقت الكافي للعناية بصحتها، فهي موزعة بين العمل خارج المنزل وأشغال البيت التي لا يمكن أن تنتهي.
(كتابات) : في رواية (أرواح ظامئة للحب).. صورتي معاناة المرأة منذ طفولتها في مجتمع محافظ.. حدثينا عنها ؟
- في رواية (أرواحٌ ظامئة للحب)؛ تحدثت عن طفلة نشأت في أسرة محافظة يحاسبونها على الكلمة البريئة وعلى أي تصرف يبدر منها عن غير قصد، تتهم بالسرقة من قبل عمتها لأنها دون أن تدري عواقب عملها ذهبت إلى غرفة جدتها ووجدت كيساً فيه لب الرقي النيئ، فأخذته ونظر إلى عملها ذاك، وكأنه سرقة، الطفلة كانت ذكية جداً، لا تجد التشجيع لما تقوم به من أعمال حميدة، أبوها الإنسان التقدمي اليساري كان يقف إلى جانبها مدافعاً عنها ضد من ينوي الإعتداء على طفولتها.. في العراق وفي المناطق الريفية نجد الطفولة ضائعة بين التقاليد والعادات.
(كتابات) : رواية (أرواح ظامئة للحب).. هل هي جزء من سيرة ذاتية ؟
- ليست سيرة بالمعنى الحرفي للكلمة.. قد أتحدث عن طفولتي وأضيف إليها ما أعرفه عن حيوات الطفلات في مثل سني، اللاتي نشأن في أسر محافظة على التقاليد وتقوم بواجباتها المفروضة عليها دينياً، وتشجع على المبادئ التي دعا إليها الدين الإسلامي من نبل وشهامة وعطف على الضعيف بما فيهم الأطفال والنساء، في طفولتنا ذهبنا إلى الكتاب لنتعلم قراءة القرآن الكريم، وبعد الكتاب ذهبت بعض البنات إلى المدرسة وكنت إحداهن.
(كتابات) : كيف كانت سنوات الغربة بعيداً عن الوطن ؟
- عشت الغربة بمعانيها المتنوعة.. شعرت بالغربة، وأنني يجب أن أقوم بما يقوم به الكبار، حين حاولت الصيام قبل بلوغ السن التي يجب علي الصيام فيها، تحملت حرارة تموز وشدة العطش، لأنني وجدت الصائمين يتمتعون بكثير من الأمور، طلباتهم مستجابة وخاصة الرجال، الذين يكثرون من قراءة القرآن وينالون وقتاً من الراحة، بينما النساء يتفنن في تجهيز أنواع المأكولات، التي يقبل عليها الصائمون، كانت نتيجة صومي أن تضرر جسمي وأحمرت عيناي، زارتنا ضيفة ذلك النهار من بغداد وظنت أن أبي جعلني أصوم قبل أن يفرض علي الصيام، في ذلك الجو قمت بأمور عديدة كان يقوم بها الكبار، النوع الثاني من الغربة حين كنت أتحدث بالسياسة وأنا طفلة صغيرة، فوقف ضدي الكثيرون دون أن أعلم لماذا أتخذ من أحبهم ذلك الموقف، كما أنني في سني دراستي الإبتدائية كنت قليلة اللعب مع الطفلات في مثل عمري، في شبابي أضطررت إلى مغادرة وطني وحرمني ذلك البعد عن الوطن الكثير من الحقوق، كما أضافت لي الغربة معلومات عن البلد الذي أويت إليه وتعرفت إلى أصدقاء من مختلف الدول العربية.
(كتابات) : هل تشعرين أنك نلت التقدير الذي تستحقينه ككاتبة ؟
- الذي يهمني أن أجد القارئ المتابع لما أكتب، والحريص على وجود كتبي والإطلاع عليها، نلت عشرات شهادات التقدير في العراق والمغرب، كتب عن نتاجي الأدبي العديد من النقاد، استضافتني الكثير من البيوت الثقافية في بغداد مثل “أور”، و”الأندلس”، و”مدينة الصدر”، و”بغداد الجديدة”، و”المنتدى البلجيكي”، و”مقهى نازك الملائكة”، و”منتدى نازك الملائكة في اتحاد الأدباء”، و”ملتقى الخميس الإبداعي”.. ولكن أين توجد كتبي ؟.. لا أدري، دور النشر التي أصدرت لي قصصي ورواياتي بعضها مصرية وبعضها مغربية والأخرى عراقية، الأصدقاء يسألونني أين يجدون كتبي ؟.. لا توجد مكتبة في بغداد، كما لا توجد أية مكتبة في محافظات العراق العديدة، لم يدعني أحد إلى لقاء أدبي في إحدى مدن العراق الجميلة، ودعيت مرات عديدة إلى مهرجانات ثقافية في المغرب.
(كتابات) : ما هي الصعوبات التي واجهتك ككاتبة ؟
- بعض القراء يقولون أن كتابتي صعب عليهم فهمها، والبعض للآخر يخبرني أن كتاباتي سهلة جداً، وأنا أعلم أن رضا الناس غاية لا تدرك.. قبل ظهور الإنترنت كنت أعاني في العثور على الجريدة التي تنشر لي، نشرت في منابر قليلة مثل (الفينيق) في الأردن، و(القصة) في مصر، و(ميثاق الشباب) في المغرب، حين كنت في الكويت كان إرسال ما أكتبه إلى الصحف سهل نشره، نشروا في مجلة (الطليعة) و(العامل) وفي جريدة (الوطن)، وأضطررت أحياناً إلى النشر باسم مستعار في الكويت هو اسم (نورا محمد)، ظن بعض القراء أنني كويتية، كما أن من الصعوبات التي مررت بها هو التوفيق بين مهنتي كتدريسية وبين مهامي المنزلية وبين كتاباتي، كان الوقت قصيراً، وفي عملي في التدريس كان الراتب قليلاً لا يفي بحاجات أسرتي، فدفعني ذلك إلى البحث عن دروس خصوصية في المدرسة الأميركية والفرنسية، وفي المدارس العربية مثل السعودية والليبية، وراجعت بعض السفارات العربية طالبة التدريس، ونجحت في الحصول على طلاب سعوديين وإماراتيين وقطريين والبعض من دولة عمان.
من الصعوبات التي أمر بها؛ العثور على دار نشر مناسبة تقوم بطبع كتابي بسعر مناسب وتعرضه في معارض متعددة في الدول العربية، وأجد أن الكتاب العراقي الصادر عن دور نشر عراقية محاصر.
(كتابات) : هل تعتقدين أن الأدب لابد أن يكون ملتزماً بهموم المجتمع وقضاياه ؟
- الأدب لابد أن يكون ملتزماً بقضايا الإنسان، مدافعاً عن العدالة والإنسانية وحقوق المهمشين في حياة آمنة سعيدة، والإلتزام لا يكون مباشراً، فهناك فروق كبيرة بين المقالة الصحفية والنص الأدبي.
(كتابات) : ما رأيك في حال الثقافة داخل البلدان العربية ؟
- الثقافة في تراجع، كما أن التعليم في تراجع، وكل ميادين الحياة تتأخر، هناك تأخر مستوى التعليم في بلداننا العربية، لم تعد القراءة تحظى بالإهتمام الذي كان في السابق، الشباب لا يقبلون على القراءة كما كنا في شبابنا، أجد شعراً رديئاً ليس فيه من صفات الشعر شيء، وأجد خواطر يطلقون عليها صفة القصة، وما بها من مميزات القص شيء.
(كتابات) : هل هناك تواجد كبير للكاتبات العراقيات على الساحة الأدبية العراقية ؟
- نعم.. تكتب المرأة العراقية وبإجادة في مختلف الأجناس الأدبية، الشعر والقصة القصيرة، والقصيرة جداً، والرواية والمقالة والمسرحية، نالت العديد من الكاتبات العراقيات جوائز تثبت تميزهن في مجال الإبداع.