22 ديسمبر، 2024 9:22 م

مع كتابات.. سليم النجار: النقد في أقصى حالاته ميدان توتر الأسئلة التي تتعلق بالنص

مع كتابات.. سليم النجار: النقد في أقصى حالاته ميدان توتر الأسئلة التي تتعلق بالنص

خاص: حاورته- سماح عادل

“سليم النجار” كاتب فلسطيني، اسمه “سليم صبحي سليم النجّار” وُلد يوم 1961 في الكويت، وأنهى الثانوية العامة في مدرسة الفحاحيل الثانوية بالكويت سنة 1978. عمل صحفياً في صحف “الرسالة” و”الوطن” و”الطليعة” و”اليقظة” الكويتية  في الفترة (1981/1982)، ثم في الصحافة الأسبوعية بالأردن منذ مطلع التسعينيات، في “المستقبل” و”الأهالي” و”الهلال” و”نداء الوطن”. كما عمل مراسلاً من عمّان لصحيفة “القدس” المقدسية في الفترة (1993-1996)، ثم محرراً ثقافياً في الإذاعة الفلسطينية برام الله (1996)،  ثم محرراً في صحيفة “الجماهير” الأسبوعية التي يُصدرها الحزب الشيوعي الأردن (1996-1999). كتب مقالاته ودراساته في صحف يومية أردنية من بينها “صوت الشعب” إبان صدورها، و”الأسواق”، و”العرب اليوم”، و”الرأي”. وهو عضو في رابطة الكتّاب الأردنيين، وفرع الاتحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين بالكويت.

صدر له:

  • “قراءات في الرواية الفلسطينية الحديثة”، نقد، دار الكرمل، عمّان، 1998.
  • “سؤال الهوية في (زنوج وبدو وفلاحون) لغالب هلسا”، نقد، دار فضاءات، عمّان، 2008.
  • “تحولات القصيدة.. قراءة جمالية وفكرية في شعر حميد سعيد”، نقد، دار تالة، دمشق، 2010.
  • “مرافئ الذاكرة.. حوارات مع بهجت أبو غربية”، أدب السيرة، دار الينابيع، 2011.
  • “الارتقاء نحو الصفر”، قراءة في خمسينية ضياع فلسطين، دار الينابيع، عمّان، 1999.
  • “صراع الأيديولوجيا في القضية الفلسطينية: مزالق الوعي”، دار ورد الأردنية، عمّان، 2006.

إلى الحوار:

(كتابات) كيف كانت بدايتك مع النقد.. ولم اخترته مجالا للتخصص؟

  • إن تجربة أي كاتب تستمد توغلها من شكل الحياة التي عاشها من الميلاد من رحيله، أنا ابن فلسطين، مثلي مثل أي كاتب فلسطيني اتخذ من قضيته مشهدا ورؤية. استمد تجربتي من تلك الانشغالات التي تهم الفلسطيني، ويهتم بها الكاتب الفلسطيني بالتعبير عنها والمسكوت عنه.

إن مساهمة الكاتب في النقد أثمن وأكثر جدوى من مساهمة الناقد الأدبي المتخصص نفسه. هناك ما يشبه التأكيد على أن الوعي النقدي يتغذى من غير مائه، فلا بدّ له من ينبوع آخر لينمو ويزدهر ويتفرع. إن واقد الثقافة الإنسانية يمدنا بكثير من الأمثلة الساطعة، أفلاطون، كانط، هيجل، نيتشه، هايدجر، وهؤلاء مع انتمائهم للثقافة الغربية مارسوا تجربة النقد وتقاطعت كتاباتهم الفلسفية مع الفنون الأدبية ومع باقي النشاطات الفنية العالية، ونتذكر مساهمة هيجل مثلا في حديثه عن الموسيقى والعمارة والشعر. الأمثلة ساطعة أيضاً في ثقافتنا العربية والإسلامية التي أسست لنقد لم تكتمل مسيرته مع الأسف الشديد، هذا النقد الذي ظهرت بوادره مع الكندي وبخاصة كتابه حول الموسيقى وترجمته لشعرية أرسطو، وعند ابن سينا في فلسفته الفنية في طبيعة الإدراك الحسي وأمثلته في الفنون والعلوم. هذه كلها أمثلة حدثت في التاريخ الإنساني تقاطعت فيها الثقافة النقدية مع الفن والأدب قراءة وتحليلا ومعرفة.

(كتابات) في كتابك “قراءات في الرواية النسوية العربية” انحزت لمصطلح “النسوية التأويلية” حدثنا عنه؟

  • السطر الأول: مخروم من بدايته حتى نهايته أيهما الأشد حزنا، ليالينا أم نهاراتنا؟ أيهما الأكثر خوفا، نحن أم قتلتنا؟ أيهما وأيهما و….؟ أسئلة الريح هذه، لا تحط على غصن ولا تعشش في دار، ولا يعني ذلك بالضرورة أننا نمتلك أجوبة حتمية عنها ولا أقول اننا لا نجيد البحث والتقصي والصراخ حد الاختناق، ففي عصر الموت الرخيص كل أدلتنا محرفة ومثلها خرائطنا مشوهة، وقبل الجغرافية منها، تقوضت خرائط الروح. الروائيات، استبدلن هجرة القمع والاستبداد، وفرارهم صوب أوطان بعيدة بتضحياتهن السابقة واستماتتهن في الحفاظ عليهم ضمن دائرة مسؤولياتهن في واقعة تهميشهنا.

صار عليّ أن ألملم جراحاتي وأغادر إلى مكان آخر. جارتي لم تشفع لها أعوامها السبعون. والحلافة النسائية أقاموا عليها الحد وأبادوا عائلتها في موت جماعي، قائمة الموت صارت طويلة طويلة. وأنا أغادر للمرة الأخيرة دست رائحة الموت أصابعها في عقلي وأدارت رأسي صوب آخر زقاق قرب الشارع الرئيس حيث نامت جثتان نومتهما الأبدية في عرض الشارع… كان المصطلحان (المرأة) و (الكتابة النسوية) قتلتهما الثقافة الذكورية في عالمنا العربي عمدا ولم تسمح بدفنهما إلا على بياض الورق. هكذا هي الإنسانية وهذا هو ثمن أن يكون الإنسان (إمرأة).

(كتابات) في كتابك “قراءات في الرواية النسوية العربية” ما الرابط الذي جمع الكاتبات اللاتي قدمت قراءة لرواياتهن؟

  • كيف تبحث الأنثى عن هويتها، وهل تبدأ من ذلك (الأنثوي)، الواضح والغامض معاً، أم أنها تحجبه في طيّات (العلاقات الاجتماعية) التي تنتج الإنسان، ذكراً كان أم انثى؟ يصدران هذان السؤالان عن (قراءات في الرواية النسوية العربية): (والهمس لا يتوقف أبداً)، و (أسرار وأكاذيب)، آخذ الكتاب بعجاز الرحلة الداخلية، تلك الرحلة القاسية، التي لا تمكن السيطرة عليها، بسبب قوة الأسرار الموزعة على الوعي واللاوعي، والمتكئة على مكر لا يمكن استنطاقه إلا بقدر، ذلك أن الروح الإنسانية ما يعادل أسرار سور الصين.

الرواية (المرأة)، أتعبتني، وطوحت بي في مهاوي الشك والانكسار والبُغض، فاسْنْدتُ روحي على كتف روايتها، فإني لا محال سأعود معافى، وسأتعلم كيف أحب، وكيف أحافظ على مَنْ أحب بشهامة ونبل لا نهائيين.

(كتابات) كتاب “في عمان.. الوطن الممنوع في ذاكرة فاروق القدومي ” قلت عنه أنه بمثابة تاريخ للثورة الفلسطينية.. كيف ذلك؟

  • حين ولادتي كنتُ شاهدَ عَيان ما قبلهُ قياساً على ما بعده، حين سَمْعت من والدي رحمه الله، كيفَ ضاعت فلسطين؟! لحظتها وقتها طُربت بموسيقى بِنُوتات الفدائي الذي أطلق رصاصته الأولى في العام 1965، وأعلن عن حركة فتح، شعرت برفات عين السماء، تهتز، ثرثراتٌ كثيراتٌ تمرُّ لا تصل للعلوِّ، الكلام المُنقى من هَزازاتِ الخوف وترددات أمواج القلق لتخبو نارَها الخادعة لتَسقط كرمادٍ تذرها الرّياح.

فَتح أنينُ الروح وفرقعات الأصابع، دغدغات صور الشهيد هاني جوهرية، ابن القدس، الذي استشهد أثناء تصويره معارك الجبل في لبنان، وخربشات الشهيد غسان كنفاني، الذي أُغتيل على يد الموساد (الإسرائيلي) في لبنان، ورؤية اللّون الأبيض، الذي حَلم به الشهيد وائل زعتير، الذي كان يصدر ترجمة ألف ليلة وليلة من العربي إلى اللغة الإيطالية، وأغتالته رصاص الموساد الاسرائيلي في روما.

الشهادة للفلسطيني مصاحب لتاريخ ولادته، المُلونِةَ بالهواء الثَورْيَّ، المرافق للشُموس بالأرواح، بألوان الأطفال المليء بالفرح، كما خَتَمَ به الشهيد الطفل (الفتى) بطل قلعة الشقيق، عام 1982 الذي قاتل حتى آخر رصاصة، أنه كظل قيظِ يوم لاهب، (للإسرائيلي)، صاحبتْ شَهقته الكون بانفتاقٍ كنتُ بعدهُ وتأملت ما قبلهُ، الشهادة ألبستني شيئاً من كسوة اللحظة فارتكبت الصورةُ ما بين الحقيقي والشَّبه الأصل والمجاز الكلام والثرثرات.

فاروق القدومي، ذاكرته، لا يُصاب ضوؤها بلوثةِ التردُّد الاكتفاء، لا تعرفُ ضمورَ الحب بليلةِ الثورة، ترقص ملأى بضحكة كرنةِ الخلخال بقدمِ حسناء عريبة، تحفزُ الليلَ بحدقةِ عينها الواسعةِ المشتعلة بالألغاز، تضيءُ سيجارةً لرجُل منحَ اللحظة هواء الملل الحاد. فاروق القدومي، سريرُ الليل، حَلُمَ بفلسطين عبرَ أحلامه ما قبلَ ضجره الطويل من تراتبية النجوم، وهو يشاهدها أثناء سيراً مشي على الأقدام، بعد انتهاء معركة الكرامة العام 1968، مع رفيقاه الشهيدان صلاح خلف أبو إياد، وياسر عَرفات أبو عمار، من الغور الأردني، إلى عمّان.

هَرولَ نحو إعلان النصر، بعد هزيمة نَكراء تعرّض لها العرب في نكسة حزيران العام 1967، رائحة العرق من جوانبهِ كالندى الصباحي بيوم رطب، لن يتصب، تسكنُ الغبطةُ عينيه حينَ رؤيته، فدائي الغيماتَ المجمَّدة يرى سريرَ فلسطين البعيد… القريب أبداً.

(كتابات) ما رأيك في الانتقادات التي يوجهها بعض الكتاب إلى النقد العربي من أنه لا يواكب غزارة الإنتاج الأدبي أو أنه يركز على بعض الكتاب دون الآخرين؟

  • “لقد صُمّمت اللغة السياسية لكي تجعل الأكاذيب تلبس ثوب الحقائق، ولكي تقتل ما هو جدير بالاحترام”. جورج أوريل. ما أهمية هذه المقدمة في حديثنا عن الهجوم على النقد؟ هل يمكّننا هذا المدخل من معرفة مِّا لطبيعة النقد؟ وأضيف سؤال آخر حتى يكتمل المشهد: إن سؤال التجربة النقدية بعين الأدب يجب أن يطرح ضمن تجربة منفتحة في القراءة ذاتها، ولا بدّ وضعها موضعها التي تستحقه، حتى من ناحية التصنيف، لا يجب التعبير عنها فقط بلغة العلم أو المنطق، ولكن وجب الاحتفاء بها، لأنها تجربة ستظل – خلال كل استخدام – جديدة ورائدة وفعّالة. إن الاستخدامات العلمية للنقد أدت في كل الحالات إلى حالة من الانسداد والانغلاق، والنقد كتجربة متعالية بحاجة إلى الانفتاح والاستشراف على الهاوية. الهاوية التي تؤدي إلى التيه، لأن اليقين يقتل التصور واللغة والنقد ذاته، بينما التيه يثري الأسئلة، والنقد في أقصى حالاته ميدان توتر الأسئلة التي تتعلق بالنص، وصانع النص، فإذا النص لم يحفز الأسئلة، يصبح أي حديث عن النقد عبث!

(كتابات) هل لابد للناقد أن يكون متخصصا أكاديميا؟ وكيف ينظر للناقد غير المتخصص؟

  • نحن حتّى نسقط مدداً من الضّبط والتّماسك على عالم يعجّ تعقيداً وفوضّى، نستخدم المصطلح كلغة لنشَّكل بها مجتمعاً يستطاع إدراكه وتصنيفُه، وعملّية إسقاط (الضبط والتّماسك) هذه توهمنا بأنّ هواجسنا ذات الخصوصيّة الفرديّة يمكن أن تعبّر عنها اللغة تعبيراً شاملاً جامعا. إلا أنّ التّجارب الفرديّة، يقول ودوسن، تبلغ من الخصوصية والفرادة بحيث تظلّ عصيّة على البيان، وأقصى مبلغ يمكن أن تصل إليه اللغة في سبيل التعبير هو مفردات غامضة نسبيّة متغيّرة المعاني كـ (التخصص) النقد و(النص)، أي أنّ تجّارب الفرد تأبى أنّ تؤطر أو تقولب وفقاً لما اتفق عليه اجتماعياً. وأعتقد أن وظيفة، المصطلح هي فضح الاتفاق الجمعي وكشف نسبيّة المعاني ولاثباتها.

(كتابات) في رأيك مم يعاني النقد العربي؟ وما هي إشكالياته.. وهل خروجه من عباءة النقد الغربي إحداها؟

  • وليست الإجابة ميسورة أو حاسمة في كل الحالات، فهي تقود إلى تساؤلات: هل النقد أو نقل النظريات النقدية من لغة أم إلى لغة أخرى، يمكن أن تؤدي دوراً في التواصل الأدبي؟ أم أن النقد يمكن أن يكون لغة عابرة إلى كل اللغات، بصرف النظر عن الموسيقا على سبيل المثال، التي هي الخاسر الأكبر في امتحان الترجمة؟ وذلك أن الموسيقا نفقد سحرها الأكبر وتأثيرها الأوفر بعد الترجمة. وساعة انتزاعها عن تربتها اللغوية الأولى الأصلية.

بهذا المعنى، هل يمكن اعتبار أشعار: هوميروس في الإغريقية، وامرؤ القيس والمتنبي والمعري في العربية، وشكسبير ووالت ويتمان في الإنجليزية، هل يمكن اعتبار هؤلاء شعراء خاصين باللغات التي كتبوا بها، لأنهم فعلوا فيها فعل السحر بواسطة الأدب والشعر؟

أم يمكن اعتبار كل هؤلاء سلالة إنسانيةً واحدةً، ولا يغرق بينهم شيء سوى هذه اللغات التي تقف مثل الحاجز حينا بين الأمم في تقبل الشعر وتذوقه، ساعة الترجمة؟ أم هل الشعراء والأدباء كلهم، كانوا منذ الزمان الأول.

(كتابات) هل تتبع منهجا محددا في قراءة النصوص؟

  • يأخذني العجب من ظاهرة أصادفها بين حين وآخر في أثناء قراءاتي، ظاهرة تغريني بالتأمل بقدر ما تسليني. يتعلق الأمر بتواتر نوع من الآراء والخواطر الثابتة في الذهن النقدي، التي لا تنفك تضيير مواطنها الإبداعية وتخترق المسافات الزمنية وتتوسل، من أجل التعبير عن ذاتها، بمختلف المصطلحات، كالقول، أي منهج نقدي تتبع في قراءة النص وهي ليست دون أن تذّكرني – من باب الاستطراد المناسب – بظاهرة (المنهج). وكأن الناقد مطلوب منه أن يُفَصّل النص حسب مقياس المنهج وهنا أستطيع طرح مثال، على سبيل التوضيح: أستغرب قول بعض مؤلفي الروايات عندنا اللغة بكثير من الحياد والحيطة والتهيب، وذلك بزعم صيانة قدسيتها. يقول أحد رواد الحداثة الروائية الغربية، وهو مارسيل بروست “1871 – 1922”: “لا وجود في اللغة ليقنينيات حتى ولو كانت هذه قواعد نحوية. إن الأشخاص الوحيدين المؤهلين لتطوير اللغة هم الكتّاب الذين يتجرئون على الإغارة عليها وانتهاك حرمتها. فالاعتقاد بوجود لغة أزلية مستقلة عن الكُتَّاب أمر غير معقول. إن كل كاتب مطالب بابتكار لغته الخاصة. مثلما أن كل عازف كمان مطالب بالانفراد بنغم يميزه”. وكذلك الناقد عليه اجتراحة نَصّه.

(كتابات) لما أسست دار نشر.. وما تقييمك لحال النشر العربي في الوقت الحالي؟

  • ببساطة لأن النشر في عالمنا العربي بشكل عام يخضع لمزاجيات مالية، وشللية خانقة. وسوء توزيع، وعدم قدرة الترويج المعقول للكاتب، لذا يُطلب من الكاتب أن يقوم بنفسه بتسويق كتابه، ودار النشر في هذه الحالة تتحول إلى مطبعة.

(كتابات) هل واجهتك صعوبات ككاتب.. وما هو جديدك؟

  • الصعوبات موجودة دائماً، ككاتب وكإنسان عربي يعيش في عالم لا يقرأ في السنة أكثر من عشر دقائق في السنة حسب تقرير التنمية البشرية الصادر عن الجامعة العربية.. للتو انتهيت من كتابي: (الوطن الممنوع في ذاكرة فاروق القدومي)، والآن أنا في فترة نقاهة إن جاز لي التعبير.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة