خاص: حاورتها- سماح عادل
“د. منى الصياد” فنانة تشكيلية مصرية، حاصلة على دكتوراة فلسفة التصميم كلية التربية الفنية جامعة حلوان، وهي عضو نقابة الفنانين التشكيليين، وعضو بمكتبة الإسكندرية ورئيس نادي التذوق البصري بقصر ثقافة الإسماعيلية.
كان لنا معها هذا الحوار:
** متى بدأ شغفك بالرسم وكيف تطور؟
– بدأ شغفي بالرسم بداية من الصورة، الفرشاة والأزميل ينتجون الصورة، وحين نقول البداية أي التكوين والنشأة، فالفنان يتشكل من بيئته. وأسرته ومدرسته، وحين أحدثك عن نشأتي، فبيئتي هي معرض فن تشكيلي بصري، بحر وسماء الإسكندرية التي هي محل مولدي ودراستي، وما أجمل من هذا الفضاء الأزرق الشاسع، البحر مع السماء بألوانه الزرقاء اللانهائية. فصار البحر عندي هو كون الصورة أيضا بكل ما تحمل من ألوان، من هنا كان تكويني ومن هنا اكتسبت بذرة البحث عن الصورة وجذورها الممتدة، في القراءة والتأمل والتفكر في الطبيعة، ومن هنا، اقتحمت الألوان السماوية كل لوحاتي.
ساعد في هذا الاندماج مع الطبيعة كتابة مجموعة بسيطة من الخواطر اليومية بشكل سردي بسيط، في المرحلة الإعدادية وفي المرحلة الثانوية بدأت بقراءة مكتبة أبى الأدبية لأعلام الأدب العربي في مصر، مثل الأعمال الكاملة لمصطفى محمود، وطه حسين، ونجيب محفوظ، وبيرم التونسي، وأنيس منصور، وعلى أحمد باكثير وعبد الوهاب عبد الله، وإحسان عبد القدوس، وصلاح جاهين، ومجموعة من الأعمال المسرحية والأشعار الفصحى والعامية.
مما أثرى الجانب التعبيري والخيالي لدي بتخيل الأحداث والأشخاص والأماكن والأزمنة إلى جانب التركيز على الثقافة الشعبية المصرية، فبدأت الصورة تتشكل في عقلي وقلبي.
** لما درست النقد المسرحي و ما سر تنوعك في مجالات الدراسة؟
– بدأت بدراسة الفنون والتحقت بكلية التربية الفنية تفوقت وعملت بالتدريس الجامعي لمدة ثلاث سنوات، ثم التحقت بالدراسات العليا لاستكمال دراستي الأكاديمية، استهواني فن المسرح فالتحقت بكلية الآداب جامعة الإسكندرية لدراسة المسرح كطالبة، وحصلت على ليسانس الآداب قسم النقد المسرحي بتفوق.
** حصلت على درجة الماجستير عام 2022 والتي تعد الأولى من نوعها في الجمع ما بين التربية الفنية والديكور المسرحي بكلية التربية الفنية، جامعة حلوان، بعنوان “دور المصمم في تحقيق القيم الجمالية في الإطار التشكيلي للعرض المسرحي ” احكى لنا عنها؟
– من هنا بدأت أفكر في دمج دراستي الفنون قسم التصميمات الزخرفية، بالديكور المسرحي، فتقدمت لكلية التربية الفنية للحصول على درجة الماجستير في سينوغرافيا العرض المسرحي والتي تعد الدراسة الأولى من نوعها الخاصة بالديكور المسرحي بكلية التربية الفنية، وتمت المناقشة تحت إشراف كوكبة من أساتذة الفنون التشكيلية، وأشرف على الدراسة ا.د. سعد أردش أستاذ الدراما بأكاديمية الفنون المسرحية بالهرم، لعام 2002م.
من هنا أدركت إن الفنون بحر ليس له نهاية أو حدود، فالموسيقى وروح الصورة والحركة والتمثيل والديكور والحوار والممثل في تكامل تام لإخراج عمل مسرحي مرئي، يمس المشاعر الإنسانية بهدف الارتقاء في السلوك الإنساني وإحداث تغيير للأفضل.
فبدأ شغفي بدراسة علم النفس لفهم الذات الإنسانية من خلال دراستي للأطفال ومن هنا بدأت أدرس سيكولوجية فنون الطفل والعلاج بالفن، ولي أبحاث منشورة في هذا المجال، من خلال مشاركتي في المؤتمرات العلمية بجامعة قناة السويس، والتي تناولت سيكولوجية اللون وأثره النفسي على أطفال التوحد، وسيكولوجية الألوان في القرآن وفلسفة اللون وإدراكنا النفسي والحسي للون بشكل عام في المباني والملابس والألعاب.
ثم أكملت دراستي الأكاديمية للحصول على درجة الدكتوراه في فلسفة التصميم، من كلية التربية الفنية جامعة حلوان، إهتميت بدراسة الفن المصري القديم برموزه وألوانه وشخوصه ونسبه وتقنياته وأساطيره، وبما أنني أعشق البحر والسماء عشقت، الشمس ذلك المخلوق الكوني التي نسجت حوله مجموعة من أساطير الفن المصري القديم، لتظهر أسطورة رحلة الشمس الليلية خلال الإثنى عشرة ساعة، لتحكى قصة درامية أبطالها الشمس والحيوانات والطيور والثعابين والتماسيح والجعران وبقرة السماء والثور. ومن هذه المادة الخصبة نسجت قصة مصورة ومكتوبة بطريقة سهلة تتناسب مع عمر الأطفال من سن 9 إلى 12 سنة، تنمى الجانب الخيالي للطفل حيث كان هذا هو الجزء العملي من الرسالة، فحصلت على درجة الدكتوراه عام 2012 بعنوان “التعدد الشكلي للشمس كمصدر لتصميم القصص الخيالية للطفل” بتوصية بطبعة في كتاب يتم نشره ويتداوله العامة لتحقيق الفائدة.
** إلى أية مدرسة فنية تنتمين؟
– تأثرت فنيا برموز الحضارة المصرية القديمة وظهرت في معظم لوحاتي الأشكال الواقعية أو التجريدية للرموز الحيوانية والنباتية, الطيور والحشرات كالجعران، والقطة والثور وبقرة السماء بشكل تجريدي رمزي وبأسلوبي وأدائي اللوني الخاص بى، الذي يغلب عليه اللون الأزرق المصري بدرجاته، بصحبة قرص الشمس الدائري أو المجنح كرمز الشروق والنور والخير، الخاص بالحضارة المصرية القديمة. فصنعت عالم خاص بى برموزه وألوانه وتفاصيله حاولت الجمع ما بين الدراسة والموهبة في حالة من الفضاء الكوني والاتساع السماوي.
علينا أن نتفق أن الصورة بشكل عام هي العلم الذي هو الفن، ولا فن دون علم ولا علم دون فن. من هنا كان شغف بحثي عن الصورة وجذورها بكل من تحمل من تاريخ وحاضر وعلم وإبداع. فالدراسة تمنحنا العلم وأدوات التعبير عن هذا العلم، كل في مجال موهبته وتميزه، وحين توجهت إلى الدراسة توجهت ناحية مناطق لم يطرق بابها الكثير.
وهذا ما جاء من شغف البحث في علوم الآثار المصرية والمتاحف، تملكني شغف دراسة الآثار بشكل أكاديمي فالتحقت بكلية الآثار جامعة القاهرة ودرست الآثار المصرية عبر العصور، بدأً من الآثار المصرية القديمة إلى اليوناني الروماني إلى الفن القبطي والإسلامي، إلى الفنون الحديثة بمدارسها المختلفة، فأدركت فلسفة الجمال عبر العصور وعبر الحضارات وفلسفة الرمز ودلالته وتطوره وألوانه وتأثيره وتقنيات الرسم والكتابة والنحت وكل علوم التحنيط والفلك، عالم آخر من الجمال اللوني والشكلي والفلسفي.
** ما هي الأهداف التي يسعى إليها فنك؟
– حينما أمتلك مشروع إبداعي، هنا، أخرج من ذاتي إلى الذوات العامة، أي يتحول هدفك من هدف شخصي، إلى هدف عام. قد يكون حلمي أن أكون فنانة متفردة صاحبة بصمة، تتميز بالأصالة والحداثة معاً. وهذا الشخصي. ولكن حين شعرت أنني أمتلك مشروعاً إنسانياُ فكان على أن أفيد به العامة على أسس علمية، حتى تستفيد به الأجيال الجديدة كما استفدنا نحن من أساتذتنا السابقين.
وهذا لن يتحقق إلا من خلال الدراسة والتدريس، قانون الأخذ والعطاء، من هنا كانت دراستي لعلوم المسرح والديكور المسرحي، والتصميم والكتابة الأدبية للأطفال أو الأبحاث والدراسات العلمية، لأنها في النهاية كلها تصب في الصورة المرئية علمية كانت أو إبداعية.
** ما هي الخامات التي تفضلين استخدامها في لوحاتك؟
– أنا أستخدم في لوحاتي عدة خامات، منها الرسم بالأقلام الجاف والحبر الملون على الورق أو القماش، كما أنني أعشق التجريب بالخامة، أرسم على الخشب أو التوال بألوان الزيت وبعض أوراق الذهب والأقلام أيضا لأحكم تفاصيل الأشكال الزخرقية الدقيقة، التي تتميز بالدقة البالغة للإيحاء بالرمز بشكل مجسم ثلاثي الأبعاد، مع الاهتمام بالدرجات اللونية للإيحاء بالبعد الثالث والتجسيم الشكلي والكتلي.
كما إنني أميل إلى رسم الرموز المستوحاة من حضارات مصر عبر العصور مثل رسوم وجوه الفيوم وبعض من رموز الفن الشعبي والإسلامي والقبطي بشكل حديث، وبألوان حديثة وبرؤية فلسفية عميقة يلعب فيها التصميم جزء هام من ناحية علاقة الشكل بالأرضية وعلاقة الرموز والأحجام والأشكال بعضها البعض. داخل إطار اللوحة سواء كان إطار دائري أو مستطيل.
** هل تحاولين أن تكون لك بصمات خاصة في لوحاتك وكيف ذلك؟
– أنا انتمى لمصادر تكويني الفني والشخصي والأكاديمي، حتى كونت بصمة لا تخص أحد إلا نفسي، كان هدفي الأول والأخير عدم التقليد أو الاقتباس أو المحاكاة لأي مدرسة أو فنان، قد يكون نوع من أنواع التحدي لذاتي أن أبحث في هذا البحر من الفنون والأشكال والألوان والحالات الفنية عن التفرد المؤثر في النفس الإنسانية، بشكل صادق وعميق في نفس الوقت وله أثر.. وفى النهاية يمثلني كفنان مصري متأثرا بحضارته وثقافته هو وليست ثقافة مستوردة أو أجنبية. غريبة على حياته.
** ما هي الأهداف التي تسعى إليها؟
– أي فن أو علم أو فكر فهو يصب في قالب الرسالة الإنسانية، والرسالة دائما ما تقوم بتكوين الإنسان وبناؤه، وغاية طموح كل فنان أن تصل رسالته للناس العامة وتجد صدى وتأثير نفسي ايجابي يمنحه المتعة والثقافة والعلم بشكل غير مباشر.
** ما تقيمك لحال الفن التشكيلي في مصر في الوقت الحالي؟
– من وجهة نظري، متجدد وبشكل مستمر فلابد للفنان أن يواكب التطور الهائل في الخامات والأدوات والتقنيات الفنية الحديثة من آن لآخر، حتى يتجدد في طرق التعبير عن أفكاره بشكل يتماشى مع العصر.
لأن للثورة التكنولوجية دوراً هاماً في جمع كل علوم وفنون الدول والحضارات من أقطار الأرض في عالم واحد، فصار عالم الإنترنت له دورا عظيما خاصة عالم السوشيال ميديا، التي توفرت له مئات المنابر الدولية المتاحة بكل سهولة، وفي أي وقت مما أتاح فرص المشاركة في المعارض المحلية والدولية والجماعية والخاصة الإلكترونية والافتراضية. فأزالت الحدود الجغرافية والمسافات والأزمان وتناقلت الخبرات الفنية وأثرت حركة الفن التشكيلي عبر تداول الصور والأفكار عبر مصر والعالم.
كما أن هناك العديد من الجهات والمواقع الحكومية والخاصة التي تهتم بتعليم ودراسة مبادئي الرسم والتلوين، عبر صفحات التواصل الإجتماعى، مما يتيح فرصة التعليم والتعلم والمشاركة بالجهات الفنية المختصة بالعرض الفني التشكيلي، في الجاليريهات الخاصة أو التابعة لوزارة الثقافة المصرية، التي تتيح للفنان تبادل الرؤى الفنية المختلفة عبر الأجيال المشاركة، كما أن هناك العديد من الجوائز التقديرية والتشجيعية والمعارض السنوية الجماعية التي تهتم بتقديم المواهب الشابة من الطلبة أو الموهوبين في جميع مجالات الفنون وبشكل دوري.
** في رأيك هل يختلف الرسم لدى الفنانات في خصائص معينة عن الفنانين الذكور؟
– من وجهة نظري الفن إنساني يهتم بالجانب الإبداعي وبالرؤى البصرية التي تتناول الموضوعات الحياتية والطبيعية والاجتماعية بشكل فلسفي، لتوصيل رسالة ما إلى المجتمع بشكل فني. لكن التميز في تناول واستخدام الخامات، فالذكور دخل مجالات النحت على الأخشاب والأحجار والمعادن بخلاف الإناث، لما تحتاج تلك التقنيات من قوة عضلية في التشكيل والتنفيذ، وكذلك الإعمال الميدانية الصرحية في الميادين وعلى جدران المباني المرتفعة.
** حدثينا عن المعارض والمشاركات ورد فعل الجمهور؟
– شاركت في العديد من المعارض الدولية والمحلية، الجماعية والخاصة آخر معرض خاص أقيم بدار الأوبرا المصرية 2020 بعنوان “أتون” تناولت أعمالي دراسة للفن المصري القديم برموزه وفلسفته من خلال استخدام اداآت فنية مختلفة بالألوان الزيتية والأقلام على لوحات دائرية، حيث اللون الأزرق الفرعوني هو البطل غالباً.
من خلال الكتابات الصحفية والنقدية لأعمالي تمت الإشارة إلى الاهتمام بالمظاهر الكونية في السماء محملة بقدر من الانطلاقة والخيال والسباحة عبر الأزمان والأماكن.. وكأن المشاهد يسافر عبر الزمن من خلال مجموعة لونية تحمل طاقة إيجابية متفائلة نحو النور الالهى تحفز الرائي على التسبيح في ملكوت الله فظهرت المرأة الملكة مع الشمس والقمر والنجوم، وكأنها تجوب العالم بأرواحها في عالم خيالي وكأنه عالم الفضاء الواسع المليء بالزهور والنباتات والرموز والألوان. كما نلت عن مشاركاتي بالتفاعليات الثقافية والورش الفنية و المحاضرات والندوات، السويس.قدير ودروع وميداليات وحصلت على مراكز في العديد من المسابقات. ونظمت العديد من المعارض التشكيلية بهيئة قصور الثقافة وهيئة قناة السويس وجامعة قناة السويس.