13 أبريل، 2024 9:05 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات.. رشاد رداد: بيت الشعر هو البيت الآمن الذي اطمئن إليه

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: حاورته- سماح عادل

“رشاد رداد” كاتب وشاعر أردني، عضو رابطة الكتاب الأردنيين والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وصدر له العديد من المؤلفات الشعرية مثل: (حينما الميت يتكلم، أسرار حارتنا، أفراح مؤجلة، قصاصات، ونوافذ.مساء الخير).

إلى الحوار..

(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

  • سيدتي.. أنا من الذين لا يحبون العودة للماضي وإن كان ذلك الماضي جميلا.. ثمة علامات استفهام غامضة وثمة أشياء لا أعرفها تجعلني أتوجس خيفة من ذلك الماضي الذي يرى فيه الكثيرون سحرا خاصا.

وكأنني أحس أنني متهم خارج من وجه العدالة أو أحيانا أجد نفسي ذلك الجندي المهزوم والهارب من معركة خاسرة، وهو يركض ويركض ولا يستطيع أن ينظر خلفه إلى أن يجلس بفيء شجرة أو سور ما فيخلع بزته العسكرية ويحاول أن يسير إلى المستقبل دون الالتفات للخلف.

قد يكون ما أصابني من تداعيات وأحداث حصلت في بواكير العمر من يتم مبكر وما كان يتلوه الآباء والأجداد على رأس ذلك الفتى (أنا) من هزائم متتالية ومذابح مروعة في فترة الخروج الكبير والتهجير الأول، أي نكبة فلسطين وتداعياتها.. بحيث أن آثار الزلزال كان مدمرا ثم جاءت النكسة الثانية عام 67 قد أعطبت أمل الأمة.

واجتاحت رأس ذلك الفتى وكثيرين معه أو قد يكون لسوء التركة التي ورطنا بها أبي. لو كان يعلم الشاعر أو المبدع عامة أنه الخاسر الأكبر في هذه الحياة لما اختار الشعر أو الأدب، فالشعر متعب ومرهق ولكنه له السحر الأخاذ، يغري ويغوي فما عليك إلا أن تستسلم طواعية وتتجرد من كل أسلحتك وهذا هو سر الشعر. ويظل بيت الشعر هو البيت الآمن لي اطمئن إليه، فأنا أكتب إذن أنا بصحة وعافية.

(كتابات) تكتب الشعر والقصة والرواية ما سر هذا التنوع في الإبداع؟

  • هي تجريب مشروع وبلا شك إنها تحتاج لقراءات متنوعة، ولذكاء قليل وفطنة وأنا بدأت مشروعي الكتابي بكتابة أغاني وطنية، وكان ذلك في المرحلة الإعدادية، ثم تركت الكتابة واتجهت للفن أي الرسم وقد أبدعت في ذلك وكنت رسام المدرسة، ثم تركت الرسم إلى الرياضة وكنت متميزا حتى أنهيت المرحلة الثانوية، وبدأت في مراهقة نفسية وجدانية فقررت أن أعود للكتابة، بل هي من سحبتني إليها يبدو أنها أحبتني من اتصالي بها مبكرا، ووجدت أن الكتابة هي من تستطيع أن تحتويني وتحتوي غضبي ومغامراتي العاطفية وكان ثمرة هذه العلاقة، لا أدري أن كانت شرعية أم غير ذلك، مجموعتي القصصية الأولى “أسرار حارتنا” بحيث بدأت قاصا وهذا الاختيار سلبني كل شيء بحيث لم استطع أن أتحرر منه إلا بعد سنوات، فخرجت من سجن القصة من سحرها إلى الشعر واستقبلني بفرح وسرور وبقي صديقي ورفيقي، ولم استطع أن أتحرر منه أحيانا قد أحرد منه ويحرد مني لكن أعود إليه مشتاقا.

وما بين الحردين استطعت أن أكتب روايتي الأولى “آدم” في صحراء الخليج لكن الشعر يبقى نبضي ودمي وحياتي.

(كتابات) قلت في قصيدة (أيا امرأة):” “تعبت أصابعي/من شعرك المجعد بحناء الحكايا/ وضاع حنيني في القطن المزيف/ أيداي قصيرتان؟/أم خصرك أكبر” كيف هي صورة المرأة في شعرك؟

  • المرأة في شعري وحياتي هي كل شيء وبكل تجلياتها وصورها هي الحبيبة والأم والزوجة والبنت والأخت والجارة والجدة والوطن والشجرة والوردة.

المرأة هي سنبلتي وزيتونتي المقدسة، نبض قلبي وعقلي لا استطيع أن أكتب شيئا دونها في كل تحولاتها وجمالياتها هي حوائي وأنا أدمها.

(كتابات) تحافظ على الموسيقى في شعرك.. ما السر.. وهل تحرص على اختيار الكلمات بعناية لتناسب الموسيقى؟

  • أولا الموسيقى في الشعر ضرورة مهمة، من ضرورات القصيدة، والموسيقى خارجية وداخلية وتكون الروعة مع تناغم الخارجي والداخلي.

وأقصد بالخارجي مراعاة البحور الخليلية مع انتقاء المفردة والصورة الشعرية الإبداعية غير المكررة، وتكون المفردات ذات حس عالي ناضجة فيها لمسة السحر على القارئ أو المتلقي.

ويبدو أن القراءات المتنوعة لشعراء مبدعين قد أكسبتني هذه القدرة على الاختيار المناسب والشاعر صانع حاذق في حرفته.

(كتابات) ما رأيك في قصية النثر والجدل الذي يدور حولها وهل كتبتها؟

  • لها مسميات كثيرة وهي بضاعة مستوردة من الغرب جاءت إلينا مترجمة عن الفرنسية والانجليزية، ويقول البعض أنها منقطعة عن التراث العربي وجاءت بالخمسينات على يد “توفيق الصايغ” وهي من إفرازات الحداثة الشعرية وكما وصفها الشاعر المناصرة: “أنها نص تهجيني شعري مفتوح عابر للأنواع”.

أما الذين استسهلوا كتابتها ونصبوا أنفسهم شعراء الحداثة والنثر فهذا كان أمرا خطيرا للغاية على الشعر وقيمة الشعر والأدب، وأصبح كل من يكتب حرفين يسمي نفسه شاعرا واختلط الحابل بالنابل، بحيث لا ضوابط تضبط هذا النوع، كما أن النقاد لم يستطيعوا متابعته لكثرة الشعراء المتطفلين والساحات العربية ممتلئة وفائضة.

وأبوابها مفتوحة وحراس النص الشعري تركوا أماكنهم وذهبوا للمقاهي والعمل الإضافي في الفنادق الفخمة، قصيدة النثر قصيدة صعبة جدا وتحتاج لثقافة وقراءة ومع أن عدد شعرائها يتجاوز عدد سكانها إلا أن من يكتبها قليل جدا وما دون ذلك غثاء كغثاء السيل، وفي النهاية نقول أن النص الجيد يولد حيا ويعيش والرديء يولد ميتا، سواء كان النص عموديا أو حرا أو نثرا فليس كل ما يكتب عموديا جيدا وليس كل ما يكتب نثرا سيئا.

نعم كتبت هذا النوع وأتعبني جدا وأحببته لمساحاته الواسعة دون تضييق بوزن أو قافية، لكن يبقى الشعر الموزون هو تاريخنا وتراثنا وهويتنا، ما بال القوم عندهم من الأوزان الشعرية المتنوعة ويذهبون لقصيدة النثر.

(كتابات) في رأيك هل طغى السرد، خاصة الرواية، على الشعر ومكانته لدى القراء؟

  • اعتقد أن لرداءة الشعر دورا مهما حين يتخلى الشعر عن قيادة الثقافة العربية ويسقط في مهازل الحداثة ويصبح ثلث العالم العربي شعراء ويملئون السوق ثمرا سيئا غير ناضج، لا بد أن تتحرك الرواية أو السرد للأمام لتنقذ المشهد الثقافي العربي من وحله، وتغسل ذاكرته وأعضاءه ليعود إلى الواجهة من جديد.

وللأسف أصبح شعراء الرداءة من يحتلون الصحف والإذاعات والمحطات الثقافية على حساب الشعراء الحقيقيين الذين اختفوا بل واختنقوا من رائحة الحبر الكاذب والمخادع، برزت الرواية واحتلت مؤقتا الواجهة الثقافية العربية وتأخر الشعر عن المشهد قليلا، لكن الشعر له مكانته وسحره وتفوقه مهما حصل من التضييق عليه يظل شرفتنا ونخلتنا وصوتنا العالي.

(كتابات) لديك رواية تحت الطبع.. كيف كانت تجربة كتابة رواية بالنسبة لك بعد سنوات من ممارسة الشعر؟

  • أحيانا يجد الكاتب نفسه أنه بحاجة لمساحات أكبر من القصيدة والقصة القصيرة، يتولد لديه إحساس أنه في قفص أو سجن فيحاول الهروب إلى عوالم أكثر اتساعا، تتيح لشخوصه وأفكاره أن تتحرك بسهولة ويسر داخل هذا العالم الذي يسمى رواية، إذن هي حالة نفسية تصيب الكاتب فيلجأ للرواية وهذا ما أصابني حينما كنت في الخليج للعمل في بداية التسعينيات، لأتفاجأ بصدمات حضارية وثقافية وعندها لم أجد ما يشفي غليلي سوى الرواية التي أخذت مني ما يقارب الأربع سنوات، إذن هي تجربة إنسانية ونتيجة لضغوطات سياسية واقتصادية وإنسانية وثقافية هائلة. وصدقيني ما يحدث في الشرق الأوسط يكفي لكتابة ألف رواية.

(كتابات) في رأيك هل لابد أن يهتم الشعر بالقضايا القومية وقضايا المجتمع وهل هذا دوره؟

  • من الطبيعي أن يهتم الشاعر بالقضايا الوطنية والعربية والعالمية لأن القصيدة تحمل همّا إنسانيا وتكون الأولويات من الدائرة الصغيرة إلى الدائرة الكبيرة.

أي من وطنه وقضاياه ثم عالمه العربي ثم الدولي لأن الشعر رسالة إنسانية حضارية، والشاعر بطبيعته كائن فاعل في هذا العالم المتغير بل هو الأكثر التصاقا وصدقا بقضايا أمته.

(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في الأردن؟

  • الحال هنا ليس أفضل ولا أسوأ من حال الثقافة في البلدان العربية، وحقيقة هذا البند بحاجة لصفحات وصفحات لكن آثرت أن اختصر الموضوع وأقول أن الثقافة العربية تعاني أشد المعاناة من تهميش وتغييب لدورها الطليعي، ودائما ينظر لها السياسي بعين الخوف وعدم الرضا وكأنها تزاحمه على كرسيه، ولا بد من القول أن الثقافة العربية هي ثقافة بلا سلطة أمام سلطة بلا ثقافة، واعتقد أن السطر الأخير يشرح كل حيثيات الثقافة في الأردن والعالم العربي.

(كتابات) هل واجهتك صعوبات ككاتب.. وما هو جديدك؟

  • الصعوبات يا سيدتي كثيرة ومن أهمها تغييبه عن صنع القرار وتهميشه وعدم مشاركته الفاعلة في صنع أي قرار سياسي أو ثقافي،

ومعاناته الدائمة من الفقر والخوف من المستقبل إذ لا نقابة تحميه من عضة الحاجة ولا تأمينات صحية مناسبة والوظائف شبه مستحيلة، وغول الغلاء الذي يتفاقم بلا رحمة.

بالإضافة إلى عدم دعم الكاتب المبدع ونشر ما يكتبه، وكذلك عدم توفير مقرات للكتاب على حساب الدولة مما يزيد في معاناتهم في سداد ديون المقرات. نتمنى أن يكون المستقبل القادم أفضل.

نصوص ل”رشاد رداد”..

في فلسطين

تصحو الحياة بلا تعبِ

كسنابل قمحٍ

لا تشكو من مفاصلها

إن مرت عليها الريح

تراقصها في حب وفي طربِ

تسقي أطيار قصائدها

تحصي أوجاع السنين العجاف

وتخطيء

متى ترجع أقماري لمنازلها

وبلا عتب

في فلسطين تصحو الحياة

بكامل أضلاعها

رغم كثرة لصوص اللغة

في شوارعها

ينضج الشعر فيها

كزيتونها ولم يغبِ

في فلسطين تصحو الحياة

بلا تعبِ

تتفقد أشجار التين والليمون

وتحرس أغصانها

بالعزة والهدبِ

وتنظف عصافير الغيم

ورؤوس النخل

تفرك أصواتها من زكام القول

فتشم رائحة القدس

في أحرف الكتبِ

في فلسطين سر إلهي

وغموض بهي

يا الله

أنا ضائع وغريب

في لغتي

بين وهم أراه

وبين نهار من الكذبِ

في فلسطين تصحو الحياة

طيورا من الشغبِ

وتحلق فوق المساجد

فوق الكنائس

تمر في كل بيت ومدرسة

وتضمد جراح الورود

وتشفي أفئدة الأمهات

من العطبِ.

…..

أيا امرأة

أنا سرير الشهوة

وحكمة النهر

إذ يعبث ببكارة الأشياء

لجسدينا هيئة الماء

وحفيف العشب الملطخ بنزوات الريح

تعبت أصابعي

من شعرك المجعد بحناء الحكايا

وضاع حنيني في القطن المزيف

أيداي قصيرتان؟

أم خصرك أكبر

من قافية أحلامي

أيا امرأة

في قهوتك رائحة الموت

وعلى ثوبك ينمو ورد ذابل

فأين البلاغة

في جسد منهار

وأين الإثارة

في حروفك الضيقة

ما عاد صدرك يرشد النحل

ويطفئ خلية النار

لذا لم أعد أراك

في ظهيرة الوضوح

أنت نار الحكاية

وأنا هذي الفراشات المحترقات

على رماد أصابعك اليابسة

كان عليك أن

توقظي كرز الشهوة

كي يحط حمام المعنى

على لغتك الباردة

اخلعي أزرار الجسد

كي يصعد مائي مبتهجا

لأقاصي الروح

أيا امرأة

ما الفرق بين ثوب الفرح المنسي

في خزانة الذكريات

وقنديل مطفأ في مقهى دمي

دعيني أبني خرابي

بحجارة الصمت

وأزينه بدم الغزالة

المسفوح بالعراء

كان لا بد من البحر الميت _ إناء الخطايا _

كائنان منحوتان

لعبث الرياح المجنونة

ومعدان للنهب

نطفتان لا تنموان

وجسدان منخوران

بديدان الكلام

إذن لنحتفل بخطيئة الأب

دوار أصابني

ونار تقترب من أصابع قدمي

وثلج يتكاثف على رأسي

ويداي مصلوبتان على ما تبقى

من كهف لوط

أيا امرأة

أيا امرأة

كنت مجرد ومضه

تلاشت في الجهات.

….

ما تعبت من الأسئلة

ما تعبت من الشعر والأسئلة

بل من تلك المدن

إذ تخطف من قلب العاشقات المنتظرات على سفح الأمل

زهرة الفرح

مدن قاتلة

وأنا ما زلت أفتش في حقل الشعر

عن سنبلة

وعن امرأة لا تشبه طقوس المرحلة

وتنقي قلبي

تهذب شماغ اللغة

وتزن بعينيها أحرفي المثقلة

أحتاج

لعاشقة

لم تدخل مدرسة العشق يوما

أعلمها كيف تقتلني بشفتيها

ثم تحييني

بأصابعها الجاهلة

وأعلمها

سر الألوان

إذا انتصف الليل

كيف تبدل أزرق نوافذها

باشتعال الجمر

بأصابع الأرجوان

وعلى سرير البنفسج

رضاب فاضت

عن شفاه ضاقت أن تحمله

وأطوع لها بحر الشعر

متى شاءت أمسكت أمواجه

متى شاءت لا تحتاج الريح كي ترسله

ويحق لقلبي

عاشقة

لا ترى غيري

وترتب قلبي من فوضى الأسئلة

من دوار الصحب

وردتهم

وتصدع بيت الأخوة والعائلة

وتراني أهرب لصدر امرأة

ما تلوث بقصص الحب المخجلة

لا أبجل تلك اللاتي يحفظن عن ظهر قلب

نقاط الإشارة

في كهف الجسد

أني أحتاج لعاشقة

بين كفيها أكسر البوصلة

ليتعافى قلبي من أيامه المهملة

هل أسهل من هذه المسألة.

…………

أقلب ذكرياتك في أكفي

فتلملمني أداوي جرح نزفي

مضيت إلى الحقيقة مثل ريح

تسابقها كأنك ناي حتفي

وما يوما نسيتك أنت ظلي

وأتعب إن تأخر عنك طيفي

وأي قصيدة بغياب نصفي

فلا هي لي ولا هي عنه تكفي

ومن فينا الذي قد مات

ومن فينا الذي هو فوق كتفي

وما الأيام إلا ومض برق

كأن أغمضت ثم فتحت طرفي.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب