خاص: حاورته- سماح عادل
“رضوان أحمد بن الشيخ” كاتب مغربي، حاصل على باكالوريا علوم تجريبية، حاصل على إجازة في القانون باللغة الفرنسية شعبة القانون الخاص، لديه شركته الخاصة في مجال الوساطة في التأمين.
صدرت له مجموعة قصصية بعنوان “البكر”.
إلى الحوار:
(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
– قبل الحديث عن الكتابة وجب إعطاء لمحة عن الارتباط بالقراءة، فبدون زاد يغذي الدماغ يستحيل الإنتاج، لعلي من المحظوظين كوني أنتمي لجيل الثمانينيات من القرن الماضي، ولعلي كنت حينها واحدا من الأطفال ممن تتلمذوا وتعلموا من مجلات “العندليب، ماجد، والعربي الصغير” وكذلك قصص الأنبياء، وقصص أدهم البوليسية وغيرها من المنشورات الورقية. ما مكنني من اكتساب رصيد لغوي ومعرفي لا بأس به، لم يكن في ذلك العهد لا لوحات إلكترونية ولا انترنت أو حتى قنوات تلفزية كثيرة تشغلنا على فعل القراءة.
قصتي مع الكتابة وجدت بداياتها في التعامل مع الرسائل البريدية، فكنت أجد حينها متعة فريدة لتبادل الخطابات مع الأهل والأحباب الذين يقطنون في مدن بعيدة، لتنتقل بعد ذلك المتعة إلى صفوف الدراسة وخصوصا في مادة الإنشاء، ثم أخذ المبادرة وكتابة أول قصة قصيرة لي في تلك السن المبكرة؛ عمل مازلت أحتفظ به إلى الآن وهو الوحيد في رصيدي إلى غاية السنين الأخيرة، أخذتني بعيدا فصول الدراسة والتعلم الأكاديمي لكن لم تقتل في ميولي الجامح إلى الكتابة، إذ ما انتهيت من مشواري الدراسي حتى بدأ حب الكتابة يعود ويتطور شيئا فشيئا، وزاد من ذلك ظهور الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي حيث وجدت فيها متنفسا يمكنني من التعبير عن أفكاري ومشاركتها مع الآخرين، لأخوض بشكل جدي بعد ذلك تجربة الارتماء في براثن عالم الكتابة والنشر، وتوج ذلك بظهور أول عمل لي حسبته مولودي الأدبي الأول وأسميته البكر.
(كتابات) في مجموعة “البكر” تستخدم السخرية في معظم القصص، كيف وظفت السخرية للتعبير عن أفكارك؟
-شخصيتي ميالة إلى كل ما هو فكاهي ومضحك، أعاشر أشخاصا لهم نفس الميول، أبتعد ما أمكن عن كل شخص طبعه يميل إلى الواقعية، أحب المزاح والبسط، مع ذلك ملامح وجهي تصنفني في عداد الأشخاص الجديين زيادة على اللزوم، قد أعترف أني أجمع ما بين النقيضين، ولعل في اعتماد أسلوب السخرية في كتاباتي حكمة الهدف منها تمرير خطابات وانتقادات لاذعة بأسلوب مموه ولطيف يتقبله الآخر.
(كتابات) في مجموعة “البكر” استخدمت العامية المغربية بكثرة لما؟
– العامية المغربية هي لهجة غنية بالمفردات والتعابير، ولم ترق إلى مصاف اللغات نظرا لطابعها المحلي، ولعل أهميتها تكمن في كون أصبح لها صيت عالمي، بحيث نجد أن مغنيين من أقطار عربية أخرى تعاطوا معها في أعمالهم الفنية وكثر الطلب على كتاب كلمات بالعامية المغربية، نفس الطفرة نلاحظها في تصرفات السياح الأجانب، حيث نجدهم يسعون لتعلمها ويبذلون جهدا لنطق بعض كلماتها والتعبير بها، هذا دون أن نهمل كونها لم تأخذ حقها من موجات العولمة الثقافية، والأمر له علاقة بضعف الآلة الإعلامية المغربية وفشلها في تصدير الثقافة العامية المغربية إلى بلدان المعمور.
اللهجة العامية فيها من المفردات الفريدة والغربية ما من شأنه أن يجعلك تكتب صفحات وصفحات باللغة العربية لتترجم مضمون كلمة واحدة منها، وشخصيا لا أظن أنك بذلك ستصل إلى ترجمة معناها الدقيق، وهذا ما يفسر لجوء الكثيرين من جهابدة اللغة العربية وكبار المفكرين المغاربة إلى استعمالها في العديد من كتاباتهم. بل ومنهم من أرفق مؤلفاته بمنجد مصغر يشرح فيه بشكل مقتضب المفردات المستعملة؛ المفكر عبد الله العروي نموذجا. شخصيا أرى أن الاجتهاد لتوصيل الفكرة للآخر بشكل دقيق أهم من طريقة التعبير اللغة المستعملة في ذلك.
(كتابات) في مجموعة “البكر” انتقاد لبعض السلوكيات الاجتماعية عن طريق السخرية منها والمبالغة في تصويرها حدثنا عن ذلك؟
– السخرية تعفيني من الوقوع في فخ المواجهة المباشرة مع كل من شخصيته لا تتقبل النقد، ومع كل من بالرجوع إلى خلفيته نكتشف أنه لا يشاركك نفس القناعات. لذلك فتفادي الاصطدام بالاعتماد على السخرية يجوز اعتباره مناورة ذكية، وما الإمعان في الوصف إلا تقنية لتفادي وقوع القاريء والمتلقي في الخلط.
(كتابات) في مجموعة “البكر” هل استقيت الأحداث والشخصيات من الواقع أم لعب الخيال دورا كبيرا؟
– كل القصص الواردة في مجموعتي هي من وحي الخيال، وأغلبها خواطر كتبتها في وقت سابق وبشكل ارتجالي على صفحات الفيس بوك، خواطر كتبتها ونشرتها في زمن قياسي، وبعد اختمارها في مخيلتي اشتغلت عليها من جديد بشكل مفصل لمدة طويلة حتى أصبحت على ما هي عليه في مجموعتي القصصية.
(كتابات) لما اخترت الكتابة الأدبية رغم أن تخصصك وعملك بعيدين عن مجال الأدب؟
– هوس الكتابة هو شغلي الشاغل الذي يملأ وقتي الثالث، قد يصح اعتبارها هواية، كما يجوز اعتبارها موهبة، لكن الأهم من كل هذا و ذاك هو أنها متعة تنسيك في هموم المحيط الذي تعيش فيه، بالنسبة لي الكتابة هي السجن الوحيد على وجه الأرض الذي أتمتع فيه بكامل حريتي.
(كتابات) لك أعمال تحت الطبع، احكي لنا عنها؟
– أعمالي الأخرى لم تصل بعد إلى مرحلة الطباعة، هي جاهزة لذلك وقيد التدقيق والمراجعة، واسمحي لي سيدتي الكريمة أن أتحفظ عن الخوض في المواضيع التي تناولتها، فإن حدث وسبق ونشرت عن طريق الصدفة في وقت سابق أعمالي الواردة في مجموعتي القصصية “البكر” على صفحات الفيس بوك، فأعمالي القادمة كانت ومازالت طي الكتمان ولم يسبق ونشرت ولو جزءا منها ما عدا عمل واحد تعمدت عدم نشره مع مجموعتي القصصية “البكر”، لذلك أترك الحديث عنها إلى حين ظهورها بشكل رسمي، وليفتح نقاش حولها آنذاك، أضف إلى ذلك أني شخص كتوم يهوى الاشتغال في صمت وبعيدا عن الأضواء.
(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في المغرب؟
– حال الثقافة في المغرب محبط ومزري للغاية، وأغلب الفاعلين فيه يجوز اعتبارهم حسب تقديري الشخصي غرقى يرفضون الاستسلام للموت، ولعلها مقامرة أن يفكر المرء في خوض غمار تجربة الكتابة والعوم في مستنقع ملؤه مجتمع لا يقرأ، توجد محاولات جادة للرقي بالمشهد الثقافي في المغرب، لكن تبقى محتشمة وأغلبها يحركها أشخاص قادهم مسارهم الدراسي إلى مجال التخصص في الآداب وفروعه، حتى على مستوى الإنتاج ألاحظ أن الرداءة هي سيدة الموقف وأنه متى كانت هناك جودة فهي تقتصر على نخب معدودة على رؤوس الأصابع.
للأسف أصبحت الموضة في المغرب أن يبحث الشخص عن ما يشاهد لا عن ما يقرأ، وساهم في هذا التوجه سهولة الولوج إلى خدمات الانترنت والاهتمام أكثر بشبكات التواصل الاجتماعي والبحث عن منتوج رخيص وبأقل جهد، أضف إلى ذلك تدني المنتوج الإعلامي على مستوى البرامج المقدمة، تدني المشهد السينمائي وترويجه لمحتويات فارغة، انقراض العمل المسرحي باستثناء بعض المحاولات اليائسة، والطامة الكبرى هي تكاثر وتفريخ قنوات الكترونية تتاجر في مآسي المنكوبين، وما وجود جمهور يتابع تفاهاتها ويشجعها على البقاء لأكبر دليل على ما هو عليه حال الثقافة في المغرب.
(كتابات) ما رأيك في حال النشر في المغرب وهل يدعم الكتاب المبتدئين؟
– لا أظن !! فمهنة النشر في المغرب طغى عليها الجانب التجاري، كما أن أغلب دور النشر لا تتوفر على لجان قراءة وهي في الأصل مطبعات أو مكتبات بغطاء دور النشر، وطبيعي أن تغامر مع أسماء معروفة بدل المغامرة مع أسماء نكرة، لذلك فحظوظ الكتاب المبتدئين في التعامل معها تبقى ضئيلة، والاستثناء وارد.
(كتابات) لما اضطررت إلى طبع مجموعتك وتوزيعها بنفسك، وهل لاقت قبولا لدى القراء؟
– هو ليس اضطرارا وإنما اختيار، فضولي لاكتشاف هذا العالم المتشعب هو ما شجعني على خوض تجربة الكتابة والنشر والتوزيع بمجهود فردي وإمكانيات ذاتية، قد يعتبر الكثيرون هذه المغامرة نوعا من الجنون، لكن بالنسبة لي هي متعة ما بعدها متعة وتجربة فريدة علمتني الكثير، حتى جولات التوزيع أحسبها سفريات روتينية قمت بها سابقا مرارا وتكرارا في إطار جولات سياحية أو سفريات عمل أو زيارات عائلية، الاستثناء الوحيد هذه المرة هو أني قمت بالتوازي مع تجوالي بتوزيع عملي، وكلي إصرار على الاستمرار في فعل شيء أعشقه.
ولعل الأصداء التي وصلتني ممن قرؤوا عملي تبقى أكبر حافز لي على الاستمرارية، وكلمة حق تقال أن أغلب الآراء والقراءات باختلاف مشارب أصحبها؛ كلها تصب في اتجاه ما هو إيجابي، وبالمناسبة أغتنم الفرصة لتوجيه شكري لكل من علمني حرفا، ولكل من تجاوب إيجابا أو سلبا مع مجموعتي القصصية البكر.
قصة لرضوان بن الشيخ..
سَفـــــــــــر
ماسحا دموع “اﻟﺤُﯖْرَة” أعترف وأقول أني تعرضت لاعتداء !!، تعرضت لمطاردة هُوليودية؛ في المقطع الطرقي الرابط بين مدينتي فاس و مكناس، من طرف سيارة رباعية الدفع سوداء، بزجاج نوافذ داكن اللون لا يسمح بالتعرف على من بداخلها.
بدأ الأمر فجأة عندما أثاروا انتباهي بالضغط المتكرر على منبه سيارتهم، وكأنني أعرقل سيرهم، في الوقت الذي كنت فيه أسوق بشكل سليم، استمرت المناوشات لمسافة، أرغمتني “نْزْيّْرْ لِيمْنْ” وجعلتني أنقص من سرعتي فاسحا أمامهم الطريق للتجاوز.
تحليلي للأمور لم يكن كما توقعت، بحيث أنه ما أن تجاوزوني بأمتار حتى اعترضوا سبيلي بشكل دفعني إلى الانحراف إلى أقصى اليمين والخروج إلى قارعة الطريق تفاديا للاصطدام بهم، فرملة قوية احتكت معها عجلات سيارتي مع الأرض وصاحبها غبار كثيف، فتحت حزام سلامتي مستعدا للنزول، محاولا استيعاب الموقف وصارخا محتجا على ما يقع.
فجأة وبعد حين، فتح باب سيارتي من أحدهم، وإذا بي أحس بقوة خارقة تسحبني للخروج من السيارة، كلام ناب معظمه من “السّْمْطَة لْتْحْتْ”، تبعها ودون سابق إنذار صفعة على خدي تسببت في فقداني لنظاراتي الطبية، ثم ركل ورفس ولكمات عديدة، فُقداني لنظاراتي الطبية جعلني أكتشف الدنيا بشكل آخر؛ ضباب في ضباب، ما جعلني أستحضر ولو مؤقتا، نعمة البصر.
لم أتمكن من معرفة هوية المهاجمين ولا ملامحهم، واستمروا في التنكيل بي وتعنيفي إلى أن فقدت وعيي.
في المصحة، تَرْبِيتٌ خفيف على خدي، متبوع بكلمات “نُوضْ أ خُويا بِاسم الله عليك” جعلني استرجع وعيي بشكل عكسي لطريقة فقدانه، بدأت تتضح أمامي الصور والمشاهد وكأني وضعت نظاراتي من جديد.
سألت مستفسرا من كان يحدثني ب “نُوضْ أ خُويا ” عن سبب تواجدي بالمصحة، فأجابني متهكما!!: “نُوضْ ﺗْﯖْﻌَّدْ” راحْنا فالمحطة الطرقية، باسم الله عليك راك كنت تا تحلم؛ كان ذلك لسان حال سائق سيارة الأجرة التي أقلتني إلى مكناس.