خاص:حاورته- سماح عادل
“سنان مفيد ” كاتب عراقي، من مواليد بغداد 1975، يعيش في العراق- كردستان- أربيل، حاصل على بكالوريوس علوم إسلامية- جامعة بغداد، شارك في كتب جماعية مثل كتاب (دموع في عش الزوجية- مجموعة قصصية) وكتاب (إجرام- مجموعة قصصية) الذي تمت ترجمته للغة الإنكليزية ونُشر على منصة الكترونية في أوروبا, كما شارك في كتاب جماعي بعنوانه ( مشكاة الإيمان- مجموعة مقالات) . وصدر له حديثا مجموعة قصصية بعنوان (جزء من النص مفقود) تكريت.
إلى الحوار:
(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
• في سن التاسعة كان لي دفتر صغير أعيد فيه كتابة قصص أعجبتني، كنت قد قرأتها في مجلات الأطفال التي كان يقتنيها أبي لنا بشكل مستمر, كانت تصدر في بغداد مجلتان للأطفال في ذلك الوقت (مجلة المزمار الشهرية) و(مجلة مجلتي الأسبوعية) بعد فترة صار عندي دفتران الأول لإعادة كتابة القصص والثاني لتأليف القصص، وبمرور الوقت صار في دفتر التأليف مجموعة جيدة من القصص, فأطلع عليها والدي وأعجب بها، وأخذ الدفتر إلى دار نشر مجلة مجلتي, فنشروا في صفحة مشاركات الأطفال قصتي التي كانت بعنوان (السنجاب والدب) ثم زدتُ على الدفترين دفتر ثالث, حيث كنت شغوفا بالطبيعة وحيواناتها وحشراتها فكنت أسجل ملاحظاتي في هذا الدفتر الثالث, فنمت لدي قدرة جيدة على الصياغة والتضمين و التخيل, فكان ذلك أساسا لولوج عالم الكتابة.
(كتابات) كتبت شعر الهايكو.. هل تحدثنا عنه وكيف أنه أصبح أشبه بموضة ثقافية جديدة؟
• الهايكو هو شعر يخلو من الوزن والقافية، و يشبه بهذا القصيدة النثرية عندنا, هو شعر ياباني أصيل وقديم برع فيه الرهبان البوذيين, لشعر الهايكو قواعد كما باقي الفنون الأدبية, فهو بالأساس يتكون من التقسيم التالي 5-7-5 أي خمسة مقاطع لفظية في السطر الأول, وسبعة في السطر الثاني, وخمسة في السطر الثالث, ويجب أن يكون فيه عمق بالفكرة ويجب أن تكون المشهدية حاضرة في النص, وكما فن كتابة الومضة عندنا يعتمد الهايكو على التكثيف والاقتضاب غير المخل وخلق الدهشة في ذهن القارئ, ومثل الهايكو أيضا ومن نفس الموطن شعر التانكا الذي بدأ ينتشر في العالم العربي لكن للتانكا مقاطعه لفظية أكثر. شعر الهايكو ممتع في قراءته وكتابته على حدٍ سواء, وهو سهل فما أن يفهم القارئ طريقة كتابته حتى يكون بإمكانه كتابة قصيدة الهايكو, تكثر فيه أيضا مشاهد الطبيعة و الالتقاطات التي تنم عن عمق و انتباه, فلهذه الأسباب كثر كتابه والمعجبين به, وسأضمن في هذا الموضوع قصيدة هايكو من تأليفي.
………………………
فاتنة الحي
لحظها و كحله
سنونو مهاجر
(كتابات) في رأيك كيف تفيد المشاركة في المسابقات الكاتب المبتدئ وهل تمنحه ثقة بكتاباته؟
• يحظى الكاتب المشارك في المسابقات الأدبية والمنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي, على فرصة ذهبية لم تكن متوفرة للجيل الذي سبقه من الكتاب, فهذه المسابقات تضع الكاتب أوالمؤلف تحت الضغط, ويخضع فيها نصه لشروط معينة وصارمة, ثم يُعرض النص على لجنة التحكيم وقد خلا من كل إشارة إلى كاتبه فتتحقق أعلى معايير الشفافية في تقييم النص, حيث يكون النص قيمة حرة منفردة أمام لجنة التحكيم, فعلى أساس تقييم نصه ثم عرضه على القراء يستطيع الكاتب أو المؤلف أن يعرف مواطن الضعف والخلل, فيعمل على تقويم أسلوبه وإثراء أفكاره ومخيلته, وبالفعل هي تعطي جرعة جيدة من الثقة, كما أن هناك مسابقات رصينة جدا متاحة للمشاركة بها, تشابه في سياقاتها المسابقات العالمية المشهورة.
(كتابات) شاركت في كتب جماعية.. في رأيك ما سبب انتشار ظاهرة الكتب الجماعية وهل هي مفيدة للكاتب؟
• الكتاب الجماعي هو ناتج عرضي جيد بالنسبة للكتاب على الانترنت تحت مضلة الاهتمام الواحد, وسبب انتشاره طبعا هي اللغة الواحدة و مواقع التواصل الاجتماعي, التي تتيح التفاعل الفوري مع رفقاء القلم في أثناء تأليف الكتاب, ثم طرحه على منصات الكتب. يكتب المؤلف في الكتاب الجماعي تحت عنوان معين يتفق عليه جميع الكتاب, ولكي تكون قصته منسجمة مع بقية النصوص يجب عليه قراءة نتاج زملائه من المشاركين في الكتاب, فيستفاد من تجاربهم و أساليبهم في الطرح و السرد, وربما يُطلب من الكاتب في الكتاب الجماعي عدد من الكلمات لا يتجاوزها وهذا كله يصقل الموهبة ويزيد من المهارة.
(كتابات) في المجموعة القصصية (جزء من النص مفقود) القصة الرئيسية تحكي عن انفجار قتل فيه الزوج وحزن الزوجة عليه.. حدثنا عن ذلك؟
• فيما يخص المجموعة القصصية (جزء من النص مفقود) نصوص هذه المجموعة لم يكن الهدف من كتابتها تكوين مجموعة قصصية بل كل نصوصها من قصة قصيرة وقصة قصيرة جدا وأقصوصة كانت لمناسبات محددة و لمسابقات معينة, فهي متنوعة جدا وتحمل في ثناياها ومضات والتفاتات مهمة…
أما بالنسبة لقصتها الرئيسية في عام 2006 ذهبت أنا وصديق لي لقضاء عمل مهم في إحدى دوائر الدولة التي تقع في جانب الرصافة في بغداد. في ذلك الصباح كانت قد ضربت بغداد سبع سيارات مفخخة, ثم وصلنا ودخلت للدائرة فيما تأخر هو عني, في ثانية تفجر الشارع ورُميت أمتارا بعيدة, فعرفنا بأن سيارة مفخخة قد انفجرت, قتل صديقي وقتل معه 30 شخص ولم استطع التعرف على جثته لأنها قد تشوهت, فصار من الواجب علي أن أخبر أهله, فذهبت إليهم وشهدتُ هناك كيف تنزل الفاجعة على الناس. كنت قد قرأت قبلها بأن المجموعات الانتحارية تروج إلى أن الطريق إلى الجنة يمر ببغداد, وكان قد ورد علي في دراستي الجامعية بأن الله يوم القيامة يسأل رجلا عن سبب قتله وعمن قتله, فيجيب لا أدري فيغفر الله له, وهذا الحال طبعا ينسحب على الكثير ممن سقطوا بهذه الطريقة وغيرها, فقصة (جزء من النص مفقود) هي خلاصة تجربة ومعرفة.
(كتابات) في المجموعة القصصية (جزء من النص مفقود) في قصة “عالم نزوي” رصدت إحساس المرأة بالعالم حولها، وسعي الذكور للتقرب إليها ومفارقة خيانة زوجها.. حدثنا عنها؟
• تعاني الأنثى في مجتمعاتنا وخاصة العاملة من ظاهرة الديوك الرومية, وهو شعور عند الرجل مفرط بالذكورة, يشبه إلى حد كبير تصرفات ذكور الرومي في فصل التزاوج, لكن الديك الرومي ينتهي من هذا بمجرد انتهاء الدورة النزوية وينخرط بالحياة الطبيعية, فيما تستمر هذه النزوة عمرا كاملا عند بعض الرجال, فتكون على شكل استعراض أو تحرش أو علاقات حميمية خارج منظومة الزواج, فيتولد لدى المرأة التي تتعرض لهذا, شعور بالقرف من أي حالة تشي بالنزعة الذكورية.
(كتابات) هل أفاد التطور التكنولوجي الكتاب وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي وكيف ذلك؟
• أنتفع الكاتب جدا من هذا التطور ومن كل الوجوه, فصار يتفاعل فوريا مع قرائه ومعجبيه, كما تسنى له الاطلاع وبكل سهولة على الفعاليات الأدبية والمشاركة فيها, و ظهر بفعل هذا التطور الكتاب الالكتروني الذي صار منافسا شرسا للكتاب الورقي, وحقق للكاتب انتشار أكبر وأسرع. لكن لهذا التطور وجه آخر غير ذلك الثغر الباسم, حيث كثرة السرقات الأدبية وقرصنة الكتب وعج الفضاء بالحالمين بالشهرة في مجال الكتابة والتأليف وهم يفتقرون للكثير من مقومات الكاتب الحقيقي.
(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في العراق وهل يمكن الحديث عن نهضة ثقافية؟
• الثقافة في العراق كقيمة مجتمعية وسلوك هي موجٌ يموج فوقه موج, حيث يعلوها بحرٌ هائل من حمض وسموم أذابت الناس, وجعلت المثقف وتأثيره على المجتمع في آخر القافلة, لكنها مارد عظيم يتململ ونرجو أن ينهض.
(كتابات) هل واجهت مشاكل في النشر في العراق؟
• بصراحة لم تكن لي تجربة كبيرة في مجال الطباعة والنشر في العراق, بل كانت تجربتي متواضعة, وتحديدا مع دار الإبداع في محافظة صلاح الدين في تكريت, وهي دار ناشئة لكنها مجتهدة بسبب صاحبها الأستاذ المبدع أسامة محمد صادق, فطبعت فيها نسخ محدودة من مجموعتي القصصية, لكن هناك مشروع لطباعة أوسع للمجموعة في داخل العراق و خارجه.
(كتابات) هل واجهتك صعوبات ككاتب وما هو جديدك؟
• يقولون أن العمل الذهني أصعب بكثير من العمل البدني, وبالفعل الصعوبات حاضرة في طريق الكتابة, فهي تحتاج إلى صبر ونفس طويل ومثابرة وصمود, لكن لكل كاتب وضعه الخاص الذي قد يدفعه إلى الإمام أو يضع أمامه العوائق, ولنكون صريحين الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي له تأثير كبير على الكاتب ورغبته في طرح المزيد من النتاج الأدبي. أما جديدي فلدي رواية وصلت لمراحلها الأخيرة و بدأت أفكر في دار للنشر لأتعاقد معها.
قصتين لسنان مفيد..
عالم نزوي..
خرجت من عملها منزعجة , سارت وهي تدفع من أنفها زفيرا حارا . لقد سئمت من نظرات المدير الذكورية و صار مكشوفا لها طريقته السمجة في محاولاته المتكررة ليفوز باستلطافها , كما ملت من نظرات بعض زملائها في العمل و تبخترهم كالديوك الرومية بين المكاتب .
مشت حتى وصلت إلى دكان البقال , الذي طلبت من صاحبه موزا و تفاحا , فصاح البقال يخاطب عامله : ضع يا بني الموز للموز و لا تنسى التفاح المحمر كالخدود , ثم أبتسم لها ليفرج عن أسنان بنية , فأشمئزت وكادت أن تقيء يومها كله في وجهه .
مستعجلة أخذت كيسا الفاكهه و استقلت سيارة الأجرة تروم الذهاب إلى البيت , أحست في منتصف الطريق بأن السائق يرشقها بنظرات معكوسة من المرآة الداخلية , فأطلقت نفخه من فاها وهي ضجرة و نقلت جلستها إلى الجانب الأخر من السيارة , فشعر بذلك السائق وصار محترما .
راحت تتفحص من خلال هاتفها مواقع التواصل الاجتماعي في الطريق , عل ذلك يُسرَع في جريان الوقت , فوجدت رسائل على الخاص يروم أصحابها التعرف عليها فيما أرسل البعض سطورا غزلية , وتجرأ مراهق بإرسال رقم هاتفه , لم تناقش أو تجادل و أخذت تحظرهم واحد تلو الأخر , اكتشفت بأن احدهم أنتحل شخصية بنت للتقرب منها , أنهت بعد عدة لمسات لشاشة الهاتف إجراءاتها الردعية بحق المتطفلين.
أخيرا توقفت السيارة عند باب المنزل , فنزلت و دلفت بيتها . أخذت شهيقا عميقا في حديقتها , و ألقت ما بيدها ثم جلست على الأريكة لترتاح قليلا.
لاحظت من حولها حياة مفعمة بالحركة .
انتبهتْ لشجار نشب بين العصافير على أنثى , فاز بها الذكر الأكبر حجما .
عّدت لهما باستغراب أربعين تزاوج في دقائق .
بعد عرس العصافير. كدر الأجواء صوت مواء القطط.
الهر يغازل قطته , فأنتابها انزعاجا مما سمعت وتجعدت له جبهتها , ثم صمت أذنيها بسبابتيها و ألتفتت بنفور . فلاحظت جمال الأزهار من حولها , فابتسمت , و مدت يدها لتقطف من بهاء الورد أحلاها , فأفزعتها نحلة تلقح الأزهار .
أسندت خدها على راحة يدها , و أخرجت تنهيدة أصفرت لها الأعشاب التي كانت تتأملها .
ثم تناهى لسمعها صوت موسيقى راقصة , أنها منبعثة من هناك من تلفاز الجيران , سمعت هذه الألحان من قبل , هو مشهد من إعلان ملفت ومثير.
استخلصت منه إن خلف كل ترويج ناجح امرأة جميلة .
أقتطع ذهنها هذا الجزء , وذكرها بخيانة زوجها مع فتاة ليل , ثم إلحاحه الكاذب نهاراً بطلبها للفراش ليثبت لها إخلاصه المزيف .
أخرجتْ تنهيدة وقالتْ : متى تفتر هذه النزوات.
…………..
مظلوم
زجتْ به القوى الغاشمة في غياهب السجن , أبن الخمسة و العشرين ربيعا أعيته المحاولة هو وأهله لتبرئته … لكن دون جدوى .
ذلك الظلم المستبد يخطف أعمار الناس و يغتال ببرود مقيتْ آمالهم و أحلامهم .
فكر أنها أقدار.. وهذا قدري .
أعترض على هذه الفكرة هاجس .. أنهم أشرار ويجب ردعهم .
عذبه هذا الهاجس المؤرق كثيرا وهو يتقلب على فراش السجن الخشن .. أخيرا أراحه تبرير أنا عاجز .
وبعد أن غاب عنه أخر شعاع للأمل وتوارى خلَف حكمٍ طويل الأمد , أخذت تلَحُ عليه فكرة الانتحار.
قال : ربما أجد راحتي في قبري .
أيد هذه الفكرة فراغٌ شاحبٌ يجتاح وجدانه بين الحين و الحين .
ثم نزف عليه الزمن من جرح الانتظار بلازمة لزجه أغرقت روحه بيأسٍ كثيف . فأذابت آهاته حديد القضبان , وفي ليالي قاتمة فَطّر نحيبه الحيطان .
مُشفقةٌ أطلت عليه الشمس من نافذة زنزانته .
لوحتْ له و ابتسمت , فاخترق شعاعها أعماقه المظلمة , وأبهرته الهوائم تطير في أشعتها , ثم راح يتمنى لو أنه صار أحدها وطار من تلك النافذة .
أخذه هذا الضياء إلى مزرعة أحلامه .
فجلس هناك تحت ظلال الكروم , و تذوق من البطيخ الذي زرعه , و أنصت طويلا لعندليب الأجمة الساحرة . ابتسمت روحه لذلك , و أرسل يده تطير في فناء هذا الضوء المدهش .
فبكتْ عليه الشمس .. و خطتْ على كفه بحروفٍ من أسى .. وكتبتْ
أقصى الأماني …. تولد من أقسى المعاناة .