19 ديسمبر، 2024 11:43 ص

مع كتابات..حفناوي سيد: سعيت لاكتشاف الحضارات الشرقية

مع كتابات..حفناوي سيد: سعيت لاكتشاف الحضارات الشرقية

 

خاص: حاورته- سماح عادل

“حفناوي سيد” قاص وفنان تشكيلي من أصول مغربية جزائرية، من مواليد 1959، صدرت له مجموعتين قصصيتين، الأولى بعنوان “دموع الغرباء” بالأردن، والثانية “ليال من الجزائر” صدرت عن دار ليلة بأمريكا. شارك ا في صالونات الفنون التشكيلية بالجزائر، وله حضور في عدة مجالات عربية.

إلى الحوار:

 

(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

  • بدأت الكتابة مبكرا، في سنوات الجامعة، تطور شغلي بالكتابة عن طريق الممارسة والمطالعة، وعن طريق البحث عن أسلوب يميزني عن الكتاب الآخرين.

كتبت القصة ونشرت أول مرة قصصي في مجلات كانت تشرف عليها الكتابة المصرية “آية ياسر”، لما وجدت التشجيع الكافي وأحسست أن مصر تحتضن قصصي.. واصلت الكتابة بقوة ودخلت مجال القصة الغرائبية بقوة وكتبت عن ملوك مصر القدامى.

(كتابات) أيهما بدأ أولا كتابة القصة أم الاهتمام بالرسم وأيهما أقرب إليك؟

  • الرسم كان موهبتي الأولى قبل كتابة القصة، كنت أطمح لأصبح فنانا تشكيليا، ورغم أنني مارست الرسم 40 سنة، إلا أنني كنت أحس بأن السرد سيدخلني إلى عالمه الساحر.

قصة دخولي إلى عالم القصة كان سببه صديق لي من الفنانين التشكيليين، حيث لاحظ هذا الأخير بأنني كنت أضع تعاليق بلغة قوية تحت الأعمال الفنية، التي كان رفاقي الرسامون ينزلونها على صفحاتهم  ب”الفيسبوك”، فقررت أن أقتحم عالم القصة، وفعلا كانت نبوءة صديقي صحيحة.

أنا قريب جدا من كتابة القصة، لأنني ببساطة برعت فيها بقوة، ويبقى الفن التشكيلي يستهويني طول العمر، فأنا لما أشاهد الهرم مثلا، لكن أعشقه كبناية مدهشة، لكنني حين أكتب عن غرفة الملك المصري القديم المعلقة في سماء الجيزة أحس بالدهشة أكثر، هذا هو الفرق بين الكاتب والفنان داخلي.

(كتابات) تكتب قصص غرائبية حدثنا عن ذلك؟

  • القصة الغرائبية هي حياتي، أكتبها من وحي “غابريال غارسيا ماركيز”، لأن قصته الشهيرة “آثار دمك على الثلج” هي ما جعلتني أدخل عالم القصة الغرائبية بقوة، أكتب هذا الجنس من القصص بشكل مختلف ومدهش جدا، فأنا أستعمل التاريخ لكتابتها وأقحم نفسي في قصصي كبطل، فتجدني في قصة “ليلة موت رعمسيس الثالث” أدخل نفسي كبطل يعيش مع الملكة “تي” زوجة الملك المصري القديم.

وفي قصتي “في قبر الملك توت” ألعب دور زوج فتاة تموت بالقاهرة وتدفن بقبر الملك “توت عنخ آمون”، لأن جدها كان ضمن البعثة العلمية التي اكتشفت قبر الملك “توت عنخ آمون”، هذا ما يميز كتاباتي الغرائبية، وما يجعلني كاتبا فوق العادة فعلا.

(كتابات) ماتقييمك لحال الثقافة في دول المغرب العربي والعالم العربي؟

  • الثقافة في مصر هي مصدر إلهام كل المشارقة، فمنها أخذ الشرق كل الحضارة، كما أخذ من حضارة بابل كل سحره وجماله.

أما ثقافة المغرب العربي فثقافة غربية بامتياز، فنحن نتكلم الفرنسية أحسن من الفرنسيين، ونعرف الفنون الغربية أكثر من فنوننا الشرقية، أما أنا فقد أسعفني الحظ لأنني كنت فنانا تشكيليا أبهرته مصر بتاريخها وفنونها المدهشة، فجمعت بين الحضارتين الشرقية والغربية، لأنني ببساطة درست الأدبين الفرنسي والعربي، واطلعت على الحضارات المصرية والآشورية والغربية.

حالة الثقافة في المغرب العربي يرثى لها ماعدا في تونس، حيث ينتعش المسرح والسرد، أما بقية الدول المغاربية فعليها العمل بقوة لترتقي بثقافتها قليلا.

أما مصر أم الدنيا فثقافتها بألف خير، مائة سنة من صناعة السينما، والمسرح بخير، والثقافة بألف خير، هناك حركة دؤوبة في كل الفنون في أرض مصر، كما أن دور النشر المصرية تبذل الكثير لتشجيع الثقافة، وفي النهاية مشرقنا بألف خير.

(كتابات) نشرت لك مجموعة قصصية في أمريكا احكي لنا عن تلك التجربة؟

  • تجربتي مع النشر في أمريكا، كنت أنشر قصصي على صفحات التواصل الاجتماعي، وكنت أضع معها رسومات، يعود الفضل فيها للقصة الغرائبية، وأعجب ناشر أمريكي بقصصي لأنها كانت مكتوبة بالانجليزية، اتفقنا على جمعها في كتاب سميناه “ليال من الجزائر”، كانت مجموعة قصصية مدهشة، تم نشرها في سنة 2015 في كل أنحاء العالم، عن طريق موقع البيع العالمي الشهير “أمازون” Amazon.

لاقت القصص رواجا مدهشا في العالم، وكنت أشهر الموقع كل يوم حتى يتعرف العرب المغتربين على مجموعة قصصي، واقتنوا الكتاب من الموقع وتم توزيعه في مصر وفي معارض الكتاب بشكل واسع، وزادني ذلك ثقة بنفسي، كانت تجربة غيرت مجرى حياتي السردية.

(كتابات) هل تستمد أحداث وشخصيات قصصك من الواقع أم يلعب الخيال دورا كبيرا؟

  • استند في قصصي على شخصيات من الواقع، لكنني أجعلها غرائبية، حتى أجعلها ممتعة ومدهشة أكثر، كل الأحداث التاريخية في قصصي واقعية، لكنني أتعمد إدخال الدهشة والإثارة فيها، لتبدو واقعية في قالب عجائبي رائع.

(كتابات) هل شاركت في معارض وعن ماذا تعبر لوحاتك؟

شاركت في 12 صالون وطني للفنون التشكيلية، شاركت فيها منذ سنة 2007 حتى هذه اللحظة التي يتم فيها تحرير هذا الحوار معكم. لوحاتي تعبر عن نظرة الفنان للعالم الخارجي

(كتابات) أي مدرسة تتبع في الرسم وما الأدوات التي تستخدمها؟

أستعمل كل الخامات في لوحاتي، وأميل إلى المدرسة التكعيبية، لأن الرسام “بيكاسو” عاش في الجزائر مع الفنانة “بايا” وكانت بينهما قصة رائعة، إذا وجدت نفسي مولعا بأسلوبه، وكونه إسبانيا كنت دائما أراه موريسكيا وقريباً من ثقافتنا العربية، أما في مصر فتعجبني ريشة الفنانين الذين أنجزوا لوحات أغلفة روايات “نجيب محفوظ”، ويعجبني الفن الذي تم اعتماده لرسم أفيشات الأفلام المصرية.

(كتابات) هل لابد أن يعبر الأدب عن قضايا المجتمع الذي خرج منه ولما؟

لابد أن يعبر الأدب عن قضايا المجتمع الذي خرج منه، لأن الكاتب مرآة مجتمعه، وشاهد على عصره، وكل من يكتب عن مجتمعه بصفة خاطئة يعتبر مدلسا وشاهد زور، والأديب الشجاع هو الذي يعري مجتمعه، ويكشف كل كواليس مجتمعه دون خوف، كما فعل “مالك بن نبي” و”نجيب محفوظ” في عصرهما.

(كتابات) هل واجهتك صعوبات ككاتب وما هو جديدك؟

  • نعم واجهتني صعوبات، لكنني تعلمت منها الكثير، تعرضت ككاتب لموجة من النقد. الكاتب الناجح هو الذي يقف بكل شجاعة أمام عواصف الانتقام ويحاول الصمود حتى تنتهي العاصفة في الأخير.

قصتين لحفناوي سيد..

 قطـار الليل الأخير..

جلس في عربة القطار الأخيرة، كان يعلم أنها النهاية، لا يحمل أمتعة وليست له، فقط حقيبة وثائق، في جيبه، ينظر في النافذة، لا يريد أن يودع فرنسا، عربة القطار سرعتها مذهلة جدا، تنزلق فوق الحديد، يشعر بقلق شديد، لا يريد أن يرجع إلى بلده فجأة.

دخلت فتاة في الثلاثين شقراء طويلة، تظهر عليها ملامح الثراء الفاحش، ناولته حقيبة ثقيلة

– سيدي من فضلك، أرجوك، مهما يكن لا تسلم هذه الحقيبة لأي كان.

– ما الأمر.. سيدتي ما الأمر….. ؟؟

– أرجوك..لا تتكلم الآن.. سأشرح لك.. بعد قليل تعرف كل شيء.

“علي” لا يخاف، قلبه من حجر، تناول الحقيبة من يدها ووضعها بسرعة تحت مقعده والتفت إليها

– يمكنك الاعتماد علي.. بالرغم من أنني… لا أعرف قصتك.. سأتصرف.

وقف الشاب وأغلق مصراعي باب القاطرة بقوة عضلاته المتينة.. رجع مكانه أرادت أن تكلمه.. فمنعها.. ووضع يده على فمها.

– من فضلك.. لا أريد المزيد من الكلام.

توقف القطار فجأة، صعد ضابط شرطة ومعه معاونان، ارتمت الفتاة على صدر “علي” أخذت تضمه بشدة، لم ينظر مفتش الشرطة إليهما، كانا كالعاشقين تماما، ظلت الفتاة تخفي رأسها تحت ذقنه، فهم “علي” أن في الأمر سر خطير.

غادر طاقم الشرطة القطار، تنهدت الفتاة بقوة

– أشكرك ربي.. أشكرك.. حمدا لك.. وحدك حمدا لك.

لم يسألها “علي” لأن قلبه كبير، ليس من طبعه السؤال، انتظرت الفتاة حتى يتوقف القطار، أمسكت بيده وقالت:

– تعال معي.  نزلت مهرولة، تجره نحو سيارة أجرة، توقفت السيارة الصفراء أمام فيلا فاخرة، أمسكته بشدة من مرفقه وجرته نحو بيتها، لم ينبس “علي”ببنت شفه، صعدت الفتاة السلالم الفضية بسرعة البرق

– لا تتحرك أرجوك.. سأعود حالا.

جلس فوق الأريكة، ناولته الخادمة مشروبا منعشا.

– هل يمكنني الحصول على المزيد من فضلك؟

رجعت الخادمة بزجاجة باردة وبعض الثلج وضعتها أمامه، قبل أن تسكب منها كأسا اختطف “علي” الزجاجة، وأفرغها بأكملها في صدره.

– سيدي هكذا ستهلك، لا محالة حرارة جسمك لا تسمح بوضع الثلج هكذا دفعة واحدة.

– ناوليني زجاجة أخرى من فضلك.

قبل أن تعود الخادمة نزلت صاحبة المنزل من السلم، وفي يدها رزما سميكة من اليورو

– خذ هذا، إنه لك.

– لست ممن يقبضون المال مقابل الخدمات سيدتي.

وضعت الفتاة ورقة شيك بنكي بقيمة ثلاثة مليون يورو في يد الرجل، ووضعت رزم المال في يده الأخرى قائلة:

– لو تطلب عيوني أعطيها لك.

قال علي:

– أريدك في خدمة فقط لو تكرمت، أوجدي لي عملا، وسأكون لك من الشاكرين.

نظرت إليه الفتاة وابتسمت.

– لك ما تريد ستعمل لحسابي.

– أنا لا امتلك شهادة سيدتي.

– أعرف.. أنت رجل شجاع ومقدام ومخلص، سأوظفك في الحال.

– هل لي بسؤال من فضلك؟

– أتريد أن تسألني عن حقيبة القطار…أليس كذلك؟

– بالضبط.

– في الحقيقة والدي ملحق بالسفارة وكانت معي وثائق جد هامة، كان من الضروري أن أخفيها عن أعين الشرطة.

– لكن سيدتي من عادة رجال السياسة ركوب سيارات مصفحة دبلوماسية بالحراسة.

– الشرطة تشتبه في أمرما، كان يجب أن نتوههم قليلا.. عموما لا تقلق.. كل شيء على ما يرام الآن.

نظر “علي” في رقم الشيك الضخم.

– هذا كثير سيدتي.

– بل قليل.. قليل، سأعطيك ثلاث ملايين كراتب شهري، هل معك رخصة سياقة؟

– نعم.

– مبروك عليك الوظيفة إذن.. يجب أن تغير ملابسك.. ستستلم ملابسك الجديدة.. خذ شاور وألحقني بالمكتب، أنا في انتظارك.

لبس “علي” بدلة السياقة، والتحق بسيدة البيت في مكتبها.

– سيتي… !!!!!

– ادخل علي.. أدخل، شغلنا لا يريد كثرة الأسئلة وأظنك تفهم ما أقول.

– لن أسالك سيدتي فقط أريد أن أعرف، هل نحن نشتغل ضد قوانين فرنسا مثلا؟، ضحكت الفتاة.

– لا.. لا ستعرف كل شيء في وقته، أنت سائقي الخاص، ستعمل من العاشرة إلى العاشرة، سأمنحك غرفة هنا في الحديقة، غدا تكون في السيارة.. خذ مفاتيحك، إلى اللقاء.

خرج “علي” وصرف الشيك البنكي، واتجه نحو المطعم، لم يفكر في الأمر كثيرا. في العاشرة وجد سيارته تنتظره أمام بيت السيدة الثرية، فتح له الحارس باب السيارة قائلا”:

– سيدتي تمنحك هذا الظرف، هي في غرفتها، تقول لك انتظر حتى انزل، لا تقف هنا سيدي، ممنوع، يمكنك الدخول، الحراس لا يحبون أن يقف أحد أمام المنزل.

دخل “علي” فوجد ربة البيت واقفة في لباسها الجديد، لم يصدق ما رآه حين احتضنته وقالت:

– لقد أبهرتني بشجاعتك، ظلت تضمه حتى شعر بالحرج، فقال أرجوك مولاتي، نظرت إليه وقالت:

– في أول يوم لن تشتغل، سنتجه مباشرة إلى المطعم.

جلس “علي” أمام المقود وقبل أن يدير مفتاح السيارة طلبت منه أن ينزل لتقود بنفسها، أدارت المحرك بمهارة وانطلقت كالسهم نحو المطعم. المطعم فاخر وليس فيه الكثير من رواد المطاعم، تناولا وجبة غداء لذيذة، قالت الفتاة:

– اسمي رفيف، أنا ثرية، وأبي ليس دبلوماسيا، اشتغل في التجارة.

قال “علي”:

– أنا علي ولا امتلك عقدا على نقد، أبي مزارع في الإمارات، وأمي ليس لها سواي. ابتسمت “رفيف” وقالت:

– بل لك أنا الآن. “رفيف” جميلة وفاتنة جدا، لا يستطيع “علي” النظر إليها طويلا.

– ستسوق أنت الآن سيارتك خذنا إلى البركة، لنتفسح قليلا. لما بلغت “رفيف” البركة أخرجت من السيارة صنارة صيد أسماك، وجلست على حافة الماء.

– تعالى ساعدني علي، تعالى اجلس هنا، أينك لا أراك؟

– سيدتي هناك شخص يتبعنا منذ فترة.

– إنه حارسي الشخصي، دعك منه. رجعت “رفيف” في المساء.

– تستطيع الذهاب لغرفتك الآن علي.

– تصبحين على خير سيدة رفيف.

……..

في قبر الملك توت..

ماتت زوجتي في القاهرة ليلة زفافنا، كانت زوجتي فتاة في التاسعة والعشرين تنحدر من عائلة ثرية، من المملكة المتحدة وكان جدها عضواً في البعثة العلمية التي اكتشفت قبر الملك توت عنخ آمون بمصر.

اتصلت بوالدتها من القاهرة وأخبرتها بوفاة زوجتي بعد عشرين ساعة، حضرت كل العائلة الإنجليزية إلى القاهرة، وعند الانتهاء من مراسيم تغسيل الجثة وتعطيرها، تم لفها في قطعة قماش فرعونية، وتم تحنيطها سراً في مشرحة مستشفى القاهرة المركزي، حضر العملية والدها،  وأحيطت العملية بسرية تامة، استغربت من عملية لف الجثة في ملاءة فرعونية، وما زاد دهشتي، هو تحنيط الجثة ليلاً، حيث استغرقت العملية سبع ساعات بالضبط، تم تحديد ساعة الدفن في مقبرة الملوك ليلاً، وتم نقل جثمانها إلى المدافن الفرعونية في عربة مصفحة، نظرت في الممرضة التي كانت تتابع العملية‪ وقلت مندهشاً، هل نحن في زمن الفراعنة سيدتي؟

ردت الممرضة الفرنسية بهدوء قاتل:

– ألم تقل لك زوجتك بأن جدها شارك في البعثة العلمية التي اكتشفت قبر الملك توت عنخ آمون.. وأن السلطات في مصر وافقت على دفن حفيدته حسب وصيته، كمكتشف في قبر هذا الفرعون!!

قضية دفن زوجتي في مقبرة الملوك لها قصة طويلة جداً، حيث كان جدها من علماء البعثة الأثرية التي زارت القاهرة واستخرجت جثة الملك توت عنخ آمون، فعهدت وزارة الآثار المصرية لرئيس البعثة بإمكانية دفن واحد من أحفاده في أي قبر من قبور مقبرة وادي الملوك بالجيزة، إن شاء ذلك،  فاختار جد زوجتي أن تدفن جثته في قبر توت، ليكون المكان الذي يرمز فيه لعظمة الأسرة وعراقتها في العلم والبحث والتاريخ، لكنه حين فقد أعز حفيداته قبل موته، آثر أن تدفن هي مكانه مع الملك توت، كونها كانت معجبة حتى الموت بدلال الملك توت.. كانت منبهرة بالقناع الذهبي المصنوع خصيصاً لجثمان توت، كانت تطالع وتجمع كل مقتنيات قبره البديع الصنع.. وتبحث يومياً عن سر اهتمام كل مصر القديمة بالملك المدلل توت.

كانت المقبرة هائلة الحجم وفي منتهى الفخامة والروعة.. كانت أقرب إلى السرداب من كونها مقبرة عادية.. تماثيل كبيرة الحجم لحيوانات مختلفة مصنوعة من الذهب الخالص.. كانت كلها مرصعة بالجواهر والأحجار الكريمة، كمية ضخمة جداً من قطع الذهب الشبيهة بالسبائك كانت موجودة في كل ركن من أركان القبر الفرعوني الرائع.. جسد زوجتي نفسه كان ملفوفاً في قماش فاخر جداً و كان مرصعا بالجواهر الكثيرة الألوان.. كانت المقبرة تحتوي على كنوز لا حصر ولا عد لها، كل مقتنيات قبر الملك توت كانت لا تقدر بثمن، وكان الكشف عن قبره في جد ذاته حدثاً تاريخياً لا مثيل له، قد كلف البعثة العلمية عشرات الملايين من العملات الذهبية. أهمية القبر الذي دفنت فيه زوجتي، كانت تكمن في أنه كان الكنز الملكي الوحيد الذي عثر عليه كاملاً.

عندما اقتربت من القبر، كتبت على مدخل المدفن عبارة : لا تقربـوا هذا القبر وإلا سيكون عقابكم الموت، من يتجرأ على فتح هذا التابوت سيذبحه الموت بجناحيه..!

كانت زوجتي قبل وفاتها قد طلبتْ مني، بأن أطلي جسدها بالسم سراً، فطليت جسدها كاملاً، ووضعت شيئاً منه على جدران القبر كما طلبت مني بالضبط، كانت زوجتي تقول لي إن السم سيكون قاتلاً وإن البعوض الذي سيتطاير من التوابيت سيحمل طلسماً وتعويذة تقتل كل من اقترب من قبر توت، استغربت كيف وافقت السلطات المصرية على دفن امرأة بريطانية مع الملك توت، لكنني حين اكتشفت أن القبر كان درجاً ينتهي إلى حائط، إذ بعد هدم الحائط ونحن ندخل القبر ليلا، ظهرت لنا ثروة الملك توت، ففهمت أن والد زوجتي كان فعلاً عالم آثار محظوظ، وأن مصر تعامله كمساهم في بناء حضارتها، وكمكتشف لأعظم كنز أثري في العالم، كان كل شي من الذهب الخالص، لما نزلنا في قبر الملك توت، كانت شرطة الآثار المصرية تحيط بالقبر منذ بداية الليل، مُنعنا من ملامسة محتويات قبر الفرعون العتيق، اغتنمت فرصة تواجد أم زوجتي مع البعثة الجنائزية التي كلفت بوضع جثمان زوجتي في قبر الملك توت؛ تطبيقا لوصية جدها الحائز على موافقة رسمية بدفن واحد من أفراد أسرته داخل سرداب أي قبر من قبور وادي الملوك بالجيزة، وكون زوجتي حفيدة جون ويلز، العالم البريطاني الذي شارك في اكتشاف قبر توت، والذي نجح في طلب إذن من سلطات مصر بالموافقة على وضع جثمان واحد من أحفاده، مع مقتنيات قبر الملك المدلل توت في مقبرة وادي الملوك بمصر، وجدت فرصة لاكتشاف أروع قبور الدنيا، لما أدخل الفريق المكلف بالدفن جثمان زوجتي داخل قبر توت تسللتُ إلى أحد صناديق توت وأدخلت قطعة من المقتنيات الملكية ودحرجتها في جيبي خلسة، لم ينتبه رئيس البعثة وأنا أضع سبيكة الذهب في جيوبي، ولم يلتفت إلي وأنا أحشوها في مخابئ معطفي البني الطويل، المتدلي حتى ركبتي.

وضع النعش داخل المغارة الملكية وطلب من الجميع مغادرة القبر توت، دخل القس إلى القبر ولمزني قائلاً: أنت زوج السيدة ليز، فمن حقك أن تبقى في القبر؛ لتسمع قراءة تعويذة الدفن.

بعدها، شرع القس في قراءة النص الجنائزي، كنت أخفي وجهي وأضع القطعة التي وجدتها من مقتنيات القبر بمهارة وحذر شديدين، غادرنا المقبرة الملكية واتجهت مباشرة نحو غرفتي بالفندق ووضعت القطعة في حقيبة صغيرة واتصلت بلندن وطلبت من صديق سعودي كان يشتغل معي، أن يحضر إلى القاهرة فورا.

الأستاذ عبد الجبار، كان عالم آثار، ويتقن جيداً قراءة النصوص الهيروغليفية، كان يجب أن أعرف سر اهتمام والد زوجتي بمقتنيات قبر توت وكانت القطعة التي تحصلت عليها عبارة عن قلادة كبرى، كتب عليها نص هيروغليفي رائع.

قصة الملك الأعظم الذي قام بإنشاء تماثيل كبيرة له، وكذلك لزوجته نفرتاري التي أنشأ تمثالها في النوبة، كانت قصة مدهشة، لأنه لم يكن من باب الصدفة أن توضع تمثالها في ذلك المكان، حيث كان يعتقد الفراعنة بأن النجوم لها تأثير على حياة الملوك وخلودهما في الحياة الأبدية، حيث كانت تدخل لقبر الملك أشعة الشمس مرتين في السنة، الأولى في عشرين أكتوبر، حين يبدأ موسم الزرع والأخرى في عشرين فبراير، حينما يبدأ موسم الحصاد، كنت على مسافة قصيرة من غرفة دفن الملك توت عنخ آمون، حين امتدت يد القس، فأحدثت في الحائط فتحة، فخرج الهواء يحرك الشموع، هواء ينطلق لأول مرة، وفي صوت هامس مرتعش، سألني والد زوجتي: ماذا تري؟

أجبته وأنا أدخل رأسي في الفتحة الصغيرة المطلة على قبر الملك توت:

– شيء لا يصدق.. لا يصدق!!!!!!

منذ دفن الملك منذ اللحظة التي فتح فيها المكتشفون قبر الفرعون توت الذي كان راقداً على مدى ثلاثة آلاف سنة في مكان سري بسهل الملوك، كل الذين زاروا القبر أحسوا بأن هناك أرواحاً شريرة تطاردهم، وتنتقم منهم الواحد تلو الآخر، ففي أثناء مشاركة جد زوجتي في عملية فتح التابوت لسعته بعوض في وجهه وفي المكان نفسه الذي ظهر فيه جرح الفرعون توت، وبعد أربعة أشهر من ذلك اليوم، ظهر نفس الجرح في وجه زوجتي، فماتت زوجتي في القاهرة يوم زفافنا، بسبب تلك اللسعة المسمومة التي أدت إلى إصابتها بتسمم الدم، ومن ثم التهاب الرئتين والموت المفاجئ.

https://www.youtube.com/watch?v=HVRqOyLnjxA

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة