خاص : حاورته – سماح عادل :
“جمال نوري” كاتب عراقي متميز.. ولد عام 1958 في “ديالى”، حصل على بكالوريوس لغة إنكليزية 1980 من “جامعة الموصل” – كلية الآداب، وعمل مدرساً لمادة اللغة الإنكليزية في “ثانوية تكريت للمتميزين”.. أصدر أربعة مجاميع قصصية، هي على التوالي: (الجدران) – مجموعة قصصية مشتركة مع القاصة “لمياء الألوسي” – 1985، (ظلال نائية) – 1995، (البئر) – 2000، (أفق آخر) – قصص قصيرة جداً – 2002. فضلاً عن العديد من المقالات الأدبية والعروض النقدية والترجمة.
إلى الحوار:
(كتابات) : كيف بدأ شغفك بالكتابة .. وكيف تطور ؟
- لا أعرف بالضبط متى بدأ ولعي بالقراءة والكتابة، ولكنني كنت طفلاً نزقاً كثير الأسئلة ولم تكن ردود والدي والمعلمين الذين درسوني في المرحلة الابتدائية كافية وشافية، لذا وجدت في بيتنا العديد من مجلات (الهلال والعربي)؛ التي كان والدي يقتنيها زاداً معرفياً ثرياً فتح أمامي فضاء واسعاً تمثل بمكتبة المدرسة التي التهمت كتبها جميعاً، فضلاً على خالي “عباس عبدالرزاق” الذي كان يرفدني بالعديد من الروايات العالمية التي فتحت أمامي آفاقاً واسعة للمعرفة والخبرة الإنسانية.. تلك كانت البدايات حسب.
(كتابات) : لما تمسكت بكتابة القصة القصيرة ولم تتجه إلى جنس أدبي آخر ؟
- ربما أكون أكثر الكٌتاب إخلاصاً واعتزازاً بالقصة القصيرة، ولهذا حسب كرست عمري لكتابة القصة القصيرة مع أنني أكتب مقاربات نقدية وعروضاً للكتب في بعض الأحيان، وكل ذلك يصب في اشتغالي على آليات الفنون السردية. في القصة أجد فضاء فسيحاً يتسع لطرح أفكاري وشخصياتي وتجاربي الحياتية متمسكاً بالمعايير الفنية باحثاً عن وسائل تعبير جديدة تخرج من أسر الطرق التقليدية في السرد..
(كتابات) : ما رأيك في تقسيم الأدباء إلى أجيال.. وما هي مميزات جيل الثمانينيات الذي تنتمي إليه ؟
- أستطيع أن أقول؛ ومن دون تردد نحن جيل الثمانينيات.. جيل امتهن الكتابة في الخنادق وتضور ألماً ومعاناة في جبهات القتال، حيث استعرت حرب ضروس مع إيران قادتنا إلى جحيم حقيقي وتركت ندوباً كبيرة في تركيبة المجتمع العراقي، حيث أصبح لدينا جيوشاً من الأرامل والأيتام والمعوقين.. نعم أنا مع هذا التقسيم تماماً لأنه وببساطة شديدة لكل جيل همومه ومعاناته وتجاربه التي يتميز بها أو ينفرد بها، والتي تمنحه خصوصية إبداعية تتمثل بطروحاته على صعيد الشكل والمضمون.
(كتابات) : عملت بالترجمة من الكردية والإنكليزية.. هل الترجمة أكثر صعوبة من كتابة الأدب.. ولما ؟
- الترجمة مهمة صعبة تنطوي على إشكالات تتصل باللغة الأدبية التي يوظفها المترجم لنقل النص من لغة إلى أخرى.. يقال أن الترجمة خيانة وهناك من يقول أنها أشبه بالوجه الآخر للسجادة؛ ويذهب البعض إلى أنها – أي الترجمة – كأنها قبلة من خلف الزجاج. ومن خلال تجربتي المتواضعة في هذا المجال أدركت صحة ما قيل واكتشفت أن المترجم مهما حاول أن يقترب من روح النص فانه بالنتيجة يخفق في تحميل نصه المترجم إيقاع وتأثير اللغة الأصلية.. ولهذا تركت هذه المحاولات واكتفيت بترجمة نص يعجبني ولم أعدم تفرغاً لهذه المهمة مع أنني خريج كلية الآداب – قسم الترجمة.
(كتابات) : في رأيك لما تنشط الترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية في حين أن ترجمة الأدب العربي قليلة ولا تغطي الإنتاج الغزير للأدب العربي ؟
- بصراحة شديدة .. الترجمة من الإنكليزية إلى العربية مهمة قد تبدو أسهل بكثير من الترجمة إلى الإنكليزية، ولهذا حسب نجد أن عدد المشتغلين على ترجمة النصوص العربية إلى الإنكليزية هم قلة قليلة، ناهيك عن عزوف القارئ الأوربي والأجنبي عن قراءة النصوص العربية التي يعتبرها نتاج يمثل صدى للنتاجات الأوربية، فعلى صعيد الرواية والقصة العربية فإنها تعد انعكاساً واجتراراً لما أبدعه الغرب، وينسحب الأمر إلى المسرح والنقد.. كيف إذاً سينشغل المترجم بنقل الصدى إلى الجذر أو الأصل.. ؟
(كتابات) : البعض يعتبر القصة القصيرة خطوة أولى لكتابة الرواية.. ما رأيك ؟
- قد يعتبر البعض أن كتابة القصة القصيرة خطوة أولى تقودهم إلى كتابة الرواية، وقد يكون هذا صحيحاً إلى حد ما، ولكنني اعتقد جازماً أن القصة القصيرة من أصعب الفنون وهي تستدعي جهداً وموهبة استثنائية.. نقف اليوم أمام كم هائل من الروايات التي لا تقدم شيئاً على صعيد البناء الفني والفكري ولا يمكن إلا أن تمثل مفهوم الحداثة وما بعد الحداثة بطريقة ممسوخة تنسلخ فيه عن شروط ومعايير الإبداع الحقيقي، ولهذا وجدتني أخلص لفن القصة القصيرة ووجدت اهتماماً ملحوظاً من النقاد والقراء بمنجزي السردي ..
(كتابات) : الشخصيات في قصصك مهزومة ومحبطة.. هل هذا انعكاس لواقعهم المهزوم ؟
- شخصيات قصصي هي نتاج واقع محكوم بأنظمة قمعية حاولت وتحاول استلاب الإنسان العراقي وتجريده من إنسانيته ومصادرة حريته في التعبير والعيش الكريم؛ ولم تكتفي الأنظمة بذلك بل أقحمتنا في حروب كارثية انعكست على تركيبة الشخصية العراقية وتجلت إفرازاتها على بنية العلاقات الإنسانية ونمطها.. كل ذلك أسهم مساهمة فاعلة في التعامل مع شخصيات مهزومة ومنكسرة تحاول في لجة هذا الخراب أن تجد لها نافذة صغيرة تطل من خلالها على الحياة ومعطياتها.. وحصل أن قدمت مجموعتي القصصية المشتركة، (الجدران)، مع القاصة “لمياء الآلوسي” إلى وزارة التربية لتوزيعها على مكتبات المدارس، لكن الخبير اعتذر ورفض الكتاب لأن أبطال القصص يمثلون الهزيمة والانكسار في مجتمع متطور حسب رؤية الرقيب والخبير السلطوي.
(كتابات) : هل هدفت أن تصور في قصصك قضايا مجتمعك وهمومه وصراعاته ؟
- بالتأكيد.. قصصي القصيرة تحاول أن تستقرأ الواقع بكل متناقضاته وتداعياته عبر اختياري لشخصيات إنسانية تتعامل مع الحدث القصصي والواقع المحكوم باشتراطات قسرية صارمة تخضع لقيود رقابية صارمة جعلت القصة عندي وعند غيري تتجه نحو توظيف الرمز كمعطى طبيعي لردود الفعل ولم أتوقف عند قرائتي التحليلية لهيكلية الواقع ومتغيراته؛ بل استشرفت المستقبل عبر رؤية تسلحت بمرجعية معرفية تحاول أن تمسك بتلابيب المعنى والدال والمدلول والوصول إلى استنتاجات مقاربة للواقع ومعطياته.
(كتابات) : ما رأيك في النقد في العراق وهل يواكب الإنتاج الأدبي ؟
- النقد في العراق والوطن العربي أشبه ما يكون ببيضة الديك، حيث لا توجد متابعة جدية وحقيقية للنتاج الإبداعي الثر ولا توجد ملاحقة موضوعية لما تصدره المطابع العربية.. النقد العربي انعكاس لما قدمته المدرسة الروسية والفرنسية والأميركية من اتجاهات نقدية اجترتها النقدية العربية وبقيت تلوك مفاهيمها ومنهجياتها مخضعة النصوص الشائعة لقراءتها.. متوقفة عند بعض النصوص من دون أن تكلف نفسها عناء البحث عن النص الجديد الذي يحتشد بالطاقات الإبداعية.. أخيراً نقدنا يتكأ على عصا ويترنح بين النصوص التقليدية..
(كتابات) : هل القصة القصيرة تحفر لنفسها مكان على الساحة الأدبية وسط تسيد الرواية ؟
- مع انحسار دور القصة والشعر وتسيد الرواية للمشهد الثقافي يبقى السؤال الأهم.. هل ستغير الرواية مسار الذائقة العامة بمعالجاتها الجديدة أم أنها ستتوقف وتراوح في استهلاكه المواضيع عادية أو لمواضيع مسكوت عنها أشارت إليها الحداثة وأكدت على تفردها.. أجزم أن الأجناس الأدبية المختلفة ستبقى تمارس حضورها الحقيقي وإن انحسر دورها في المرحلة الحالية.
(كتابات) : ما هي الصعوبات التي واجهتك ككاتب ؟
- الصعوبات كثيرة جداً في واقعنا الثقافي، وربما سأذكر في الإقلال صعوبات التي تتعلق بنا ككتاب، حيث لا توجد مؤسسات ثقافية ترعى نتاج وإبداعات الكتاب وإن كانت لدينا دار الشؤون الثقافية التي تطبع ولكنها لا تتجشم عناء توزيع الكتاب وان وزعت فإنها تفعل ذلك بغير ما حماس بسبب الإمكانيات المادية المتواضعة التي ترصدها الحكومة لوزارة فاعلة كوزارة الثقافة..