خاص : حاورتها – سماح عادل :
“حنان محمد يوسف الهوني” شاعرة وباحثة ليبية.. من مواليد مدينة “هون” 1972، حاصلة على ماجستير، في الأدب والنقد الأدبي العربي الحديث والمعاصر والأدب الليبي، جامعة سرت، 2009.. عملت محررة، ومديرة تحرير لصحيفة (الجفرة)، وأستاذ بجامعة سرت، كلية الآداب والعلوم بهون، قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية.. أصدرت ديوان (لسان الليل)، ديوان شعر فصيح، وكتاب (شرفات)، وهو عبارة عن مجموعة أبحاث ودراسات.. تحدثت مع (كتابات) في حوار شامل عن فنها وأفكارها الإبداعية…
(كتابات): في ديوانك (لسان الليل).. لِمَ هذا التمسك بالموسيقى والقافية رغم تخلي الكثير من الشعراء عنها ؟
- التجربة الشعورية تتدفق عبر أشكال وقوالب شعرية غير مخطط لها في كثير من الأحيان، ولكن لابد من ثقافة صوتية تتربى عليها الأذن حتى يتجلى الشعر في هذه المقطوعات الموسيقية العذبة، وأنا أرى بأن الموسيقى تعطي بهاء للشعر، بل وتُحلِق به في فضاء رحب، تمتزج فيه الموسيقى والكلمات، وبمعنى آخر فإن الشعر كفنٍ قولي يمتزج بفنٍ صوتي آخر هو الموسيقى ليُنْتِج قطعةً فنيةً غنية، وقد يتخلى بعض الشعراء عن الوزن والقافية ولكنَّ الموسيقى لابدَّ أن تُوجد في النص الشعري بأشكالٍ أخرى كـ”الجناس والطباق والمقابلة والسجع والتكرار، والموسيقى الداخلية” وغيرها.
(كتابات): في ديوانك (لسان الليل).. مهمومة أنت بالوطن وبالأمل.. حدثينا عن ذلك ؟
- الوطن هو الفضاء الحاضن لكياننا، الوطن هو هويتنا وانتماؤنا، وشعورنا به تترجمه بعض كلمات، أما حبنا العظيم له فلا يمكن أن تحيط به لغات الأرض، والأمل مقترن بكل شيء في الحياة، الحب أمل والوفاء أمل، والشعر أمل، وهذا السؤال دفعني لتأمل نصوصي، فوجدتها فعلاً مكتنزة بالأمل، وهي ربما رغبة ملحة في تغيير واقعٍ متعطش للتفاؤل والتطلع لغدٍ مشرق وضَّاء.
(كتابات): دراستك للماجستير عن الشعر الليبي.. ما هي أهم مميزات الشعر في ليبيا ؟
- دراستي كانت عن “الغموض في القصيدة الليبية الحداثية”.. تناولت فيها مقاربة لمفهوم الغموض، وأسبابه وتأثيره على الشعر، وأخذت نموذجاً لذلك وهو الشاعر (مفتاح العماري)، وهو أحد رواد كتابة قصيدة النثر في ليبيا.
الشعر الليبي ظُلِم كثيراً، ولا يمكننا أن نشير بالسبابة إلى سببٍ معين، أو إلى “شخص” بعينه، ولكنَّ الدراسات الأدبية والنقدية في أنحاء الوطن العربي تجاوزته وغضَّتْ الطرف عن إبداعٍ جدير بالقراءة والتذوق، فقد قرأت الكثير من المناهج الدراسية في مراحل التعليم المختلفة في الوطن العربي، بداية من الابتدائية وحتى الدراسات العليا ووجدتُها، تتعمدُ إسقاط (الأدب الليبي)، فتذكر شعراء بلاد الشام والعراق ومصر، ثم تتناول شعراء المغرب العربي، بداية من تونس انتهاءً بالمغرب الأقصى فتتجاوز شعراء ليبيا، ربما يتبادر إلى الأذهان أن سبب ذلك ضعف الشعر الليبي فنياً، ولذا نقول: أن الشعر الليبي لا يقِل جودةً و دهشةً عن الشعر العربي، فلدينا رموزٌ شعريةٌ فذةٌ من أمثال الشاعر “أحمد رفيق المهدوي”، و”أحمد الشارف”، و”إبراهيم الهوني”، و”علي الفزاني”، و”علي الرقيعي”.. والقائمة طويلة جداً، تتنوع فيها الألوان، وتزينها أطياف الاختلاف. ونتيجة لذلك ألتفتت الدراسات الأكاديمية في الجامعات الليبية مؤخراً، لدراسته والاهتمام به، كما أن انفتاح الشاعر الليبي على قنوات إعلامية واسعة الانتشار مثل الإنترنت ساهمت في التعريف به، وبشعرائه.
(كتابات): من هم الشعراء الذين تفضلين وربما تأثرتِ بهم ؟
- كلُّ نصٍ مدهشٍ جديرٌ بالتأمل هو مؤثر.. كثيرٌ من الشعراء مؤثرين بنصوصهم، بدايةً من “أحمد شوقي” و”البارودي” و”إبرهيم ناجي” و”أبو قاسم الشابي” و”جبران خليل جبران” و”إيليا أبو ماضي”، ومروراً بـ”نزار قباني” و”محمود درويش” و”أحمد عبد المعطي حجازي” و”صلاح عبد الصبور” و”فاروق جويدة” و”سميح القاسم” و”أمل دنقل” و”علي الفزاني” و”خليفة التليسي” و”خالد زغبيوط” و”الطريبشان” وكما قلت؛ كلُّ نصٍ مبدعٍ مؤثر.
(كتابات): ما رأيك في قصيدة النثر، خصوصاً أنك تناولتها بالبحث في كتابك (شرفات) ؟
- إلى زمنٍ قريبٍ كنتُ مؤمنةً بضرورة وجود الوزن في الشعر، وذلك؛ للتفريق بينه وبين الأجناس الأدبية الأخرى، ولكن هذا الاعتقاد زعزعته بعض القصائد النثرية المؤثرة الرائعة، وأن ننفي الشَّاعرية من تلك، أمر مجحف وفيه ظلم كبير لها، إذاً الشاعرية أمر ملْتبِس تختلف فيه الكثير من الاشتراطات منها صدق التجربة والانفعال بها، ثم الصورة والموسيقى، و تماسك النص، والكثير من اللفتات الفنية الأخرى، التي لا تخفى عن الذائقة العربية المدربة، وكان البحث يتكلم عن كل هذا إضافة إلى إشكالية الولادة والاصطلاح.
(كتابات): ما رأيك في حال الثقافة في ليبيا.. وهل أثرت الصراعات والحروب عليها ؟
- إنها تتعافى تدريجياً.. فقد كانت تعاني الكثير تحت سلطة دكتاتورية، أصابتها بكثيرٍ من الضعف والوهن.. المشهد الثقافي في ليبيا بعد الثورة تنفس الصعداء، والأدباء الليبيون أصبحوا يجوبون ربوع العالم للتعريف بأدبهم، بل وحصد كثيرٌ منهم الجوائز والأوسمة ونال التكريم والتقدير الذي يليق به.
الثقافة الليبية في المجمل غنية جداً، وبها الكثير من الأطياف والألوان المختلفة والتي تشكل لوحة فنية مدهشة، ولكن الإعلام العربي يغض الطرف عنه، أحياناً بغير قصد، وفي كثيرٍ من الأحيان بقصد، وأنا هنا أثمن هذه الالتفاتة الذكية والقيمة منك للأدب والأدباء الليبيين.
(كتابات): لكي مجموعة قصصية تحت الطبع.. لِمَ قد يلجأ الشاعر إلى القص، وماذا يعني هذا التحول ؟
- ما لا يقوله الشعر يمكن أن يقوله النثر بجميع أشكاله وأنواعه الفنية، والكتابة غالباً هي التي تقود الكاتب، و تختار له شكلاً وقالباً معيناً يتجلَّى فيه نتاجه، وجدتُ في القصة القصيرة، والقصة القصيرة جداً، براحاً أوسع، ونفساً أطول للتعبير عن بعض الومضات الحياتية، و المفارقات الواقعية التي نعيش، وجاءت تلك القصص ترجمة لحاجتي لكتابة الفكرة والتعبير عن موقف وعن حدث، لأن الشعر عبارة عن دفقات وجدانية مركزة جداً، وكتابة الشعر، وولادة القصيدة – بالنسبة لي – عسيرة و متعبة ومرهقة جداً، بينما كتابة القصة فيها الكثير من الليونة والسلاسة، وكل نوع له رونق خاص وبريق مميز.
(كتابات): هل واجهتي صعوبات كونك شاعرة ومحررة صحفية وباحثة في مجتمع شرقي؟
- على العكس.. وجدتُ ترحيباً وتشجيعاً من الوسط الأسري والثقافي، ولكن هناك صعوبات أخرى، أشترك فيها مع باقي الكتاب، وهي صعوبات الطباعة والنشر والتوزيع، وتوفر الاستقرار في بيئة اجتماعية و وسط يجنح إلى عكس ذلك تماماً، أعاني كثيراً، من عدم توفر هذه البيئة المحفزة على الإبداع، ومع ذلك أحاول بكل ما أوتيت من قدرة وخبرة على اجتياز كل هذه العراقيل بكثيرٍ من الجلد والصبر.
(كتابات): حدثينا عن دور المرأة الليبية في الأدب ؟
- مسيرة المرأة الليبية الأدبية طويلة جداً، ويمكنني في هذه العجالة أن أقدم ما يشبه البانوراما عن هذه المسيرة، فبالنسبة للشعر كتبت الكثير من الشاعرات الشعر على تنوعه، ومنهن؛ “فاطمة أحمد”، “سميرة البوزيدي”، “خلود الفلاح”، “سعاد سالم”، “فريال الدالي”، “حواء القمودي”.. واستمرت الكتابة الشعرية إلى يومنا هذا، أما بالنسبة لكتابة القصة والرواية، فالمشهد يزدحم بالكثير من الأسماء، من أمثال “زعيمة الباروني” و”مرضية النعاس” و”خديجة الجهمي” و”لطفية القبايلي”، و”فوزية شلابي” و”شريفة القيادي” و”عائشة الأصفر” و”فاطمة الحاجي” و”فريدة المصري” و”وفاء البوعيسي”، وهذه الأسماء تبقى قاصرة عن الإحاطة بالمشهد السردي العام.
وفي داخل هذه العوالم الكثير من التجريب والإبداع، فكل اسم يمثل ثيمة وأيقونة في الكتابة الأدبية النسائية الليبية، لها خصوصيتها وفرادتها، وتجربتها المختلفة، وقد أثَّرَت وأثْرَت ديوان الأدب الليبي.
(كتابات): هل لديك مشاريع إبداعية ونقدية جديدة ؟
- نعم، أعكف حالياً على كتابة رواية، وهي تأخذ مني الكثير من الوقت والجهد، ولكني مستمتعة جداً، بدخولي لعالم إبداعي جديد، أكتشف فيه قدراتي الفنية، وأجرب فيه أدواتي الإبداعية بأسلوب جديد ومختلف، كما أنني بصدد كتابة رسالة الدكتوراة حول “الرواية النسائية الليبية”، انتهيت قبل أيام فقط من كتابة الباب الأول، ولم أتوقف عن المشاركة في المؤتمرات والندوات داخل ليبيا أو خارجها.