15 نوفمبر، 2024 1:27 م
Search
Close this search box.

مع كتابات.. رعد الزامل: إن قصيدة ينبعث منها البارود هي قصيدة عراقية

مع كتابات.. رعد الزامل: إن قصيدة ينبعث منها البارود هي قصيدة عراقية

خاص: حاورته- سماح عادل

“رعد زامل” شاعر عراقي، مولود في ميسان 1969، وهو خريج جامعة بغداد- كلية التربية 1992، بكالوريوس اللغة الانكليزية، وعضو اتحاد الأدباء العراقيين، يعمل في التدريس، بدأ الكتابة منذ أواخر الثمانينيات، و بدأ النشر في بداية التسعينيات، نشر نصوصه في معظم الصحف والمجلات المحلية والعربية والعالمية، أصدر عدداً من الكتب الشعرية، منها “أنقذوا أسماكنا من الغرق” , “قصائد نثر”، و” ربما الشمس رغيف حار” و”خسوف الضمير” الذي كان خلاصة تجربته ومشروعه الذي امتد لأكثر من خمسة وعشرين عاماً.

لم يكتف بالشعر عالماً له، فترجم عدداً من المقالات والنصوص الإبداعية، حتى أصدر رواية “محاربو قوس قزح” لهارفي، إضافة إلى ترجمته مجموعة شعرية من العربية إلى الانكليزية للشاعرة نجاة عبد الله.

إلى الحوار:

(كتابات)  متى بدأت الكتابة ولما اخترت الشعر؟

  • في منتصف ثمانينات القرن الماضي حيث الحرب العراقية – الإيرانية اختارني الشعر لأكون سفيرا لصراخ المنكوبين ودمعة لعيون الأرامل وتعويذة على صدر الأطفال اليتامى. الشعر واحد من الأقدار التي نجهل اختيارنا لها. وعلى الأغلب أظن أنني بدأت مع الشعر منذ صرخة  الولادة، إذ لم تكن صرخة ولادتي صرخة فحسب بقدر ما كانت شتيمة بوجه كل قبيح لا يقف إجلالا بحضرة الأزهار. بدايتي السرية مع الشعر جاءت مع هذه الصرخة أما البداية العلنية فقد كانت في بداية التسعينات كتوثيق في الصحافة الأدبية.

(كتابات) تنتمي لجيل التسعينات.. ما أبرز ملامح هذا الجيل؟

  • اختزال اللغة ورشاقتها والنزول من الأبراج العاجية إلى الناس في حياتهم اليومية، والابتعاد عن رطانة اللغة وهذيانات المحمومين, ثم التفاعل والاشتباك مع الحياة بكل تفاصيلها والخروج من عتمة اللغة وهلاميتها إلى النص المشرق بأسباب ولادته ودلالته العميقة, هذه هي بعض من ملامح جيلنا الذي ينتمي إلى نفسه. ربما هو الجيل الأكثر قدرة على تجريد وجه الحياة من الأقنعة الزائفة وتخليصها من تجاعيد لا تليق بعمرها الغض.

(كتابات) ماذا تمثل لك الترجمة وما هو انجازك فيها؟

  • يصف الكاتب الإيطالي “إمبرتو إيكو” الترجمة بأنها فن الفشل ويرى آخرون أنها مجال للإبداع, لا أرى الترجمة أكثر من جسور ثقافية ومساحة تفاعل بين شعوب كوكبنا الحزين. هي واحدة من أهم المجالات الثقافية التي ترسخ فهمنا للحياة وتفتح أمامنا نوافذ عديدة على حقول المعرفة. لقد أصدرت للآن ثلاثة كتب: وهي ( ظلال وأزهار) رواية للروائي النيجيري “بن اوكري” عن دار نينوى، وأصدرت أيضا رواية (محاربو قوس قزح) ل”اي دي هارفي” عن دار نينوى، كما صدر لي عن دار الرافدين (الأخلاق والدين) “هاري جنسلر”، دراسات في الدين وفلسفة الحياة والمنطق وعلة الوجود.

(كتابات) هل تجد صعوبة في الترجمة أم أنها إبداع من نوع آخر؟

  • تتطلب الترجمة إلماما كبيرا في حقلي اللغة المنقول منها وإليها, لا أظن أن هناك صعوبات تواجه المترجم الحاذق والخبير بثقافات الشعوب, وأرى أنها مهارة لذيذة ومهمة, أما الإبداع فهو العنوان الذي نطلقه على العقول التي تنتج وتخلق من مساحة البياض ألوانا فكرية وأدبية أخرى لم تكن موجودة في الأصل.

(كتابات)  في مجموعتي (ربما الشمس رغيف حار) و(أنقذوا أسماكنا من الغرق) هل اللغة الساخرة المغايرة كانت أسلوبا اخترته عمدا؟

  • بل هي أسلوب يعكس سخرية الحياة نفسها, كتبت هاتين المجموعتين إبان الحصار الذي أحرق الأخضر واليابس في بلد يمتلك من الثروات ما لا يمتلكه بلد آخر على الأرض. لا أظن أن هناك قلبا اكتوى بنيران الحصار والجوع كقلب “رعد زامل” فقد جربت النوم على كل الأرصفة وكان غبار الجوع على وجهي حتى وإن كانت معدتي ممتلئة. كنت أشعر بعطش فتاك وأنا أعوم في نهر دجلة وكنت ادخل إلى المقهى وأهم بالخروج هلعا أترقب، كي لا يمسكني صاحب المقهى وهو يطالبني بثمن قدح الشاي. والأنكى من ذلك أن تستمر الحياة هنا بسخريتها فلا مرارة أكثر من أن تخرج من حرب إلى حصار إلى حرب  لينتهي بك المطاف إلى احتلال. كلما نظرت من نافذتي رأيت دماءنا تسيل على الأرصفة ولحمنا معروضا في مزاد الحروب.

(كتابات)  في مجموعة (خسوف الضمير) مفردات مثل خراب، ظلام، هل هي صرخة في وجه الحياة؟

  • ربما هي صرخة احتجاج أو إيماءة تنبيه أو تلويحة غرق محتوم. في الختام لا بد أن يكون الشاعر شاهدا على زمنه في كل الأحوال. لست على وفاق مع العالم فروحي زهرة الضوء والكون حقل خفافيش وظلام . في كل يوم تكبر غربتي معي وتنمو إزهار نادرة في روحي ولكن العالم يصر على أن يبقى تلك الأرض اليباب. وعلى المستوى الفني في (خسوف الضمير) هناك اشتغال جديد على مستوى قصيدة النثر يتمثل في استثمار أقصى طاقات المفردة وتدويرها في نصوص تفضح بشاعة العالم ولا  تركن إلى خنوع.

(كتابات) هل مازالت للشعر مكانته في العراق أم تأثرت في مواجهة السرد؟

  • العراق بلد النخيل والشعر معا، كما سيبقى بلد الفقر والنفط معا. إننا نحتفي بالشعر بشكلين, الأول هو إقامة مهرجانات كبيرة وعديدة في أغلب المدن، والثاني هو الاحتفاء الذاتي وهو الأهم والأجدى. فالشعر هو الروح التي تسكننا. لا أظن أن الشعر قد تأثر بمواجهة السرد.

ولكن أين هو الشعر الذي نقصده وسط هذه الفوضى الغريبة حيث عدد الشعراء يفوق عدد الأقلام المستوردة. المشكلة الآن أن هواة الشعر قد غيبوا الشعراء الحقيقيين. قبل فترة قريبة اعتزمت الإقلاع عن عادة النشر فهي سيئة كالتدخين بالنسبة لنا نحن الذين اسودت رئتنا بسبب دخان الحروب, كلما نشرت نصا أجده بعد فترة في صفحات الآخرين، والمؤلم في الأمر أنني أجد من ينسب نصوصي إلى نفسه. هواة لم يبلغوا سن العقل يدعون بإمارة الشعر. إننا بحاجة إلى مراجعة نقدية حقيقية تعيد للشعر مكانته المسلوبة، عند ذلك سنرى مكانة الشعر العراقي الحقيقية، والتي لا يمكن أن تنحسر أمام كل فنون الكتابة الأخرى . ناهيك عن أن أغلب كتاب الرواية والقصة كانوا في بداية مشوارهم شعراء.

(كتابات) ما هي الجوائز التي حصلت عليها وماذا تحقق لك الجوائز؟

  • كل جائزة في الشعر لا يعول عليها لفقدان المعايير وتداخلها وضحالتها. لذلك لا أحب الدخول إلى باب الجوائز فهو باب القفز إلى قمة الشهرة بأقصر طريق، وهذا لا ينفي بطبيعة الأمر أن هناك جوائز أو مسابقات نزيهة, باختصار شديد أرى أن جو الجوائز جوا ملتبسا وغامضا. أذكر أن  وزارة التربية قد منحتني الجائزة الأولى في سنة 2010 وقد اشتركت لكوني موظفا فيها ولولا ذلك لما شاركت.

(كتابات) في رأيك هل اختلف حال الثقافة في العراق بعد 2003 وكيف؟

  • لا شك أن هناك فرقا كبيرا، فعلى مستوى الإعلام والإنتاج الثقافي يمكننا القول أن فضاء التواصل أكبر وأكثر حرية، ولكن لا ننسى من جانب آخر إنتاج وتسويق كتب لا تتوفر على أدنى قيمة فنية. وعلى مستوى إقامة المهرجانات والندوات الثقافية فقد ظلت مرهونة بالدعم الذي يحدده السياسي، بينما الثقافي لا يملك غير فراغ اليد وضيقها وشللها. وإن فضاء التواصل الاجتماعي الذي حصل بعد 2003 قد رسخ من ظاهرة الأدب الشعبي الذي يضر أحيانا بسلامة الذائقة ناهيك عن أضراره التي تصيب اللغة العربية، لغتنا كأمة وكمسلمين.

(كتابات) هل الشعر في العراق مرآة لما يحدث في المجتمع من صراعات وأحداث أم لا ؟

  • بل يمكننا القول أن الشعر في الأصل هو مرآة لانعكاس الوجود برمته. الشاعر كائن حي يتأثر في النتيجة بمحيطه ولا بد أن نضع نصب أعيننا أنه ليس كل ما يكتب شعرا جديرا بتسميته في هذه الفترة الحرجة من تاريخ العراق. نعم الشعر العراقي يعكس ما يحدث في العراق فيصور مرارة الحروب والفقدان والغياب حتى أنني لأجزم أن قصيدة ينبعث منها البارود هي قصيدة عراقية وإن لم تكن.

(كتابات) في مجموعتك الشعرية الأخيرة ( اختلطت على بوصلتي لجهات) عن أي جهات وبوصلة تتحدث؟

  • الحياة في أصلها رحلة بحث طويل, ولا بد في الرحلة من بوصلة وجهة ما. ربما أتحدث عن “رعد زامل” الإنسان الذي خذله الجميع، وبدقة أعمق عن العراق الذي خذله الأشقاء قبل الغرباء. أتحدث عن زيف الحياة التي تخذل ابتسامتنا الخضراء, أتحدث عن أقدارنا التي تسلمنا إلى ليل العزلة مثلما تسلم الأقدار صقرا حرا إلى بشاعة القفص.

 

قصائد لرعد زامل..

نكوص

مدخل

لـستُ أكثرَ مـن كلمة

أطلقها الربُ على الطين

أنا الكائنُ الـهشّ الذي

تدوسُ عـليه فـي الليل

أقدامُ الذينَ كانوا مثله

كـلـمةً أيـضاً

ولكن كما لو أنها

أُطلقتْ على

الفحم!

**

عن الخراب وظلامه المر

1

لا قطارَ ينتظرني

ولا محطات ْ

فأنا عابرُ سبيل

أحملُ عمري

كما لو أنهُ

كيسٌ من النفايات

واقفُ على طرقٍ تتقاطع

لكنها جميعاً

تؤدي إلى ذاتِ الخراب

2

في كلِّ أرض

بوسعِ البذرة

أن تصبحَ شجرة

والشجرةُ أن تغدو غابة

إلا في هذه الأرض

حيثُ الغابةُ تمسي شجرة

والشجرةُ تعود بذرةً

والبذرةُ من بعد ذلك

تغدو وصمةَ عار

على جبينٍ

اسمهُ الأرضُ الخراب .

3

على الإمبراطور

الذي اتخذَّ من دمي

وقوداً في الحروب

على الأب

الذي اتخذَّ من

ظهري جملاً إلى الصحراء

على المرأة التي

خذلتني في أولِ الورد

وعلى الأصدقاء

الذين تركوني تحتَ

طاولةِ الشعر بلا ذكرى

عليهم جميعا

أن يُصلحوا حياتي

التي أفسدوها

وسأكفُّ عن ملاحقتهم

وأكتفي بالنعيب

شاهداً كالبوم ِ

على هذه الخراب

4

كلُّ شيءٍ يخبو

في الخرائب التي نسميها البيوت

كلُّ شيءٍ يخبو

وحدَها التعاسة

تلمعُ كفضيحةٍ هناك

وأنا في ظلامها المُر

كلما لاحَ لي

على جدرانها عنكبوت

دعوتهُ إلى

طاولةِ الوحشة

وقلتُ له:

كُنْ نديمي في

هذا الخراب

5

كلُّ شيءٍ قد ضاع

غرناطةُ بالأمس

واليومَ غزة

بينما في

دهليز تاريخنا المجيد

وبعدَ كلِّ قمة

ثمةَ طفلٌ يصرخ

الغوثُ يا جداه

أغثني يا صقرَ قريش

ولكنَّ الصقرَ

كعادتهِ لا يهبطُ إلى القمم

ولا يمدُّ يدَ العونِ والجناح

وإن مدَّهما

فليسَ فيهما سوى

ريشةٍ واحدة

ريشةٍ لا تكفي

لتدوينِ هذا الخراب

6

عن اللامعِ الجسورْ

الذي ما من معركةٍ

إلا وتركتْ على

وجههِ حفنةً من غبار

وما من صولةٍ للمجد

إلا وخضَّبتْ ذاكرته

بصليلِ السيوف

بالأمسِ شعرَ بآلام الظهر

لما تذّكرَ

الذين َامتطوه في

الطريق إلى القمم

وحينما فكرَ بحياته –الآن–

حياته المحفوفةِ بالروث

والذبابِ

قضى نحبهُ من الحزن

البائسُ المسكين

سليلُ داحسَ والغبراء

بالأمسِ فجراً

نافقاً عثروا عليه

بينما جثتهُ

تلوحُ في الإسطبل

كأعلى

صرخةٍ في

وجهِ هذا الخراب .

***

عن الأشجار وهبوب الكارثة

(1)

ليست شجرة

هذه الواقفة

في الطريق إلى الحرب

ليست شجرة

بل إنها

علامة استفهام خضراء

في سياق للكارثة.

(2)

كل شجرة بخضرتها

مستبشرة

إلا شجرة عائلتي

الريح تذر أوراقها

في المنافي

بينما الجذور

في المقبرة .

(3)

الشجرة

مع عشيقها

لا تفر

ولكن الشجرة تتلاشى

بين أحضان أمها الطبيعة

ثم ما أن تبلغ أرذل العمر

حتى تضرم النيران

في نفسها

وتنطفئ

حالما تدرك أن حسن العاقبة

يكمن في الحطب.

(4)

ثمة حبل خفي

حبل لا يرى بالعين المجردة

حبل يجر الأشياء

إلى مهدها الأول

ففي زاوية النسيان

ثمة تمثال خشبي

كلما دخلت المتحف

رمقني بنظرة ذابلة

وقال لي:

كيف السبيل إلى

الغابة؟

(5)

في حقل الألغام

حقل الألغام فقط

الشجرة المورقة

تخون الناظرين

تخون العابرين

تخون الحياة نفسها

أما الشجرة

العارية في الحقل ذاته

فلا تخون أحدا

غير الجذور.

(6)

في حقل الألغام أيضا

لا معنى للشجرة

إلا على أنها

فخ أخضر

يستدرج العصافير

إلى مجزرة.

(7)

في العصور المظلمة

العصور التي

لا أثر للشمس فيها

تتعرى كل الأشياء

كل

الأشياء

تتعرى

حتى الأشجار تخلع خضرتها

وتستر عورتها بالذبول.

(8)

من يسع أنين الأغصان

حين تنكسر

من يرى الطبيعة وهي

تجلد أشجارها بالنزوح

لا بد أن يسمي

الخريف سوطا

وحدي في هذه الغابة

التي لا أملك غيرها وطنا

أدعو الأشجار

إلى الخروج على الطبيعة

(9)

لست مع الريح

التي حملتني

كفها يوم كنت بذرة

ولست مع الأباطرة

الذين أوقدوا شرارة حربهم

بين أغصاني

يوم أمسيت شجرة

مع ذلك

أنا والجنود غدا

طرفا معادلة خاسرة

فالجنود حطبا يمضون في الحرب

وأنا سيقانا من خشب أغدو

للراجعين منها

بقدم واحدة.

(10)

قديما ….

قديما يوم البيوت كالجنائن

والنساء كالشجر

كان على بيتنا يقف الربيع

أما اليوم

وفي مثل هذا العراء الموحش

الذي يشبه الحياة

فأنا أقف كعود أجرد

حيث لا أملك بيتا

ولا بابا يقف عليه الربيع

بل لا أملك حتى شجرة

أودعها قلبي كعش.

لم أكن عارياً قبل الهبوب

ولكن العواصف

تسلب الناس

أشياءهم

انظري إلى الريح

كيف تقلبني ذات اليمين

وذات الضياع

انظري إنها

تعصف بروحي

مثلما تعصف بطائرة من ورق

ثم انظري

كيف أضيع

مثل طفل

لا أثر

له بعد العاصفة

سوى الخيط

الذي كان في يده

ثم انقطع !

* * *

في العاصفة

تفقد ملامحها الوجوه

وفيها أيضا

يصعب العثور على مأوى

فبم سألوذ يا حبيبتي

وهذا منزلي أيتها العاصفة

منزلي

المشيد من الصفيح

لم يبق في العين منه

غير الصدأ.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة