13 أبريل، 2024 6:30 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات.. صالح سالم عمير: ما أصعب الانشغال بالكتابة والدماء تسيل من تحت الأقدام

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: حاورته- سماح عادل

“صالح سالم عمير” شاعر يمني، المستشار الثقافي لوكيل محافظة حضرموت لشئون مديريات الوادي،  له كتابات نثرية متعددة فضلا عن تجربته الشعرية، فقد كتب في مسائل ثقافية متنوعة، وكتب مقدِّمات بعض الكتب والدواوين الشعرية لبعض أصدقائه، وشارك في بعض المهرجانات والمحافل الثقافية داخل اليمن. وله ديوان مطبوع (باقة ورد) وبعض المؤلفات والدواوين الأخرى المُعَدَّة للطباعة.

إلى الحوار:

** ماذا يعني الشعر بالنسبة لك؟

– بدايةً أودّ أن أعبّر عن شكري الجزيل للأستاذة/ سماح عادل، السيدة المثقفة التي تعشق الكلمة وتنشر لنا كل يوم عن أشجان الأدب وقضاياه، وتكتب عن الشعر والفن، من مختلف أقطار العالم بلا حدود وبلا كلل، وتبذل الجهد الجهيد محاولة التعريف بالأدب والأدباء من كل مكان، متعها الله بالصحة..

ربما لأن هموم البلاد والعباد كانت تؤرقنا، نحن جيل الثورة، كتبتُ الشعر الذي يتناول قضايا وهموم بسطاء الناس، الشعر الذي يفهمه الجميع كما أظن، وآثرتُ فيما بعد العامية، والشعر الغنائي، في وقت سادت فيه الحداثة والتجريب وقصيدة النثر..

كان النقاد آنذاك يعتبرون شعر الفصحى الموزون المقفى شعرا تقليديا كلاسيكيا. وأنا أَحبّ شيء لدي في كتابة الشعر عنصر الموسيقى.. أي الوزن والقافية.. لهذا السبب آثرتُ النص العامي الغنائي، الذي ظلّ في منأى عن شطحات النقاد..

** متى بدأتَ كتابة الشعر؟

أحب أن استشهد هنا بما كتب الأستاذ “علي أحمد بارجاء” رحمه الله يقول: “الشاعر صالح سالم عمير ينتمي إلى جيل الشعراء الثمانيين من القرن الماضي, فبداية ظهوره شاعرا كانت أثناء دراسته في مدرسة سيئون الثانوية, وفيها برز ولفت أنظار معلميه وزملائه الذين توسموا فيه علامات النبوغ, ورأوا في شعره بوادر الإبداع والتميز, وحظيَ بإعجابهم، مما دعا إدارة المدرسة والمعلمين المشرفين على النشاط الأدبي والفني أن يهيئوا له كل الأسباب ويغمروه برعايتهم, ليصبح الشاعر الأول للمدرسة، وظل شعره وألحانه مَعِينا تنهل منه الفرقة الموسيقية بالمدرسة التي كان يشرف عليها الأستاذ القدير: محمد علي باحميد، فكانت حصيلة إنتاجه الشعري كبيرة، مختلف الأنواع والأشكال من “أوبريت وأناشيد وأغانٍ ومونولوج واسكتش”  وقد أستحق هذا الإنتاج عناية واهتمام أستاذه: محمد علي باحميد, الذي بادر إلى تصنيفها وطبعها وأخرجها في كتيبين أحدهما عنوانه (الحصاد الفني) والآخرعنوانه (زهرات)، فكان هذان الكتيّبان توثيقا لإنتاج طالب تجاوز أقرانه وامتلك أدواته الفنية مبكرا، ومثلا تشجيعا ودافعا له  على مواصلة العطاء الشعري.).

** ترأستَ الجَمعية الأدبية بوادي حضرموت عند تأسيسها في الثمانينيات احكي لنا عن أنشطتها وهل مازالت موجودة؟

– الجَمعية الأدبية للشباب إطار تنظيمي إبداعي، عملنا من خلاله بإخلاص منقطع النظير، لإبراز مواهب المبدعين الشبان وقدراتهم. كي تتخلق وتنمو وتتفتق ورودها وأزاهيرها, وتؤتي ثمارها أدبا وفنا جميلا تقدمه الأرواح الشابة المجنحة الحالمة هدية لأمتهم ووطنهم..

وقد انتخبتُ رئيسا للجَمعية والتفّ حولها الأدباء الشباب, وكانت الأنشطة التي تقيمها الجمعية (توقف نشاطها من سنوات) صباحيات وأمسيات أدبية  وجلسات الدان، وكنا نصدر مطبوعة متواضعة تحتوي على نتاجات الأعضاء عنوانها (زهرات من حديقة الأدب) وهذه المطبوعة بمثابة النافذة التي كنا نطل من خلالها على مجتمعنا (وادي حضرموت)..

ووادي حضرموت هو موطن علي أحمد باكثير، (وهو غني عن التعريف صاحب المؤلفات الغزيرة واختارت السينما المصرية روايتين له وقدمتهما من خلال فيلم “وا إسلاماه” بطولة (أحمد مظهر ولبنى عبد العزيز وعماد حمدي) وهو إنتاج مشترك بين مصر وإيطاليا. ومخرج الفيلم هو الأمريكي “اندرو مارتون”. وفيلم “سلّامة” الذي كان بطولة (أم كلثوم ويحيى شاهين ومخرجه هو توجو مزراحي).

ومن مشاهير حضرموت الوادي المعاصرين (عبد الرحمن ابن عبيد الله، وأبوبكر بن شهاب وصالح بن علي الحامد) والكثير الكثير من الأدباء والشعراء الرواد الكبار..

ومن وادي حضرموت استوطن الإنسان الحضرمي، الذي تشكّل له ظاهرة الهجرة والاغتراب مَعْلَمًا  أساسيا، البلدان العربية، وحَلُّوا بأرض مصر والشام والعراق وبلدان أخرى عربية وغير عربية. ولهم معالمهم وبصماتهم ومناقبهم على كلّ صعيد، دينيا وتجاريا وعسكريا وثقافيا، وبفضل هجرات الحضارم كما هو معلوم فقد أوصلوا شعاع الإسلام إلى الهند، وإلى جزر جنوب شرق آسيا، والظاهرة الأوسع أخيرا هجرة الحضارم في اتجاه الجزيرة والخليج.. واشتهرت أسماء عِدّة من الحضارم على مرّ التاريخ، مثل ابن خلدون صاحب المؤلفات المشهورة في التاريخ وعلم الاجتماع.

ولأمرئ القيس:

كأنّيَ لم ألهو  بدّمون ليلةً

ولم أشهد الغارات يومًا بعندلِ

ودمون وعندل وغيرهما من المواقع التي ذكرها الشاعر الشهير مناطق معروفة بوادي حضرموت..

يُذكر أنه خلال تلك الحقبة أيام الجمعية الأدبية للشباب زار وادي حضرموت الكثير من  الأدباء والشعراء والفنانين المصريين والتقينا بهم  أمثال (محمود أمين العالم والأبنودي والمخرج صلاح أبو سيف وسميحة أيوب وعبد الرحمن أبو زهرة) وغيرهم.

** حضرتك مسئول ثقافي باتحاد الأدباء والكُتاب اليمنيين فرع وادي حضرموت. كيف يدعم اتحاد الكتاب الثقافة والأدب في اليمن؟

– توقفتْ كل أنشطة الاتحاد قبل أكثر من ٦ سنوات في كل أنحاء البلاد، بسبب الأوضاع الراهنة التي تمر بها، وتوقف الدعم تماما!!

لعلّ كلّ مثقف أصبح اليوم ينشر كتاباته وقصائده من خلال السوشيال ميديا، وينشر كتبه على نفقته الخاصة إن استطاع. أصبح الكل اليوم يتألم لما وصل إليه حال الثقافة والمثقفين بسبب الحرب، على أنّ البلاد العربية تساند أو تدعم أصحاب الأقدام (الكورة) ولا تكترث بأصحاب الأقلام منذ الأزل،  والكل يُدرك أنّ المثقف في معظم البلاد العربية يعاني من التهميش أو التجاهل، سواء في أيام الحرب أو أيام السلام!!  ما أكثر المواجع، وما أكثر الهموم الثقافية سيدتي.

** تقوم بإعداد مجلة الثقافة والأدب للبرنامج الإذاعي الأسبوعي الذي يُبث عبر إذاعة سيئون، كيف هو العمل في الإذاعة وهل تستمتع به؟

– مع انتهاء عام ٢٠٢٠ تكون (مجلة الثقافة والأدب) البرنامج الإذاعي الأسبوعي الذي أتولى إعداده، قد أكمل ال ١٦ عاما، وخلال هذه المدة كانت الإذاعة ممثلة بإداراتها تاركة لي الحرية الكاملة في تقديم ما أراه،  وقد تلقّيتُ خلال هذه المدة الطويلة، فضلا عن المشاركات والمساهمات من  المثقفين والمثقفات، الخطابات المُعبّرة بالكلمات الطيّبة عن انطباعات رائعة لا أنساها، تصل إلي بعد إذاعة كل حلقة..

ثمّة مسائل ثقافية متنوعة تناولتها مجلة الثقافة والأدب خلال عمرها الطويل، ويمكن القول أنني كتبتُ عن أغلب أدباء وشعراء الوادي والساحل الرواد والشباب.. وغيرهم من الأدباء العرب والعالميين. وسَلّطتْ المجلة الضوء على الكثير من المسائل الثقافية وعلى عمالقة الأدب والثقافة في حضرموت وفي اليمن والعالم العربي. واستعرضنا نتاجاتهم وانجازاتهم ومشاركاتهم في المحافل والفعاليات الثقافية ومعارض الكتب التي تقام في كثير من الدول العربية.. وغير ذلك .

وكذلك كنا نتناول مساهمات المبدعين والمبدعات المتنوعة التي تثري المشهد الثقافي.. ومن خلال صفحة (لقاء العدد) أجرينا حوارات ثقافية مع العديد من المبدعين اليمنيين والمبدعات، من داخل اليمن وخارجه.. واستمعنا في بعض أعداد المجلة إلى مساهمات شعرية ونثرية بأصوات الشعراء والأدباء.

ومن خلال صفحة (مساهمات المبدعين) يتفاعل أدباء وأديبات من الوادي والساحل ويتجاوبون بشكل راقٍ ورائع، ومن بين رسائل المثقفين على سبيل المثال كتب أ.هشام الرباكي:

(نشكر الأستاذ صالح عمير على تسليط الضوء على المبدعين في كل المجالات. إنّه لوحده اتحاد أدباء وكُتّاب) وعقّب على هذا الكلام د.  عبدالقادر باعيسى بقوله:

(هذا الذي فاتنا قوله وقاله أ.هشام الرباكي. عُمير يحمل تاريخا من التجربة والوعي وحُسن الخُلق). وأضاف: (ليت القلوب توضع على الطاولة ليراها الناس !!).

بالمختصر حاولنا أن نضع نصب أعيننا كل جوانب الشأن الثقافي والحراك الثقافي وفي اعتبارنا، ونقله بأمانة للمستمعين في كل مكان، ومن نافلة القول أن العمل الإذاعي الممتع تكاملي، تحية للمقدمين والمقدمات والمنفذ والمشرف، وللمستمعين والمساهمين الأفاضل..

هذا غيض من فيض..

الجدير بالإشارة أن بعض المثقفين ارتأوا أن لا تذهب كل هذه الجهود هدرا، يرون أن تُحفَظ من خلال إصدارها في كُتب مستقبلا..

** قال الناقد الدكتور”عبد القادر علي باعيسى”عن شعرك: “الشعر لديه ممارسة اجتماعية تروق له فيه الطزاجة في وصف الأحوال وتقديمها مباشرة قبل أن يجف ماؤها.” إلى أي مدى يعبر شعرك عن تأثرك بأحوال مجتمعك وهمومه وقضاياه؟

– في نص عابر، ومن وحي كلمات مُغنّاة مصرية مطلعها (ولسّه بحلم بيوم) كتبتُ:

عاشق وأحلم بيوم

ما فيه اسم الشقاءْ

مافيه ذَرّة هموم

مافيه غير  النقاءْ!!

هنا حاول النص المؤثَّث بموسيقاه لا أكثر، أن يُعبِّر عن حُلم الإنسان في حياة كريمة فاضلة بشكل غنائي ومباشر، هكذا يُكتَب النص الغنائي ببساطة متناهية أحيانا. ولكن غالبا وكما حاولتُ في ديواني الموسوم (باقة ورد) أن تنأى بعض النصوص بنفسها عن المباشرة، فالوظيفة الاجتماعية للنص الشعري تنبع من وظيفته الفنية والجمالية. ولا يمكن الفصل بين الوظيفتين، بين الشكل والمضمون، ويُحافظ النص الشعري على قيمتِهِ عندما يُحافظ على قِيَمِهِ الجمالية، ولكني أضيف وفي الوقت ذاته يستطيع الوصول إلى الناس، إلى المتلقين..

ولعلنا نتغيّا البساطة في كتاباتنا المحكيّة، نظرا لانتشار الأمية والتخلف الثقافي المنتشر على مستوى الوطن العربي بين أغلب الناس..

شكرا للصديق الدكتور الناقد، القلم الباذخ جمالا. الساكب بسخاء شَهد الكلام.

** كتبت الشعر بالفصحى والعامية لكنك أبدعت في الشعر العامي لماذا؟

– صحيح كلامك، فرغم أنّ أول قصيدة فزت بها بجائزة مادية متواضعة من اتحاد الأدباء شعبة سيئون مكتوبة بالفصحى، عندما كنتُ طالبا بالثانوية، إلا أنّني وجدتُ نفسي أميل للشعر الغنائي بل ووضعتُ له الألحان، وكما سبق كتبتُ المسرحية الشعرية باللهجة الغنائية (الأوبريت مجازا) متأثرا بالشاعر الكبير حسين أبو بكر المحضار الذي كان حينها وأنا في المرحلة الثانوية يكتب بعض المسرحيات الغنائية، ولم أكتفِ بهذه الكتابات حينها، بل أنني كتبتُ الأغاني العاطفية والأناشيد الوطنية ووضعت لها الألحان،  وغنّاها  بعض الفنانين، وتعلّمتُ أبجديات العزف على العود.. إلخ.

لعلّ الشعر الغنائي هو الذي حبّب إلي الكتابة باللهجة العامية، على أنني حاولتُ ومازلتُ أحاول الكتابة بالمفردات البيضاء، المفردات الفصحى التي يعرفها كل العرب، وفي اليمن كما يكتب د. المقالح ( يعيش المستويان اللغويان للعربية (العامية والفصيح) منذ أقدم العصور، (وتشق اللهجة العامية طريقها في ظل الفصحى، وعلى مقربة منها)..

وأنا أحاول دائما أن أكتب بعامية المثقفين، وهي الفصحى غير المُعرَبَة، على أن القصيدة العامية تشترك مع القصيدة الفصحى في استخدام فنون البلاغة التقليدية من استعارة وتورية وجناس وطباق.. إلخ.

ويقول د.المقالح:

(تأكد لي أنه لا يهبط بشعر العامية أنه كُتب بالعامية، كما لا يرتفع بشعر الفصحى أنه كُتب بالفصحى. وأنّ الأساس الفني هو جوهر الشعر).. على كلٍّ أجمل الشعر العامي، الشعر غير المباشر، الشعر متعدّد  القراءات!!

** هل الشعر العامي في اليمن يلقى قبولا واهتماما من المتلقين؟

– ربما بعض المثقفين ينظرون للشعر العامي  بازدراء، ربما لجهلهم بتسميته.  يتصور البعض أن الشعر العامي يُكتَب للعوام من الناس، بينما الشعر العامي يُكتَب للعامة. لعامة الناس. للمثقفين وغير المثقفين ويفهمه كل الناس، ولا يُكتب للعوام كما يظن بعض المثقفين. وربما (بسبب اللبس في تسمية (الشعر العامّي) سمّاه البعض الشعر الشعبي أو الحميني أو الدارج أو المحكي أو شعر الجُمهور.. إلخ.

وثمة كِتاب للدكتور عبد العزيز المقالح عن الشعر العامي، عنوانه (شعر العامية في اليمن) الكتاب إذا لم تخنّي الذاكرة أطروحة د. المقالح لدرجة الماجستير، يقع الكتاب في ٤٧٨ صفحة، صدر عام ١٩٧٨ عن دار العودة بيروت. وكتب الكثير غير المقالح عن الشعر العامي، وإن اختلفت التسميات، الشعر الشعبي، شعر الجمهور، الشعر الحميني..

وفي وادي حضرموت، الكثير من  الشعراء المرموقين من شعراء العامية، حتى أنّ بعض كبار العلماء والشعراء كتبوا بالفصحى وبالعامية أيضا، مثل (الإمام علي الحبشي وصالح بن علي الحامد) وغيرهما، وشعراء أغنية كبار مثل (حداد بن حسن الكاف والمحضار وباحسن) وغيرهم، وربما تزدهر الأشعار العامية في حلبة الشبواني حيث تقام مساجلات مرغوبة كثيرا من عشاق الشعر بين الشعراء (ليلا) في مدارات تشبه المسارح المفتوحة، واشتهر العديد من الشعراء الشعبيين مثل (مستور حمادي وناصر بناصر وصالح ربيع بلسود ومبارك باعكيم) وغيرهم.. ويكتب أحيانا بعض الشعراء والمثقفين الكبار، وأساتذة الجامعات  بالعامية، كالدكتور (سعيد الجريري ود. احمد عبيدون ود. زهير الهويمل) وغيرهم..

(إنّ المُراد  بالنظم والتأليف باللهجة الدارجة حفظ المعاني الحقيقية لا غير، لأن الألفاظ أجسام وأرواحها المعاني، وأنت بالروح لا بالجسم إنسان. ولهذا نحن  نتنزّل في الكلام للعموم فنخاطبهم بما تدركه الأفهام) بتعبير أحد العلماء الحضارم.

** ما سر شغفك وحبك لمصر؟

– لا ريب أن هذا أروع الأسئلة، وأشير، للمرة الأولى،  أنّ الفضل لمصر في تكويني الثقافي والفني، ربما مثل الكثير من العرب، ويمكن القول أن عشقي لمصر حسب المستويات الثلاثة الآتية:

أولا: عشق الأدباء والكُتّاب والشعراء منذ الطفولة، منذ كامل كيلاني ثم جورجي زيدان والمنفلوطي وفي عُمر المراهقة كنتُ مغرمًا بإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي، ثم مرحلة طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس والمازني ويحيى حقي ونجيب محفوظ ، ولابد أن أتوقف قليلا أمام هذا الهرم، أديب العربية الكبير، الذي أثرَى المكتبة العربية من خلال فن الرواية، وأعود له كلما  تعبتُ أو اختنقتُ.

ولعلّ أهم مايمثّله محفوظ أنه لم يكن كاتب مصر وحدها ولكنه كان أديبا لكل العرب كونه استطاع أن يُبرز المعاناة الإنسانية من خلال الحارة المصرية والعربية وطرح كل الأسئلة التي تتعلق بالمصير الإنساني، وربما التف كل المثقفين العرب حول أدبه ورواياته الصالحة لكل زمان ومكان، ورغم أنني قرأتُ للكثير من الكُتّاب العالميين إلا أنه يظل كاتبي المفضل، والحديث عنه يطول، وأحببتُ شوقي وحافظ والأبنودي ونجم وصلاح جاهين وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل وأحمد عبد المعطي حجازي وتعلمتُ من رجاء النقاش وغالي شكري وجابر عصفور وشوقي ضيف وأحمد بهاء الدين والقائمة تطول، وكانت مجلاتنا المفضلة التي نحرص على قراءتها الهلال والمصور وروز اليوسف وصباح الخير وحواء…

ثانيا: عشقي للفن المصري الغنائي منذ أن أتيت للدنيا، عبد الوهاب وأم كلثوم وحليم ونجاة ومحرم فؤاد وعفاف راضي وعبد المطلب ورشدي وفوزي وقنديل ووو، ومازلتُ أقضي وقتا طويلا كل يوم مع إذاعة الأغاني المصرية، أو مع إذاعة القرآن الكريم المصرية.. (في زيارتي لمصر مؤخرا، لم أعثر على هذا الفن الجميل مع الأسف) !!

ثالثا: تصل إلينا الأفلام المصرية منذ أن كنا أطفالا، أفلام (عنترة بن شداد و غزل البنات) (ليلى مراد ونجيب الريحاني) و(أيامنا الحلوة عبد الحليم وثرثرة على النيل) مرورا بأفلام (الرصاصة لا تزال في جيبي وقاهر الظلام والشيماء وبئر الحرمان وابتسامة واحدة لا تكفي ومعبودة الجماهير  وخلي بالك من زوزو).. الخ. واليوم نشاهد عبر الفضاء القنوات المفضلة إلينا وهي القنوات المصرية دون منازع..

فهل أزيد؟!

** هل تأثرت أحوال الثقافة في اليمن بالحرب وهل هناك بوادر للتعافي؟

– أعتقد  أنّ أحوال الثقافة في هذه الديار حتى قبل الحرب كانت بائسة. لا يتم إصدار دواوين شعرية أو مجاميع قصصية أو وروايات ومسرحيات أو كتب فكرية ونقدية، أو دراسات عن الموروث الشعبي.. إلا فيما  ندر.

الإنتاج الكتابي والإبداعي قليل في هذا الوادي وربما في كل أنحاء البلاد في وقت السلم أو الحرب كما أظن.. أعتقد وكما  اقرأ لبعض النقاد والمهتمين انحسر وضعف الدور التنويري المجتمعي في العقود الأخيرة هنا في هذه البلاد..

ربما لا يوجد في هذه البلاد كما في مصر مثلا  إنتاج أدبي وفكري ضخم أو  ثري ،وإنتاج نقدي متفرد.. ودون أدنى شك تأثرت أحوال الثقافة وأحوال المثقفين بسبب هذه الحرب الطويلة التي تلتهم الأخضر واليابس، وتراجعت مختلف الأجناس الأدبية والفكرية في تعدّد أوجهها. كون عالم الأدب والفكر بطبيعة الحال لا ينفصل عن ما يحدث على أرض الواقع من مآسٍ وكوارث وخيبات، يتأثر المشهد الثقافي والأدبي بالمشهد السياسي أو بالشأن العام سلبا وإيجابا.

بالتأكيد أثرت الحروب على الحياة الثقافية والأدبية  المعاصرة. وعلى إصدار الصحف والمجلات والدوريات. والندوات والمؤتمرات الثقافية والعلمية وعلى كل شيء.

ولكن..

رغم الحرب إلا أن ثمة نقاط ضوء تتحدى  العَتمة، ومازالت بعض المؤسسات والمراكز الثقافية تعمل، ومازالت بعض المنتديات قائمة، ومازال بعض الأفراد يحاولون الحفر في الصخر بجهود ذاتية في أغلب الأحيان، وتظهر بين الحين والآخر أعمالا روائية وشعرية رائعة، ومازلنا نشهد أعمالا في كافة الفنون الجميلة ومنها المسرح والتشكيل والترجمات والأبحاث الثقافية وغير ذلك وهي قابلة للتطور لتتماهى مع إيقاع العصر. والتعافي أوالتطور سنة الحياة.

** في رأيك هل هناك مناطقية في التعامل مع الأدب والثقافة بمعنى أن الأدب اليمني مثلا يجد صعوبة في تجاوز حدود بلده ولما في رأيك؟

– ربما في سنوات خلت ومنذ زمن بعيد، كان اليمن  يعيش عزلة خانقة تفصله عن المجتمع العربي وعن المجتمع الدولي والتطورات العالمية المختلفة على كل الأصعدة، ولكن اليوم أصبح العالم قرية صغيرة كما يقال، ولكن الأمر المؤسف وكما يرى أحد الكُتّاب الكبار فقد (تجمّدت حركة الحياة في كثير من المناطق ومنها، الوطن العربي، وتجمدت حركة الزمن أيضا، وأصبح الناس يتحرّكون وفق آليات جامدة في كلّ شؤون الحياة، والملاحظ على المستوى الفردي وعلى المستوى العام غياب، الأحلام الكبيرة،  أحلام توحيد الأمة وإعادة بنائها، ربما لم يعد يشغل الإنسان في هذه السنوات العِجاف شيء خارج البحث عن لقمة العيش) ربما تشوّهت اليوم كلّ محاولة للتقدم إلى الأمام، وأصبح العرب كأمة واحدة وكأقطار منعزلة، في موقف لا يُحسَد عليه.. ولعلّ أغلب العرب اليوم يعيشون خارج أسوار العصر، وفي منأى عنه!!

** لما في رأيك تعاني الثقافة في المنطقة العربية بشكل عام وما هي أهم مشاكلها؟

– جاء في خطاب كتبه نجيب محفوظ لأنيس منصور:

أنا لا أعد نفسي من أصحاب الرأي ولكن من زمرة المنفعلين بالآراء!! وفي ختام الخطاب كتب: ما حيلتي إذا لم يكن عندي رأيٌ جديد؟! قضى ربك أن أكون من أصحاب القلوب لا العقول، ولا مناص من الرضا بقضاء الله!! ولعلي في هذه الخصلة (ليس إلا) أشبه أديبنا الكبير..

ولكني سأحاول أن أرجع للذاكرة وسأرد على السؤال بالمختصر المفيد..

(إنّ الحريّة الممنوحة في الوطن العربي لا تكفي كاتبًا واحدًا) هذه هي أول عبارة يرددها بعض الأدباء الكبار أتذكرها الآن، ولعلنا بالأمس على درجة من السماحة تبيح لكل الأدباء والشعراء بالجهر بآرائهم، وأما اليوم أصبحت بعض الجهات تحرّم على العقول فريضة التفكير، وتوالدت الفجوات بين وعي النخبة الجادة المستنيرة ووعي المتلقين. وما عاد أمام النقاد الحقيقيين سوى الاعتكاف أو الصدام الذي يدفعون ثمنه غاليا، وساد للأسف المناخ الثقافي الاستهلاكي الذي ينسجم مع طبيعة المجتمع الاستهلاكي العام.

ومازال القبح المروّع قائما منذ الأزل لا يريد أن ينتهي، الحروب المستمرة. العنصرية وملايين المقهورين في العالم الثالث، الوطن الفلسطيني المغتصَب، والأوبئة، والإحجام عن عادة شراء الكتب أو القراءة وغير ذلك.

ولا ريب أنّ الإعلام والتعليم يقصّران بحق الأدب والثقافة، ويدفع الإعلام للمطرب وللممثلة وللراقصة، وأما الأديب أو الشاعر لا يأكل ولا يشرب!! وبعض العقليات تتعامل مع المثقفين باعتبارهم نشازا.. أو عبئا!! ويا ترى هل يحق لنا أنْ نحلم بأنّ التلفزيون سيصبح في يوم من الأيام وسيلة ثقافية، أو أداة لنقل المعارف؟!!

ننهي الحوار بكلمات عن الشاعر “صالح سالم عمير” أهداها إليه:

/ د.عبدالقادر علي باعيسى

أستاذ الأدب جامعة حضرموت:

* الأستاذ صالح سالم عمير في حركة دائبة مع الحرف، لا يكاد يهدأ، إما كاتبا، وهذا كثير، وإما مكتوبا عنه، وهذا قليل جدا، لقلمه طريقه الخاص في وجدان القارئ وعقله، فتجربته الإنسانية في الكتابة فريدة من حيث كونها تعبر عن تصميم روح خاصة سكب الله فيها محبة الأشياء والأحياء، روح تنقش محبتها بكثير من الدلال تسلطه على من تكتب وما تكتب، هو مبدع في تشكيل روحه، ومبدع في قلمه، وبذا يسبق كثير من المبدعين في عمق هذه الروح الإنسانية التي لا يدرك سرها إلا من تواصل مع صالح سالم عمير بأي شكل من أشكال التواصل إلى درجة يشعر أنه يقصر دون جمال هذه الروح.

صالح عمير البذرة والشجرة، الصفة والجوهر، الحياة وما فوق الحياة بدبيب روحه الخاصة في مجرى العلاقات الإنسانية والإبداع.

أ. نور السيباني:

* عند الحديثِ عن والدي الروحي صالح سالم عُميّر يُصعبُ تمامًا الحديث، يتوه الحديث، فلا البداية بداية ولا النِهاية تُعدُّ نهاية! الكلمات كذلك عصيّة وشائقة إذ تختبئُ استحياءً وتتوارى عند الحديثِ عن أدبه وشعره وكيانهِ الطافح بالحُبّ؛ والمملوء بالفنِّ وشُجون المعارفِ ولُحونها، والدي، ابن واحةٍ غنّاء يسكنها وتسكنه في لُبِّه، بلغتها الصحراوية الذهبية الأبيّة!

أبِي ابن التُراب التي لا تكف عن تقبيلها شمسٌ ولا تأبى الرياح إلا مُراقصة ذراتها والعبثِ بها..

ابن البهاء والجَمال والنّاي المثقوب الذي لا يمنح إلا نغمًا يتسربل بالوجدان، ومعرفة تصطلي بالأرواح..

أحسُّ بالتقزمِ، كعُشبة صغيرة تكتبُ عن شجرةِ بامبو كبيرة وفارعةْ، طويلة العماد ومُمتدة امتداد الأرضِ بالسماء، امتداد الكلمات في سحر هذه اللغة، وفي سحرِ  وسرِّ لغته التي يكتبُ بها ويجعلنا ننتشي في أقبيّة النصِّ الطويل ولذته..

عمير  الشخصية الأدبيّة الأريبة والفولاذيّة التي جمعت بين البُطولة الأدبية الشعريّة والفكر والحسّ المُرهف، بُحور فسيحة تلجُّ في خواطره وهواجسه وديمومته، الديمومة التي لا تعرف إلا لُغة الزهدِ، ولغة التواضع والمعرفة..

قصيدة الحيزبون لصالح سالم عمير..

ممثلة إغراء

وسِت الحسن كانت والجمالْ

من مثلها؟

من زيّها؟

شهرهْ

صِبا صارخ ومالْ!

بالرقص

بالتهريج

باستعراض خيرات الجسدْ

هزّت قلوب المعجبين

في كل أنحاء البلد!

كانت صبيّهْ باذخهْ

كأنها الروض الأغن!

وترهلتْ..

أو بالأصح شاخت.. على مر الزمنْ!

والمجد ولّى وانتهى

وتغضّن الوجه الحسنْ!

وما تبقى – للأسف – شِي

غير أطلال البدنْ!

**

والمخرج المشهور..

والجمهور..

والمسرح

وألوان الفنون!

مَلّوا المساحيق الرهيبة

والتخبط..

والـجنون!

مَلّوا العجوز الحيزبون!

لكنها.. لم تعتزل!

لم

لم تهجر أدوار التهتّك

والتفسّخ

والـمجون!!

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب