خاص : حاورته – سماح عادل :
“خضير فليح الزيدي” روائي وناقد عراقي معروف.. يتميز بغزارة إنتاجه وتنوعه، في روايته (فاليوم عشرة) يتناول سقوط الموصل في يد المتشددين الدينيين، لكنه يتناول تلك الحادثة الكبيرة ببراعة روائي متميز، حيث يرصد تأثير تلك الهزيمة على الإنسان.. على بعض الذين يعيشون في العراق أو حتى خارجها لكن تؤلمهم الهزيمة وتنال من سلامهم الداخلي، بطل الرواية يدعى “سلام” يذهب للعراق لعمل أفلام وثائقية لقناة فرنسية، عند ذهابه إلى العراق يقابل الهزيمة بكل عمقها، من خلال تأثيرها على أخيه الكبير، أحد أفراد القوات المسلحة الذين انسحبوا، أو أجبروا على الانسحاب، وقد نالت منه الهزيمة حتى أصابته بالجنون، يتميز السرد باستخدامه السخرية اللاذعة، كما وأنه يغوص في أعماق النفس الإنسانية ليرصد استجابتها لسلسلة من الهزائم الاضطرارية، كما استخدم الكاتب التشويق في أحداث متخيلة ترصد فساد الحكام وتورطهم في سرقات مالية.
تحاورت (كتابات) مع الروائي “خضير فليح الزيدي” حول رواياته وأحوال الرواية العراقية وما آلت إليه من تطور…
(كتابات): في رواية “فاليوم عشرة” صورت سقوط الموصل ببراعة من خلال تأثير ذلك على ذات الإنسان.. هل هي مرثية للإنسان العراقي ؟
- رواية (فاليوم عشرة) هي السادسة ضمن مشروعي الروائي، وهي مختلفة عن سابقاتها.. فأنا لا أميل للركون إلى الأسلوب الواحد، تراني ميال بطبيعة ثقافتي لعنصر التجريب الفني في الرواية وذلك لشغفي بفنون الغرب الحديثة في التجريب واختبار الأشكال الفنية الساحرة، ربما هذا التجريب لا يميل له بعض كتاب الرواية المعاصرين، لكني أبحث عما يناسب حكاية الرواية.
لكل حكاية أسلوب سردي خاص ولها شكلها الفني، تلك الحكاية المتشظية التي أميل لها في متن السرد. رواية (فاليوم عشرة) تنتمي إلى أدب نكسة الفرد المعاصر.. النكسات المتلاحقة جعلت من الشخصية العراقية ذات أبعاد سلبية ونكوص متلاحق.. تهتم ببنية الإنسان ورصد “بايومتري” لأحزانه المتراكمة.. الرواية لم تعمل على الاستشراف لمستقبل مدينة الموصل بل غارت عميقاً في جرح سقوطها المدوي. رصدت الهزيمة من خلال إنسان مدينة بغداد، فهزيمة الإنسان أكبر وقعاً في الشخصية من انتصار جيوش العالم. (فاليوم عشرة) لم تقرأ بشكل عميق من قبل القراء لغاية اليوم، ولم تفك كل أسرارها بعد، أنا أراهن على المستقبل، إن كان للأدب من ديمومة خارج الجامعات ومتطلبات الدرس الأكاديمي. ستنال قيمتها الفنية ربما بعد سنين طويلة كشاهد قبر على هزيمة الإنسان النفسية.. البرابرة ووحوش الظلام استباحوا المدينة كفتاة بكر ولطخوا وجوههم من دمها الطاهر.
(كتابات): استخدمت في رواية “فاليوم عشرة” الخيال في تصوير حركة “كفى” و”القرص ج” للتعبير عن هزيمة الإنسان وفساد الحكام المفزع.. حدثنا عن ذلك ؟
- حركة “كفى” هي محض خيال تعمل كأية منظمة إنسانية في بغداد في زمن نكسة الموصل أو ما بعد هزيمة الجيش، ولا يعرف مصدرها حالها حال الكثير من المنظمات.. هي تعمل على مساعدة الشباب من الجند العائدين من وحل الهزيمة لمساعدتهم على الانتحار الجماعي. مثلها في محاكاة روابط وجمعيات الموت الرحيم المنتشرة في بلاد الغرب، ربما يأتي اليوم الذي تتحقق فيه النبوءة ونجد رابطة “كفى” تعمل على تجنيد الشباب في حفلات الانتحار الجماعي.. نعم هي من محض مخيلتي ولا أستبعد ربما يحقق الخيال وقائع على الأرض في يوم ما. بذلك سينتصر الخيال ويدحض الواقع أو يقفز فوقه.. أما “القرص جيم” وتلك القضية الشائكة فهي مدخل مناسب وربما اتخذت الطابع البوليسي لرصد الحياة البغدادية في دهاليز الحكومات المتعاقبة. ثم رصدت شخصيات الرواية كيف تنهار أمام الثروة وتتبخر المبادئ.
(كتابات): هل لديك مشروع إبداعي تكتب من خلاله رواياتك.. وما هي ملامحه ؟
- ليس مبرمجاً كالكمبيوتر لأعرف مجاهيل مشروعي.. فالكاتب نصف مجنون ونص عاقل، وفي كثير من الأحيان يصرع الجنون النصف العاقل ويمرغه في الوحل لتنتج لنا رواية جديدة ضمن المشروع. حقيقة لا أعرف حدود لمشروعي السردي بقدر ما يستلهمني تاريخ الأفراد بشيء من الجنون. أتفاعل نعم مع الواقع بقدر تفاعلي مع الخيال الذي أعيش في تفاصيله أحياناً. العيش في مدينة كبغداد هو ضرب من الجنون للكتاب، حتى البيئة البغدادية غدت طاردة وعدوانية ولكني متمسك بها، والمشاريع المدروسة هي وفق تقديري خارج مساحة الكتابة الإبداعية.
(كتابات): في روايتي “فندق كويستيان” و”أطلس عزران البغدادي” يتجلى تصويرك للصراعات الطائفية.. لماذا كرست بعض رواياتك لرصد هذه الصراعات ؟
- حروب الطوائف هي جدولة خبيثة تدار بأيدي خفية حققت أهدافها للأسف.. الكاتب يلتقط بالشوكة ما يهمل من هذه الحروب أولاً، ثم يبلور أفكاره من الهامشي والمتروك منها، وقد استطاعت الحروب الطائفية أن تحرف الشخصية العربية والعراقية وجعلتها تتحدث بلسان الطائفة. ولكن هذه الحروب فيها الكثير من الكوميديا، أقصد كوميديا الخراب والدم. استلهام الدراما من حرب الطوائف واستخراج قيحها بطريقة ستنفر منه الأجيال اللاحقة وهذا المقصود من تضمينها كوقائع في السرديات المعاصرة.
(كتابات): هناك رأي يقول أن الرواية العراقية تطورت بشكل كبير بعد 2003.. في رأيك كيف تطورت وما هي سمات هذا التطور ؟
- حتى هذا الانفجار الروائي المدوي للرواية العراقية, ما بعد 2003, يقف بالضد منه الكثير، ويعده من ضمن دوامة الصراع، صراع الأجيال بين ما هو كلاسيكي وبين ما هو حديث.. نعم حققت الرواية العراقية الجديدة قفزة نوعية مهمة بعد انسدال الستار على النظام الاستبدادي القديم القامع لكل جهود إبداعية.. النظام الحالي سيء ولا يطاق لكن حسنته الوحيدة لا يلتفت ولا يتابع ولا يقرأ ما نكتب. الحسنة الوحيدة جعل بعض الكتاب يحث الخطى ويتسابق مع نفسه في مضمار الكتابة الروائية بغثها وسمينها.
(كتابات): هل تلاقي الرواية العراقية التقدير المستحق في بلدان العالم العربي ؟
- لا طبعاً.. الرواية العراقية والسودانية والسورية والمغاربية تحقق قفزات إبداعية ولكن الأدب يتجه للمناطقية البغيضة.. العالم العربي مناطقياً في الثقافة والقراءة. السعودي يقرأ لمواطنه السعودي وكذلك الجزائري والبحريني والعراقي، طبعاً هناك متخصصون يقفزون على المناطقية ولكنهم قلة. لكن للأسف إن الجوائز هي التي تعرّف بالكتاب وليست هناك مؤسسات محترمة في تعريف الكاتب العربي.
- من أعمال الروائي “خضير فليح الزيدي”..
الرواية: شرنقة الجسد، وخريطة كاسترو، وفندق كويستيان، وأطلس عزران البغدادي، ذيل النجمة، فاليوم عشرة.
ومجموعة قصص قصيرة بعنوان “زوال”.
وكتابان سردييان: سلة مهملات عن ذاكرة الحرب، وأمكنة تُدعى نحن.