13 أبريل، 2024 9:16 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات.. سالم صالح سلطان: الحياة معطف ثقيل سننزعه عندما يأتي الربيع

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: حاورته- سماح عادل

“سالم صالح سلطان” كاتب عراقي، من مواليد الموصل عام 1964،  بدأ الكتابة عام 1986 ونشر أول قصة له (البيضاء) في جريدة “الحدباء” الموصلية ثم اتبعها بقصة أخري سماها (الفافزم). أصدر مجموعة القصصیة الأولى “أكلیل الملك ” عام 1996 عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في محافظة نینوى، وبعدھا أصدر مجموعته القصصیة الثانیة “الأسوار البعیدة” عن دار الشؤون الثقافیة في العاصمة بغداد عام 2000 ثم روایة “سكاكر البرجس” والتي أحدثت ضجة في وقتھا عن مؤسسة الواحة للنشر عام 2007، ثم كتاب ” تسابیح الخیول” الذي صدر عام 2010 عن مطبعة الأخوة في الموصل.  وهو عضو اتحاد أدباء نينوي، عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، كتب سابقا في عمود الصفحة الأخيرة لجريدة الزمان الدولية. كتب في عدة أعمدة ثقافية أسبوعية في الصحف التي تصدر في مدينة الموصل. صدر له مؤخرا رواية “أوثان لزجة”- الموصل 2018.

إلى الحوار:

(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

  • منذ صباي وأنا أمشى بين أصدقائي التلاميذ في محلتنا إلى شارع الدواسة الشهير والقريب من زقاقنا، حيث المقاهي والسينمات والمكتبات فأتركهم عند بوابة المكتبة وأتأمل أغلفة الكتب ل”تشارلز ديكنز” و”نجيب محفوظ” و”ارسين لوبين” و”المنفلوطي” و”ديستوفسكي”.

كانت تبهرني إشكال الشخوص على أغلفة الكتب ولا ـملك نقود لأبتاع واحدة منها، كنت فقيرا ويتيما أجمع لأسابيع ما تعطيني إياه أمي .عشرة فلوس أو خمسة فلوس من يومية لاشتري كتاب واحد، رواية أو مجموعة قصص، كنت شغوفا بالجمال والإنسان وتأمل أبواب الموصل ومهرجان الربيع  والطبيعة الربيعية للموصل. وكنت أصاب بالرعب وأنا أشاهد أرتال الجند والدبابات تهز الأرض، تخرج من المعسكر القريب من زقاقنا وتتجه إلى الحدود أو الدول المجاورة في حرب تشرين وغيرها.

هذا الخوف تعاظم منذ الصبا بداخلي، ولم أكن استطيع أن أحدث أحد عنه سوى أن أتناول قلم وورقة وأخط بها ما يكتنفني من أرق وخوف واضطراب ووساوس وفقر وحرمان، وهكذا نما في داخلي حب القراءة والكتابة كي أعوض عما ينتابني من خوف وحرمان وما حرمت منه في صباي وعمري بعدئذ.

(كتابات) كتبت القصة والرواية والنصوص ما سر هذا التنوع؟

  • في البداية كتبت الخواطر، تنفيسا عما أعاني، ثم اتجهت لكتابة الرسائل العاطفية لأصدقائي مقابل شراء كتاب من المكتبة بثمنها، هذا التمرين المستمر في الكتابة والمطالعة دفعني، وعبر تشجيع أستاذ العربية في الإعدادية لأكتب قصة وينشرها لي في الجريدة وهذا ما حصل.

توالت القصص مع نشرها في جريدة “الحدباء” الموصلية ومع مواصلة الزمن نما بداخلي التطلع إلى عالم الرواية فبدأت أكثف من مطالعاتي لها، وهكذا كان التنوع في الكتابة.

(كتابات) في رواية (أوثان لزجة) هل حاولت التأريخ لمدينة الموصل خاصة أحياءها الفقيرة أم ماذا؟

  • رواية “أوثان لزجة” تسللت إلى أحياء محلة السجن ووادي حجر بالتحديد من أحياء الموصل الكثيرة، ويقطنهما الفقراء وذوي الدخل المحدود ومن كافة أصناف المجتمع الموصلي، الحضري والقروي وهكذا. لم أؤرخ للموصل ومعظم الشخصيات خيالية ومنها واقعية، حاولت التمازج في ذلك لأصنع عالم روايتي الخاص بي، ومن خلال هؤلاء المهمشين والمنسيين أبعث برسالة إلى ساسة المشرق والحكام في أوربا. إن شعوب الدول العربية معظمها مهمشة وفقيرة ولم تنل نصيبها من المعرفة والتطور والحياة الكريمة وليس الموصل لوحدها فقيرة بل كانت رمزا لذلك.

(كتابات)  في رواية (أوثان لزجة) كان لك رؤية عن منطقة الشرق وسبب مأساتها.. حدثنا عنها؟

  • منطقة الشرق هي منطقة النزاع لكافة الدول الإقليمية المحاذية للشرق، ولعنة النفط بها جعلت عين الغرب تنال منها وتفكك حكامها وشعوبها بطرق مختلفة، فدولنا تنتج يوميا ومنذ قديم الزمان ملايين براميل النفط لكن تذهب إلى جيوب الغرب عبر شراء السلاح والعتاد والسموم المختلفة لشعوبنا، بدل التطور والتقدم والرفاهية والتكنولوجيا التي عرف الغرب كيف يوظفها لصالحه، وترك لنا الجهل والتخلف والاستخدام السيئ للتكنولوجيا وهكذا انحصرت رؤية الشرق بين الحروب المتوالية وتسليط يد الدول الإقليمية عليها، وتفكيكها عبر الأيديولوجيات الدينية والحزبية المتخلفة، وعبر تخريب التربية والتعليم في دولنا.

نحن نأكل أكثر مما ننتج ونتكلم أكثر مما نتأمل ونسرف أكثر مما ندخر، وهكذا انحسرت حياتنا في المشرق تاركين كل نصيحة وتطور يخدم شعوبنا في التقهقر إلى الأمام.

(كتابات) في رواية (أوثان لزجة) كتبت عن الكادحين.. هل تناول الشخصيات الكادحة قليل في الأدب العراقي ولماذا في رأيك؟

  • بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يمر بها المشرق منذ وقت طويل لجأ الكاتب العربي والعراقي في الكتابة عن الكادحين.

وتكاد تختلف رؤية كتابنا المشرقيين عن الغرب فهناك كتبوا عن الإقطاع والطبقات البرجوازية والرأسمالية في مجتمعاتهم، بينما نحن في كتاباتنا نكتب حول الفقر والمهمشين لأنه واقع حال غالبيتنا في المشرق.

لي الشرف أن اكتب عن الكادحين لأنني واحد منهم وقد عانيت وما زلت ابني أحلامي على حدود معيشتي، ولا أملك أماني كبيرة لأنها غادرتنا مثل قطار الليل الذي لم يعد للأسف.

(كتابات) تناولت قصة حب فاشلة في (أوثان لزجة).. هل الحب يتأثر بتخلف المجتمعات وصراعاته في رأيك؟

  • في المشرق لا تكتمل قصة الحب ولا تنجح بشكل عام، ومهما حاول الشخص أن بسبب الرؤيا الناقصة عند الرجل أو المرأة عندنا تجاه الحب ومعناه الإنساني والاجتماعي والعاطفي والفكري والأخلاقي.

لقد تعمدت طرح الحب الفاشل لأنه يمثل الأغلبية ممن يحب. الحب عندنا ليس مكوناته ببؤرة محددة إنما تتداخل معه منطقية الفكر المادي والسياسي والاجتماعي، بحيث لا يجمع قلب المرأة والرجل بل يجمع محيطهما الذي يخرب العلاقة الإنسانية بكل أبعادها ومهما كان صبر الحب أقوى منهما، لكن يتغلب عليهما المحيط كما ذكرت.

لذلك تجد في معظم مجتمعات المشرق يفشل الحب وتنتصر عليهما الصراعات المحيطة بهما، وعبثا نتطور في مفهوم الحب طالما رفعنا شعار الغريزة فوقه كما يحلو للغالبية أن تتصور، وهذا ناتج من الجهل والتخلف في رؤيتنا إليه.

(كتابات) ما تقييمك للنقد في العراق ومنطقة الشرق؟

  • هناك أفق جديد يلوح في اهتمام الناقد العراقي، وهذا يعزز مدى التشجيع الذي يجده في إنتاجات الأدباء العراقيين من وفرة في المنتج الروائي والقصصي والشعري. واعتقد القادم أفضل حيث يكثر عندنا النقاد رويدا رويدا، وهذه حالة صحية تعبر عن سلامة النسيج الأدبي العراقي وتكاثره الذي يبعث بالأمل في إنتاج أفضل للغد.

أما النقد العربي فأشعر به جامدا وليس غزيرا ولا يحوم حول النتاج العربي الجديد بل مازال يتجه نحو الكتابات الغربية ويأخذ منها منهلا لأعماله. اعتقد النقد العربي عليه أن يغير من وجهته المعرفية والكتابية وهناك نتاج عربي راقي يلوح في الأفق وينبغي أن نهتم به.

(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في العراق وهل يمكن الحديث عن نهضة ثقافية؟

  • نعم هناك نهضة صارخة ومدوية للإنتاج العراقي وللثقافة العراقية وفي كل الأنواع. فاستيراد المطابع الحديثة والناشرين والموزعين والكتاب من كل الفئات جعلت وخاصة في السنوات العشرة الأخيرة هناك طفرة غير متوقعة في الثقافة العراقية، وتكاد لا تخلوا جريدة أو موقع أو مجلة عربية أو عالمية من الإنتاج العراقي.

وأتوقع أن يخرج من العراق، وبسبب المصاعب القاسية التي مرت على أجياله تتابعا، أفضل الأدباء العالميون، وهذا نتاج الاحتلال والحصارات عليه فثمرة المأساة تخلف أعظم الأدباء.

(كتابات) هل واجهت مشاكل في النشر؟

  • منذ بدأت وقبل ٣٥ سنة عانيت من النشر وما زلت. لا يوجد في مجتمعنا الشرقي جهة تلتزم النتاجات المبدعة. دوما ورغم عذابات الكتابة لسنوات يصطدم المبدع بصخرة النشر وكيف يجد المال ليطبع وينشر. نحتاج لآلية توفر له إمكانية الطبع والنشر والتوزيع ومصدر رزق مما يكتب. فالحكومات مثلما توفر الكلاشنكوف للمقاتل عليها أن توفر الدعم للمؤلف فهو لا يقل كفاءة عن المقاتل في المعركة فهو الناصح والحكيم والمصلح والراسم والمحلل لمجريات الحياة المعاصرة والتاريخية لكلنا.

حتى روايتي الأخيرة “أوثان لزجة” مازلت لا استطيع نشرها وتوزيعها كما ينبغي بسبب ضخامتها وكلفتها، وهذا ما أثر على وصول الرواية للقارئ العربي والعراقي.

(كتابات) هل واجهتك صعوبات ككاتب وما هو جديدك؟

  • الكاتب مرآة عصره وماضي أمته ونجم مستقبلها، وكل خطواتنا الأدبية وعبر عقود الأزمنة المنصرمة مرت بصعوبات لا حصر لها، وغالبية الأدباء تأثروا بهذه الصعوبات ولو ذللت لخرجوا بمنجزات أفضل.

ومن أجل أن نطبع رواية فعلينا أن نستقطع أجزاء كبيرة من طعام عوائلنا وصحتنا ومستلزمات حياتنا كي نقدم للقارئ  مطبوعاتنا، قارئ بدأ يضمحل ويتجه للانترنت والموبايل أكثر مما يتجه للكتاب الورقي وهذه مشكلة قادمة علينا بشراسة وينبغي إيجاد الحلول المناسبة لها كأدباء ومثقفين. وبالتأكيد كما قلت في روايتي:”الحياة معطف ثقيل سننزعه حتما عندما يأتي الربيع”.

جديدي هو رواية شرعت في كتابتها لكن المشاكل الصحية تطاردني معها، أدعو الله أن يساعدني على انجازها.. ومحبتي لكل القراء.

قصة لسالم صالح سلطان..

 زمان جديد 1×1يساوي 5

“قرأت هذا العنوان على زجاج خلفي لسيارة تسير أمامي في الشارع. يقودها شاب هلامي لم أفهم من ملامحهـ ونحن نجتازه ـ سوى خارطة شَعر مقسمة على ميدان وجهه، تصلح ربما لحل القضية الفلسطينية العويصة في تشوهات حلولها كما يثرثر المذياع في التاكسي التي تقلني، ويبدو أني تغاضيت عن سماعها لاستغرابي الشديد بهذه التقليعة، وصاحبها الشاب المحترم جدا بنظراته المتشنجة، ومسجله يقرعنا بنواح حسام الرسام على أم دميعة، لأمنحه من وجهة نظري المستنكرة جائزة أفضل تقليعة حلاقة شَعر على الوجه بين شباب جيله. بحيث لا تفهم إذا كان هذا الشاب عراقياً أم نازلاً علينا من كوكب آخر. لفرط بذاءة رسوماتها.

يقول المثل “صير مجنون وعيش طيب” لذلك علينا أن لا نندهش، ولا نسرح بأفكارنا ولا نزعل ونصدق ما نقرأه ونشاهده من تفاهات وغرائب تصادفنا يوميا على مسرح الحياة الكوميدي الأسود، باسم الفلسفة الساخرة والحرية الطائشة والطرح المصطنع لإيصال حداثة مجددة لشكلنا، نتلاعب برسوماتها وكلماتها وأعرافها وقيمها، وتتفاقم لأجلها موازين قيمنا يوما بعد آخر. حتى راحت تنشب في فكرنا قملا يفوق سرعة الصوت في انتشاره، بينما تغزو مكتباتنا العربية روايات وقصص إباحية تطبع بملايين النسخ وينشد مؤلفوها العرب وخاصة العربيات منهن الشهرة والمجد على حساب حياءنا وأخلاقنا وقيمنا باسم التطور والمواطنة الحقة وتحقيق الوجود الكاذب والحرية والحداثة وتجاوز المألوف والمغايرة، وبات القارئ يتقبلها غصبا عنه، وتدغدغه رغائبه لقراءتها، حتى ولو رفع من طبل حنجرته وقلع ضرس تجهمه وعلس كلمة لا هذا غير معقول يا صناع الأدب وما أدرانا ما الأدب؟

نعم إن مدفعية بكيفي تقصفنا مستحضراتها وملصقاتها الجديدة في الأسواق والعلاقات والثقافات والموذات والمولدات والتعيينات والتحالفات والأيديولوجيات والوزارات فلا نعتب إذا . إذا كان الطرب يسيح إبداعه من ساعات وقلائد وكحل شعبان عبد الرحيم، وحقها أم كلثوم تعتذر عن العودة إلى كوكب الأرض، وتدعوا معها محمد عبد الوهاب إلى الجحيم بلا رجعة.

لزاما على ذلك يبدو لي أن الشيطان أصبح رفيقاً دائماً للكثير من مخلوقات الكرة الأرضية، وينال من وقته وزحمة حياته ما يجعله عبدا بائسا لرذيلته وطفح رغائبه. حتى يتبادر للكثيرين أن هنالك فرقاً شاسعاً بين نمط الإنسان قبل ثلاثين سنة، وبين ما نراه الآن من ضعف جسدي ونفسي وضآلة بنمط الفرد اليوم، ولكأن بذرة ذلك الجد انشطرت، وتركت منتصفها يمرق في اللا دخول إلى الكون، لتنسلخ بمخلوق يفتقد الكثير من بنية ومعالم الإنسان الحقيقي. لذلك أستشعر أن هنالك مخاطر مروعة تجتاح بنية الفرد لغده طالما أفتقد مقاييس السيطرة النوعية على توازنات تنشئته الفسلجية وكذلك فكره وعقيدته وطريقة تعاطيه بناء الحياة من الخارج، وافتقاده مفرداتها الأساسية من الداخل، وفي حالة هشة وضئيلة السعة في منظورها السايكلوجي.

الفرد فكره مزدحم على الدوام، وبوصلته خارج منظومته الروحية، ويسعى لأن يشق مسارات سبله بكل ما يظن من معطيات تؤثث حياة رغيدة ومترفة تجلب له السعادة كما يظن، لذلك يلجأ الفرد سواء كان في أوربا أو آسيا أو عندنا نحن العرب الواعون جدا ويا للأسف على ابتلاع مسلسل العشق المسموح ومراد خراب دار وروبي التغريب والتهجين حتى تجد ساعة بثها تفرغ لها الشوارع والأحياء . احتفالا لها، وليس حزنا على ذكرى ذلك اليوم الذي دمر فيه العراق .

غدا من العجائب أن تعثر على لسان صادق وابتسامة مصبوغة باللوز الحلو. تلك التي تشرح ضمائرنا من براثن الهموم الساذجة التي تدغدغ هواجسنا كلما داهمنا يوم جديد تزداد فيه سعادة مصائبنا بكارثة مازوشية يشفطنا خجلنا منها بتعاسة وندامة لو لم يخلقنا رب هذه السماء، ولنعلن بايماءة عرقوبية توائم سعة كرهنا لكل من نراه أو يستضيفنا، ومهما كانت درجة وفائه معنا .

ويبدو أنه أصبح موديلا حديثاً نفتتح به عامنا الجديد لزيادة سعر الدقيقة من الكذب عند شركات الهاتف النقال مع ارتباطه المسبق بسعر الدولار اللعوب، وعند شركات البيع بالتقسيط وجازاهم شيطانهم الربحي الوفير خير عون لتوفير الحياة الرغيدة لنا.

يقول المثل إذا غاب القط ألعب يا فأر ولأننا نفتقد إلى التنظيم والنظام في الحياة، فحق على صاحب السيارة الأخرى التي مرقت من أمامنا مسرعة، وأنا اقتنص قراءة صندوقها الخلفي وهو يعلن لا تتبعني فأنا مخطوبة أن نحترمه، ولا نتجاوزه ونقول له كودلاك”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب