15 نوفمبر، 2024 10:26 م
Search
Close this search box.

مع كتابات..”دلشا يوسف”: الكتاب الكورد يبدعون بلغتهم الأم في دول اللجوء

مع كتابات..”دلشا يوسف”: الكتاب الكورد يبدعون بلغتهم الأم في دول اللجوء

خاص: حاورتها – سماح عادل

“دلشا يوسف” شاعرة مترجمة وصحفية كوردية سورية تترجم بين أربعة لغات هم الكردية، العربية، التركية والسويدية، صدر لها العديد من المجموعات الشعرية والكتب المترجمة.

كان لي معها هذا الحوار الشيق:

* حصلت على جائزة الإبداع الأدبي لعام 2011 من قبل اتحاد الأدباء الكورد في إقليم كوردستان- فرع السليمانية. كيف كان إحساسك بالجائزة؟

– عند حصولي على جائزة الإبداع الأدبي من اتحاد الكتاب الكرد في إقليم كردستان، غمرني شعور لا يوصف من السعادة والفخر، لأننا كأدباء كرد مقموعين في بلدنا سوريا ولم تكن توجد مساحة حرة للإبداع الكردي ولا لتقييمه وتكريمه. ولهذا انفتاحنا على الجانب الكردي الآخر في الجزء الحر جزئيا وأعني به إقليم كردستان كحكومة وكيان شبه مستقل، يعني الشيء الكثير للكتاب والأدباء الملاحقين أمنيا والمضطهدين في بلدانهم الأخرى لسبب وحيد أنهم كرد ويكتبون باللغة الكردية، حيث يعيش الكردي على جغرافية مجزأة عنوة بين أربعة دول (تركيا، سوريا، إيران والعراق).

* شاركت في مشروع “أصدقاء اللغة الأدبية” مع مجموعة من الأدباء السويديين والكرد والعرب، برعاية دائرة تطوير المكتبات في إقليم سورملاند- السويد 2017- 2019.. حدثينا عن هذا المشروع وأنشطته؟

– بالنسبة لي كشاعرة وكاتبة ووافدة جديدة للسويد، كان هذا المشروع الذي شاركت فيه مع مجموعة معروفة من الكتاب السويديين وشعراء آخرين معروفين من القوميات المختلفة، بمثابة بوابة للدخول إلى المجتمع السويدي والاندماج فيه. حيث تتم ترجمة القصائد من اللغات المختلفة إلى السويدية وبالعكس من السويدية إلى اللغات الأخرى، ونشارك في مهرجانات وأمسيات أدبية متسلسلة في جميع مناطق الإقليم المترامي الأطراف والذي يضم مدنا وبلدات كثيرة، ويعتبر من أكثر المساحات السكانية كثافة في وسط السويد.

هذا المشروع الذي كسب صدى واسعا في الوسط الثقافي السويدي وفتح الطريق أمام الأدباء الوافدين الجدد. كان بمثابة احتفاء كبير بالأدب والأدباء، ودعم ورسالة واضحة لهم أنهم مرحبين في بلدهم الجديد وبإمكانهم الاستمرار في مجالهم الإبداعي وتمكينهم للوصول إلى الموارد والمؤسسات الثقافية. عملياً ومن خلال المشروع تعرفنا على الأدب السويدي عن قرب وكان هناك فرصة للمقارنة بينه وبين آداب الشعوب الأخرى. وكذلك منحنا (هذا المشروع) فرصة للتعرّف على المترجمين الذين سيفتحون لنا أبواب أوسع في مجتمعنا الجديد فيما بعد.

* شاركت بقصائد في أكبر مهرجان ثقافي في السويد (الشعب والثقافة) في دورتين 2021-2022. هل ساعدتك إجادتك للغة السويدية على عمل تفاعل ثقافي في موطنك الجديد؟

– بدون شك اللغة مفتاح التطور والاندماج في أي مجتمع. منذ بداية قدومي للجوء في السويد، أي في نهاية عام 2015، خططت عمليا للدراسة بهذه اللغة. حيث كنت أعمل بدوام كامل كمعلمة للغتين الكردية والعربية في وزارة التربية السويدية، وأدرس اللغة السويدية في المساء وأشارك في النشاطات الأدبية والثقافية المختلفة. وكل هذا كان له أثر إيجابي كبير في تحسين لغتي من جهة والانخراط سريعا في الحياة والاندماج الاجتماعي.

* ماذا يعني الشعر بالنسبة لك وكيف تعبرين فيه عن ذاتك؟

– الشعر بالنسبة لي هو المسافة الفاصلة بين الرغبة والحقيقة. ما دام لا يوجد نهاية لرغبات الإنسان للارتقاء بالأجمل، لهذا الشعر باقي.

الشعر وسيلتي الأجمل في وصف ما أؤمن وأعتقد به، إعلان لما أرفضه، بيان لما أدعي به. أطرح من خلال الشعر معايري وشرائعي في العلاقة مع الآخر، أرسم حدودي وسلطنتي.

 

* كيف هي صورة الرجل في شعرك خاصة أنك تكتبين شعرا عن الحب والمشاعر من بين موضوعات أخرى؟

– الرجل في قصائدي يظهر بأشكال مختلفة، فهو العاشق المحبوب إن قدّر ذاتي كامرأة ولم يعتد على حقوقي ومشاعري واستطاع أن يحترم ويجاري تطوراتي الشخصية والذاتية ويغذيها بمساندته وتناغمه ويحارب بقوة من أجل كسب صداقتي قبل أن يكون زوجي وشريكي. وتارة أخرى يظهر الرجل كعدو لدود، أقارعه بشدة عندما يأتي متسلطا مزهوا بذكوريته المتخمة بإرث عاف عليه الزمن، أدعوه للنزال والمقارعة ليتخلى عن رعونته وتسلطه. أنا لا أدعو في قصائدي إلى إلغاء الأقطاب والاختلاف بين الجنسين، بل أؤمن بتلاقيهم والتوازن الراقي بينهم لبناء علاقة جندرية سليمة وصحية.

* عملت في مجال الصحافة كيف كانت مسيرتك، وهل تعاني الصحافة في المنطقة من مشاكل؟

– مسيرتي الصحفية كانت مفعمة بتجارب منوعة، غنية ومثمرة دامت أكثر من ثلاثة عقود وتوقفت أو جمدت مؤقتا إثر لجوئي في مملكة السويد في نهاية عام 2015. حيث انقلبت حياتي رأسا على عقب. واللغات التي كنت أمارس بها عملي الصحفي وإرث كل تلك السنوات لم تسعفن على خوض الحياة والتحديات الجديدة في هذا البلد حيث من الصعب ممارسة الصحافة دون التمكن من لغة البلد. دخلت في معركة من نوع جديد، حيث تصب جلَ جهدي فيها على تعلم اللغة السويدية والاندماج في المجتمع الجديد.

عندما كنت في بلدي وبسبب تمكني من ثلاث لغات (الكردية والعربية والتركية) إلى جانب تمكني من لهجتين أساسيتين بين اللهجات الكردية الأربع، منحتني هذه اللغات مرونة ومساحة واسعة في العمل الصحفي. كنت أعمل في الفضائيات الكردية كمترجمة صحفية بين اللغات التركية والكردية والعربية، إلى جانب كتابة المقالات اليومية والزوايا الأسبوعية الثابتة في عدة جرائد كوردية وعربية. أتوق للعودة للعمل الصحفي وأعشقه، ولا أستطيع تصور نفسي بدونه ولكن الحروب والنزاعات تقلع كل شيء من الجذور وتقضي على كل شيء ينبض بالحياة.

للأسف إن العمل الصحفي تراجع في السنوات الأخيرة في منطقتنا. حيث أن الحروب والنزاعات الطويلة الدائرة عمقت الخلافات الإجتماعية والثقافية. والأزمات الاقتصادية المتتالية أيضا كان لها الدور الكبير في تراجع الصحافة الحرة لصالح الصحافة المقيدة والموّجهة من قبل الأنظمة التي تملك الموارد الاقتصادية وتدفع بسخاء للأقلام التي تخدم مصالحها.

إلى جانب إطغاء السوشيال ميديا بشكل مرعب بدون رادع ولا قوانين تنظمها. كل ذلك يدعو للهلع وترسم حالة من التيه الاجتماعي والثقافي. الصحافة برأيي هي بوصلة المجتمعات ونحن في بلداننا الشرقية عامة على وشك فقدان هذه البوصلة.

* تترجمين بين أربع لغات، كيف أجدت هذه اللغات ولما اتجهت للترجمة؟

– حبي لتعلم اللغات لا حدود له. الكوردية هي لغتي الأم التي عانيت من أجلها الكثير حتى أتقنتها وتعلمتها كتابيا وقواعديا. أكتب بها قصائدي حصراً وأبدع بها أكثر من أي لغة أخرى. فالكردية هي اللغة المحكية محلياً ولكن ممنوعة رسمياً في المدراس والجامعات والدوائر الرسمية للدولة في سوريا حيث نشأت. أما اللغة العربية فتعلمتها في المدارس الرسمية واللغة التركية تعلمتها بحب وجهد شخصي كبير مني، حيث كان أحد ركائز عملي الصحفي كصحفية مترجمة لسنوات عديدة وترجمت منها عدة كتب إلى الكوردية والعربية.

وأتقنت اللهجة الكوردية الوسطى (السورانية) والتي تتحدث بها عدد كبير من الشعب الكردي في العراق وإيران، وكان لي مشروع ترجمة كبير أثمر عن سبع كتب حتى الآن، وكان بمثابة جسر بين هذه اللهجة ولهجتي الشمالية اللتين تختلفان كثيرا عن بعضهما لغوياً وقواعدياً وكتابياً. والآن بعد جهد أكثر من 6 سنوات أتقن السويدية وهي أيضا تدخل حيز العمل بها في الترجمة.

سبب اتجاهي للترجمة إلى جانب الإبداع والعمل الصحفي هو إيجاد وسيلة لصقل مواهبي اللغوية وشحذها وتوظيفها في عمل مثمر. إتقان اللغات هبة كبيرة، فتحت أمامي أبوابا مشرعة أينما حللت. حتى في السويد وبعد عام من تواجدي في هذا البلد الجديد وقبل أن أتعلم اللغة السويدية، استطعت الحصول على عمل كمدرسة للغة الكردية والعربية في وزارة التربية السويدية. كل ذلك بفضل إتقاني للغات متعددة وبفضل الترجمة التي كان لها الدور الكبير في الحفاظ على الكلمة والذاكرة طازجة لدي دائما.

* هل الأدب العربي والكردي مقروء في الغرب وهل هناك إقبال من غير العرب والكرد على الاطلاع عليه؟

– الأدب العربي وبسبب عراقته وتطوره على جميع المستويات محليا وعالميا، لا يقل أهمية بين اللغات المقروءة والمترجمة في الغرب. ومع عبور أعداد كبيرة من العرب من مختلف أصقاع الدول العربية إلى الغرب بعد الربيع العربي والحروب الأخيرة، أصبحت اللغة العربية في مقدمة اللغات بين الجاليات الأجنبية في دول غربية عديدة، كمثال على ذلك في ألمانيا والسويد. هناك إنعاش وتزايد كبير في ظهور دور نشر وجمعيات ومنظمات ثقافية عربية، من ناحية إقامة المعارض (كمعرض ستوكهولم السنوي).

بالإضافة إلى معارض كتب دولية ومهرجانات أدبية إلى جانب إنعاش الترجمة الأدبية من وإلى اللغة العربية. من الملفت للنظر اهتمام الدول المضيفة بالتعزيز والتمكين الثقافي لجميع اللغات والثقافات دون اختلاف وتخصيص موارد ومنح خاصة للمبدعين والمترجمين والمشاريع الإبداعية.

أما اللغة الكردية، وبسبب ما تتعرض لها من سياسة الإبادة والانصهار الممنهج من قبل الحكومات المتعاقبة في تركيا وإيران وسوريا، لم تحصل على حقوقها على أرضها وجغرافيتها الأصلية. لهذا فإن الكتاب والأدباء الكرد يحصلون على حيز من الحرية والإبداع بلغتهم الأم الكردية في دول اللجوء. هناك إنعاش كبير في سوق الكتب والترجمة باللغة الكردية في السنوات الأخيرة أي بعد حملة اللجوء لأعداد كبيرة من الكرد من جميع أجزاء كردستان إلى الدول الغربية، نتيجة تعرضهم للقمع السياسي والثقافي في تركيا وإيران ونتيجة القمع والحرب معا في سوريا. الأدب الكردي يلقى اهتماما كبيرا في الأوساط الأدبية في الغرب. هناك روايات ودواوين شعرية كردية كثيرة ترجمت وتترجم إلى اللغات الغربية. ولدي أمل كبير أن تلقى اللغة الكردية اهتماما أكثر في السنوات القريبة الآتية، ليس في الغرب فقط وإنما في جغرافيتها الأصلية أيضا. حيث أن الشعب الكوردي يناضل وبقوة وبشتى السبل من أجل الحصول على حقوقه الثقافية ونيل الاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية ولغة التعليم في البلدان التي يعيشون فيها.

* هل توجد اختلافات بين الكتابة لدى النساء وبين الكتابة لدى الرجال في رأيك، وما هي ملامح هذه الاختلافات؟

– أنا لست مع تجزيء فعل الإبداع بين الذكر والأنثى. برأيي أن الإبداع فقط ما يميز بين الكتابة لدى المرأة والرجل وليس الجنس. ولكن أي قارئ متمرس يستطيع أن يفصل بين النصوص الأدبية المكتوبة من قبل النساء عن التي يكتبها الرجال. تظهر ملامح الاختلاف في أمور عديدة، منها طريقة معالجة المواضيع، نمط التعبير، السمات والمفردات والمضامين التي تظهر في مسار جمالي خاص.

وكذلك حساسية المرأة في التطرق أكثر لمواضيع وقضايا تؤرق ذاتها كالاضطهاد، القهر، الدونية وإبراز الهوية النسوية، حيث البطل على الأغلب أنثى. كما تظهر أيضا من خلال التابوهات اللغوية التي غالبا ما تكون طاغية على الكتابة لدى النساء.

* ما هو رأيك في مصطلح “الأدب النسوي” وهل تسعين في أدبك إلى الدفاع عن قضايا المرأة وحقوقها وكشف التمييز الواقع على المرأة في المجتمع؟

– مصطلح الأدب النسوي ظهر للوجود مع دخول النساء معركة الإبداع الأدبي بعدما كان حكرا على الرجال على مدى عصور طويلة. ملامح الاختلاف الواضحة بين الكتابة لدى النساء والرجال والتي ذكرتها في الجواب السابق، كان وراء إطلاق بعض النقاد لهذا المصطلح في بدايات نضوج تجربة المرأة إبداعيا. ولكن يبدو لي أن هذا المصطلح فقد بريقه وبهت بوجود الكم الهائل من الكاتبات الناجحات اللواتي خرقن جدار كل التسميات والمصطلحات النقدية القديمة، لتأخذ مكانها تحليلات نقدية أكثر موضوعية وعصرية، وبذلك تلقي الضوء على الموضوع وأسلوب التعبير أكثر من السمات والهوية الجنسية.

منذ بداية مسيرة حياتي العملية والأدبية كنت دائما وما أزال من أشد المدافعين عن قضايا المرأة وحقوقها. دائما انطلق من نفسي. فبقدر ما أحقق حريتي وحقوقي، بقدر ما أحقق ذاتي، بقدر ما أكون فعاَلة وقادرة على تغيير الواقع من حولي.

*هل تخافين من الكتابة بجرأة، وتشعرين أن هناك رقيب داخلي يمنعك من تجاوز القيود التي يضعها المجتمع والتقاليد؟

– رغم كل الثقة النفسية التي لدي وروح التحدي والقدرة على تجاوز الكثير من الصعوبات والعوائق الإجتماعية وكسر التقاليد البالية من نواحي كثيرة في حياتي الشخصية ومسيرتي الأدبية، نعم ما زال هناك بقايا الرقيب الداخلي يعمل تأثيره ولو بشكل هش ونسبي مما قبل.

* هل في رأيك يواكب النقد غزارة الإنتاج وهل يحتفي بإنتاج الكاتبات؟

– لم نعد نرى نقدا ونقادا حقيقيين في العقدين الأخيرين، حيث إن وفرة الموارد والسبل، سهل من الإنتاج الأدبي ونشره، وطغت غزارة الإنتاج على حساب النوعية، بحيث يصعب على النقاد وإن وجدوا مواكبتها. لذلك هناك خوف من أن تفقد الكلمة قيمتها وبريقها وهذا الأمر سيان في الاحتفاء بكل أنواع الإنتاج الأدبي وليس إنتاج الكاتبات فقط.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة