11 أبريل، 2024 2:06 م
Search
Close this search box.

مع (كتابات) .. “بوداود عميّر” : هناك نقص شديد في ترجمة أدبنا للآخر !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : حاورته – سماح عادل :

الكاتب والمترجم الجزائري “بوداود عميّر”.. من مواليد مدينة العين الصفراء في الجنوب الغربي الجزائري. كاتب مقالات في العديد من الصّحف والمجلات الجزائرية والعربية، كما يشرف على إدارة عدّة مواقع أدبية وثقافية إلكترونية. إلى جانب اهتماماته بالقصة القصيرة، يشتغل في حقل الترجمة، من خلال ترجمة سلسلة من الكُتب ذات الصلة بالتاريخ المحلي والجزائري إلى اللغة العربية. كما ترجم المجموعة القصصية (ياسمينة وقصص أخرى) لـ”إيزابيل إيبرهارت”، صدرت عن كِتاب مجلة الدوحة في عددها الصادر سنة 2015. وقد أصدر هذه السنة 2017 عن دار الكلمة للنشر والتوزيع بالجزائر، مجموعة قصصية تحت عنوان (صوب البحر)، تقع في 117 صفحة من الحجم المتوسط، وتضمّ 49 نصّاً يجمع بين القصة القصيرة، والقصة القصيرة جداً، تتناول القصص قضايا متنوّعة، اجتماعية وإنسانية، تحاول أن تغوص في أعماق المجتمع، ترصد همومه واهتماماته ضمن قالب جاد أو ساخر أحياناً..

حاورته (كتابات) للتناقش حول الترجمة وإبداعه الأدبي…

(كتابات): الكاتبة والرحّالة السويسرية “إيزابيل إيبرهاردت” نشرت مجموعة من القصص القصيرة في صحف نهاية القرن التاسع عشر.. لقد قمت بجمعها وترجمتها عن الفرنسية باسم (ياسمينة).. هل ترجمت تلك القصص لأنها تتناول الجزائريين وتدين الاستعمار ؟

  • إضافة إلى أنني أقطن في المدينة نفسها التي يتواجد فيها قبر “ايزابيل ايبرهارت”، حيث دفنت في مقبرة المسلمين، ذات تشرين أول/أكتوبر من عام 1904، بعد أن غمر منزلها فيضان وادي العين الصفراء، المدينة الجزائرية الجنوبية الواقعة على الحدود الجزائرية المغربية، وهي البلدة الصغيرة التي كتبت في مدحها نصوصاً راقية، واعترفت أنها لولا شغفها بالترحال وحياة البداوة، لآثرت الاستقرار فيها. لكن رغم مواقفها المنددة بممارسات الاستعمار، وكتاباتها المؤيّدة للشعب الجزائري في محنته، طال التهميش الرسمي لـ”ايزابيل ايبرهارت” دون مبرر، وحامت حولها شكوك لا معنى لها، من دون أن يتجشم أحد، أفراداً كانوا أو هيئات حكومية، عناء قراءة أعمالها بترو. فليس غريباً أن أختار نصوصاً بعينها، وهي عبارة عن قصص، تجمع بين التوثيق والتحقيق الصحافي، بحيث كانت تصوغ مقالاتها الصحافية بصيغة غير بعيدة عن الحكاية، وبطريقة تعتمد على المراقبة العينية والمعرفة الوثائقية المقربة.

هكذا تبدو في عمق نصوصها واضحة الموقف، وهي تفتح هامش البوح للفلاحين البسطاء المقهورين، وتفضح ممارسات الإقطاعيين. كان يكفي أن نقارن بين ما كتبته “إيزابيل” خلال تلك الفترة التاريخية، وبين ما كتبه كتّاب فرنسيون على غرار “اندريه جيد”، و”جي دي موباسان” وآخرين، عاشوا في الفترة نفسها، كتابات تنحو إلى الايكزوتيكية، تمجد الاستعمار، وتقف غير مبالية بجراح الشعب الجزائري، عندها سندرك شجاعة وعمق ما كتبته، في فترة حتى مصطلح الاستعمار لم يكن متداولاً.

(كتابات): ما هي الصعوبات التي واجهتك أثناء الترجمة ؟

  • تتميّز كتابات “إيزابيل ايبرهارت” باستخدام واسع وكثيف للكلمات والمفردات العربية وخاصة الدارجة الجزائرية المحلية. هكذا كانت تتعمّد عن سبق إصرار إدراج تلك الكلمات كما وردت بلغتها الأصلية، دون أن تجشم نفسها عناء ترجمتها، كما أنها كانت شديدة التدقيق من جهة أخرى، في سرد تفاصيل المواقع والأمكنة، لاسيما تلك التي تدخل فيما يصنّف باليوميات المدوّنة لرحلاتها. من هنا كان إخفاق عدد من المترجمين العرب في تصديهم لأعمال “إيزابيل ايبرهارت”، بحيث استعصى عليهم إدراك مغزى الكلمات العامية الموغلة في المحلية أحياناً، وصعوبة التعرّف على تفاصيل الأشياء والأماكن داخل خريطة مترامية الأطراف كجنوب الجزائر، يكتظّ بالمداشر والقرى والأرياف. وبالتالي لم أتلقّ صعوبات حقيقية تذكر في ترجمة نصوصها، طالما أنني ابن منطقة الجنوب الغربي الجزائري التي كتبت فيها وعنها “إيزابيل” مجمل أعمالها. وبالتالي معرفة المترجم القريبة بالأماكن، خاصة إن كان الأمر متعلقاً بأدب الرحلات، تبدو من الأهمية بمكان، أو على الأقل التنسيق مع المؤلف إن كان على قيد الحياة.

(كتابات): هل تشهد دول المغرب العربي ازدهاراً في حركة الترجمة من الآداب الأخرى إلى العربية ؟

  • اقتصرت الترجمة في بلدان المغرب العربي، على اللغة الفرنسية أساسًا، بالنظر للموقع الجغرافي المحاذي لفرنسا، وعامل الاستعمار خاصة. ليست هناك ترجمات من لغات العالم الأخرى، ما عدا محاولات ضئيلة لا تفي بالغرض، أشير في الجزائر على سبيل المثال لمحاولات الكاتب الراحل “أبو العيد دودو” في الترجمة من اللغة الألمانية، أو “عبد العزيز بوباكير” من اللغة الروسية، وهناك ترجمات قليلة في المغرب الأقصى انطلاقاً من اللغة الإسبانية.

وبالتالي الاقتصار على الترجمة من لغة واحدة، مهما بلغت قيمتها، لم يعد يجدي نفعاً، لاسيما أمام تقهقر اللغة الفرنسية في مواكبتها للتطوّرات العلمية المعاصرة، وبروز حركة أدبية نشطة خاصة في أميركا اللاتينية. على العموم، الترجمة تحتاج إلى دعم مادي ومعنوي تشرف عليه مؤسسات حكومية، ووعي تام بأهميتها على جميع الأصعدة، هو ما تفتقده للأسف بلدان المغرب العربي.

(كتابات): في رأيك هل تتم ترجمة الأدب المغاربي والعربي إلى اللغات الأخرى بشكل مرضي.. أم هناك نقص كبير في ذلك ؟

  • هناك نقص كبير في ترجمة أعمالنا للآخر، لا يعكس الزخم الكبير الذي تشهده الساحة الأدبية العربية. نسمع من حين لآخر عن أعمال عربية ترجمت إلى لغات أجنبية، لكنها في الواقع ترجمات ضئيلة جداً، ومناسباتية في أغلب الأحيان، أي أنها تخضع لبروتوكولات شكلية، في إطار اتفاقيات ثنائية تلتزم بها بعض الهيئات أو الدّول، ستبقى حبيسة الرفوف والاتفاقيات الرسمية، قد لا تصل بالتالي إلى القارئ بوصفه المعني الأول بها، بحيث تسمح له بأخذ فكرة عن واقع وآفاق الأدب في الوطن العربي، أضف إلى ذلك أن عدداً من الأعمال السردية العربية تشتغل أساساً على اللغة أكثر من اشتغالها على الحدث أو الحكي، مما يستعصى ترجمتها، وقراءتها مترجمة، الأمر ينطبق على أعمال نالت رواجاً واسعاً في البلدان العربية، لكنها أخفقت في تحقيق الحد الأدنى من المقروئية لدى ترجمتها إلى لغات أخرى.

(كتابات): في المجموعة القصصية (صوب البحر) كان في معظم القصص نقد اجتماعي.. هل تؤمن بدور الأدب الاجتماعي ؟

  • يؤدّي الأدب وظيفته الحقيقية، عندما يتحوّل إلى مرآة عاكسة للحياة الاجتماعية في تمظهرها وأبعادها المختلفة، يتجلى ذلك خاصة من خلال مقاربة الكتابة لهموم المجتمع، طموحاته واهتماماته، وترصد عيوبه وتناقضاته. وللوصول إلى هذا المبتغى، من المفيد أن يتجنّب الكاتب أسلوب التهويم العبثي، والاشتغال المفرط على اللغة. وأن يحرص كلّ الحرص على إيصال الفكرة للمتلقي، بشكل تلقائي، دون لف ولا دوران، حتى ولو اقتضى منه لتحقيق ذلك استخدام لغة بسيطة أو لغة اليومي.

(كتابات): في مجموعة (صوب البحر) كان بطل إحدى القصص يحتفظ بذكرياته كاملة تجاه وحشية الاستعمار الفرنسي.. هل لازالت وحشية الاستعمار حاضرة في ذاكرة الجزائريين ؟

  • من نافلة القول التأكيد على أن ممارسات الاستعمار الفرنسي لا تزال حاضرة في الذاكرة الجماعية للجزائريين. بات من العسير على المبدع الجزائري، ليس الأدب فحسب، أن يتناول الشأن الجزائري الراهن، دون أن يتصدّى لسؤال الاستعمار، وثورة التحرير، ونتائج ما خلفه الاستعمار من آثار سلبية على مرّ السنوات والأجيال. في قصة (النشيد) من مجموعتي (صوب البحر)، تناولت الارتباك القائم بين الأجيال في تجسيد مسعى التواصل، بين جيل، يعيش في خريف العمر، عاش ويلات الاستعمار، وحارب من أجل الاستقلال، يحاول عبثاً ترسيخ القيّم الوطنية ومعاداة الاستعمار الفرنسي، لكن بدون جدوى، وبين جيل الاستقلال، لم يتعرف على الاستعمار إلا في كتب التاريخ على مستوى المناهج الدراسية. جيل يبدو غير مبال بما حدث وبما سيحدث، يفضل تجسيد وطنيته في مناصرة فريقه الوطني لكرة القدم، على الاستماع لنصائح يسديها له جيل الثورة.

(كتابات): في نفس المجموعة انتقدت بشدة التيار الديني المتشدد.. هل لازال التيار الديني يستهدف الكتاب والأدباء ؟

  • الكاتب في اعتقادي، خاصة في عالمنا العربي، الذي لا ينتقد بصراحة ووضوح التيار الديني المتشدد في أعماله ومواقفه، لا علاقة له البتة، من قريب أو بعيد، بعالم الأدب، بوصفه فضاء رحباً يتيح مساحات واسعة للبوح والحرية والانتصار للقيّم الإنسانية. فبصرف النظر عن مواقف هذا التيار الذي يناصب العداء الضمني والصريح للآداب وجميع أنواع الفنون، جملة وتفصيلاً. لا تزال أياديه ملطخة بدماء خيرة ما أنجبته الأمة من كتّاب وشعراء وفنانين وإعلاميين أكفاء، كما يُعتبر سبباً من وراء تخلف هذه الأمة وانحطاطها، على جميع الأصعدة، وسبباً من وراء إخفاق كل مشروع في تحقيق الديمقراطية.

معقول أن تتواطأ معهم أنظمة، غايتها الأساسية الاستمرار في الحكم، بعيداً عن همّ التأسيس لمشروع مجتمع حداثي، ينقذ البلاد والعباد من الشعوذة والتطرف، اللامعقول أن يتواطأ أو يصمت الكاتب عن فضح أعداء الفن والإنسانية، ولعلها مهمته الأساسية، وهاجسه المركزي للعمل على إنقاذ هذه الأمة، ووعي الناس بالخطر المحدق بمصيرها ومستقبلها، قبل فوات الأوان.

(كتابات): هل القصة القصيرة تعاني من الإهمال في مقابل الاحتفاء الكبير بالرواية في العالم العربي.. ولما ؟

  • يبدو وكأن الرواية في العقود الثلاثة الأخيرة جرفت من حولها جميع الأجناس الأدبية، وصارت تتبوّأ صدارة اهتمام الساحة الأدبية العربية. إنه “زمن الرواية” كما يقال. هكذا وبعد انحسار الاهتمام بالشعر بشكل مثير للانتباه، سواء على مستوى المقروئية أو على مستوى الإنتاج، اتجهت دور النشر للامتناع عن طبع المجموعات الشعرية بداعي غياب القارئ. يرى الشاعر “أدونيس” أنه لم يعد يوجد قارئ للشعر، أصبح الشعراء قرّاءً لبعضهم البعض. القصة القصيرة تعاني بدورها، ليس عندنا فحسب بل في العالم أيضاً، ولأمر ما، مُنحت “جائزة نوبل” للآداب للكاتبة الكندية “أليس مونرو”، بسبب وفائها لهذا النوع الأدبي على مدى عقود طويلة من الكتابة، كمحاولة ربما لإعادة الاعتبار للقصة القصيرة، بعد أن تمّ الإجماع على قبول تصنيفها، تجنيًّا، ضمن عتبة البدايات الإبداعية الأولى قبل بلوغ مرحلة الولوج لعالم الرواية.

تراجع الاهتمام بالقصة في اعتقادي يعود أساساً إلى اختفاء المجلات الأدبية التي كانت تخصّص مساحات من صفحاتها لنشر القصص، وأيضاً الصحف اليومية والأسبوعية، الآن لم تعد تهتم بنشر القصص القصيرة كما كانت تفعل من قبل، إضافة إلى أن معظم الجوائز الأدبية العربية، بوصفها حافزاً للإبداع، بما تتيحه من قيمة مالية وشهرة، باتت مخصصة في الأغلب للرواية فقط. سيصير غريباً من تخصَّص في كتابة القصة القصيرة وحدها، ذلك ما حدث مثلاً للكاتب الكبير “سعيد الكفراوي”، الذي أطلق عليه أوصاف من قبيل “صوفي” القصة و”راهب” القصة. ورغم أنه كتب منذ ستينيات القرن العشرين، لكنه لم ينل في حياته سوى جائزة أدبية متأخرة، وقليل من الشهرة، بسب وفائه للقصة القصيرة التي كرّس لها حياته كلها.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب