16 نوفمبر، 2024 4:34 ص
Search
Close this search box.

مع (كتابات) .. “داود الشويلي” : بعض الروايات العراقية كتبت بفنية عالية وترتقي إلى العالمية

مع (كتابات) .. “داود الشويلي” : بعض الروايات العراقية كتبت بفنية عالية وترتقي إلى العالمية

خاص : حاورته – سماح عادل :

“داود سلمان الشويلي” كاتب عراقي متميز ومتعدد المواهب، روائي وقاص وناقد أدبي كما أنه باحث متخصص في التراث، من الناصرية، حاصل على دبلوم هندسة كهربائية، ودبلوم عالي في العلوم الإسلامية، وهو عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين.

إلى الحوار:

(كتابات) : تتميز بغزارة الإنتاج الأدبي وتنوعه.. علام يكشف ذلك ؟

  • الإنتاج عندي يمثل حالة إبداعية صحية، وهو يتبع الذائقة الإبداعية الخصبة. فأنا أعد تنوع ذائقتي “الكتابية” – إذا صحت التسمية – بشتى الأنواع الأدبية والفكرية حالة صحية. أنا أجلس أمام شاشة الحاسوب لأكثر من 12 ساعة، وبعض الأحيان تصل إلى أكثر من عشرين ساعة، أقرأ وأكتب، وأفكر وأحلل فيما أقرأه، لذا تجدينني غزير الإنتاج ومتنوعه.

التنوع في الإبداع مرده إلى قراءاتي المتعددة والمتنوعة، علماً منذ أول كتابة لي وأنا متنوع الكتابة الإبداعية، فأنا أكتب الرواية ولا أقول أني أفضل الروائيين، ولي روايتين منشورتين ورقياً قبل عام 2003، وأربع روايات منشورة إلكترونياً، منشورة على المواقع الإلكترونية. وأنا كاتب قصة قصيرة ولي مجموعة قصصية مطبوعة قبل عام 2003، وأيضاً لي مجاميع قصصية أخرى منشورة على المواقع الإلكترونية.

وقد بدأت الكتابة النقدية منذ سبعينيات القرن الماضي، ودراساتي النقدية منشورة في الصحافة وفي المجلات العراقية والعربية. ولي دراسات في التراث الشعبي العربي منذ السبعينيات، ولي كتابين منشورين أحدهما نشر عام 1986 تحت عنوان: (القصص الشعبي العراقي في ضوء المنهج المورفولوجي)، والثاني عام 2000 نشر في اتحاد الكتاب العرب في سوريا تحت عنوان: (ألف ليلة وليلة وسحر السردية العربية).

ولي كتاب نقدي نشر عام 2001 تحت عنوان: (الذئب والخراف المهضومة – دراسات في التناص الإبداعي)، الذي أصبح مصدراً لكثير من الدراسات والبحوث والأطروحات في مرحلة الماجستير والدكتوراه. بدأت شاعراً عامياً منذ مرحلة الدراسة المتوسطة، ولي ديوان مخطوط، وما زلت بين الحين والآخر أكتب الشعر الفصيح والعامي. أما الدراسات الفكرية فقد  كان لي دراسات منشورة في الصحافة وعلى المواقع الإلكترونية.

(كتابات) : هل يختلف النقد الأدبي في العراق عن باقي النقد الأدبي العربي .. وما هي مميزاته ؟

  • النقد الأدبي بصورة عامة هو واحد في العالم، لأننا – وأغلب النقد في العالم – مازلنا نكتبه بمناهج أوروبية، نحن مستهلكين غير مؤسسين أو مشاركين في الإنتاج لمناهجه. النقد يتبع الشيء المنقود، فهو في حالة صحية جيدة إذا كان النتاج الإبداعي بحالة صحية جيدة، والعكس صحيح.

لا يختلف النقد بين الأقطار العربية، سوى أنه في المغرب أكثر إطلاعاً على النتاج الفرنسي في النقد، ويكون متأثراً به، وفي القاهرة تجده إنكليزي التأثر، وفي الخليج أميركي التأثر، أما في العراق فهو متأثر بسقط المتاع من هذه التأثيرات بسبب الحصار على الكتاب، إستيراد وتصدير، في الثلاثين سنة الماضية.

(كتابات) : هل لا بد للناقد الأدبي أن يكون متخصصاً في هذا المجال وأكاديمياً .. وكيف يقبل الناقد المحترف ؟

  • في هذا الزمن، زمن الثورة في وسائل الاتصال، لا يمكن للناقد أن يكون متخصصاً على الرغم من أن التخصص مطلوب. لقد كان النقد في العراق لحد سبعينيات القرن الماضي متخصصاً للإبداع الأدبي، حتى أنك تجد هذا متخصصاً في نقد الشعر، وذاك في السرد، على الرغم من قلتهم، لأنه كان يصدر من أكاديميين درسوا في خارج العراق.

لقد كان النقد – الذي يمكن أن نطلق عليه كلمة نقد – أكاديمياً، ثم بدأ بعد السبعينيات ينتشر عند غير الأكاديميين، بوجود الناقد شبه المحترف، وبرز أكثر من اسم إلا أنه كان بلا منهج نقدي معروف، وتبقى دراسته محض إنطباع بالنص المنقود حتى قويت قناته بإتباع منهج من تلك المناهج النقدية التي جاءتنا بسبب الترجمة. لقد ولى زمن الناقد المتخصص والأكاديمي بسبب ثورة الاتصالات، وإنتشار الكتاب الورقي والإلكتروني وسهولة الحصول عليه.

(كتابات) : لك دراسة بعنوان (إشكاليات الخطاب النقدي الأدبي العربي المعاصر) .. حدثنا عن تلك الإشكاليات ؟

  • (إشكاليات الخطاب النقدي الأدبي العربي المعاصر)، دراسة كتبت في التسعينيات من القرن الماضي، وهي دراسة تفحص المشروع النقدي الأدبي المعاصر العربي، وقد شخصت وناقشت الأمور التي تواجه هذا النقد في الوقت الذي كتبت به الدراسة وما زالت تواجهه، مثل: إشكاليات ذاتية التي منها: إشكاليات المصطلح، كقصور الترجمة، وغياب المصطلح، وإشكالية المنهج التي منها غياب المنهج، واستخدام المنهج، وغربة المناهج، والدوغمائية في التطبيق، وقصور الترجمة.

وإشكاليات موضوعية منها: إشكالية الفكر الأدبي العربي بصورة عامة، وإشكاليات التطبيق، وهي دراسة وجدت صداها عند الكثيرين من القراء، إن الإشكاليات التي شخصتها ما زالت موجودة وما زال تأثيرها في الخطاب النقدي الأدبي المعاصر كبيراً، لأننا ما زلنا مستهلكين للمناهج التي نشتغل عليها، وإذا كانت في أوروبا إشكاليات كثيرة تواجه الخطاب النقدي، فإنها عندنا نحن العرب تكون هذه الإشكاليات مركبة بسبب الكيفية التي وصلت بها تلك المناهج، حيث كما قيل عن الترجمة أنها خيانة، فترجمة هذه المناهج للغة العربية تفقد الكثير من أهميتها واهتمامها، حتى بات المصطلح الواحد يعطى له معان عديدة.

(كتابات) : لما هذا الشغف بدراسة التراث الشعبي .. وما هي أهميته بالنسبة لك ؟

  • منذ أن دخلت المدرسة الابتدائية كان التراث الشعبي هو ما أراه أمامي، إذ كانت مدرستي، “المدرسة الشرقية الابتدائية النموذجية”، تقع في منطقة شعبية، منطقة باب الشطرة، وتقف قبالتها السيارات الخشبية التي تنقل الركاب وإغراضهم إلى قضاء الشطرة والمناطق المجاورة لها، وكانت معهم، في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي، كل ما يرمز إلى التراث الشعبي، الركاب وملابسهم، إحتياجاتهم، أغراضهم، كلامهم المنطوق باللهجة العامية الخاصة بأهل الشطرة والمناطق المحيطة بها، كل شيء يبهر ويدهش لصبي مثلي مولود ومترعرع في المدينة، كل شيء فيه نكهة التراث الشعبي.

بعد أن أستقامت قناتي القرائية في الدراسة المتوسطة بدأت أقرأ في المكتبة العامة، كتب فيها ملامح للتراث الشعبي، حتى وقعت في يدي مجلة التراث الشعبي العراقية فبهرتني مواضيعها، وفي النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي نشرت في المجلة ذاتها موضوعات تتحدث عن التراث الشعبي في الناصرية، من ألعاب وحلي وملابس، وقصص شعبي، ودرست القصص الشعبي العراقي والعراقي والأجنبي، وشاركت في مؤتمرات التراث الشعبي العراقي والعربي، حتى بت أحد كتاب المجلة.

إن أهمية التراث الشعبي بالنسبة لي فضلاً على أنه يشدني إلى الواقع العراقي المعاصر والقديم، فإنه يمنحني ذائقة تراثية كبيرة في أن أقرأ ما تطرحه نتاجات الأدباء في قصصهم ورواياتهم وشعرهم، من جوانب تراثية، قراءة صحيحة ودقيقة والإقتراب إلى واقع الشخوص فيها.

(كتابات) : في رأيك هل يعاني الأدب العراقي من تعتيم ما وقلة تواجد على الساحة العربية .. وما هي الأسباب ؟

  • نعم، ومنذ التسعينيات بسبب الحصار الأميركي على العراق، إذ بات الكتاب العربي لا يدخله، والكتاب العراقي لا يخرج منه، أي أننا نكتب ونقرأ لأنفسنا، إلا النزر اليسير من الكتاب العربي الذي يستنسخ ويباع بأعداد قليلة جداً، حتى باتت ثقافة الإستنساخ معروفة عند الجميع.

قبل فترة قصيرة صدرت تعليمات حكومية بالسماح للكتاب العراقي الخروج إلى خارج القطر. لم تكن في العراق سوى دار نشر واحدة وهي حكومية، وهي “دار الشؤون الثقافية العامة”، وبعد عام 2003 لم تفتح إلا القليل من دور النشر، وأصحابها وكلاء لدور نشر في سوريا ولبنان، فكثر تجار نشر الكتاب، والطباعة تتم في سوريا ولبنان بأسعار غالية جداً، وبأعداد قليلة جداً تصل في بعض الأحيان إلى مئة نسخة فقط، يوزعها الكاتب على أصدقائه.

وهكذا تجدين الكتاب العراقي قليل التواجد في الأقطار العربية، وفي معارض الكتاب أيضاً، وآخرها فضيحة معرض الكتاب في القاهرة حيث ظهر أن الجناح العراقي فارغ من أي كتاب. إن سياسينا لم يستفيدوا من الكتاب لهذا فقد أهملوه.

(كتابات) : رواية (الحب في زمن النت) هل تعكس التطور الذي حدث للمجتمع وأثر على علاقات الحب فيه ؟

  • التقنية الحديثة للتواصل كانت ثورة عظيمة، وكان الإنترنيت من أبناء هذه الثورة، وما ضمه من بريد إلكتروني، ومواقع تواصل اجتماعي، والأنظمة الأخرى التي تخدم الصوت والصورة، ومن هذه الثورة خرجت رواية (الحب في زمن النت) التي تحكي قصة حب بين رجل عراقي وشابة يمانية، وكيف نمت من خلال النت، حتى وصل الحال بالرجل إلى الذهاب إلى اليمن ويطلب يدها ويتزوجها.

هذه الرواية تطرح موضوعاً مهماً؛ وهو أن العالم أصبح مثل القرية الصغيرة، من خلال الثورة التي حدثت بوسائل الاتصال والمواصلات، تتكلم مع شخص يبعد عنك آلاف الكيلومترات وبنفس الوقت يمكنك أن تتناول الفطور في بلدك وتتناول طعام الغداء في بلد آخر يبعد عنك آلاف الكيلومترات.

وكذلك تغيرت علاقة الحب ككل العلاقات بظهور الإنترنيت والاتصال من خلاله، حتى بات هذا الحب أكثر تطوراً من حب قبل عشرين عاماً أو أكثر، إذا كان الحب السابق كحب “قيس وليلى”، أو “عنتر وعبلة”، بالمواجهة، فإن الحب على الإنترنيت يختلف كثيراً، فهو بالكتابة والصورة الحية، وقد حدث مثل هذا الحب في الواقع، إذ نسمع أو نقرأ خبراً عن زواج فلان من فلانة بعد أن تعارفا وأحبا بعضهما على الإنترنيت وهم من مدينتين بعيدتين، أو من دولتين بعيدتين.

(كتابات) : في رأيك ما هي مميزات الرواية العراقية في الوقت الحالي ؟

  • لا مميزات فنية لها تختلف عن الرواية العربية أو الأجنبية، إلا أننا يمكن أن نقول أن بعض الروايات العراقية التي كتبت بفنية عالية ترتقي إلى أن تصل إلى مصافي الرواية في العالم، إلا أنها تعد على الأصابع. أما الروايات الأخرى المنشورة بكثرة هذه الأيام فإن موضوعها الرئيس يطرح الواقع العراقي فيما بعد الاحتلال الأميركي، وما خلفه هذا الاحتلال من معضلات كبيرة وشائكة مثل أسلوب العنف، والقتل المجاني، وعلى الهوية، والتهجير القسري والطائفي، والغربة التي حدثت في هذا الزمن، ومشاكل المجتمع التي طفت على وجهه من جديد بعد أن غادرها منذ الستينيات من القرن الماضي.

هذا الكم من الروايات يمكن أن يفرز النوع الجيد منها، إلا أن الرواية الحديثة تبقى ابنة الأوروبيين، ولم تكن من بناتنا نحن العرب، فلهذا قلت أن لا مميزات لها يمكن أن يذكرها الناقد تختلف عن مثيلاتها الأوروبية، أو الأجنبية بصورة عامة، إلا ما كان فيها من خصوصية المجتمع الذي تقدمه.

(كتابات) : تجربة كتابة السرد “قصة – رواية” ما هي مميزاتها، وهل هي أقرب إليك من كتابة النقد والدراسات ؟

  • من الصعب أن نقول أن تجربة الكتابة السردية سهلة، إذ أنها تحمل في طياتها صعوبات كثيرة. لقد وجدت صعوبة بالغة عند كتابتي لروايتي الأولى عام 1987، والتي صدرت عام 1988، صعوبة في كل شيء فيها، حتى أنني بقيت ثلاثة أيام أبحث عن مفردة لغوية تكون مناسبة لما أكتبه، وجلست أمام شخص يشبه بطل الرواية استمع لما قام به من أمور يتطلبها حدث الرواية، وهذا ليس معناه أنني انقل من الواقع بصيغة النسخ، بل أراه من متطلبات الصدق الفني لا الصدق الواقعي.

أما الأقرب إليّ فهو الأنسب لذائقتي وقت الكتابة، فتجديني أكتب موضوعا نقديا وبعد ثلاثة أسطر أتركه لأتحول إلى كتابة قصة أو رواية أو قصيدة عامية أو موضوع فكري، حيث ذائقتي هي التي تقودني إلى الكتابة.

(كتابات) : ما هي الصعوبات التي واجهتها ككاتب ؟

  • لا صعوبات فنية إبداعية تواجهني في الكتابة أو النشر، كانت في السابق هناك صعوبات فنية/لوجستية في الكتابة، أما الآن فقد حلها الحاسوب، فأنا أكتب بواسطته كل شيء.

أما الصعوبات التي تطرحها الكتابة فهي تحل مع بنفسها، إذ لو وجدت صعوبة في دراسة نقدية عن رواية فأنا أتركها ليوم أو يومين وبعض الأحيان تصل إلى السنة لحين أجد حلاً لتلك المشكلة التي اعترضتني، وهي مشكلة من داخل ما أكتبه.

(كتابات) : من الكتاب المفضلين بالنسبة لك ومن الذين تأثرت بهم ؟

  • نشرت قبل فترة موضوعاً عن  الروايات تحت عنوان (روايات قرأتها فأثرت في ذائقتي الأدبية)، بينت فيه أسماء الكتاب الذين أثروا بذائقتي الروائية. أما الكتاب الذين لهم اهتمامات غير الرواية، فهم كثيرون، مثل “أركون والجابري وأبو زيد والعظم”، إنهم كتاب تنويريون أضافوا شيئاً لي في كتاباتي الفكرية.

أقرأ كل كتاب يقع بين يدي وعندما أجد أن هذا الكتاب سيضيف لي معلومة ما فأنا أكمل قراءته، وفي بعض الأحيان أناقش طروحاته في ورقة خارجية، وما زالت هذه العادة عندي منذ أن كنت أقرأ في الكتاب الورقي، حيث كنت أكتب ملاحظاتي عن فقرة فيه في جانب الورقة وأضع تاريخ القراءة لأني في بعض الأحيان أعود إليه، فأقرأ تعليقي فيكون عرضة للتبديل أو التطوير، وهكذا تجديني قد استفدت من الكتاب كثيراً.

في الكتابة، كما في القراءة، لذة كبيرة، ولولا هذه اللذة لما امتهنها شخص ما.

صدر للكاتب “داود سلمان الشويلي”:

1 – القصص الشعبي العراقي من خلال المنهج المورفولوجي – دراسة – بغداد – 1986.

2 – أبابيل – رواية – بغداد- 1988 .

3 – طائر العنقاء – قصص قصيرة – بغداد – 1988 .

4 – طريق الشمس – رواية – بغداد -2001 .

5 – ألف ليلة وليلة وسحر السردية العربية – دراسات– دمشق – 2000.

6 – الذئب والخراف المهضومة – دراسات في التناص الإبداعي – بغداد – 2001.

7 – النهر يجري دائماً– نصوص إبداعية فائزة في المسابقة الإبداعية لوزارة الثقافة لعام 2000 – مع مجموعة من الأدباء- بغداد– 2000.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة