خاص: حاورته- سماح عادل
“خليل ناصيف” كاتب وروائي فلسطيني، من مواليد مدينة “رام الله” عام 1977، درس برمجة الكمبيوتر وهندسة الشبكات في جامعة القدس، يكتب في مجالات القصة القصيرة وقصيدة النثر منذ عام 2007، صدر له: “وليمة للنصل البارد” نصوص سردية، و”الغابة التي قفزت من الصورة” مجموعة شعرية. وروايتين “نانا” و”دومينو”، وقد صعدت مؤخرا روايته “دمينو” للقائمة القصيرة لجائزة كتارا.
كان لي معه هذا الحوار الشيق:
* متي بدأ شغفك بالكتابة، وماذا تعني لك؟
– بدأ حبي للكتابة مع بداية حبي للقراءة في مرحلة مبكرة من حياتي، في البداية أحببت أن أصنع كتبا مشابهة للكتب التي أحبها، ومعظمها كانت كتب المغامرات والقصص الخيالية الموجهة للأطفال، ثم عندما أصبحت في مرحلة الشباب بدأت أشعر بوجود كائنات تسكنني وتريد مني إيصال أصواتها للعالم وهكذا وجدت نفسي في عالم الكتابة، أحيانا أشعر بأنني مجرد وسيط بين الشخصيات التي أكتبها وبين القارئ، بالنسبة لي الكتابة هي حياتي وكل قصة أكتبها تمنحني عمرا آخر.
* في رواية “نانا” تناولت شعور البطلة باختلافها عن المجتمع وعاداته وتقاليده، ألم تخش رد فعل ضد ذلك؟
– توقعت أن تواجه رواية “نانا” رفضا من فئات معينة المجتمع، وإن كنت لم أتوقع الحدة التي ووجهت بها الرواية، لكن حتى لو كنت أتوقع الهجوم الذي حصل عليها ما كان ذلك سيمنعني من الاستمرار، مقابل الهجوم الذي واجهته “نانا” من فئات معينة، لاقت الرواية نجاحا كبيرا عند فئات أكثر من القراء بالذات الجيل الشاب وطلبة الجامعات.
برأيي الشخصي أن الكاتب عليه أن يتحرر تماما من الرقابة الذاتية وهو يكتب، فوظيفته هي سلخ جلد الواقع والتنبيش تحته وليس مجاملة المجتمع أو الدين أو الساسة.
* في رواية “نانا ودومينو” علاقة ثلاثية، امرأتان مقربتان ورجل يحب إحداهما.. ما سر تلك الثلاثية؟
– الموضوع كله محض صدفة، في رواية “نانا” كانت الخطة أن يكون هناك امرأة ورجل، والمرأة الثالثة مجرد شخصية مساعدة لإبراز تناقضات معينة في شخصية الرجل، لكن مع السرد تحولت الشخصية الثانوية إلى شخصية رئيسية، لقد كانت شخصية “نانا” قوية لدرجة أنها فرضت نفسها على الكاتب وعلى العمل نفسه بل احتلت عنوان الرواية.
في “دومينو” كانت القصة الرئيسية هي قصة “ديما”، وكانت شخصية “رامي” شخصية مساعدة، بينما كانت الشخصية الثالثة وهي “سارة” مجرد شخصية خفية تَقَّرر وجودها لسبب يتعلق بتقنية السرد المستخدمة، ولكن مثلها مثل “نانا” فرضت نفسها على الرواية، ربما لأن الكاتب وقع في حبها وربما بسبب لعبة الأقدار التي تتحكم في رواية “دومينو” وشخوصها.
* قلت أنك في رواية “دومينو” حاولت العمل علي جذب القراء والعمل علي سرد مختلف، حدثنا عن ذلك؟
– من تجربتي كقارئ لاحظت ضعف عنصر التشويق في الروايات العربية، واتكاء الكاتب في أحيان كثيرة على الاستعراض اللغوي، أو على خطاب سياسي وطني، أو على قصة حب أشبه ما تكون بقصص المراهقين. في “دومينو” اعتمدت على تشويق القارئ واستدراجه ليكمل القراءة، من خلال عرض الرواية بشكل شرائح، كل شريحة تجذب القارئ ليقرأ ما بعدها، حاولت وضع لغز معين في صفحات الرواية لا ينكشف للقارئ سوى في نهاية القصة، اعتمدت على بساطة اللغة، دون تعقيدات، مع المحافظة على الكتابة بالفصحى، حاولت بناء الشخصيات بطريقة توحي للقارئ أنه يعرفها جيدا وأنه يلمس أعماقها، وأخيرا كل ذلك وضعته داخل إطار من الخيال والفنتازيا، التي لا تخلو من لمسات تخاطب طفولة القارئ.
غير أنه بالطبع لا يمكن لأي كاتب أن يكتب عملا يرضي كل القراء، مهمة الكاتب أن يجرب ويحاول، لأن وقت القارئ ثمين وكذلك المال الذي يدفعه ثمنا للكتاب، في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها في الوطن العربي، من حق القارئ أن يقرأ عملا يحترم وقته وماله.
* في رواية “دومينو” تفاصيل علاقة حب عذبة لكنها أيضا حزينة، لما يقترن الحب بالحزن؟
– لا يقترن الحب بالحزن دائما، فممكن أن تكون قصة الحب جميلة ومرحة، ولكننا كبشر نتعلق بقصص الحب الحزينة أكثر. لم أقصد في رواية “دومينو” كتابة قصة حب حزينة، ولكن الرواية ليست ملكي وحدي، فهي بنسبة قليلة مبنية على قصص حقيقية، وتلك القصص كانت نهاياتها حزينة.
مع ذلك كله “دومينو” فيها مساحات للضحك والفرح والحياة، لا أرى أن نهاية الرواية حزينة، بل أراها بوابة انتقال للشخصيات من حياة ومكان معين إلى حياة ومكان جديدين.
* في رواية “دومينو” وصف دقيق للأماكن في تركيا لا يخلو من تفاعل إنساني من قبل الشخصيات، وكذلك في رواية “نانا”. هل شغفك بالأماكن جزء من لعبة السرد لديك؟
– ليس الموضوع موضوع شغف بمقدار كونه محاولة لإدخال القارئ في الجو أكثر، ومحاولة لتعزيز بناء الشخصيات في الرواية، فالمكان جزء من الشخصية، وباستثناء روايات قليلة جدا فإن سطحية وصف المكان سوف تمس كثيرا بجودة بناء الشخصية، حيث أن الشخصيات تقف على الأرض وليست ترقص في اللاشىء، لكن كما قلت يمكن تجاوز موضوع وصف المكان في روايات معينة، واقصد بالتجاوز عدم التركيز عليه كثيرا وليس إهماله تماما، وذلك حسب موضوع الرواية نفسها.
* هل لديك مشروع للكتابة وهل تحاول مساندة المرأة في رواياتك؟
-نعم لدي مشروع للكتابة، قائم على الاهتمام بقضايا الفرد والحريات بشكل عام، وتقديمه في قالب سردي جديد ومشوق، أنا منحاز دائما للحرية بمفهومها العام، وعندما نتحدث عن الحرية لا يمكننا تجاهل وضع المرأة البائس في العالم العربي. صحيح أن وضع الإنسان العربي من كلا الجنسين لا يحسد عليه، لكن المرأة تعاني أكثر.
في روايات “دومينو ونانا”، وفي العمل القادم، أحاول تقديم نماذج نسائية قوية، وغالبا سوف يستمر ذلك في كل مشاريعي القادمة، سواء كشخصيات رئيسية أو شخصيات ثانوية ولكن دون تكرار الحبكات أو المواضيع، فالتكرار يقتل الكاتب والمشروع الأدبي والقضية معا.
* صف لنا شعورك عندما صعدت رواية “دومينو” إلي القائمة القصيرة لجائزة كتارا. وهل تدعم تلك الجوائز الكاتب في مسيرته؟
– صعود “دومينو” للقائمة القصيرة أعطاني نوعا من نشوة الانتصار على الظروف الصعبة التي واجهتها ككاتب وإنسان، وأنا ممتن لهذا الإنجاز وممتن للقراء، وللجنة التحكيم التي منحت مشروعا تجريبيا جديدا فرصة للمنافسة.
الجوائز مهمة في مسيرة الكاتب وتبرز أهميتها في الوطن العربي أكثر من بقية العالم، لأن، واسمحيلي أن أكون صريحا معك، الجوائز تختصر الطريق على الكاتب وتمنحه مقروئية أكثر، واختصار الطريق على الكاتب العربي لا سبيل له سوى إما الحصول على جائزة أو تملق أصحاب السلطة والنفوذ. وشخصيا أنا لست مستعدا لتملق أي سلطة. لكن من المهم أن يتذكر الكاتب أن الجائزة مجرد دفعة تضعه على الطريق، فإن لم يحافظ على استمراريته بتقديم أعمال محترمة فسوف ينتهي، بعبارة أدق الجائزة تسهل طريقك لكنها لن تدفعك إلى الأبد، بل أنها وحدها لن توصلك إلى أي مكان فاعتمد على موهبتك وتعبك وشقاك.
* هل مسيرة الكاتب شاقة في مجتمعاتنا الشرقية وفي الوقت الحالي بكل ما يحمله من تغييرات؟
– مسيرة الكاتب في المجتمعات الشرقية شاقة، فهو يحارب على كل الجبهات، القيود المجتمعية والقيود على حرية التعبير، وكذلك الظروف المادية الصعبة، وانحدار نسبة القراءة نسبيا مقارنة بالعالم الغربي، لكن الكتابة قدر وشغف ورسالة، والكاتب الحقيقي لا يملك خيارا سوى الاستمرار في الكتابة مثلما يستمر في التنفس.
* هل تناول القضية في الفلسطينية في الأدب وبخاصة الروايات قل، وما أسباب ذلك في رأيك؟
– على المستوى العربي نعم قل التطرق للقضية الفلسطينية في الروايات، ولأسباب عديدة، فهناك كتاب عرب كانوا يكتبون عن القضية الفلسطينية مجاراة لل “الترند” الذي كان موجودا في زمنهم وللمد القومي مثلا ، ثم توقفوا عندما تغيرت الموضة. وهناك كتاب كانت فعلا تسكنهم القضية الفلسطينية بوصفها قضية حق وقضية إنسانية أبعد وأكبر من المفهوم القومي، لكنهم دائما كانوا قلة وهؤلاء ما زالوا يكتبون جيلا بعد جيل.
بشكل عام لا يمكن فصل موضوع انحسار تواجد فلسطين في الرواية عن انحسار الاهتمام العام بقضية فلسطين، نتيجة للقضايا القطرية التي تعاني منها دول عربية كثيرة.
أما على المستوى الفلسطيني فلا يوجد انحسار، بل أنني ازعم أن موضوع فلسطين تسبب في حالات كثيرة في حبس إبداع الكاتب الفلسطيني داخل أسوار قضيته، ومنعه من الكتابة في مواضيع غيرها، وهذا كله مفهوم في الأدب لشعب واقع تحت الاحتلال، وإن كان ينبغي علينا كفلسطينيين أن نقدم للحياة كل ما باستطاعتنا رغم كل الظروف.
* في رأيك هل يعتبر الاستمرار في الكتابة تحديا من نوع خاص؟
– الاستمرار في الكتابة يشكل تحديا كبيرا، فالكاتب العربي كما قلت يكتب في حقل ألغام، سواء من القيود الاجتماعية والسياسية أو بسبب متطلبات الحياة. فهو يمنح حياته لمشروع يتطلب الكثير من الوقت ومن البحث والقراءة والسفر وخوض التجارب، ومعظمنا ككتاب عرب نحيا ونموت دون أن نحصد التقدير أو ثمرة مجهودنا. لكن الكاتب يعيش شغفه وقدره ولا يحسب الأمور من منظور مادي وإلا لما وجدنا أحدا يكتب.