18 سبتمبر، 2024 10:21 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات.. “حورية الإرياني”: الصراع والاضطراب لم يتمكنا من قتل الإبداع في اليمن

مع كتابات.. “حورية الإرياني”: الصراع والاضطراب لم يتمكنا من قتل الإبداع في اليمن

خاص: حاورتها- سماح عادل

“حورية  عبد السلام عبد الرحمن الإرياني” كاتبة يمنية، حاصلة على شهادة البكالوريوس في المختبرات الطبية كلية الطب جامعة صنعاء.  أصدرت رواية (خضرا)  ونشرت عام 2021. حاصلة على جائزة (حزاوي لأدب الطفل) عن قصة لليافعين بعنوان (سوار القدر) 2022.

كان لي معها هذا الحوار الشيق..

* متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف كان الاستمرار فيه؟

– لا أستطيع تحديد لحظة بعينها بدأ فيها شغفي بالكتابة، فالقلم دائمًا وسيلتي للتعبير عما يعتمل في داخلي من أفكار ومشاعر. أما الاستمرار، فهو ليس مجرد خيار بل هو ضرورة وجودية؛ فكلما كتبت، شعرت بأنني أقترب أكثر من ذاتي، فالكتابة بالنسبة لي رحلة لا يمكن التوقف فيها؛ فأنا أسعى دومًا للتعلم والنمو حتى أتمكن من إتقان هذا الفن.

* تخصصك في مجال الطب، لكنك سعيت إلى كتابة الروايات. حدثينا عن ذلك؟

– مثل الكثيرين، وجدت نفسي أمام خيار صعب بين شغف الأدب ومتطلبات الحياة العملية. اخترت دراسة الطب لأنه كان السبيل الأكثر أمانًا للاستقرار المالي والاجتماعي. ومع ذلك، لم أستطع إخماد الشغف  في داخلي، فالكتابة دائمًا ملاذًا لي، ووسيلة لأعبر عن تلك الأفكار والمشاعر التي لم يكن بإمكاني التعبير عنها.

* حصلتِ على جائزة “حزاوي لأدب الطفل” عن قصة لليافعين بعنوان “سوار القدر” عام 2022. هل منحتك هذه الجائزة دفعة للاستمرار؟

– بلا شك. كانت جائزة “حزاوي” بمثابة الاعتراف الأول بقدرتي على التأثير من خلال الكتابة. إنها لم تكن مجرد مكافأة مادية أو معنوية فحسب، بل كانت تأكيدًا لي أنني أسير في الطريق الصحيح. منحتني هذه الجائزة دفعة قوية للاستمرار، ليس فقط من أجل تحقيق نجاحات شخصية، بل من أجل مواصلة كتابة القصص التي تلامس قلوب الأطفال وتغذي خيالهم.

* الكتابة للأطفال، ما مدى صعوبتها ولماذا اخترتِ الخوض فيها؟

– الكتابة للأطفال تُعد تحديًا كبيرًا؛ فالطفل قارئ نقي لا يتقبل إلا ما يتماشى مع خياله ويشبع فضوله. الأمر يتطلب استخدام لغة سلسة وجذابة، وسرد قصص تحمل مغزى ولكن ببساطة ووضوح. الكتابة للأطفال تتطلب فهماً عميقاً لعالمهم، وهو ما يجعلها أصعب من الكتابة للكبار. اخترت هذا المجال لأنني أشعر بارتباط عميق بالأطفال، ربما لأن دهشتهم تجاه العالم تشبه دهشتي أنا أيضًا. أجد في الكتابة لهم فرصة لمد جسور بين عالمي وعالمهم، ومشاركة تلك اللحظات السحرية التي تشعر فيها بأنك ما زلت طفلاً في داخلك.

* في رواية “خضرا”، صورتِ قسوة المجتمع على أطفال الشوارع وأولئك الذين لا يتمتعون بحماية الأهل، خاصة النساء. هل هناك تشابه بين الرواية وأحداث واقعية؟

– بالتأكيد. كنت محظوظة أن والديّ كانا قريبين من فئات اجتماعية متنوعة، مما أتاح لي سماع قصص كانت دائمًا مصدر إلهام لخيالي. تلك الحكايات منها نسجت خيوط رواية “خضرا”، حيث حاولت أن ألتقط الألم والأمل في آنٍ واحد، وأن أعكس واقعًا قد لا يكون معروفًا للجميع، ولكنه حاضر في حياة الكثيرين.

* في رواية “خضرا”، كانت خضرا تبيع جسدها. هل توجد مثل هذه المهنة في اليمن، وكيف يتم التعامل مع الفتيات اللاتي تضطرهن الظروف إلى ذلك في مجتمع محافظ؟

– نعم، مهنة الدعارة موجودة في اليمن، لكنها تُعتبر من أعظم المحرمات الاجتماعية والدينية. ومع ذلك، فإن الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية قد تدفع بعض النساء إلى هذه المهنة كملاذ أخير. في مجتمع محافظ كاليمن، تُعتبر هؤلاء النساء منبوذات وغير مرئيات؛ المجتمع يرفضهن ويفضل عدم الاعتراف بوجودهن، حتى أن مجرد الحديث عنهن أو محاولة تقديم حلول لوضعهن يُعتبر من المحظورات. وبالتالي، تظل معاناتهن مختبئة خلف ستار الصمت، بعيدًا عن أي محاولة حقيقية لفهم أسباب وصولهن إلى هذا المصير المأساوي.

* رصدتِ أيضًا التعامل الدوني الذي تتلقاه المرأة، حتى وإن كانت متعلمة أو طالبة في الجامعة. حدثينا عن ذلك؟

– للأسف، نحن نعيش في مجتمع يدّعي المحافظة، ولكنه في الواقع يعاني من تهاون في حقوق المرأة وحقوق الإنسان بشكل عام. الفقر، الصراع، والجهل هي الأسباب الجذرية لهذه النظرة الدونية تجاه المرأة. في هذا المجتمع، ما تزال المرأة تُعتبر كيانًا تابعًا، حتى وإن وصلت إلى أعلى مستويات التعليم. يُنتقص من إنسانيتها، وتُحرم أحيانًا من حقوقها الأساسية وفي تحقيق ذاتها. لكن رغم كل هذا الظلم، تكمن قوة المرأة اليمنية في قدرتها على الصمود والاستمرار في السعي نحو تحقيق أحلامها، متحديةً كل العقبات التي تقف في طريقها.

* كان تناولك للبطلة إيجابيًا، وسعيتِ لتغيير حياتها البائسة ونجحتِ في ذلك. ألا تشعرين أن هناك بعض المبالغة في أن تصبح طبيبة وتتفوق؟

– في اليمن، كل شيء ممكن. لا أرى أن وصول “نور” إلى مكانتها العلمية كان أمرًا مستحيلاً. لقد كان تحقيقها لشهادتها الجامعية نتيجة لاستحقاق تام وليس مجرد حظ. “نور” لم تكن مجرد بطلة متميزة، بل كانت تجسد مثالًا للكثير من الفتيات اليمنيات اللاتي يمتلكن ذكاءً وإصرارًا، ويكافحن ضد كل التحديات للوصول إلى أحلامهن. كانت رحلتها واقعية بقدر ما كانت ملهمة، تعكس صمود المرأة التي تريد إثبات نفسها في مجتمع غير قابل بها فحاولت كثيرًا لأن تجد لنفسها فيه متسع.

* رصدتِ أيضًا مدى القسوة في وقت الحرب، حتى أنه يتم قتل المرضى العزل في المستشفيات. هل هذا أمر واقعي؟

– نعم، هو واقعي. ما رصدته في الرواية لم يكن مجرد خيال، بل هو استناد إلى أحداث حقيقية وقعت في زمن ما قبل الحرب بسنوات، في مستشفى معروف في اليمن. نهاية “نور” كانت مطابقة لنهاية شابة وطبيبة يمنية عرفتها شخصيًا، ماتت وهي تحاول إنقاذ مصاب في تلك الحادثة. تأثرت بشجاعتها وشعرت بضرورة توثيق تلك اللحظة في روايتي لتبقى ذكرى لتلك الروح النبيلة التي ضحت بحياتها في سبيل إنقاذ الآخرين.

* هل تشعرين أنك تناولتِ موضوعًا شائكًا في رواية “خضرا” وكيف كان رد الفعل عليها؟

– نعم، الرواية تطرقت إلى قضايا حقيقية. صنعاء مدينة متفردة بحكاياتها وبناسها. تفاعل القراء مع الرواية كان جيدًا وبالخصوص النساء منهم فقد كان مشوبًا بمزيج من الألم والتعاطف، وبرغم أن البعض وجد بعض الأحداث صعبة التصديق، لكن معظمهم شعر بصدقها، خاصة من سكنوا صنعاء في تلك الحقبة.

* هل تواجهين صعوبات في النشر في اليمن ككاتبة؟

– النشر داخل اليمن ليس بالصعب، لكن التحدي الحقيقي يكمن في الوصول إلى جمهور خارج اليمن. النشر من داخل اليمن إلى العالم الخارجي يتطلب جهداً أصعب.

* ما حال الثقافة في اليمن بعد كل تلك الصراعات والاضطرابات؟

– الإجابة على هذا السؤال تحمل في طياتها الألم والأمل معًا. فرغم كل الصعوبات، يظل المثقفون في اليمن يقاومون و يناضلون للحفاظ على هويتهم الثقافية. ويسعدني القول بأن هناك حراك جاد يقوده الكتّاب والأدباء، يسعون من خلاله إلى صقل المواهب الشابة وإعادة الحياة إلى المشهد الثقافي الذي كان على وشك الاندثار. الصراع والاضطراب لم يتمكنا من قتل الإبداع في اليمن، بل ربما زادها قوة وصمودًا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة