خاص: حاورتها- سماح عادل
“توفيقة خضور”، كاتبة سورية، حاصلة على إجازة في اللغة العربية، وتعمل مدرسة لمادة اللغة العربية.. صدر لها سبع مجموعات قصصية هي: (عناق في زمن اليباس، نداء النصف الآخر، انسحاب إلى سماوات الجنون، ولاء صباحي، عصفور أمي، قيامة ذكر النحل، الحرز).. وثلاث روايات مطبوعة هي: (حريق البنفسج، قيامة العنقاء، سأعيد إنجاب القمر). حائزة على العديد من الجوائز منها: (جائزة اتحاد الكتاب العرب عن رواية (قيامة العنقاء)، وجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع عن رواية (سأعيد إنجاب القمر)، وجائزة المزرعة عن المجموعة القصصية (عصفور أمي)، وجائزة دار الوطن في المغرب عن المجموعة القصصية (عُمْرٌ مستعمل).. وهي قصص قصيرة جداً..
إلى الحوار..
(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
- بدأ شغفي بالكتابة في الصف التاسع، وكنت أكتب الخواطر، وما يشبه الشعر، لكنّ أول قصة قصيرة كتبتها في البكالوريا، وعندما قرأتها، بكيت تأثراً، وأيقنت أني بدأت طريقي.
(كتابات) لديك سبع مجموعات قصصية حدثينا عن قصصك ومن أين تستقي أحداثها من الواقع أم الخيال؟
- قصصي بعضها ينتمي إلى الواقع المطعّم بالخيال، وبعضها خيالي بامتياز، وبعضها يدور في فلك الفانتازيا، لكنها جميعاً تحمل همّ الإنسان في نضاله لتحقيق ذاته، وإنسانيته، وتُمجّد الروح في رحلة تساميها، والجمال أنّى يمّم وجهه.
(كتابات) هل تعتبرين نفسك غزيرة الإنتاج الأدبي؟
- نعم أعتبر نفسي غزيرة الإنتاج الأدبي، غير أنني مقلّة في الطباعة، فلدي مثلاً أربع روايات غير مطبوعة، وكذلك ثلاث مجموعات قصصية معدّة للطبع.
(كتابات) لما اتجهت للرواية رغم أنكِ كتبتِ القصة القصيرة طويلا؟
- أنا أعشق الرواية، وأجد نفسي فيها، فهي بصدرها الواسع، وأناقة روحها، وغنى أساليبها قادرة على احتضان الفنون جميعها، ويمكنها التعبير عن الإنسان بشتى فصوله، وتحولاته، فالرواية هي الحياة مُكثفةً، مُبهّرةً بالجمال، لكن حبي للرواية لا يُلغي شغفي بالقصة القصيرة، وإخلاصي لها..
(كتابات) حدثينا عن الجوائز التي حصلت عليها؟
- حصلت على العديد من الجوائز منها: (جائزة البتاني للقصة القصيرة عام 2002، وجائزة المزرعة عام 2010، وجائزة الدكتور نبيل طعمة في اتحاد الكتاب العرب عن روايتي (قيامة العنقاء) عام 2010، وجائزة دار الوطن في دولة المغرب عن مجموعة قصص قصيرة جداً عنوانها (عمْرٌ مستعمل)، وجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع عن روايتي (سأعيد إنجاب القمر).
(كتابات) ماذا تشكل الجوائز بالنسبة لك؟
- الجوائز اعتراف جليّ بقيمة ما يكتب الأديب، لكنها أيضاً مسؤولية، وحافز لا يُستهان به لتطوير الأدوات الفنية للمحافظة على المستوى الذي وصل إليه الكاتب، وتجاوزه أيضاً.
(كتابات) روايتك (سأعيد إنجاب القمر) فازت بجائزة الطيب صالح عن ماذا تدور؟
- رواية (سأعيد إنجاب القمر) قصة حب استثنائية، تدور أحداثها على عدة مسارح، تربط الماضي بالحاضر، وتوائم بينهما.. أبطالها ينتمون لدول مختلفة، وثقافات متنوعة، تظهر في تصرفاتهم، وتتجلى في حواراتهم.
(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في سوريا؟
- الثقافة مرآة الحياة، وبما أن مجتمعنا السوري قد مرّ بحالة صعبة ومريرة خلال سنوات الحرب، فلابد أن تتأثر الثقافة بما حدث، وتمتطي خطاً بيانياً متذبباً صعوداً وهبوطاً.. لكنها الآن في طور التعافي، فنحن السوريين نتقن النهوض، وليست الكبوات في حياتنا وثقافتنا إلا محطات عابرة، ودوافع للتوثّب الخلّاق.
(كتابات) في رأيك هل تختلف كتابات النساء عن كتابات الرجال وما رأيك في مصطلح الكتابة النسائية؟
- الأدب فنّ الوعي الإنساني.. وهولا يُجنّس، فهو فوق الذكورة والأنوثة معاً.. ومصطلح الكتابة النسائية مرفوض عندي تماماً.. و لا يجدر بنا تقييم الأدب إلا على أساس جودته، ورفعة مقامه، وانتصاره للجمال..
(كتابات) هل واجهتك صعوبات ككاتبة وما هو جديدك؟
- لم أواجه أية صعوبات في حياتي الأدبية، فأنا أتعامل مع الكتابة كجزء طبيعي من حياتي، أعيشها، وتعيشني دون معارك.. أما عن جديدي فأنا منذ أيام انتهيت من كتابة روايتي (وعلى عطركِ السلام)، وسأطبعها قريباً إن شاء الله.
قصة كلية الأصنام..
لتوفيقة خضور
“نزل إلى السوق عارياً حتى من ورقة التوت، يتجول بحرية دونما أدنى حرج، غير آبهٍ بالأعين التي تنهشه.. حوقل البعض، تعوذ آخرون، بينما لجمت الكثير من النسوة أبصارهن الحرونة بأصابع منفرجة..!
وبعد أقل من ساعة كان الرجل بين يدي أمهر الأطباء في مشفى الأمراض العقلية، بذل الطبيب جلّ جهده وخبرته، ليقف على سرّ مريضه الذي اطمأن له، فراح يروي قصته بانسيابية من يناجي نفسه:
(اشتعلت يداي عزيمة، وغبطة، وهما تقطعان الشجرة العريقة التي تغطي فضاء دارنا، فقد باتت موطناً للكثير من الطيور التي تزعج والدتي كما أخبرتني غير مرة: أرجوك يا ولدي اقطع هذه الشجرة، فهي مجمع للطيور، وأنا لا أريد أن أُكشف على أي ذكر حتى لو كان طيراً..
قطعت أوصال موئل الحرام في بيتنا، رويت فأسي من دمائها،غير آسف على ظلالها الوارفة، وثمارها الشهية، وبعد أيام رجعت من مدرستي قبل نهاية الدوام بسبب عارض صحيّ، فسمعت..
وغصّ بدموعه، ونشيجه.
ــ ماذا سمعت..؟
سأله طبيبه، وهو يمسح على شعره بيدي سائس محترف.. قل، تكلم، ماذا سمعت؟
ــ سمعت تأوهاتها، وهي تتقلب في حضن عشيقها..! ذرفتُ نظرة أسىً ذبيح على جذع الشجرة المغدورة، وغادرت من فوري، ولم أعد إلى تلك البلدة بعد ذلك أبداً، وبعد جنوح العمر نحو منتصفه، طعنت من جديد بذات الخنجر على يد امرأتي التي أرادت أن تحضر حفل تخرج ابنتنا من كلية الفنون الجميلة، وما أن دخلت المكان الذي لم تره من قبل، حتى أصيبت بما يشبه الهستيريا، وهي تنقل بصرها بين التماثيل العارية، وراحت تصرخ مفزوعة: هذه كلية أصنام، وليست كلية فنون، وسحبت ابنتنا من يدها، جرّتها بقوة، وهي تقول: هيا يا ابنتي، لنغادر معبد الأوثان هذا قبل أن تتلوث أرواحنا، وقبل أن ترمي بقدمها خارج الباب، خلعت غطاء رأسها، ونشرته على جسد أحد التماثيل لتستر عورته..!
ــ وماذا بعد..؟
قال الطبيب بلهفة، وأردف:
ـ هل سمعت، ورأيت..؟
ــ ليس بعد.. لكني أكاد أسمع، فتلك الحادثة أيقظت في داخلي أنين الشجرة المغدورة..
ــ لحظة واحدة يا أخي.. أسمع ضجيجاً، وجلبة في الخارج، سأرى ماذا يحدث، وأعود إليك.
جحظت روحه، تهدّلت شفاه قلبه، وهو يرى بهو المشفى يغصّ بالعراة الغاضبين، وفؤوسهم ما زالت تنزف دماء عصافير”..