24 نوفمبر، 2024 2:05 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات.. حميد الزاملي: على الكاتب أن يثير الأسئلة ويحرك الماء الساكن

مع كتابات.. حميد الزاملي: على الكاتب أن يثير الأسئلة ويحرك الماء الساكن

 

خاص: حاورته- سماح عادل

“حميد الزاملي” كاتب عراقي، ولد في الكوت، حاصل على بكالوريوس لغة عربية، صدر له: (نزيف النخيل، شعر- مراثي درب القمر، شعر- الهجرة إلى مملكة الثلج، قصص- عودة اللقلق، قصص- قبوط هتلر، قصص- ميزوبوتيميا، مجموعة شعرية مشتركة- هنا نلتقي، قصص، مجموعة مشتركة- ثنائيات، قصص، مجموعة مشتركة). وهو عضو الاتحاد العام للأدباء في العراق، فاز بأحسن أديب ناشطي عام ٢٠١٣ في مهرجان الكوت نت، فاز بالمركز الثالث في مسابقة القلم الحر المصرية عن قصته “رقصة على مفترق الأصابع”، وشارك بأغلب المهرجانات الأدبية العراقية.

إلى الحوار:

(كتابات) في مجموعة “قبوط هتلر” في قصة (أوراق حسقيل) الضابط اغتصب الفتاة المعتقلة.. هل حاولت إظهار فداحة قهر السلطة في ذلك الوقت؟

  • “قبوط هتلر” مجموعة قصصية، استخدمت فيها تقنيات مختلفة وبشكل مكثف وبرمزية عالية، كنت أقصد أية كلمة أو جملة وحتى علامات التنقيط الموجودة فيها كانت لها دلالات مقصودة، وقة “أوراق حسقيل” أنموذج واضح وعميق على ما ذكرته، باختصار شديد ومن وجهة نظري الشخصية أقول على الكاتب أن يتعامل مع تفاصيل ومجريات المجتمع بكل ما يستطيع، مع الأخذ بنظر الاعتبار حيادية الكاتب ورسم المشهد القصصي بما هو وحسب أدواته المستخدمة، هذا يعني أنني كنت أقصد ما أقول ليس في “أوراق حسقيل” فقط وإنما في مجمل المجموعة.

(كتابات) في مجموعة “قبوط هتلر” حاولت رصد هموم وأحلام وقضايا الإنسان العراقي.. حدثنا عن ذلك؟

  • نعم حاولت طرح الكثير من الإشكاليات السائدة وفق ما أشعر به كمواطن يعيش في أرض عربية اسمها العراق، اشتغلت على المختلف في جميع الصعد وبالتالي اتضح لي أن هذا المختلف هو متشابه بنفس اللحظة، أوجدت مشتركات ومتناقضات بوقت واحد، والمتلقي الفطن يمكنه التمييز بين الموت والحياة والحب والكره والواقع والخيال…. من كل تلك المسميات استنبطت عدد كبير من الأحلام والقضايا الشائكة، والتي هي همومنا جميعا نحن المساكين الذين نعيش في منطقة من الكرة الأرضية تدعى “أمة العرب”… أنا أجزم بأننا نحن الذين ابتلينا بهم وابتلوا هم بنا، أعني الحكومات على اختلاف توجهاتهم، لدينا مطلب واحد أو أمنية واحدة أو حلم واحد هو ببساطة “دعونا نعيش بحرية وسلام وحياة كريمة” ذلك هو مطلبنا فقط، من هنا وفي وريقات مجموعتي القصصية “قبوط هتلر” صرخت بأعلى صوتي ” نريد أن نعيش بحرية”.

 

(كتابات) كيف بدأ شغفك بالكتابة وكيف طورته؟

  • منذ صغري وأنا مهتم بكل ما هو مختلف، لا أدري كيف ولماذا، الذي أدريه أنني أعيش وسط مدينة تتعامل بالشعر الشعبي “أقصد اللهجة العراقية الدارجة” ولك أن تتصوري أن باعة الأرصفة ينادون بأسماء سلعهم بشكل شعري مموسق، أي أنك هنا إما تقول الشعر أو تحفظه أو تحب سماعه بشغف، كل تلك التفاصيل مررت بها وتعاملت بها أول الأمر لكنني انجرفت إلى القراءة بشكل غير طبيعي، وخصوصا الروايات ودواوين الشعر العربي القديم والحديث، بعد فترة غير قصيرة أصبحت عندي وريقات مملوءة بالملاحظات والهواجس والأفكار والخواطر.

ذات يوم كتبت رسالة قصيرة لأحد الأصدقاء في المدرسة، سرعان ما وقعت بيد مدرس اللغة العربية الذي أعجب بها أيما إعجاب وبدل معاقبة صديقي ذاك طلب منه معرفة كاتب تلك الرسالة، حينها اعترف له عن اسم الكاتب الفعلي الذي هو أنا، من هنا وبعد ملاحظات الأستاذ ذاك وتشجيعه المتواصل انبثقت عندي بؤرة الكتابة وحتى الآن.

(كتابات) كتبت الشعر أولا.. هل لم يشبع الشعر حاجتك للبوح؟

  • أصدرت مجموعتي الشعرية الأولى عام 2002 ثم مجموعتي الشعرية الثانية عام 2007، بعد ذلك انشغلت بالسرد بشكل جنوني، أنا مازلت أكتب النصوص الشعرية النثرية ولكن انصب اهتمامي على القصص، يعني أنني أمارس البوح وفق أية طريقة أراها مناسبة، وأحيانا تكتبني النصوص قبل أن أكتبها أنا، وحين الانتهاء أو الانتباه إن صح القول، أراها نص نثري أو قصة قصيرة أو مسودة رواية، البوح عندي مناجاة مزمنة لحياة قادمة، لا أعرف متى تأتي.

(كتابات) في رأيك هل لابد للأدب أن يعبر عن مجتمعه؟

  • الأدب هو الوجه الثاني للمجتمع من وجهة نظري، هذا يعني أن الكاتب يستمد ما يكتبه من المجتمع الذي يعيش فيه، وحسب إمكانياته التعبيرية أو أدواته التي يستطيع من خلالها إيصال فكرة ما إلى المتلقي، من مختلف الشرائح الاجتماعية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأدب نخبوي جدا، لكن هذا لا يمنع من تداوله أو الاطلاع عليه من الجميع لهذا ليس الأمر ب “لابد أو غير ذلك”، بل لابد من عكس شي ما للناس كان أو سيكون وفق رؤية عميقة ومفيدة، وبشكل أكثر دقة إن مهمة الكاتب ليست إصلاحية أو وضع الحلول للازمات التي يغرق فيها المجتمع، بل مهمته الأساسية هي طرح الواقع المعاش، أين كان هذا الواقع، بطريقة أدبية متكاملة فنيا ومستوفية لشروطها الأدبية إيجابية كانت أو سلبية.

على الكاتب أن يثير الأسئلة ويحرك الماء الساكن، وعلى المتلقي إيجاد الحلول أو البحث عنها على أضعف الإيمان، من هنا يمكنني القول أنني ساهمت بطرح الأسئلة والإجابات معا، فإن كانت النتائج إيجابية وهذا هو همي وهدفي الكبير سأكون حينها في غاية السعادة والاطمئنان والمتعة، وإن كان غير ذلك علي أن أعيد النظر بكتاباتي وجدواها، “الكتابة عندي فعل إيجابي دائما”.

(كتابات) ما يميز القص العراقي عن باقي القص في البلدان العربية؟

  • صحيح جدا أننا كوطن عربي تربطنا عدة روابط ومشتركات مهمة،  لكننا بنفس الوقت لدينا خصوصيات واضحة ومعروفة، من ذلك نجد النتاجات الأدبية وبمختلف أجناسها لها بصمات تشي بمكانها الذي كتبت فيه، وبالتأكيد القصة العراقية لها لمسات تختلف عن مثيلتها في مصر أو لبنان أو المغرب العربي، لا أقول أن القصة العراقية متقدمة عن غيرها في أقطار الوطن العربي، بل أجزم أنها بمواصفات مهمة وتقنيات ذات مستوى عال جدا، والدليل على هذا هو أن أغلب المسابقات العربية يتصدرها كتاب قصة من العراق، ولو أن الجوائز ليست مقياس نهائي لكنها تعتمد أحيانا في التقييمات الفنية.

(كتابات) احكي لنا عن مجاميعك القصصية الأخرى؟

  • “الهجرة إلى مملكة الثلج” هي مجموعتي القصصية الأولى، صدرت عن دار الشؤون الثقافية/ وزارة الثقافة العراقية عام 2013 وكانت هي بداياتي الحقيقية مع السرد، ثم أصدرت عام 2013 مجموعتي القصصية الثانية” عودة اللقلق” عن دار نشر مكتبة عدنان ثم أصدرت “قبوط هتلر” عام 2015 عن دار نشر مكتبة عدنان ثم أصدرت ” آخر الأخبار” عن اتحاد أدباء واسط، قبل ذلك كنت شاركت في مجموعتين قصصيتين مع نخبة من الكتاب هما ” هنا نلتقي و ثنائيات”

(كتابات) في رأيك هل شهدت القصة القصيرة قفزة ثقافية مثلما حدث في الرواية في العراق.. وكيف؟

  • الأحداث الساخنة التي مرت بالعراق أثرت بشكل وآخر على مجمل الحياة، والأدب حتما هو واحد من الأمور التي تأثرت بمجريات الأحداث، فمن الطبيعي أن تكون هناك اختلافات أو تغيرات أو تأثرات، لكن الملفت هنا أن الرواية كتابة ونشر وتوزيع وقراءة قد تسيدت الأجناس الأخرى، وهذا ما أثر على القصة بالذات، هذا لا يعني انحسار القصة أو غير ذلك، بل أن أكثر كتاب القصة قد اتجهوا لكتابة الرواية، مع ذلك منتوج القصة العراقية بخير وبنوعية متجددة وبأساليب حديثة، أنا فهمت ” القفزة الثقافية” من حيث الكم لذلك قلت وجهة نظري أعلاه أما إن كنت تقصدين الجانب الفني فهذا واضح من خلال الدراسات والجوائز والمشاركات الكبيرة للأدب العراقي في المحافل العربية والعالمية.

(كتابات) من هم الكتاب الذين أثروا بك؟

  • تعلمت من كل الكتاب الذين قرأت لهم، ليس هنالك كاتب بعينه أثر بي بشكل ملموس ومباشر، لكل واحد بصمته طبعا وبالتالي أنا تأثرت بل تعلمت من الجميع العرب والأجانب على حد سواء، مازلت أتعلم حتى الآن وأواصل السير بخطوات أزعم أنها ثابتة،علني أصل إلى ما وصل إليه غيري من السابقين الذين أثروا المشهد الأدبي بالجمال والفن والإبداع.

(كتابات) هل حال الثقافة في العراق اختلف بعد 2003 وكيف؟

  • نعم هنالك طفرة كبيرة في الثقافة العراقية عموما والأدبية خصوصا، وأعني هنا الجوانب الإيجابية التي حدثت أمثال تكسير التابوات الحمراء وانتهاء الرقيب، الكتابة الآن يا سيدتي حرة بشكل مطلق لا حدود ولا رقيب ولا خوف للكاتب في أي شان يكتبه، وهذا شي كبير ومثالي للإبداع لا يتوفر في الكثير من البلدان وحتى المتقدمة والمستقرة منها، أما الخطط أو الأفكار التي تقوم بها الحكومة فهذا شيء آخر، سواء كان موجودا أو مفقودا، “الثقافة صناعة ذاتية يقوم بها الفرد بنفسه”.

قصة “أنا قتلت الرئيس”

“اقتادوها بعد أن ربطوا يديها إلى الخلف لكنها صرخت بصوت عال: مابالكم صفقتم له بعد انتهاء خطبته الطويلة، تبا لكم، كيف رضيتم أن يقول له أحدكم بتذلل ” أنك تجيد المواعيد والوصايا أيها الرئيس” سكتت قليلا ثم واصلت بعصبية: – سأذكركم  بعهوده الزائفة التي صدقتها سابقا، كنت في ذروة إعجابي بكلماته المحتالة، ولم أبال في زهور الياسمين التي نثرتها فوق رأسه وهو يسحقها بقدميه بلا رحمة، لم أكن أعلم أنني صرت كما اللواتي كن مزروعات في حانته التي اشتراها بفتنة إحداهن، ضحكت مردفة بسخرية:

– تلك الجميلة كانت مغرمة به حد الهوس لذا لم تحفل ببيع بكارتها مقابل أن يتملك هو تلك الحانة، أتمت كلماتها ملتفتة صوب الناس الذين احتشدوا ثم أشارت نحوهم قائلة:

– ها أنا أراه يلوح أمامكم باهتمام زائف وانتم تلتفون حوله، إنه لا يراني طبعا لأنه ينظر إلى كيفية تحقيق غاياته من خلال بضعة كلمات معسولة تخترق أذهانكم وتجعلكم غير مدركين لحقيقته المخادعة والمارقة حد اللعنة، لذا تسيدكم بغفلة كما فعل من قبل مع ضحاياه، كان يصطحبهن إلى الحانات التي كان يرتادها ثم يتركهن ينفرطن في لذة الحيف والقهر الذي سببته لهن وعوده الكاذبة، ياه كم كنت غبية حين مشيت على دربه المملوء بالكذب والرذيلة، لكنني كشفت خداعه ولو بعد فوات الأوان وتركت للرصاصة التي أطلقتها ناحيته قبرا نتنا في دماغه المتجدد بالنفاق، سأقتله عدة مرات وبقدر الميتات التي متها بسببه، وسأكتفي بالابتسام وأنا ممسكة بالمسدس الذي شاركني بكل تفاصيل خطتي، التي تدربت عليها منذ سنوات، أنا متأكدة بأن المسدس يتفاخر كما أنا، وواثقة بأنه سوف يعيد مافعلناه إن سنحت فرصة مناسبة أخرى، أرجوكم هذه إفادتي وأنا التي أطلقت الرصاص إلى رأسه، أنا الفاعلة الوحيدة التي ثأرت لعمرها  المسفوح بسببه أنه لا يستحق الحياة، أنا قتلته، أنا قتلته بيدي هاتين، قالت ذلك وهي تحاول فك الوثاق المحكم، أظنها استسلمت أخيرا لهم حين قالت باكية:

– أرجوكم، لست مجنونة أنا أعقل منكم، لا أريد أن اذهب إلى مستشفى الأمراض النفسية، أتوسل إليكم خذوني إلى السجن، أنا الفاعلة الحقيقية التي قتلت رئيسكم قبل أشهر”.

قصة حفلة الكاف..

“عيناها ساهمتان يتخلل بياضهما خيط أحمر متقطع منذ الصباح، مرت نصف ساعة بدون أن تفركهما أو تمسح دموعهما، بل تشاغلت بخصلات شعرها الأمامية مبتعدة عن العمودين المتقابلين الذين تستند فوقهما طارمة بيتها الدائرية، تبدأ مشيتها الهادئة بمحاذاة سياج الحديقة الخشبي الذي يطوق نباتات الياس المتساوية الارتفاع، بضعة خطوات تفصلها عن نهاية الممر المؤدي إلى الأرجوحة الحديدية المصبوغة باللون الأبيض، يهتزان نهداها أثناء قفزتها إلى ضفة الساقية الأخرى متجاهلة القنطرة القريبة كما تفعل كل مرة، يختفي خيالها وسط أوراق شجرة التوت المتدلية من منزل الصابئة المجاور، تستقر في قلب الأرجوحة رافعة قدميها عن الأرض لتنطلق محلقة بإيقاع واحد، تمسك أطراف ثوبها الخفيف المتطاير الذي يكشف جزءا من فخذيها، عشرون دقيقة بالتمام والكمال وعدد من المرات للأمام ومثلها للخلف وهي في قلب الأرجوحة، اعتادت ذلك في كل ليلة قبل عودتها لداخل بيتها وإقفال أبوابه وإسدال ستائر شبابيك غرفة نومها المزركشة، تعاين وجهها المنعكس وسط المرآة المستطيلة المثبتة في ثلث الجدار المدهون بلون يقترب من الأصفر الخفيف، تغني بصوت مسموع بين الحين والآخر،

” آنه من اشوف هواي مجبل عليه، حيلي يكع بالكاع وتموت اديه”

تعودت ترديد تلك الكلمات أثناء تكوير شعر رأسها وتثبيته بالقراصة الصغيرة الوردية على شكل قلب، تضع أطراف أصابع يدها اليسرى على شفتيها ثم تبعدهما في الفراغ الفاصل بينها وبين وجهها الساكن منتصف المرآة باعثة قبلة هوائية سريعة، ” هذا الهوى من اهواي حيل ارد اشمه، عونك بدنياك يلجنت يمه”

قالت ذلك أيضا مقتربة من خزانة ملابسها الضاجة بالملابس، تقلب فساتينها المعلقة، مبتدأة بالأحمر الغامق مرورا بذي اللونين الأسود والأبيض كما رقعة شطرنجية، فالقهوائي المجاور للأزرق ثم الفيروزي المفتوح من الصدر الذي ارتدته في حفلة تخرجها من كلية الآداب، قربت الفستان الأصفر من أكتافها محدقة لحافاته السفلى التي لامست أقدامها ثم أعادته لمكانه السابق متناولة الايشارب الأسود الذي رمته على كتفيها وراحت مبتعدة، هذه الليلة تطلعت كثيرا لملابسها بخلاف الليالي التي مرت طوال أربعة فصول بالتمام والكمال

،” كصري زبونك ، خل الحجل ايبان كصري زبونك”

رددت ذلك بصوت ضعيف بعد إتمام مكياجها الخفيف، تنقلت عدة مرات في أروقة الصالة ذات الأنوار الخافتة قبل استقرارها فوق المقعد الأسفنجي الوثير، وضعت ساقها اليمنى فوق الأخرى قبالة الطاولة المزدحمة بالشموع المصفوفة على شكل حرف ( ك ) باللغة الانكليزية، أعادت ظهرها للخلف قليلا فبدا الحرف واضحا بشكله التقليدي، أوقات طويلة مرت على تحديقها صوب الشمعات المستمرات بالإضاءة والذوبان معا، انتبهت على خفوت النور حين تزايدت مخلفات الشمع الذي تراكم كتضاريس متعددة الارتفاعات، بدا شكل الكاف المكتوب بالإنكليزية الكبيرة مختلفا عما كان عليه قبل إشعال الشموع، ضاعت بصمته الأولى وصارت أطرافه بدون معنى، فركت راحتيها وتقدمت باتجاه الشباك الكبير الذي اقتحمه الفجر من زاويته البعيدة، توقفت بمحاذاة الفراشة المرسومة أعلى الستارة الملامسة لبلاطات الأرضية المرمرية، نظرت لزوايا المنزل المعتمة التي مازال الليل فيها في مراحله الأخيرة، رمقت الصورة المعلقة وقالت بصوت مرتفع هذه المرة:

– “ياطيور الطايرة، مري بهلي، ياشمسنا الدايرة ضوي لهلي”

هزت رأسها قليلا وهي تضع يدها أسفل بطنها مردفة:

– لكنه لم يعد.

أزاحت الستارة قليلا:

– ياه، كعادتك أيها الليل.

حدقت نحو الباب المغلقة التي بانت خيوط الشمس من خلال فتحاتها:

– ليته يعود.

تنهدت من جديد ثم واصلت:

– هاهو النهار مرة أخرى.

أظنني سمعته يقول:

“سوف أعود ”، لكنه لم يعد،

تلفتت عدة مرات بعد استيقاظها السريع، عدلت غطاؤها المبعثر فوق جسدها، لم يكن هنالك شيء تسمعه سوى زقزقة عصافير الصباح المتزاحمة فوق شجرة التوت المنتصبة في حديقة دار الصابئة الخالية وقفزات البلبل داخل القفص المعلق في هول منزلها الداخلي، رددت بصوت ضعيف:

” الحلم والعصافير والبلبل والأرجوحة ومنزل الصابئة المجاور، كل شيء على حاله، الليل هو هو، والصباح نفسه يتكرر طوال أربعة فصول، ليته … ”

لم تكمل كلماتها، نظرت مرة أخرى إلى الصورة التي داهمها الضياء المتسلل من ستارة النافذة الكبيرة، تنهدت عدة مرات حين أصبحت وسط الأرجوحة التي راحت للأمام بسرعة أقل مما للخلف، لم ترفع قدميها عن الأرض هذه المرة أو تمسك أطراف ثوبها، مسحت دموعها ورددت بصوت ضعيف:

– ربما هو الآن ينتظر النهار، وها قد جاء النهار، لكنه لن يعود”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة