خاص: حاورته- سماح عادل
“د. محمود عجمي” فنان تشكيلي ونحات عراقي، ولد في مدينة الحلة عام ١٩٥٩، خريج أكاديمية الفنون الجميلة جامعة بغداد عام ١٩٨٤، حاصل علي ماجستير فنون تشكيلية، نحت، جامعة بغداد عام ١٩٨٨، ودكتوراه فلسفة فنون تشكيلية – نحت- جامعة بغداد ١٩٩٧. عضو هيئة تدريس في كلية الفنون الجميلة- جامعة بابل منذ عام ١٩٩٩، حاصل على درجة الأستاذية عام ٢٠١٠، له عدد من البحوث المنشورة في عدد من المجلات العلمية، له عدد من الكتب تحت الطبع منها كتاب (تداعيات سومرية – بصمات على الطين)، عضو نقابة الفنانين، عضو جمعية التشكيليين العراقيين، شارك في العديد من المهرجانات داخل وخارج العراق، حائز على جائزة النحت في المهرجان التشكيلي الأول في بابل عام ١٩٩٤.
كان لي معه هذا الحوار الشيق:
* متى بدأ شغفك بالفن وخاصة النحت؟
– بدأ شغفي بالفن، وبخاصة منه في مجال النحت، منذ الطفولة، فأنا ابن قرية من قرى بابل العتيقة، ومن عائلة تمتهن الزراعة. تخترق القرية الطهمازية أنهار عدة، كنت اغترف الطين من قاع النهر لأشكل منه وعليه أعمالا نحتية، بشرية وحيوانية، أقوم بتجفيفها على أشعة الشمس لتكسبها صلابة، ثم ارتأيت بعدها، وبعد معرفة فطرية بدائية، إلى فخرها على قاعدة مدخنة الطحين في قريتي الصغيرة، عند طحن حبوب القمح والشعير، لتكسبها هذه المرة صلابة أكثر.
وهذه كانت معرفة متقدمة في فخر الأعمال الطينية بذلك العمر من المعرفة في حب الاكتشاف، وأنا طفل. لتنمو الموهبة معي حتى أصل إلى المعرفة الأكاديمية في التعليم الجامعي بأكاديمية الفنون الجميلة في جامعة بغداد، والتخصص في مجال النحت، شغفي الأول في الفن.
* حصلت علي الدكتوراه في فلسفة فنون تشكيلية، نحت، جامعة بغداد ١٩٩٧، احكي لنا عنها؟
– بدخولي أكاديمية الفنون الجميلة، تخصصت في مجال النحت، وكان شغفي فيه يرتد إلى معرفتي الأولى بالأعمال الفخارية أكثر من غيرها، على الرغم من ممارسة النحت على مواد أخرى بالطبع، وكان لأطروحتي في الدكتوراه أثر كبير في ذلك التوجه، وكان عنوانها (التماثيل الصغيرة من سلوقية في المتحف العراقي. موضوعاتها/ تقنياتها/ أساليبها الفنية) وقد نلت عنها تقدير (امتياز).
فقد تضمنت الدراسة فيها تناول أعمال فخارية صغيرة من العصر السلوقي – اليوناني في العراق في عهد الاسكندر المقدوني عند احتلاله بلاد الشرق ومنها العراق، لتتشكل رؤيتي في الانجاز الفني بالبناء على ما هو فخاري عراقي قديم وبطروحات فيها من الحداثة ما يشكل أسلوبا خاصا بي في الطرح، تميزت به عن أقراني من الفنانين، عراقيين وعرب، وهو مما سيرد تفصيله لاحقا، في تسليط الضوء على تجربتي الفنية واختيار ثيمتي الثور والمرأة عنوانا لاشتغالاتي الفنية.
* تركز في أعمالك الفنية علي (الثور والمرأة) لكن من وجهة نظر عصرية احكي لنا؟
– جاء التركيز في اشتغالاتي الفنية، نحتا كانت أم رسما، على موضوعة محددة شكلت عنوانا بارزا في منجزي الفني، متمثلة ب (الثور والمرأة) كمتلازمتين في جميع ما أنجزته من أعمال فنية، وبخامات متنوعة، أبرزها الفخار، وقد تناولتها وفق رؤية حداثوية في الاشتغال، استندت على ما هو رافديني في التوجه كهوية، وعصري حداثوي كأسلوب في الطرح شخص مسار توجهي الفني بهذا المجال.
مضمنا إياه فكرا ميثولوجيا يحتمل الكثير من التأويل، والمخرجات التي يقرأها المتلقي حسب ثقافته وتوجهه الفكري الذي قد يلتقي أو يتعارض مع ما أرمي إليه وما يحمله من تفسير أو مضمون في هذا العمل أو ذاك. ولعلي أشير، في هاتين المفردتين، إلى ما هو رمزي يشير بدلالته إلى معادلة، الذكورة والأنوثة، من إشارة الفحولة والقوة في الثور إلى (الرجل)، والعكس صحيح، في أنوثة ووداعة المرأة، إلى (البقرة) المعطاء، في تكاملها مع الثور.
وبالتالي تكون المعادلة، في قيمتها الدلالية، متجسدة في التكامل الحياتي لهاتين الثيمتين: الثور في جانبه الحيواني، تكمله المرأة في جانبها الإنساني، مما يشكلان معا البعد الحياتي في الطبيعة ومسيرتها المنشودة. هذا فضلا عما يحملانه- الثور والمرأة- في الفكر القديم من مضمون الخصب واتخاذها عنصرين هامين في الديانات القديمة، بحملهما مضامين فكرية- دينية طقوسية، والتعبير عنهما، وفيهما، كرموز إلهية تعبدية في ذلك الفكر وعصوره ذات الاعتقادات العبادية الواضحة.
هذه بعض القراءات والتي ربما يجد المتلقي فيهما رأيا آخر يخضع لتأويلاته فيما يراه فيهما من فكر ودلالات، لا أخوض فيها، ولا أفسرها وفق رأيي الخاص.
* تستخدم الفخار بالأساس لكنك تستخدم مواد أخرى في فنك.. ما هي؟
– استخدامي الأساس والمحبب لدي أكثر من سواه هو خامة الفخار، وجاءت أغلب انجازاتي الفنية عليه بالفعل، فهي خامة طيعة، سهلة التشكيل، عميقة الأثر في النفس، ويكفي أنها عدت الأساس الأبهى في اشتغالات الفنان الرافديني على مر العصور لحلقات الحضارة العراقية القديمة، لأكون بها وفيا لتلك الاشتغالات التي وسمت أسلوبي في الأداء، بامتداده الثر في تأكيد الهوية، بربط حاضرها بقديمها.
هكذا انظر إلى هذه الخامة على صعيد التقنية والانجاز. وفضلا عن ذلك، فقد تناولت خامات أخرى لا تقل شأنا عنها في الانجاز الفني، كالبرونز والحجر بأنواعه، والحصى والطابوق المنصهر من مخلفات معامل الطابوق، والعظم، ومنه عظم السمك. وحتى البلح والجلود والقرون، وكل ما يقع تحت يدي من مهمل، لأصيره أعمالا فنية ناطقة.
* هل لديك مشروع ما تعمل عليه وهل لابد للفن من رسالة يقدمها؟
– في الحقيقة هناك أكثر من مشروع فني يسكن مخيلتي، معد على الورق ليرى النور يوما، اذا ما توفرت الفرصة المناسبة والدعم المالي والرسمي..
ولعل من مشاريعي ذات الاتجاه التعليمي- الفني الجمالي في كلية الفنون، حيث اعمل تدريسيا لمادة النحت، النهوض بنحت الحرف العربي من خلال إقامة نصب فنية تجاوزت في بعضها الثلاثة أمتار ارتفاعا، وقد اتخذت من بعض سور القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، أعمالا فنية تسرد قصة ما، أو حدث ما، محولا إياها نصبا نحتية فيها قيمة جمالية عالية، فضلا عن قيمتها الفكرية والمضمونية.
ومن ذلك عمل عنوانه: (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) و(رفقا بالقوارير) وغيرها العديد مما أنجزت وكانت قد زينت باحات كلية الفنون الجميلة بجامعة بابل، متوجها فيها بذلك الطرح لبيان قيمة الحرف العربي جماليا في النحت، بعدما أخذ نصيبه وافيا في الرسم والخزف. ولعل في ذلك رسالة تدعو إلى أهمية تناول الحرف بمجال النحت، على الصعيد الفكري والتقني معا.
* قيل عنك أنك تحاول استعادة خفايا ما كان يفعله الأجداد السومريون حدثنا عن ذلك؟
– في محاولة استعادتي خفايا ما كان يفعله السومريون، برأي من تابع اشتغالاتي الفنية، أقول وأؤكد من أنني ما كنت لأكون لولا تلك التأسيسات في الفن العراقي الأصيل، فأنا أعد نفسي امتدادا طبيعيا لإرثهم الفني، ذلك الفن الذي يعد المدرسة الأولى في التأسيس لما عرف من اتجاهات في الفن الحديث والمعاصر، وكمنهل زودني، كما زود الآخرين، برؤى شكلت التوجه الفني الصائب لدي، ولكن برؤية لا تستنسخ القديم، بل تعيد صياغته وفق رؤية العصر لما هو أكثر تطورا وتقدما في الانجاز، بل وتراكما كميا عليه، بحيث يجعل من انتمائي إليه، إخلاصا لمبادئه وأساسياته في الحضور.
* ما سر هوسك بالحضارة السومرية وتخصيص جزء من أعمالك للاحتفاء بها؟
– من أسرار تعلقي بالحضارة السومرية وفنها الرائد، أنها شكلت الرؤى التي اكتشفت فيها ما يجب أن أكون عليه، ولعلها هي الجينات التي تسكنني كفنان له ذلك الامتداد الطبيعي بجذوره الرافدينية، فأكون بها، وتكون بي علامة فارقة في عصر انتهى إلى دوامة اختلاط الأفكار وتبعثرها، دون الإمساك بخيوط ربطه بماضيه الزاخر بأبهى صور الفن وتجلياته الروحية، وهو ما شكل احتفاءا- بوصفك له- وهو كذلك حقا.
فأنا ابن ماض عريق وزاخر بمنجزاته الفنية الخالدة، لتطبع اشتغالاتي الفنية المتنوعة بطابعه الروحي والتقني والجمالي، وهو ما شكل هويتي وأسلوبي الفني في الطرح، بما زودتني به مدرستي السومرية التي إليها انتمي، وبها أكون، رغم أنني من بابل الحضارة والتاريخ، وتحديدا من مدينة بابل سيدة مدن التاريخ، لكن الحضور الأوفر برأيي يعود لما هو سومري، أكثر مما هو بابلي. فسومر هي المنبع، وبابل هي الهوية. لكن تبقى سومر بحضارتها وفنها، المدرسة الأولى في التأسيس لما جاء بعدها من حلقات الحضارة العراقية القديمة.
* كيف هي علاقتك مع تلاميذك وهل هناك أجيال من شباب الفنانين يمتلكون رؤية خاصة بهم؟
– علاقتي مع تلاميذي، كما الأب مع أولاده، في تأكيد إرشادهم لما هو صميمي وأساسي في الانتماء لفنون بلدهم عبر عصور التاريخ المتعددة، وحتى يكونوا أمناء على مسيرة تاريخهم الزاخر بما هو فكري وجمالي من فنون. وهناك من تأثر باشتغالاتي التي أصبحت بصمة خاصة بي، لتنعكس على منجزاتهم الفنية، تقنيا طبعا، ولعل منها ما طرحته بمشروع فني جمعت فيه بين أسلوبين في إنجاز العمل النحتي، من خلال قراءته نحتا مجسما، وناتئا، في آن واحد، وهو مما لا يتسع المجال لتفصيله هنا.
* هل يعاني الفن التشكيلي العراقي من مشكلات في الوقت الحالي؟
– من الطبيعي أن يواجه الفن، هنا أو هناك، مشكلات تعرقل من استمراره، لاسيما ما يعانيه العراق من أوضاع سياسية وأمنية لا تشجع على النهوض به بالمستوى المطلوب، لكن ومع ذلك، وبرغم تلك الظروف فإن بعض المحافظات في العراق شهدت حضورا فاعلا لأعمال الفن، ومنها النحت بالخصوص، مما يبشر بعافية الفن وحضوره، وإن كان بقدر ملحوظ .
* حصلت علي جوائز وتكريمات عديدة كيف كان شعورك بهذا التقدير؟
– حمدا لله أنني حصلت على جوائز وتكريمات عديدة، تؤكد حضوري الفاعل في ساحة التشكيل العراقي المعاصر، وفيها إدامة لعطائي الفني المتواصل. ولعل أبرز جائزة حصلت عليها هي (جائزة الإبداع والابتكار وبراءة الاختراع) من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، من خلال مشاركتي بمعرض شخصي أقمته في أبو ظبي ونلت عنه الجائزة الأولى، بمسماها المذكور، على الجامعات العراقية، والمذكور تفصيلها في ال c.v الخاص بي. المعرض كان تحت عنوان (من سحر أساطير الطين) 2015.
* قمت بالتحكيم في فاعليات كثيرة من خلال ذلك هل يمكن القول أن الفن التشكيلي يتطور ويصر علي البقاء؟
– نعم قمت بالتحكيم في فعاليات فنية عديدة، داخل العراق وخارجه (أحدها في ليبيا عام 2000)، وكانت فرصة طيبة للتعرف على انجازات فنانين بمختلف الأعمار، ومن أجيال مختلفة، مما يعني أن الفن مسيرة حافلة بالتقدم والعطاء في بلدنا العراق، رغم الظروف الصعبة التي نعيشها، لكن إصرار الفنان العراقي على تقديم عطائه الفني بقي ويبقى راكزا وفاعلا مهما كانت الظروف.
* مع المعارض الكثيرة التي أقمتها واشتركت فيها هل يمكن القول أن هناك جمهور واعي من المتلقين للفن التشكيلي؟
– في حقيقة الأمر، ومن خلال ما أقمته من معارض شخصية وجماعية، فإن هناك جمهور محب ومتابع للفن وعلى جميع الأصعدة، أي ليس الفن التشكيلي فحسب، بل وحتى المسرحي. مما يعني أن الفنون في العراق بعافية رغم ما يعانيه البلد من تقلبات وظروف غير ملائمة، فهناك جمهور واعي ومتابع ونوعي في حضوره وذائقته الجمالية.
– حاصل على جائزة فعالية النحت العراقي المعاصر ٢٠٠٨م
– حاصل على درع المهرجان الثقافي الأول- تمصير الحلة- ٢٠٠٧.
– حاصل على وسام يوم الشهيد العراقي في ٢٠٠٦- ٢٠٠٧.
– من أعماله نصب فنية تناولت نحت الحرف العربي وعمارة الشناشيل
والموروث الحضاري العراقي.