17 نوفمبر، 2024 8:50 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات .. حسن النواب : ليس هناك رقيب على الكاتب لكن هناك كاتم صوت يطاردهُ

مع كتابات .. حسن النواب : ليس هناك رقيب على الكاتب لكن هناك كاتم صوت يطاردهُ

خاص / حاورته –  سماح عادل

يشهد الأدب العراقي نهضة ثقافية خاصة في مجالي الرواية والسرد، تتمثل هذه النهضة في تزايد عدد الكتاب وفي التطور الكبير خاصة في مجال الرواية، سواء على مستوى البناء الشكلي أو موضوعات التناول، وأبرز دليل على هذه النهضة فوز عدد من الكتاب العراقيين بجوائز عربية وانتشار الأدب العراقي خارج وطنه في العقد الأخير. واستمرارا لنجاحات الأدب العراقي فاز مؤخرا الكاتب العراقي “حسن النواب” بجائزة  الطيب صالح- المركز الأول عن رواية (ضحكة الكوكوبارا).

عمل “حسن النواب” في الصحافة منذ عام 1991. نشر ثلاث مسرحيات في مجلة (الطليعة) الأدبية للكبار. ترأس منتدى الأدباء الشباب في كربلاء من عام 1990 وحتى عام 1992، وترأس اتحاد الأدباء والكتاب في كربلاء من عام 1998 وحتى عام 2000، وكان عضو المجلس المركزي لإتحاد الأدباء والكتاب المركز العام من عام 1999 إلى عام 2000. هاجر من العراق إلى الأردن عام 2001، ووصل إلى استراليا في عام 2002. عضو نقابة الصحفيين العراقيين، وعضو نقابة الصحفيين العرب، وعضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، وعضو اتحاد الأدباء والكتاب العرب، وعضو اتحاد الأدباء في أستراليا (مدينة بيرث). يكتب في جريدة (الزمان) الدولية منذ عام 2001. من إصدارته  المجموعات الشعرية (أنا هناك حتى يضيء دمي، صدرت في 1988- شريعة النوّاب، صدرت عام 2000- “ضماد ميدان لذاكرة جريحة” استذكارات حرب صدرت عام 1998)، ورواية “حياة باسلة” صدرت 2012.

إلى الحوار:

(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

– مذ كان عمري 13 عاماً؛ إذْ كانت مدرستي المتوسطة (الكرامة) تقدمُ عروضاً مسرحية في المناسبات الوطنية من قبل التلاميذ؛ فشغفتُ في المسرح؛ ولما انتقل التلامذة الذين كانوا يعرضون تلك المسرحيات إلى الإعدادية؛ أتيحت لي الفرصة لكتابة المسرحيات والإشراف على إخراجها وحتى التمثيل فيها؛ أذكر كنتُ أصعد إلى غرفة علوية مهجورة في بيتنا القديم؛ وأسرق من والدتي رحمها الله رزمة سجائر محلية؛ وفي الغرفة كنت أدخن خلسةً؛ وأكتب المسرحيات؛ وذات ظهيرة وجدت نفسي أكتب رواية عن تلميذين يفرَّان من المدرسة ويذهبان إلى بغداد بنقودٍ ادَّخراها منذ شهرين؛ هي مصروفهما اليومي؛ لقد كتبت عن حركتهما في شوارع بغداد؛ مع أني لم أكن قد رأيتُ العاصمة في ذلك الوقت؛ وخلال دراستي الجامعية؛ قرأتُ كتاب “اللامنتمي”؛ وأحدثَ تحولاً جذرياً في حياتي وتوجّهاتي؛ فكتبتُ مسرحية “العبور إلى القصر”؛ وأرسلتها بالبريد العادي إلى مجلة الطليعة الأدبية؛ وبعد عام فوجئت بنشرها؛ فكانت فرحتي لا توصف؛ ثمَّ أخذتني الحرب مرغماً؛ كنتُ أمضي الليل بمطالعة الكتب على ضوء فانوس؛ وأكتب القصائد وأرسلها مع حانوت الوحدة العسكرية إلى جريدة العراق؛ التي كانت تنشر قصيدة لي في كل شهر؛ وهكذا وجدتُ روحي غارقة في عوالم الكتابة وسحرها وجنونها.

(كتابات) ما هو شعورك حيال فوزك بجائزة الطيب صالح- المركز الأول عن رواية (ضحكة الكوكوبارا) وهل كنت تتوقع الفوز؟

– كنتُ أشبه بعريس؛ لكن بلا عروس وبلا زفاف! فالعروس (الجائزة) لم أرها حتى الآن؛ بسب ظروف السودان العصيبة؛ ‏إذْ قرَّرت إدارة الجائزة تأجيل الاحتفال بالفائزين لحين استتباب الوضع ‏هناك؛ وبلا زفاف؛ ‏ذلك أني أعيش في مدينة بيرث منذ 18 عاماً؛ ولا أصدقاء عندي هنا؛ وبرغم احتفاء مواقع التواصل الاجتماعي بفوزي؛ غير أني كنتُ أتمنى أنْ يكون معي في هذه الغربة؛ أحد الأصدقاء من دم ولحم؛ حتَّى يهزُّ يدي مهنئاً؛ لأشعر أني فزتُ حقَّاً؛ ذلك أنَّ الأصدقاء الافتراضيين على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لا تعرف مشاعرهم الحقيقية؛ إلا إذا رأيتهم على أرض الواقع؛ وأكادُ أقول أنَّ هناك من كان لسانه يقطر عسلاً لفوزي؛ لكن قلبهُ كان يغلي بالزعاف؛ ومع ذلك، كنتُ مسروراً على أية حال؛ لأنَّ روايتي هي أول رواية عراقية؛ تفوز بمجال الرواية طيلة تسع دورات من الجائزة؛ وممَّا جعل فرحتي أكبر؛ هو فوزي صديقي المبدع “علي حسين عبيد” بمجال القصص القصيرة بالمركز الأول أيضاً؛ لكن عظيم فرحتي كانت لأننا من مدينة كربلاء. أما عن توقعي الفوز بالجائزة؛ فأقول لقد قرأ روايتي المخطوطة عشرات الكتاب الكبار من العراق؛ وروائي شهير جداً من الوطن العربي؛قبل أنْ أقرر الاشتراك بالمسابقة؛‏ وقد نصحوني جميعاً، بعدم طبع الرواية؛ ودفعها إلى إحدى مسابقات الرواية؛ وتوقعوا فوزها؛ وهذا ما حدث.

(كتابات) هل الجوائز التي ينالها الأدب العراقي في السنوات الأخيرة تعكس نهضة وتطور، وفي رأيك ما ملامح هذا التطور؟

– الجوائز التي حصل عليها المبدعون العراقيون في مجال السرد؛ هي التي تتكلم؛ وتبرهنُ بوضوح على تطور التقنيَّة السردية؛ ونجاعة قلم الأديب العراقي في أرجاء الوطن العربي؛ ومن ملامح هذا التطور؛ هو الحرية التي يتمتع بها الكاتب العراقي بما يكتب؛ فليس هناك رقيب من الدولة على ما يكتبهُ؛ لكن من المؤلم أنَّ هناك كاتم صوت يطاردهُ من قبل جهات مجهولة ومريبة! إذا كتب بصراحةٍ؛ تكشفُ عمَّا جرى من فسادٍ وأسى في البلاد.

(كتابات) ما سر تنوعك في الإبداع ما بين شعر ورواية ومسرح؟

– لم أخطط إلى ذلك في كل ما كتبت؛ تداهمني فكرة لامعة بدون موعد؛ فأقنصها؛ وكثيراً ما أتجاهلها بسبب كسلي؛ حتى أنساها؛ لكنَّ النصوص التي كتبتها؛ هي التي كتبتني في الحقيقة؛ أعرف هذه المسرحية أو القصيدة أو الرواية جيدة؛ عندما تأخذني بمتعةٍ لا حدود لها أثناء التدوين؛ في رواية (ضحكة الكوكوبارا)؛ كنتُ أكتبُ بشغف عجيب؛ وأدخنُّ كثيراً؛ لكني لم أتناول كأس كحول واحدة طيلة زمن كتابتي إلى الرواية؛ كانت زوجتي عندما تستيقظ لصلاة الفجر؛ تجدني مستغرقاً في الكتابة؛ ونبهتني أكثر من مرَّة؛ إلى هزال جسدي وشحوب وجهي؛ لكني لم أأبه؛ إذْ كنت أعيش وسط طقس من التجلَّيات الساحرة.

(كتابات)  كيف كتبت رواية “حياة باسلة” حدثنا عن ذلك؟

– رواية حياة باسلة بدأتُ في كتابتها؛ بعد أن وصلني نبأ وفاة “جان دمُّو” في “سدني”؛ وهو من أقرب أصدقائي الروحيين؛ لقد صدمني رحيله بعنف؛ إذْ كنت عازماً على زيارته؛ بعد أن تستقرُّ أوضاعي في مدينة بيرث؛ التي وصلتها قبل أسابيع في ذلك الوقت؛ وكان “موقع كتابات” قد بدأت ولادته على مواقع النت؛ فأخذتُ أنشر حلقات الرواية تباعاً في الموقع؛ حتى وصلتني من مشرف الموقع صديقي الكربلائي “إياد الزاملي”؛ رسالة يشير فيها إلى تفاعل القراء مع حلقات الرواية؛ الأمر الذي شجَّعني على مواصلة الكتابة فيها؛ ولما انتهيت منها؛ أرسلتها إلى صديقي “صموئيل شمعون”؛ المشرف على “موقع كيكا” الأدبي؛ وأخبرني بعد أيام أنَّ روايتي وصلت إلى دار العين المصرية؛ لم تمض سوى بضعة أيام؛ حتى وجدت في بريدي رسالة من السيدة المضيئة “فاطمة البودي” مديرة الدار؛ تهنئنني على الرواية؛ وطبعها على نفقتها؛ وترشيحها إلى جائزة البوكر العربية.

(كتابات) رواية “حياة باسلة” هل كانت رواية سيرة ذاتية حاولت فيها توثيق أحداث الحياة برفقة الأصدقاء؟

– هي سيرة جميع الجنود الذين احترقت أحلامهم في خنادق النار؛ وحياة الأدباء الصعاليك؛ الذين تشردوا في شوارع العاصمة؛ وأكلوا حشيش الحدائق من الجوع؛ الرواية كانت تتحدَّثُ عن رعبهم من نقاط التفتيش؛ لأنهم هربوا من الحرب؛ وعن هلعهم عندما يكونون بمواجهة رجل الأمن والانضباط العسكري؛ وقلقهم الرهيب في الفنادق الرخيصة والمبتذلة حين ينامون فيها آخر الليل؛ وعذاباتهم في المعتقلات والسجون؛ هي رواية العراقي الأعزل الذي دمَّره الطاغية بحروب مجانية لا معنى لها.

(كتابات) كيف كان الاغتراب عن الوطن وكيف تعبر عن حنينك إليه؟

– الغربة وهبتني ما لم يعطه الوطن لي؛ الذي نزفتُ كثيراً من دمائي لأجله؛ وأعطيتهُ أحلى سنوات عمري؛ شأني شأن الآخرين من العراقيين؛ منحنا الوطن كل شيء؛ ولم نحصل منهُ إلاّ على سلالٍ من الدموع؛ وحفنات من الرماد مازال يعفِّرُ وجوهنا؛ ودخان يملأ مسارب أرواحنا؛ وذكريات دامية ومريرة؛ تشتعل مثل حجر سجّيلٍ في قلوبنا؛ وقصف عنيف لن يتوقف في رؤوسنا؛ لكن الغربة برغم رغيد العيش فيها؛ أشعر كأنَّها تشبه حنان زوجة الأب؛ كأني أعيش في عشٍّ من ورق؛ وصرخة الشاعر “ناظم حكمت” تختصر كل شيء عن عذابات الغربة؛ حين يقول: “وضعوا الشاعر في الجنَّة؛ قال ردُّوني إلى وطني”.

(كتابات) هل تشترك في الفاعليات الثقافية والمهرجانات في إستراليا حدثنا عن ذلك؟

– هناك مكان يتجمَّع فيه أدباء من مشارب وأوطان مختلفة؛ في ظهيرة كل سبت؛ هذا المكان هو”مقهى القمر”؛ الكائنة في قلب مدينة “بيرث”؛ وقد قرأتُ قصائدي باللغة الإنكليزية فيها أكثر من مرَّة؛ ثم ابتعدتُ عنها لسنواتٍ؛ لانشغالي بكتابة روايتي (ضحكة الكوكوبارا)؛ التي تدور بعض أحداثها في هذه المقهى؛ قبل يومين حضرت إلى “مقهى القمر”؛ واحتفى الأدباء الأستراليون بي؛ لفوزي بالجائزة.

(كتابات) عملت بالصحافة وفزت بجوائز عن عمودك الصحفي؛ حدثنا عن ذلك؟

– فزتُ بجائزتين عن مقالٍ بعنوان “عروس باريس”؛ نشرتهُ في زاويتي الأسبوعية التي أكتبها على الصفحة الأخيرة لجريدة “الزمان” منذ 17 عاماً؛ إذْ حصلتُ على الجائزة الأولى في مسابقة رئاسة الوزراء للإبداع الصحفي؛ ثُمَّ بعد شهر حصلت على الجائزة الأولى أيضا على نفس المقال؛ من جامعة الدول العربية في يوم الإبداع العربي؛ لكني في هاتين الجائزتين؛ لم أكن حاضراً؛ فقد استلم الجائزة في بغداد؛ الدكتور “أحمد عبد المجيد” رئيس تحرير جريدة “الزمان” طبعة العراق؛ وفي القاهرة استلم جائزتي الأستاذ “خليل الطيَّار” المسئول في شبكة الإعلام العراقي؛ حتى جائزتي في الشعر التي حصلت عليها في مسابقة ديوان شرق غرب؛ لم استلمها؛ لأنَّ الاحتفالية كانت في بيروت؛ وحتَّى جائزتي الأولى عن رواية (ضحكة الكوكوبارا) لم أستلمها حتى الآن؛ و يالها من مفارقة قاسية ومؤلمة؛ ‏فبقدر فرحتي في هذه الجوائز؛ لكني منحوس في استلامها والتمتع بها!

(كتابات) هل واجهتك صعوبات ككاتب؛ وما هو جديدك؟

– لولا الألم والمكابدة؛ لما كتبتْ؛ فكلَّما تفاقمتْ أوجاعي وهمومي؛ تعدَّدتْ نصوصي؛ أنا أكتبُ حتى انتصر على الأسى الذي يحتويني؛ وأطرد شبح الموت عن خاطري.

أما عن جديدي؛ لديَّ رواية مخطوطة جاهزة؛ أرسلتها إلى أصدقائي الأدباء للاطّلاع عليها؛ منهم الروائي المعروف “برهان شاوي” والكاتب العزيز “شوقي كريم حسن” وآخرين؛ وهناك رواية أخرى أكتبُ فيها بعنوان “حياة سافلة”؛ ستكون خاتمة أعمالي السردية؛ وقد أعتزل الكتابة نهائياً بعدها؛وسأنصرف إلى حياتي المعذّبة؛ لأمنحها فسحة من الاستجمام والترحال؛ قبل أنْ تحلّقُ روحي الهائمة إلى السماء.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة