خاص : حاورتها – سماح عادل :
(ديما محمود) شاعرة وكاتبة من مصر.. صدر لها ديوان (ضفائر روح)، 2015، وديوان (أُشاكس الأفق بكمنجة)، 2017.. تتميز قصائدها بلغة خاصة تحرص على انتقاء مفرداتها بعناية، مفردات تحمل إيحاءات وتفيض بالدفقات الشعورية، كما أنها تنظر للعالم نظرة مغايرة تنعكس على طريقة تناولها له في القصائد، فعالمها مليء بالتناقضات فهو يحوي المرح والحزن، الصخب والهدوء، البطء المحبب والسرعة المفرطة.. تحاورها (كتابات)…
(كتابات): ماذا تحقق لكِ كتابة الشعر.. ومتى بدأ شغفك بالكتابة ؟
- في حوار مشابه أجابت الروائية الأميركية “غيش غين”، عن سؤال كهذا قائلة: الأكل والنوم والكتابة؛ أمورٌ تسير جنباً إلى جنب. إنني لا أفكر لماذا أتنفس ؟.. كذلك لا أفكر لماذا أكتب ؟.. فغياب الكتابة أمر سيء تماماً كما هو عدم التنفس.
وحتى لا تبدو الإجابة بالنسبة لك هروباً ما، فإن العالم بالنسبة لي لعبة كبيرة أعيد تشكيلها وتركيبها بيد ثائر وقلب طفل وحكمة نبي !.. وعن بدايات هذا الشغف فأظنه رافقني منذ سنوات عمري الخُضر.
(كتابات): في ديوانك (أشاكس الأفق بكمنجة) اللغة مميزة.. هل تختارين الكلمات المحملة بالإيحاء وتسعين لخلق لغة مختلفة لك ؟
- الشعر هو بناء لغوي أولاً وأخيراً يختلف بالانزياح فقط عن اللغة التواصلية.. لذا على الشاعر ألا يستلم قاموسه من شاعر سابق بل عليه أن يخلق لغة جديدة، لا أقصد هنا اختراع لغة بالطبع ولكن زلزلة الدلالات، فالشعر منذ “رامبو” لم يعد غنائياً ولكن أضحى الشعر “نقدياً”، بتعبير”غون كوهين” في كتابه (اللغة العليا)، وعلى هذا الأساس كان لا بد لي من اكتشاف لغة جديدة قادرة على استيعاب ما يدور في نفسي وذهني، فالشاعر لا بد أن يعارك لغته يومياً، وإلا فقد حكم على نفسه بموت غير رحيم.
(كتابات): في ديوانك (أشاكس الأفق بكمنجة) امرأة تستمتع بالحياة بنهج مختلف عن المألوف.. حدثينا عن ذلك ؟
- طبيعي جداً أن أستمد مادتي مما أعيشه.. ولا فرق بين ماء الكتابة وماء الحياة، فالقارئ وإن اختلف مع الشاعر في رقعة ضيقة كالإبداع، فإنهما يتشاركان رقعة أكبر بكثير.. ألا وهي الحياة.
فالأمر سيان بالنسبة للشاعر والمتلقي، وهو مردود للتخييل، فقد نرى مشاهداً منفرة وقميئة في الحياة، وعندما ننقلها إلى الورق تصبح جميلة بفعل تلك القوة وحدها.
(كتابات): في رأيك هل يوجد نقد عربي للشعر يواكب الإنتاج المميز والغزير للشعراء ؟
- يواجه النقد العربي أزمة يعرفها الجميع.. ففئة من النقاد نقلت منذ سنوات طويلة كل ما جاد به الغرب في حقوله الفكرية، دون تدقيق أو تحليل أو فهم كامل، وعلى النقيض ستجدين فئة أخرى غرقت في التراث ردحاً من الزمن ولم تخرج إلا بكلام مكرور، رتيب لا يسمن ولا يغني من جوع، أما الفئة الثالثة التي وقفت بين هاتين الفئتين، فقد حاولت الجمع بين التراث والنظريات النقدية الغربية المعاصرة، فوجدت هوة كبيرة لم تستطع حيالها شيئاً.
والحل من وجهة نظري يكمن في “الجامعات”، فعلينا أن نمد يد العون إلى شباب الباحثين الجادين في هذه القلاع العلمية، لأنها فضاء التجريب الوحيد الذي سيسمح لنا بإنتاج نظرية نقدية عربية خالصة وغير مهجنة.
(كتابات): ما رأيك في حال الثقافة بمصر ؟
- ربع سكان مصر يعانون من مشكلة الأمية فلا يستطيعون القراءة والكتابة، لذا أظنه ترفاً أن نتحدث عن الثقافة في مصر دون الحديث عن التعليم أولاً.
لكن سننحي التعليم جانباً ونتحدث عن الثقافة كما طرحتِ في سؤالك، والحل ذكره “طه حسين” في كتابه المنسي (مستقبل الثقافة في مصر)، حيث قال إن أرادت مصر أن تستعيد دورها الريادي الثقافي عليها أن تتواصل مع المجتمعات الأوروبية المتوسطية وهذا للأسف الشديد لا يحدث.
(كتابات): ما رأيك في حركة النشر وهل يحتفي الناشرون بالشعر ؟
- حركة النشر في مصر لا تسر أحداً، فإن لم تدفعي مبلغاً كبيراً لدور النشر الخاصة لن تنشري كتابك، وعليك حينها الانتظار طويلاً في طابور المؤسسات الحكومية.
الناشرون مع كامل احترامي لهم يهدفون إلى الربح، فيتجهون دوماً إلى طباعة الروايات.. والرواية كما تعلمين تصل إلى شريحة أكبر من الجمهور، لأن الشعر بالنسبة لهم يظل فناً نخبوياً، لكن في ظل “فيس بوك” يؤكد الشعر دوماً أنه القادر على هضم كافة الأشكال الأدبية الأخرى، والوصول بكل سهولة إلى قطاع أعرض.
(كتابات): من هم الشعراء الذين تفضلين وربما أثروا بك ؟
- قرأت ما يجعلني أقول بثقة: أنني أفضل الألماني “ريلكه” على غيره ممن قرأت لهم.. وأجدني أقول كثيراً قولته الخالدة لنفسي: “والعشاق لو عرفوا/ لقالوا أشياءَ عجيبة في هواء الليل/ لأن كل شيء يبدو أنه يحجبنا/ أنظر، الأشجار موجودة، والبيوت التي نسكنها لم تزل قائمة/ نحن وحدنا نعبر كل شيء كهواءٍ خلف هواء”.
(كتابات): رغم غزارة الإنتاج في الوقت الحالي إلا أن أسماء الشاعرات لا تبرز مقارنة بالشعراء.. هل هذا صحيح ؟
- أتفق معك.. ولكن ليست المسألة كماً، المسألة طوال الوقت تُحسَب كيفاً. فكما يوجد شعراء مجيدون توجد أيضاً شاعرات مجيدات. ما علينا التساؤل بشأنه هل يوجد نص كبير في ثقافتنا قادر على مجابهة قبح العالم ؟.
في حال وجود مثل هذا النص سنصفق جميعاً له وسنفرح به غير عابئين بجنس صاحبه، سواء كان رجلاً أو امرأة المهم أن يُكتَب فقط.
(كتابات): هل يعاني الكاتب في البلدان العربية ولا تلق كتابته الاهتمام الكافي بعزوف المجتمع عنها وكأنها ترف زائد ؟
- يعاني الكاتب منذ القدم بشأن كتابته.. فهذا “مالارميه”، على سبيل المثال، يقول: “الفنان غريب في المجتمع الذي ينظر إليه نظرته إلى العاطل، وليس أمام الفنان في مثل هذا المجتمع إلا أن يقضي حياته الوحيدة في شيء واحد،هو نحت قبره، وأن يبذل جهده في شيء واحد، أن يكون هذا القبر جميلاً، لأن الفن نوع من الموت..” !
وأنا بدوري أتفق مع “مالارميه”، فنحن شئنا أم أبينا نعاني هذا الاغتراب المجتمعي، فما بالك بأحاديث النفس التي تنبئ الكاتب كل لحظة أنه صار شظية مهشمة، وترساً في آلة ضخمة كبيرة نتيجة انقياده لسلطة المجموع.