خاص: حاورته- سماح عادل
“بهاء محمود علوان الجنابي” أستاذ الأدب الألماني الحديث/ رئيس قسم اللغة الألمانية الأسبق في كلية اللغات– جامعة بغداد، كاتب وباحث وشاعر وأكاديمي ومترجم بدرجة خبير، عضو الاتحاد العام للأدباء والكُتاب في العراق، صدر له ما يناهز 26 كتابا مؤلفا ومترجما
كن لي معه هذا الحوار الشيق:
* هل انشغلت بالكتابة منذ الطفولة، وكيف تطور شغفك بها؟
-في مجال الكتابة كما هو الحال في مجمل الصنوف الأدبية مثل نظم الشعر، أو كتابة القصة، أو الرواية، أو المسرحية، فإن للموهبةِ دوراً كبيراً ينفرد بها أناسٌ محددون دون غيرهم. وقد تموت هذهِ الموهبة أو تتطور حسب ما يمر به الكاتب في مسيرته الحياتية والعلمية أو البحثية. وقد تنمو نمواً كبيراً، أو قد تخبو كذلك. نشأت أنا في أسرةٍ تهتم بالشعر والكتابة بشكلٍ عام، إذ كنتُ الأخ الثالث في الأسرة ويسبقني أخوينِ مولعان بالأدبِ والشعر والثقافة. وكنا نتبارى في نظم الشعر، وندخر كل مصروفنا اليومي في سبيل شراء ما هو جديد من إصدارات ثقافية وأدبية.
بدأت تتبلور موهبتي في الكتابةِ ونظم الشعر حين كنتُ طالباً في كلية الآداب- جامعة بغداد، حيثُ شاركتُ مع زملائي في العديد من مهرجانات الطلبة التي كانت تنظمها الجامعة. ومما زاد في رغبتي في صقلِ موهبتي هو الاستحسان الذي كنتُ أجده عند زملائي وتشجيعهم الكبير لي.
* صدر لكم كتاب المسرح الملحمي برؤية عراقية، تناولت فيهِ المسرح البرشتي وبمن تأثر، ومن هم الكتاب المسرحيون العراقيون الذين تأثروا بهِ؟
– كتاب المسرح الملحمي برؤية عراقية من الكتب التي اعتز بها وعملتُ سنين طوال في سبيل إتمامه. وقد حظي الكتاب باهتمام الدوائر الثقافية على مستوى العراق والوطن العربي. حيثُ أقيمت ندوات دراسية عن الكتاب في دار المأمون للترجمةِ والنشر وكذلك في جمعية المترجمين العراقيين، كما أقيمت ندوةٌ في كلية اللغات – جامعة بغداد.
والجدير بالذكر أن مجلة الشارقة الأدبية قد تناولت الكتاب بإسهابٍ كبير وتفصيلات حول نشأة المسرح وانعكاساته في الوطن العربي والعراق تحديداً. من المعروف أن المسرح الملحمي الذي أسسه الكاتب الألماني الكبير (برتولت برشت Bertolt Bercht)، قد أحدث ثورة كبيرة في عالم المسرح، إذ كسر المسرح الملحمي القيود الثلاثة في المسرح التقليدي الارسطوطاليسي والمتمثلة:
– وحدة الزمان
– وحدة المكان
– الحدث
والتي دأب المسرح التقليدي في الحفاظ عليها منذُ نشأته الأولى في عهدِ سوفوكلوس وأرسطوطاليس وأرخيدوس. حيث جاء برتولت برشت بنظريته والتي من أهم أركانها هو كسر الجدار الرابع وأشارك الجهور في العملية المسرحية. حيث يجب أن يكون المشاهد جزءاً من العملية المسرحية، وأن يلعب دور الناقد لا دور المتفاعلِ مع الحدث بمشاعرهِ، إذ يكونُ مسلوب الإرادة متفاعلاً بعواطفهِ باكياً أو ضاحكاً حسب تأثير الممثل على خشبة المسرح.
في حين تتمثل نظرية برتولت برشت في خلقِ جمهور واعٍ ناقدٍ للأحداث مبدياً رأيا في ما يدور على خشبة المسرح. ومن أهم ركائز المسرح الملحمي هو عنصر (التغريب). لقد كان لهذا المسرح البرشتي انعكاسا كبيرا على المسرح العربي والمسرح العراقي تحديداً. ومن كبار المسرحيين الذين تأثروا بهِ هم: الفنان الكبير إبراهيم جلال، ويوسف العاني، وسامي عبد الحميد، وفاضل خليل، وصلاح القصب وكذلك الدكتور عوني كرومي، الذي مثل البرشتية أفضل تمثيل، كونه قد عاش في ألمانيا، بلد المسرح الملحمي وبلد برتولت برشت.
ومن أهم المسرحيات التي مُثلت في العراق للكاتب برتولت برشت كانت: مسرحية الانسان الطيب، ومسرحية حياة غاليلو، ومسرحية الأم الشجاعة، ومسرحية السيد بونتيلا وتابعه ماتي، حيث كتبت هذهِ المسرحية بعد ترجتها إلى اللغة العربية كُتبت باللهجة العراقية (وتم تعريفها لتصبح بهذا العنوان البيك والسايق). وكان لها صدىً كبيراً في الأوساط المسرحية العراقية والعربية.
* تحدث لنا عن كتابك المترجم عن الألمانية (الحرية القاتلة)؟
– كتاب الحرية القاتلة للكاتبة الألمانية والصحفية (بيركت سفينسون)، من الكتب المهمة والذي يؤرشف تاريخ العراق في حقبة زمنية غايةً في الصعوبة والخطورة. والكتاب هو سردٌ للأحداث التي عاشها العراق من خلال المعايشة الدقيقة لهذه الصحفية منذ اليوم الأول للاحتلال الأمريكي، حيث دخلت العراق بصحبة القوات العسكرية. وعاشت في العراق مدة 15 عاماً متنكرة بزي عربي إسلامي (الجلباب والشال والحجاب) وتنقلت في العراق من شماله إلى جنوبه.
وكانت تنقل مشاهداتها وبتفاصيل دقيقة جداً وبأسلوب صحفي سردي محترف. وكان الكتاب الذي يحمل عنواناً لافتاً للنظر (الحرية القاتل) كان عنوانه الفرعي (خمسة عشر عاماً بين السماءِ والجحيم)، وهي الفترة التي قضتها هذهِ الصحفية في العراق، والمخاطر التي تعرضت لها، حيثُ تروي في جانبٍ من الكتاب كيف كادت أن تقع أسيرة بيد داعش. ولا يفوتني ان أذكر علاقات هذه الصحفية مع العديد من السياسيين وشرائح المجتمع العراقي والتي تمكنت من خلال ذلك أن تنقل الأحداث بحيادية كبيرة وحرفية عالية.
*لماذا أخترت الترجمة ولماذا اللغة الألمانية تحديدا؟
-الترجمة علمٌ قائمٌ بحد ذاته أسوة بالعلوم المعرفية الأخرى. ولا يقلٌ أهمية ولا خطورة عن سائر العلوم المعرفية الأخرى، أن لم نقل من أهمها وأخطرها. ولولا الترجمة والتي تعدُ الجسر الرابطِ أو الواصلِ بين الحضارات المتعددة. وبواسطة الترجمة أصبح العالم كله مطلعاً على سائر العلوم والمعرفة والثقافة على أرض المعمورة. وقد فطِن أوائل العرب لأهمية الترجمة، حيث كان الخليفة العباسي (المأمون) يزنُ الكتاب المترجم ذهباً وأعطاه للمترجم. وهذا يدلل أهمية الترجمة.
والسؤال المهم الذي يتبادر إلى الأذهان هو: هل المترجم أمينٌ فيما ينقل أم خائن؟ والأمانة تقتضي نقل المعلومة بصدق وحيادية دون التلاعب لا بالمعنى المراد نقله من اللغة الأصل إلى اللغة الهدف، ولا من حيثُ البناء اللغوي الذي يتوجب على المترجم الحفاظُ عليهِ. لذا يمكننا القول بأنه يتوجب على المترجم أن تتوفر فيه شروط وضوابط عدة ومن أهمها هي:
– الأمانة في النقل.
– الاطلاع التام على اللغة التي ينقل لها.
– الدراية التامة باللغة الأصل.
– المعرفة الدقيقة بالتقاليد المجتمعية.
– الثقة بالنفس والجرأة في العمل
من هنا يمكنني القول بأنني وحال دخولي الجامعة طالباً في قسم اللغة الألمانية، كان حلمي أن أكون مترجماً بارعاً، وعملت على ذلك بجهد كبير. وكان أساتذتي الألمان يحثوني ويشجعوني على ذلك.
وصدرت لي العديد من الكتب المترجمة، أو الكتب التي تعني بالدراسات الترجمية ومنها:
– كتاب الحرية القاتلة – مترجم عن الألمانية – صدر عن دار المأمون للترجمة والنشر.
– كتاب علماء بغداد – مترجم من العربية إلى الألمانية – صدر عن دار المأمون للترجمة والنشر.
– كتاب إشكالية ترجمة القرآن عند المستشرقين الألمان- صدر عن دار زاكي للنشر والتوزيع. وهو من الكتب المهمة التي أتناول فيها الأخطاء التي وقع فيها المستشرقون الألمان خلال ترجمتهم للقرآن الكريم، ومن أهم المستشرقين هم (رودي باريت و ماكس هينينك). والجدير بالذكر بأن معهد الدراسات القرآنية في برلين، قد أعتمد هذا الكتاب مرجعا مهما في الدراسات القرآنية المقارنة. وهو من الكتب التي أعتز بها كثيراً.
– كتاب الترجمة التخصصية ودور المترجم – دراسات في الترجمة – صدر عن دار زاكي في بغداد.
– كتاب الترجمة بمنظورٍ علمي – دراسات في الترجمة – صدر عن دار ابجد للترجمة والنشر والتوزيع بغداد.
– كتاب فولفكانك بورشرت وآخرون قصص المانية مترجمة- صدر عن جمعية المترجمين العراقيين.
– كتاب وتنام الفئرانُ في الليلِ أيضاً – قصص ألمانية مترجمة- صدر عن دار زاكي للطباعة والنشر – بغداد.
– كتاب إضاءات على الأدب العالمي- صدر عن دار أبجد للترجمة والنشر والتوزيع – بغداد.
* ماهي الصعوبات التي تواجه المترجم، وهل من الضروري أن يمتك المترجم موهبةً تؤهله من ترجمة النصوص الأدبية من شعرٍ وقصة؟
– على المترجم أن يتصف بصفتين مهمتين هما: الموهبة والمِران (التدريب)، إذ بدون الترجمة لا يمكن للمرءِ أن يكون مترجماً بارعاً، وكذلك بدون المِران والتدريب والصقلِ لتلك الموهبة لا يمكننا أيضاً أن نصنع مترجماً بارعاً متمكناً من أدواتهِ المعرفية والترجمية. والترجمة لها أنواعها الكثيرة، حيث تقسمُ من حيث المبدأ إلى صنفين رئيسين هما:
– الترجمة التحريرية.
– الترجمة الشفوية.
وتحت هذين الصنفين هنالك العديد من الأنواع أو الصنوف، وعلى سبيل المثال فإن الترجمة الشفوية يندرجُ تحت عنوانها الرئيس العديد من الصنوف مثل: الترجمة الفورية، والترجمة التعاقبية، والترجمة التهامسية، والترجمة من جانبٍ إلى جانبِ آخر (بمعنى أن ينقل من اللغة الأم إلى اللغة الهدف) وبالعكس، والترجمة في الكابينة، وهذهِ عادة ما تكون في المؤتمرات. ومن هنا نقول بأن التخصص في علم الترجمة من ضروريات مهنة الترجمة، والتخصص الدقيق يعني كذلك أن تتاح للمترجمة الفرصة الكبيرة للاطلاعِ على كل تفاصيل هذا النوع من الترجمة في سبيل الإلمامِ به، كما هو حال الطب والتخصص الدقيق لدى الطبيب.
ويقسم النص المراد ترجمتهِ إلى العديد من الصنوف، ومن تلك النصوص هو النص الأدبي (شعراً، أم قصة أم رواية)، وكذلك النص السياسي والنص الرياضي والنص أو الخطاب الديني.
ويعد الخطاب الديني من أصعب النصوص في الترجمة، إذ يتطلب الدقة الكبيرة والدراية العالية في اللغة العربية وكذلك المعرفة باللغة القديمة وأسرارها والبلاغة اللغوية التي تحتويها هذهِ اللغة (كون اللغة العربية لها الكثير من البلاغة من تشبيهٍ وإسهابٍ وحذفٍ وكناية وأطناب وإبدال ….. الخ) ومن هنا تمكن خطورة وصعوبة النص الديني، خصوصا لغة القرآن الكريم ….
وعلى سبيل المثال لا التعميم فإن الآية الكريمة بسم الله الرحمن الرحيم (وحرمَ عليكم الميتتة)، وهنا ثلاثُ كلمات ينبغي حين ترجمتها للغة الألمانية إرجاع ما تم حذفه (الحذف في اللغة العربية نوع من أنواع البلاغة اللغوية) ولكن اللغة الألمانية ليس لديها هذهِ البلاغة، ولا يوجد حذفٌ فيها. وهنا يجب أن نرجع الفاعل (لفظ الجلالة) الذي حذف جوازاً، وكذلك إرجاع كلمة (أكل) أي تناول، وإرجاع كلمة (لحوم) حتى يتم المعنى فنقول (حرم الله عليكم أكل لحوم الحيوانات الميتة) وهنا قد أضاف المترجم أربع كلمات لتصبح عدد الكلمات سبع كلمات ليتم المعنى. إذ لم نقل الفعل (أكلُ) قد يتبادر لذهن القارء الأجنبي (بيع الحيوانات الميتة)، وإذا لم نقل كلمة (لحوم) قد يتبادر لذهن القاريء الأجنبي عظامها أو جلدها. وهنا إذا لم يتمتع المترجم- ة بمعرفة بالنص الديني فلا يمكن له أن يتصدى له.
* ماذا يعني الشعر بالنسبة لك، وهل تحقق كتابة الشعر إشباعاً لذاتك؟
– الشعرُ هو الملاذ الآمن لي في كل الصعوبات والمشاكل التي نواجهها في حياتنا اليومية. حين أكون منهمكاً بعملٍ ما، أو أكون تعباً أو حزيناً أو محبطاً، عندها أجدني أكتب بعض الأبيات التي تتحول فيما بعد إلى قصيدة. وأذكرُ في أحد الأيام وقبل العيدُ بأيام كنتُ أشعر بالضجر والوحدة، فكتبتُ أبياتاً أصبحت فيما بعد قصيدة أحبها وأشعر بقربها إلى قلبي، ومن تلك الأبيات أقول:
العيدُ يأتي
ومسرى طيفُكِ في دمي …..
والهمُ همي والمرارةُ
في فمي …..
لا الماءُ يروي ظمئي
والزادُ طعم العلقم ……
يا ما أتيتُكِ شاكياً
لكنكِ لم تفهمِ
أو ترحمِ
يا واضعاً كلَ القُيودِ بمعصمي ……
وفي حادثةٍ أخرى كنتُ فيها مسافراً إلى دبي، حينها شعرتُ بالحنين وأحسستُ بأن البعدَ مؤلمٌ كما هو القرب في بعض الأحايين مؤلمٌ أيضاً، وكتبتُ حينها:
أهواكِ في القربِ جــداً
وفي البُعــدِ أهــواكِ أكثرْ …….
وما كُنتُ أدرى حجمَ
الحنينِ إليكِ ولمْ اتصور ….
وشوقي إليكِ كما قــدْ عهــدتِ
وخوفي عليكِ لمْ يتغيرْ …..
أهــواكِ أكثر
بطولِ البعادِ وكُثرُ الحنيـن
حتى فؤادي عليكِ تفطّرْ ……
أهــواكِ اكثرْ
حبيبـــةَ روحي وسلوةَ قلبـي
وكيفَ لِمثلِكِ أنْ يتكررْ ……
أهــواكِ أكثرْ
يفوحُ شذاكِ
مسكاً
وعوداً
وطيبـــــــاً
وعنبرْ ….
وتلكَ العُيونُ
حكاياتُ عشقٍ …. تُقَتــــــــِلُ فينـــا
وكالسيفِ تنحرْ ……
وأما الشفاهُ تُقَـطِـرُ شهــداً
شهيــاً
نقيــــاً
مُغطى بِسُكرْ …….
أهــواكِ اكثرْ ….
* صدرت لك خمسُ مجاميع شعرية، ماهي صورة المرأة في شعرك؟
صدرت لي خمس مجاميع شعرية وكانت على التوالي:
– حواء.
– امرأة عبر التاريخ.
– حتى ترضى.
– محضُ دخان.
– أنتِ لي شمسي.
والمجوعة الشعرية الأخيرة (أنتِ لي شمسي) من أقرب المجاميع لي، والتي تحتوي على العديد من القصائد التي أشعر بأنها قريبة مني ومن قلبي. سميتُ المجموعة الشعرية بهذا الاسم على اسمِ القصيدة الأولى في المجموعة والتي تحمل ذات الاسم. وهذهِ بعض أبيات القصيدة:
لكلِ الدنا شمسٌ
وأنتِ لي شمسي …..
وحبيبتي أنتِ
في الجهرِ والهمسِ …..
وحبيبتي في الحالتينِ
الزهوِ واليائسِ …..
وحبيبتي طول الحياة
واليوم والأمسِ …..
سمراءُ ليس كمثلها
تاجُ النساءِ
في الجنِ والأنسِ …..
زادَ الجمالُ دلالها
تمتازُ عن أقرانِها في رقةِ الحسِ …..
عذبٌ مذاقُ رحيقُها
كالخمرِ في الكأسِ …..
أنا قد فُتنتُ بحبها
من ساقي للرأسِ …..
كان للمرأة في كل المجاميع التي أصدرتها النصيب الأكبر، إذ احتلت أغلب مواضيع المجاميع الشعرية، من قربِ وبعدِ وزعلِ ورضى وشوقِ وألم. حيثُ تعدُ المرأة المحرك الدافق للوجدان والملهم الكبير لكتابة الشعر والبوح بما يدور في خلجات النفس. أنا أفهم بأن المرأة هي القصيدة، والقصيدة هي المرأة. وكان عنوان المجموعة الأولى (حواء)، إذ تمثلُ حواء الأم والأخت، والزوجة، والحبيبة، والأبنةُ. ولا حوراء لما وِجد الشعرُ. يقول “نزار القباني”:
الحبُ في الأرضِ بعضٌ من تخيلنا
لو لمْ نجدهُ عيها لاخترعناه
كما كانت المجموعة الثانية تحمل الاسم (امرأة عبر التاريخ)، والأخيرة تحمل (أنتِ لي شمسي)، والمجموعتين الأخريين يحملانِ ضمناً المرأة.
* تبدع في مجال الشعر، والنقدِ والترجمة، علام يدلُ هذا التنوع.
– قد يكونُ لعملي المهني الدور الكبير في هذا التنوع الذي تشاهدين، كوني أستاذاً جامعياً متخصصاً باللغة الألمانية وتحديداً الأدب والمسرح الألماني الحديث. وهذا يعني أن تكون لي دراية في الترجمة، حيث تمكنتُ وبفضلِ الله أن أصل لمرتبةِ مترجمٌ خبير، مما أهلني بترجمة العديد من المؤلفاتِ وكتابة البحوثِ في مجال الترجمة في المؤتمرات العراقية المحلية والدولية. وكانت لي كذلك فرصة الإشرافِ على العديد من البحوث والمؤلفات في مجال الترجمة. أما الدراسات الأدبية والنقدية فهي من ضمن اختصاصي الأكاديمي، حيثُ أدرسُ مادة المسرحية والرواية والنثر في الجامعة، مما يتطلب أن يطور الأستاذ من قابلياتهِ في هذا المجال، كي يكون أنموذجاً لدى الطلبة للسيرِ على خطاه.
أما الشعرُ فهو من أحب الصنوف الأدبية وقعاً على نفسي وذاتي، وهو الذي أشعرُ بهِ ومعهُ بتحقيق الذات. وكلُ ما ذكرتِ من تنوعٍ يمكن أن نقول عنهُ، بأنه يركنُ تحت خيمة الأدب.
* من خلال عملك الأكاديمي هل تشعر بأن الأجيال القادمة تتمتع بالحماسِ والدأب والرغبةِ في المطالعة والبحث والدراسة مع تلك الإلهاءات من قِبل التواصل الاجتماعي وغزو الصورة والفيديو من خلال الانترنت؟
– قبل الخوضُ والإجابة على هذا السؤال المهم، والذي يشغل الكثير من المسؤولين في المجالات التربوية والإرشادية، يتوجب علينا قبل المقارنة بين الجيلين أو العصرين الزمنيين المختلفين، يتوجب الظروف المحيطة والمسائل المتوفرة للأجيال الحالية ومحاولة دراستها ومعرفة مدى تأثيرها على الوعي العام لهذهِ الأجيال. إذ لا يمكننا المقارنة بشكل عام دون دراسة واعية لتلك الظواهر كي نكون على أحقية تامة بإعطاء الإجابة الصحيحة والعلمية.
وكوني تربويا وأستاذاً جامعياً يتطلبُ مني الدقة وقبل إبداء اللوم على هذهِ الأجيال وتسليط النقد لهم أن نفهم ظروفهم بشكلٍ صحيح. إن للتواصل الاجتماعي وجهين متناقضين، الوجه الأول هو سهولة الوصول للمعرفة والمعلومة بالمقارنة فيما مضى، وسهولة التنوير والتثقيف والتنوع والاطلاع على العديد من الواهر التي تحيط بنا، وهنا أجد فضل التواصل عبر الانترنت.
ولكن من جانبٍ آخر أو بصورة أدق الوجه الآخر لهذهِ الظاهرة، وحين يُساء استخدامها ستكون عبئاً ثقيلاً على كاهل الأجيال الحالية والقادمة. فقد لا يستخدم ما هو متاح من معرفة وأمور علمية بحثية في سبيل تطوير القدرات، بل ممكنٌ أيضاً أن تكون عاملاً للإلهاء والابتعاد المعرفي والانشغالات الجانبية التي تفسد القيم وتبعدُ التواصل الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة.
وهنا تكون الظاهرة مدمرة للمجتمعات وتفقد الجيل الجديد والقادم أيضا روح المنافسة المعرفية واللفة في الحصول على المعلومة، حينها سيكون جيلاً مُفرغاً من عوامل التطور والابداع الخلاق.
* هل تأثر العرب بالأدب الألماني، قبل تأثرهم بالآداب الأخرى مثل الإنكليزية والفرنسية؟
– كان للأدب الألماني التأثير الكبير والملموس على الأدب العربي، وخصوصاً الأدب الكلاسيكي الألماني والمتمثل بالأديب والكاتب والفيلسوف الألماني الكبير (يوهان فولفكانك غوته) وكذلك (فريدرك شيلر)، كما كان لعصر التنوير الألماني (Aufklärung) الدور الكبير في الانفتاح الفكري والثقافي لدى الأدباء الألمان. ومن أبرز المسرحيات التي تأثر بها العرب هي مسرحية (فاوست)، حيث كتب عنها توفيق الحكيم مسرحيته الشهيرة (عهد الشيطان) وهي مسرحية تحاكي الصراع الأزلي بين الخير والشر.
ومن الكتاب العرب علي أحمد باكثير (فاوست الجديد- من وجهة نظر إسلامية)، ومحمد فريد أبو حديد، وتوفيق الحكيم (قصة: عهد الشيطان) يطلب بطل القصة (حب المعرفة) وفي المقابل يطلب الشيطان (الشباب)، وسعدالله ونوس (ملحمة السراب): إنه زمن العولمة، رجل أعمال يبيع روحه للشيطان من أجل المال والقوة، ويسعى رجل الأعمال هذا يسعى إلى استثماره أمواله في قريته، ولكن رجل الأعمال لا يقدم لقريته سوى الشر، فهو ينهب أموالها ويحولها إلى مجتمع سياحي استهلاكي، ثم في النهاية يهرب تاركاً أهل القرية في فقرهم وبؤسهم)، وهاني الراهب (بلد واحد هو العالم: إنه عالم الاستهلاك الذي أغرق المجتمع العربي في أوحاله، وأصبح التعاقد مع الشيطان الطريق إلى الثروة، لكن بطل الرواية في صراعه من أجل الثروة يخسر كل شيء). ولكن تأثير هذه الشخصية في أوروبا كان طاغياً حتى أنها صبغت الحضارة الأوروبية التي أصبح يطلق عليها الحضارة الفاوستية.
ذلك أن فاوست، على المستوى الأوروبي الحديث، هو وليد الرأسمالية، إنه ابن الطبقة البرجوازية التي رأت في تلك الشخصية، ونهمها إلى المعرفة والاكتشاف والمغامرة والعمل خير معبر عن حالتها الاجتماعية والاقتصادية، وعليه فإن الإنسان الفاعل اجتماعياً هو ابن مجتمع ديناميكي اجتماعياً.
في مسرحية (فاوست الجديد) يقدم علي أحمد باكثير رؤية إسلامية لشخصية فاوست عبر رؤية عربية إسلامية في مواجهة الرؤية العلمانية، أو لنقل الرؤية الإمبريالية. وباكثير في استخدامه أسطورة فاوست يرى (وأياً كان الموضوع الي يعالجه الأديب العربي سواء كان عربياً أو غير عربي فالعبرة بالروح التي تكمن في مضمون العمل الأدبي، إذ يجب على الدوام أن تكون عربية أصيلة). وفي المسرحية لا يفرق باكثير بين العالمين الرأسمالي والاشتراكي، فهما يريدان السيطرة على العالم واستعباد الدول المتخلفة. وفاوست باكثير الذي يبدأ اختراعاته بصنع آلة لتزييف النقود، يفكر بالانتحار بعد أن ترفضه مرغريت لصنعه تلك الآلة وتدخل الدير.
وفاوست هذا الذي تسمح له أخلاقه أن يزيف النقود يحافظ في داخله على أخلاقه الدينية فيما يتعلق بطهارة المرأة، فرغم تمتعه بجسده مع نساء كثيرات بعد عقده مع الشيطان، إلا أنه يظل يرغب بمرغريت طاهرة ومؤمنة، وهذا ما تقدمه المسرحية، فلم تكن مرغريت الماجنة سوى امرأة من ماخور أعطاها الشيطان صورة مرغريت. ويدخل العالمان (الدولتان- المعسكران الغربي والشرقي) في صراع من أجل الحصول على اختراعات فاوست، بل يشتريان صديقه المقرب بارسيليز بالمال حتى يسرق تلك المكتشفات العلمية من أجل استغلالها من قبل الشركات العالمية في الصناعة، ويدفعه الشيطان لقتل فاوست والحصول على تلك المخترعات، ويخون بارسليز صديقه فاوست. لكن الطريف أن اكتشافات فاوست باكثير لا تتعلق بواقع مجتمع المسرحية، وهو لا يفكر بنهضة المجتمع العربي المتخلف، لا يفكر بطبقة تسعى للنهضة كما كان فاوست جوته، إنه لا يسعى إلى حداثة مجتمعه كما فعل فاوست الأوروبي، بل يفكر بالحضارة الإسلامية التي تسعى لخير العالم، ومكتشفاته العلمية تخدم العالم ولا تخدم مجتمعه العربي.
* في المقابل هل الأدب العربي مقروء في الغرب، وما هي صعوبات انتشاره؟
– كان للأدب العربي القديم دوراً فاعلا في الساحة الأوربية والألمانية تحديداً، إذ شهدنا ذلك التأثير الكبير للأدب العربي القديم، من خلال أسطورة ألف ليلة وليلة، حيث كتب عنها المستشرقون العديد من الدراسات والبحوث، وحتى غدت لنا مرجعاً مهماً في العديد من الدراسات الأدبية الحديثة. كما نشاهد تأثر الفيلسوف الكبير (غوته) بالأدب العربي ودراسة المعلقات، وكان لقصيدة عفت الديارُ للبيد أبن ربيعة التأثير الكبير،
عفت الديارُ محلُها فمقامُها بمنىً تأبدَ غولها فرجامها
فزقفتُ أسألها وكيف سؤالنا صُماً خوالد ما يُبينُ كلامها
وإذا الامانةُ قُسمتْ في معشرٍ أوفى بأوفرِ حظِنا قسامُها
فبنى لنا بيتاً رفيعاً سمكهُ فسما إليهِ كهلها وغُلامُـــها
كما تأثر بالشخصية العربية وبالأخص شخصية الرسول الأكرم محمد (ص). وكتب قصيدته المشهورة (أنشودة محمد)
وكتب عنها قصائد نشرت في (ديوانه الشرقي الغربي)، وكتب بعض القصائد في محاكاة القرآن الكريم.
أما عن الأدب العربي الحديث وصعوبات انتشاره فيمكننا القول، بأن هنالك ضعفاً ملموساً في انتشار الأدب العربي الحديث وذلك، كما أتصور، في ضعف الترجمة العربية إلى اللغات الأخرى. ومن الملاحظ في الحركة الترجمية العربية بأنها تنقل لنا من اللغات الأخرى إلى العربية، بينما الحركة العكسية ما زالت قليلة وغير مؤثرة. وهنا يتوجب على المؤسسات الرسمية والحكومية الانتباه إلى هذهِ الظاهرة والقيام بتشجيع المترجمين في نقلِ وترجمة الأعمال العربية الكبيرة والرصينة والتي وتبقى أسيرة الوطن وغير قابلة للانتشار.