خاص : حاورتها – سماح عادل :
“رولا حسينات”؛ كاتبة أردنية.. من مواليد الأردن، حصلت على بكالوريوس إدارة أعمال – “جامعة اليرموك” – 1997، حازت على العديد من الجوائز: (جائزة مؤسسة زحمة كتاب الدولية لأدب الطفل 2015 المركز الرابع – جائزة التميز الاتحاد العالمي والشعراء العرب 2014 – جائزة مؤسسة حروف منثورة للنشر الإلكتروني الدولية في مسابقة المقال 2016؛ المركز الثاني – جائزة مسابقات دار حفد للنشر الإلكتروني في المقال والشعر والقصة القصيرة جداً)، وأصدرت كتب: (مسألة وقت)، مجموعة قصصية 2015، و(الرغيف الأسمر)، رواية للأطفال 2015، و(قارورة الزمن)، مجموعة قصصية 2015، و(على سرير الحياة يسقط الموت)، مجموعة قصصية 2015، و(الدفين)، رواية قصيرة 2015، و(إيزابيلا)، رواية، 2016.
إلى الحوار:
(كتابات) : كيف بدأ شغفك بالكتابة.. وكيف نما ؟
- الشغف للكتابة لا يمكن الجزم أنه مكتسب بقدر ما هو جين نحمله بين جنباتنا ونمضي حاملينه، فتارة يرتقي بأرواحنا وينأى بنا عن القشور، وتارة يسجننا فيه فلا نبصر من كوته سوى الحنين.. الحنين للتغيير لحياة ملؤها المحبة الخير والسلام.. وهكذا كان شغفي للكتابة ولد فيّ ونما معي فألقيت به الشعر والخطابة وكتبت القصة ومثلت المسرحية، فكان تميزي منذ أن اخترت اللغة الفصيحة واليراع ليكونا رفيقاي.
(كتابات) : بدأت بكتابة القصة القصيرة ثم رواية للأطفال كما كتبت الرواية.. علام يكشف هذا التنوع ؟
- القصة القصيرة هي حالة يومية نعيشها ونتعايش معها في كل حدث صغير كان أم كبير، فحديثنا معاً ينبت قصة، وإبتعادنا قصة وكل ترتيب من ترتيبات حياتنا بقصد أو بغير قصد هو محرك لأحداث هذه القصة، فتتسارع الخيوط لتحبك من واقعنا الكثير من القصص.. أما عن الرواية فتربيتنا لصغارنا بحد ذاته رواية؛ ورواية معقدة، ما تتوقف أحداثها عن التسارع، ناهيك عن الواقع الذي نعيشه من أحداث دامية مؤلمة بدأت بالنكبة والنكسة ولا ندري ما الذي ستنتهي إليه فاجعة واقعنا العربي !.. فكانت رواية (الدفين) التي تحكي قصة اللجوء الفلسطيني وحكاية المعاناة التي عشناها لحظة بلحظة بعد أن فارقت الأجساد الأرض المقدسة بالنار، والقنابل حفاة عراة بلا مأوى ولا مفاتيح للدار ولا غراس للزيتون.. ثم كانت الرواية وهي محاولة مني لتغيير نمط الرواية من اللغة المقروءة إلى اللغة التي تتسم بالجزالة؛ والتي قد تكون طريقاً جديداً أيضاً خارجاً عن نص الجنس والإباحية في السرد.. ربما هذا يكشف عن الرغبة في التجديد والخروج عن المألوف بعد سرد المألوف.. والكتابة بنمط جديد وأفق جديد، لا يهتم بالمكسب بقدر ما يهتم بالقيمة الأدبية والرسالة الروحانية.
(كتابات) : في مجموعة (زبيدة) قدمت فهماً للنفس البشرية ومعاناتها سواء امرأة أو رجل.. حدثينا عن ذلك ؟
- (زبيدة) بحد ذاتها تحكي الكثير كمجموعة قصصية؛ كل قصة تنبت نوعاً جديداً من المحن وتفرد بساطاً من الرغبات في التغيير في أن تتبدل الأحوال، الصراع البشري هو بحد ذاته هاجس لا يمكن أن نخرج من أسره إلا إذا تطهرنا من كل تمسك لنا بأرذال الشره والشهوانية والقهر والظلم.. الظلم الذي لا يتجسد بالعدو بقدر ما يتجسد في كراهية الخير لبعضنا، بالقدر الذي لا نحسن فيه الظن بالآخرين، والذي يبيح لنا المضي بسراديب نستبيح فيها كل ما للآخرين دون أي وجه حق.. النفس البشرية بحرعميق يتغشاه السواد من فوقه سواد.. ما تتيحه القصة لي في أن أقشر ما لا أرغب فيه كإنسانة إلى ما أرغب فيه كحاملة رسالة.. كل من المرأة والرجل له تيار يسبح فيه إما معه وإما عكسه.. وتسمو الأهداف عندما تتعرى النفس وتواجه بالحقيقة فكانت قطار الثامنة والنصف و”زبيدة” وغرباء في بحر الموت ولعنة البحر.
(كتابات) : في أعمالك الأدبية ما سر الشغف باللغة الشعرية ؟
- لا أخفيك الشعر بحد ذاته جنون، وهو الذي يدغدغ مشاعرنا فيلهبها ويحزنها ويغتالها ويحيها من جديد.. له طقوسه وهذيانه وجدليته وأفق إبداعه بلا حدود.. من تألق فيه أمسك بحبل من السماء.. وهو الذي فطمت العرب عليه.. وكانت فصيحة اللسان وقوية البنيان.. اللغة الشعرية هي لغة الروح والشعور؛ هي التي تصيب سهمها في النفس، وهو الذي يضفي على القصة لمسة فيها شفافيتها وإنعتاقها من النص المكتوب إلى النص الروحاني الذي يشد القارئ من أول كلمة إلى آخر كلمة دون أن يدع له وقتاً للهروب.. اللغة الشعرية هي التي تجعل للنص القصصي ذاكرته، وتميزه واتسامه بالرعشة لحركة السطور.
(كتابات) : في رواية (إيزابيلا) تناولت الحب والخير في مواجهة الأحقاد البشرية.. حدثينا عن ذلك ؟
- “الحب” هو طابع الإنسان؛ هو الرغبة في الوجود والتمسك بمفاتن الحياة، وسواء أكان ذلك متمثلاً بالحب للشهوة أو المال أو المنصب أو التملك بكافة أشكاله بشرط أن لا يصل إلى المستوى المرضي، ما عدا ذلك مشروع لأنه حاجة طبيعية، وحيث أن الحب مملكة قائمة بحد ذاتها فهو لا يعترف بحواجز أو معيقات من صنع البشر كالفروق الطبقية أو المادية إذ أنه يفتك بصاحبه ويذيبه، وكذلك الخير هو حقيقة جبلت عليها النفس البشرية كما ألهمت البحث عنه كما جبلت على الشر وألهمت أن تنتهي عنه.. في (إيزابيلا) كان “الحب” وكان “الخير”، ولكن بصور متعددة بشخصيات حملته بنسب مختلفة فكانت “ماتيلدا”؛ التي أحبت “إزمير” رغماً عن أمها “أماندا”، وكانت الأم التي أحبت ابنتها رغماً عنها وكانت ست الحسن التي أحبت زوجها الذي خانها وأحبت جنينها ففرت فيه.. وكان الخير والحب يسيران على خط متواز ليصنعا الحقيقة في أن القلب المطمئن لخالقه هو الذي سينجو في النهاية.
(كتابات) : في رواية (إيزابيلا) هناك نماذج للمرأة القوية القادرة على مساعدة الآخرين.. هل توجد نماذج هكذا في الواقع ؟
- نعم بالتأكيد.. هناك نماذج للمرأة القوية، فالمرأة هي صانعة الحياة وملهمتها وهي تجسد ذلك في كل طور من أطوار حياتها بل ويستقيم الأمر مع المرأة المناضلة والمرأة القادرة على الصمود والتغيير في وجه قوى التطرف والإرهاب.. ويكفي المرأة أن تمتلك القدرة والإرادة لتقلد الجيل مسؤوليته في البناء والإعمار.
(كتابات) : لما تنشرين في بلاد أخرى.. وهل واجهت صعوبات في النشر ؟
- للأسف لم أجد من يدعمني في بلادي؛ على الرغم من الحركة الثقافية الجيدة فيه، فالأردن قد شهد على ساحته الأدبية الكثير من الأقلام الأدبية، ولكني أجد الملهمين منهم يواجهون مثلي نعمة الإقصاء بواقع الشللية والتحزب، وهذه النعمة هي التي منحتنا فرصة التواجد في ساحات أدبية قوية وذات سيادة أدبية قائمة على التنافس الشريف، فمصر كانت الأم وهي حقيقتها أم الدنيا وكثير من الدول العربية والغربية استطعت الوصول إليها وإنما ذلك بالإجتهاد والمثابرة.
(كتابات) : ما رأيك في النشر الإلكتروني؛ ولكي عدة إصدارات من خلاله، وهل سوف يصبح بقوة النشر الورقي ؟
- النشر الإلكتروني هو المستقبل في ظل الثورة الرقمية والتسارع في عالم التقنية لسهولته ولسرعة إنتشاره ولقدرته على البقاء ولإنخفاض التكلفة، كل هذه مميزات للنشر الإلكتروني، ولولا هذا النور الذي قدمته لنا دور النشر الإلكترونية في إيجاد بديل فعال للتعجيز لنقل ذلك الذي نواجهه من قبل دور النشر الورقية لما عرفت “رولا حسينات”؛ كقلم مفكر في العالم العربي، ولعل هذا الذي سيقلص من فرص هذه الدور التنافسية وبالتالي يحدد أفق الاستمرارية الخاص بها..
(كتابات) : ما تقييمك لحال الثقافة في الأردن والبلدان العربية ؟
- الثقافة في الأردن تحتاج إلى الشارع؛ بمعنى أن يصل الكتاب كثقافة إلى كل بيت وكل زاوية مقروءة وليست كواجهات تفاخر، وبصراحة الثقافة هي “الثقافة المصرية”، لأنها شهدت منذ عقود ضاربة في التاريخ الكثير من الحركات والثورات الفكرية، وليست وليدة اليوم، ولذلك فإن الساحة المصرية تعتبر من أقوى وأنشط الساحات على مستوى العالم العربي في رعاية الحركة الأدبية، وهذه حقيقة لا يمكن إغفالها ولعل الكثير من الدول العربية في شقيها الإفريقي والأسيوي قد حذت حذوها في ظل الحركات التحررية من الاستعمار الذي بسط سيطرته الثقافية في التجهيل ومحاربة اللغة العربية وصور الفكر العربي، ويمكن القول أن “تونس” تعتبر دولة على مستوى مرتفع في الانفتاح الفكري وكذلك “لبنان وسوريا وفلسطين”.. ومازالت الدول العربية مع ذلك تعاني من وطأة ضعف الولاء للغة العربية وللفكر الإصلاحي.
(كتابات) : ما رأيك في الأدب النسائي.. وفي رأيك هل تختلف كتابات المرأة عن كتابات الرجل ؟
- بصراحة لا أميل للتميز بين الأدب الذي يقدمه كل من الرجل والمرأة، فكثير من النساء كتبن بطريقة أفضل في وصف الواقع ورتقه بكافة صور الإصلاح، وكثير من الأقلام الذكورية فضلت الحديث عن الجنس ووصفه بدقة وبجنون وكأنهم يحاولون التعويض عن المفقود بالوصف لإشباع الحاجة المفقودة، أو ربما كان سعياً للتحرر الذي لا يفرقنا عن الشهوة الحيوانية المباحة والتي تميز بها الإنسان منذ الخليقة، والتي أيضاً جعلته قادراً على الإنجاز والعطاء.. القلم هو القلم الذي يجسد الأحاسيس ويبوح فيها والقلم الناضج هو الأقدر على إيصال ما يريد بطريقة تتسم بالشفافية والعذوبة والعقلانية دون تشويش أو تشويه دون النظر لجنسه أو جنسيته أو انتماءاته.