خاص : حاورته – سماح عادل :
“علاء مشذوب”، كاتب عراقي.. نال شهادة الدكتوراه في الفنون الجميلة عام 2014، وكتب بحوثاً ودراسات عديدة في مجال إختصاصه.. توالت مجاميعه القصصية: (ربما أعود إليك) عام 2010، و(الحنين إلى الغربة) عام 2011، و(زقاق الأرامل) عام 2012، و(خليط متجانس) عام 2013، و(لوحات متصوفة) عام 2017.. وفي الرواية، بدأ مع روايته (مدن الهلاك ـ الشاهدان) عام 2014، و(فوضى الوطن) عام 2014، و(جريمة في الفيس بوك) عام 2015، و(أدم سامي ـ مور) عام 2015، و(إنتهازيون … ولكن) عام 2016، و(حمام اليهودي) عام 2017، و(شيخوخة بغداد) عام 2017.
إلى الحوار:
(كتابات) : كتبت القصة القصيرة والرواية.. أيهما تفضل.. وهل تعد القصة مرحلة تمهيدية للرواية ؟
- أنا لا أفضل، وإنما إميل إلى كتابة الرواية.. لأني أعتقد أنها ذات فسحة كبيرة تمنحني فرصة الكتابة بطريقة أكثر إسترخاءً لما يمر به العراق من محن وكوارث على مدى تاريخه الحديث، العراق بلد النكبات والانقلابات والحروب والحصار والإرهاب.. منه ينبع الفكر ومنه تنبع الفتن، نعلم جيداً أن من العراق إنبثقت أغلب المذاهب الإسلامية وعادت عليه بالوبال.. كما إنبثقت منه المدارس الشعرية وتحولاتها، حتى أصبحت تأخذ بخناقه ولا يستطيع مغادرتها.
لا أعتقد أن القصة هي مرحلة تمهيدية للرواية، فلكل منهما طريقة كتابة بالرغم من أنهما ينتميان إلى جنس أدبي واحد، ولكن القصة تميل إلى قص حياة قصيرة لحدث واحد في زمن نحتاج إلى أن نحكي عن العراق مؤلفات من الألم.. لم تكن أية مرحلة من المراحل التي مرّ العراق بها قصيرة، فكل الجراح في بلادي عميقة، منذ انقلاب “عبدالكريم قاسم” مروراً بالبعث الصدامي ومن ثم صفحة الإرهاب والفساد.
(كتابات) : في رواية (آدم سامي – مور) رجعت للحضارة القديمة كمصدر قوة للإنسان المعاصر وطريق للعودة إلى ذاته.. حدثنا عنها ؟
- الحضارة العراقية مظلومة جداً لعدة أسباب.. منها من نبع من الحضارة نفسها في كونها كانت من طين لم تصمد أمام غبار الزمن والتعرية، ومنها لما تعرض له العراق من غزوات إبتداء من كورش الفارسي (539 ق. م). وحتى داعش (2014 م)، وما بينهما من النهب الفرنسي والألماني والأميركي والعثماني الأكثر تعسفاً، مروراً بإهمال الحكومات الوطنية.. أما السبب الثاني فإني أعتقد أن الراوي العراقي قليلاً ما وظف هذه الحضارة العريقة في نصوصه الروائية، وبالتالي كانت ضرورة أن أبدأ بتوظيفها في نصوصي الروائية الثلاثة (آدم سامي – مور)، الذي يحكي قصة الحضارة الأولى التي تناقش بداية الأديان، ونهب الآثار من قبل العالم (وولي)، مروراً بالجزء الثاني (بابل سامي – مور)، الذي يناقش فسحة التسامح الديني داخل معبد (اساكيلا) وتنوعها مع بداية “إبراهيم” وتبشيره بعبادة القمر أو الإله “سين”، ونهب الآثار من قبل (روبرت) الألماني، وصولاً إلى الجزء الثالث (آشور سامي – مور)، التي تتكلم عن نهب حضارة “آشور”، من قبل زوج الروائية “آغاثا كريستي” وهو العالم (مالوان).. وفي هذه الأجزاء الثالثة أحاول أن أسلط الضوء على الحضارة العراقية، بعد أن وجدت أنها أفضل وأقرب طريقة لإزاحة الخمار عن مكنونات الحضارة العراقية لجيل لا يعبأ كثيراً بتاريخه الحضاري والثقافي. إضافة إلى ثرائها السردي.
(كتابات) : في رواية (حمام اليهودي).. لما فكرت أن تحكي عن اليهود العراقيين وعلاقتهم بالواقع السياسي الاجتماعي في فترة كانت مأزومة وشائكة ؟
- كوني أكاديميًّا ومطّلعاً على المدارس النقدية.. فأنا مدين لـ”جاك دريدا” في تفكيك كثير من البنى المغلقة، وتسليط الضوء على المسافات الرمادية بين الألوان الأساسية، ولأن زمننا هو زمن المهمش والضعيف والقابع في الشوارع الخلفية، زمن الأقليات الدينية والقوميات الصغيرة، ولأن اليهود هم جزء من قوام الشعوب العربية، ولكي أثبت للكثير أن “مدينة كربلاء” ذات الطيف الواحد، كما يشاع عنها، هي مدينة كل الأديان والطوائف والقوميات، وليست مدينة مغلقة على طائفة مسلمة واحدة، لكن المشكلة عند البعض أن كلمة اليهود تخلق عندهم حساسية مفرطة، بالرغم من أن الله خصهم في كثير من السور والآيات في قرآنه الكريم دون حرج، ربما لأنهم لا يفرقون بين الصهاينة مغتصبي الأرض والمقدسات وبين اليهود كديانة توحيدية، علماً أن في زمن “البعث”، المقبور، كان يمنع التطرق للأقليات والأديان الأخرى، وربما سنجد في قابل الزمن أن الحديث والكتابة عن “المسيح” تخلق عندهم حساسية، وكأنهم ليسوا جزءاً من شعب العراق وتعرضوا على يد “داعش” إلى القتل والتهجير أسوة بأخوتنا من الأيزيديين والتركمان والكاكائيين وغيرهم من الأقليات والأديان الأخرى.
فيما يخص الجزء الأخير من سؤالكِ – مأزومة وشائكة – أعتقد أن العراق والوطن العربي، عبر تاريخه الحديث، هو دائماً يعيش الأزمة بل هو يقتات عليها ليجد مبررًا لبقائه، وبالتالي متى نكتب عن تفاصيل مجتمعاتنا دون أن نعبأ بالساسة والموتورين ومن يشعرون بالخوف بمجرد ذكر الآخر، الآخر ليس هو الجحيم، بل الصنو والقرين الذي تمتد جذوره إلى آلاف السنين في العراق والوطن العربي بالعموم.
(كتابات) : في رواية (شيخوخة بغداد) حكيت عن العراق قبل الغزو وبعده وكيف أن الأحوال لم تتحسن.. حدثنا عن ذلك ؟
- إذا أردنا أن نرجع قليلاً للوراء، وعند منتصف القرن المنصرم، فإن العراق عانى من شيخوخة الوجود وهو في قمة شبابه، عندما حدث الانقلاب العسكري على العائلة المالكة وفتحت بوابة الدم ولم تغلق أبداً، لتتبعها جمهوريات عاهرة، ولكن رغم العهر الذي مرَّ به العراق إلا أن الكارثة بدأت تظهر للعيان في الحرب العراقية الإيرانية، عندما تعطلت الحياة وأصبح كل شيء مسخرًا من أجل الحرب، ليتبعها الحصار المقيت، كان الجميع يزرع في قبوه نبتة صغيرة في أصص مكسور اسمه الأمل إن يأتي التغيير ويكبر الحلم ليزرع بهجة، وحدث بعد أكثر من ثلاثين سنة، ولكن للأسف أصيب الجميع باليأس بعد أن عم الإرهاب والفساد بكل نواحيه قوام الحكومة والدولة والمجتمع.
أحاول في روايتي (شيخوخة بغداد)؛ أن أبرز الجانب المظلم الذي كان يعيشه الإنسان العراقي أثناء الحرب والحصار في مقابل الجانب المظلم الآخر بعد التغيير في شخصية الفرد العراقي، في روايتي أردت أن أقول: إن التغيير دائماً في غير صالح العراق والعراقيين، فلا جمهورية الفوضى في زمن “قاسم” كانت نافعة، ولا جمهورية “البعث” المظلمة، كانت ذات جدوى سوى الحروب والإقتتال والمشانق والتغييب والإرهاب النفسي والمعنوي، فما أن دخل رأس العراق في الحصار حتى ذاق شعبه الذل والهوان والهجرة، كان أكسيره الوحيد هو الصبر غير المجدي والأمل المزروع في بحيرة آسنة، لتشرق شمس التغيير بعد عام 2003، وتبرز الميليشيات بأنيابها الحادة وتنهش بالعراق وأهله، ويعم الفساد في كل مفاصل الدولة والحكومة.
(شيخوخة بغداد) هي شاهدة على العصر، عندما أعلنت الطائفية بكل وقاحة عن وجهها الدميم ليتقاتل الشعب فيما بينه، وخرجت الأصوات النشاز التي تدعو إلى تفتيت البلاد والعباد. لم يكن أمام العراقيين إلا الهجرة، وهي لم تكن بالطريق السهل، بل عانى العراقي الإبتزاز والنصب والإحتيال من عصابات ونصابين وهو يجازف بحياته وعائلته من أجل التخلص من الطائفية المقيتة، التي عصفت ببغداد وأهلها والتي تمر بالعراق.
(كتابات) : في رواية (شيخوخة بغداد) صورت كيف يكون إحساس الغربة عن الوطن موجعاً.. ماذا يعني لك الوطن ؟
- للوطن مفاهيم سيالة تتغير، بتغير الأوضاع السياسية والاقتصادية، من قبل كان هو عبارة عن رقعة جغرافية وناس وجيش. وبعدها كان المقدسات وتاريخ الأجداد والحضارة من الآثار والتراث، هو نبع الذكريات والتفاصيل الصغيرة. ولكني أعتقد اليوم أنه مجموعة من الحقوق والواجبات. الوطن الذي يجعل من المواطن بقرة حلوباً وقرباناً لنظامه السياسي ليس بوطن.. والوطن الذي تحكمه طغمة من الفاسدين وظيفتهم النهب والسلب ليس بوطن، بل ضيعة بدون راع.. لم يكن أمام شباب العراق غير الهجرة، وتفاجأ أغلبهم بالحياة الكريمة والأمان والضمان النفسي والاجتماعي والصحي، ولأنهم لم يستطيعوا أن يفارقوا واقعهم، أطلقوا عبارتهم البائسة، (وجدنا الإسلام ولم نجد المسلمين)، وكأنهم يحملون قالباً ثابتاً يريدون تفصيل الأشياء على مقاسات مفاهيمهم، ولذلك تجد أغلبهم يعيش التناقض بين البقاء وهو يرى نظيرته الفاشلة التي يعتقدها في رأسه تطبق وتنجح، وبين الواقع الذي إنبثقت منه نظريته ولم تنجح، مشكلة العربي المسلم يعتقد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة بإعتناقه الإسلام، ولذلك نرى الفشل مزامناً له أينما حل، ولكن متى ما فصل بين الدين والدنيا أستطاع أن يتأقلم مع أي مجتمع يعيش وسطه.
(كتابات) : في رأيك هل تطورت الرواية العراقية بعد 2003.. ولما ؟
- أعتقد أن الظروف لم تكن موائمة في الزمن الذي سبق عام 2003، بسبب السياسات الفاشلة التي حكمت البلد، في مقابل وجود طاقات هائلة وكبيرة في بلد يتجاوز نفوسه الثلاثين مليوناً، ولكن كان كل شيء محظورًا باستثناء طرح ومناقشة الحب والمشاكل الاجتماعية، ولكن بعد التغيير إنفلت الوضع في العراق مثل ماء محبوس خلف سد عظيم وأنكسر، نحن نعيش زمن الفوضى، ولكني مؤمن أن العمل الجيد يثبت وجوده، وخير دليل أن الرواية العراقية وبالرغم من الحصار المفروض على الكتاب العراقي منذ بداية التسعينيات إلا أنه نافس وحصل على أعلى الجوائز العربية في “قطر والإمارات والكويت ومصر والمغرب”.
ومع كل هذه الفوضى، ثمة أسماء عراقية ممتازة شقت شرنقة الخوف وأخذت تتصدى للمشهد الروائي في البلد؛ وتنتج أكثر من رواية في العام الواحد، وأنا أراهن على أن الرواية العراقية ستحصد أعلى الجوائز العربية والعالمية في قابل الأيام، بالرغم من تسييس أغلبها، لكن الروائي العراقي يصر على الكتابة والتنافس والفوز.
(كتابات) : في رأيك هل لابد أن يعبر الأدب عن الواقع ؟
- بل من شروط الأدب أن يكون جزءاً من واقعه ليعبر عنه.. وفي هذا المجال أتذكر مقولة لـ”غارودي”: حتى الأحلام تنبع من الواقع. حتى الخيال العلمي في السينما هو ينتمي للواقع، إذ لا يمكن لأي نص روائي سينمائي مسرحي تشكيلي أن يصمد إذا لم يناقش قيماً إنسانية، وإلا ما الجدوى منها.
يسعى الأدب في العموم إلى تغليف ما يحيطه بصبغة إنسانية ليكون جزءاً منه وواقعه، فالروايات التي تتكلم على لسان الحيوان أو النبات أو التي تتخذ من الأشكال الكارتونية والدمى والكائنات الفضائية هي في الحقيقة تناقش الواقع البشري المعاش، وإلا ما فائدة أدب يناقش مشكلة السكن في القمر، أو العطش في المريخ، أو الحياة على ظهر كوكب الشمس !.
(كتابات) : هل يواكب النقد في العراق حركة الأدب المتطورة ؟
- النقد أسوة بالآداب الأخرى؛ يعيش فوضى التشظي والضياع، كما هو شأن الرواية.. والمشكلة هنا ذات شقين، يكمن الأول في النقد نفسه من كونه يعيش حالة تنقل مستمر من مدرسة إلى أخرى، فما أن تنبت أسنان “المدرسة البنيوية”، حتى ينتقل إلى “مدرسة التفكيك” لتتبعها “المدرسة السيميائية”، ومن بعدها “مدرسة النقد الثقافي”، لتأتي “مدرسة الحداثة”، وما أن تقر حتى تأتي “مدرسة ما بعد الحداثة”، لنتيه في الـ(ما بعديات)، ليموت الإله والمؤلف والناقد… الخ، والشق الثاني يكمن في الناقد نفسه، كون الجامعات العراقية الرصينة هي الخلية المنتجة للنقاد الأكاديميين، لكنهم يرفضون مغادرة الشعر القديم وشعر النثر، إذ ما زالوا يعيشون زهو الشعر الذي يعتقدونه خير من يمثل البلد والإنسان، ولوجود النقود الجاهزة لها، وخير مثال هو الشاعر “المتنبي” و”الجواهري” و”السياب”، إضافة إلى الأسماء اللامعة في سماء الشعر.. والسبب الثاني أن ذائقة أغلبهم مازالت سبعينية، ولذلك فإن أغلبهم يزدرون رواية ما بعد عام 2003، وما أن تفوز أية رواية في مسابقة عراقية أو عربية عالمية سرعان ما يتهافتون عليها ليكتبوا ويتغنوا بها، وربما السبب أنهم ينتظرون إعتراف الآخر بها دون أن يمتلكوا القدرة على الإعتراف برواية تمثل واقعهم.
(كتابات) : هل واجهتك صعوبات في النشر.. ولما ؟
- كارثة دور النشر في العراق أن ليس هناك ما يستر عورتها.. فالعراق قبل عام 2003، كانت فيه أغلب دور النشر مرهونة بيد الحكومة، ولكن بعد التغيير نبتت أسماء في عالم النشر، وأغلبهم واجهة لمطابع في بيروت، وبسبب عالم النت والتواصل أستطاع المؤلف العراقي أن يصل إلى “عمان وبيروت والقاهرة ودمشق”، وكان فريسة سهلة الإصطياد، لأنه يبعث بمخطوطته ومن ثم المبلغ بالدولار، وبعدها لا يجيب صاحب دار الطبع على تساؤل صاحب المخطوطة لتتعفن مخطوطته في الحاسوب؛ وإن طبعت فتبقى في المخازن إلا ما رحم ربي، إضافة إلى التعامل السيِّئ من أغلب دور النشر وبالخصوص الدور العريقة التي تصر على أن الواقع العراقي الثقافي يجب أن يكون مستهلكاً للرواية العربية، وليس منتجاً لها لينافس أقرانه من الروائيين، وأجزم أن هناك دورًا عربية رصينة ترفض أن تطبع للروائي العراقي تحت أي ذريعة وحجة، حتى إذا ما تجاوز كل العقبات التي وضعتها، تطالبه بأن يدفع أموالاً مقابل الطباعة، بالرغم من أنها تطبع للروائيين العرب وتعطيهم نسبة من الأرباح. ناهيك عن الضحك على الذقون من إدعاء صاحب الدار من إنه يطبع ألف نسخة مقابل (1000 – 2000$) وفي الحقيقة لا يطبع أكثر من (250 – 500) نسخة وترسل للمؤلف 200 نسخة في أقصى حد.
(كتابات) : هل تلقى الرواية العراقية التقدير الذي تستحقه في باقي البلدان العربية.. ولما ؟
- لا تلقى الرواية العراقية التقدير في البلدان العربية.. إذ مازالت الحكومات العربية تنقم على الحكومة السياسية العراقية بعد عام 2003، لإعتقادها أنها تنتمي إلى إيران أو موالية لها، وهذا ينعكس على شعوبها في تلقي المنتج العراقي، أنا زرت “القاهرة وبيروت”، عندما ألتقي بالفكهاني والعطار وسائق التاكسي أجدهم يترحمون على “صدام حسين”، لأنهم صدى لإعلام حكوماتهم، ولما كانت الرواية العراقية تحكي قصة سجنها في زنازين حكومة “البعث” وقهرها، تحكي قصة ذبحها في الحرب والحصار، فإن المزاج العربي يرفض مثل هذه النصوص، لأن “صدام” كان يتبرع بالأموال للفلسطينيين مقابل تجويع الشعب العراقي، يتبرع في بناء مكتبة الإسكندرية بينما العثة والأرضة تأكل مكتباتنا، يهدي الطائرات إلى اليمن في الوقت الذي كانت فيه شوارعنا غير معبدة، يهدي الأموال للسودان بينما الشعب العراقي يعيش الجوع.
في زمن الثمانينيات كانت الجاليات العربية تعيش في العراق؛ تحميهم مقولة (من يعتدي على عربي فأنه يعتدي على صدام حسين)، كيف لمثل هؤلاء الذين يعتقدون بأن “صدام حسين” شهيدٌ يؤمنون أو يقرؤون لشعب عانى الويلات منه.
إن المزاج السياسي للحكومات العربية، يتحكم بمزاج شعوبها، هي من أمدت “صدام” بالأموال والسلاح لتديم الحرب، وكان الشعب قربانها، هي من أطبقت الحصار على العراق وأحكمت المقصلة على شعبه وهي من تندب حظها، والمنتج العراقي هو الضحية، وكل هذه الأسباب السياسية تنعكس جلياً على المنتج العراقي. وكثيراً ما أقترحت، في الصحف وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن نعامل بعض دور الطباعة والدول العربية بالمثل، فنحن شعب تجاوزت نفوسه الـ (35) مليون وقادرون على أن نكتب وننتج النص ونتداوله داخل دولتنا، ونعلن جائزة ذات قيمة مالية عالية، ولكن دون جدوى، أعتقد أن الحكومة لو منعت دخول إصدارات دار النشر والتوزيع (س) إلى العراق، فستكون عندها مضطرة أن تطبع لمبدعيها وعندها تتحقق الغاية، أو لو منعت الدار (ص) من المشاركة في معارضها الدولية السنوية بشرط أن تطبع لمبدعي العراق، عندها ستكون مضطربة لطبع منتجات مؤلفيها.
كل الدول العربية تعمل بهذه الصيغة، (الفائدة المتبادلة)، وأنا متابع جيد للكتب التي تطبعها الدور العريقة في بعض البلدان العربية، أجدها دائماً تنوع في مطبوعاتها لمبدعي الدول العربية التي تشترك في معارضها. وأطلب من حضرتك أن تأخذي أي دار عربية وتطلعي على مطبوعاتها؛ ستجدين أنها تطبع لأغلب مبدعي الوطن العربي، باستثناء المبدع العراقي، وهنا لا أقصد الطبع مقابل المال. هناك قصدية في عدم طبع المنتج العراقي (!؟).