خاص : حاورته – سماح عادل :
“بله محمد الفاضل” شاعر سوداني.. صدر له ديوان (طريق منسي في يدي)، يحتفي في ديوانه باللغة والموسيقى، وله لغته الخاصة التي ينحتها ويشتقها لتعطي دلالات متفردة، إيقاع شعره هادئ ينساب كالماء في النهر، يفيض شعره بمعاني متعددة الحزن والشغف والعشق والتوحد مع الطبيعة.
إلى الحوار..
(كتابات) : كيف بدأ شغفك بالكتابة .. وكيف نما ؟
- تبدأ الكتابة منذ أول نظرة لاواعية إلى المحيط، وأكذب في قولي لاواعية، حيث التقاء النظرات ببعضها، نظرات الرضيع وأمه، يقرأ تدفق روحها بنهمه الرأسي، يترجم حركاتها وسكناتها إلى كتابة في الأخيلة، ثم يبدأ في الهمهمة، يبدأ في العبث بالأشياء.. كل مولود يكتب، كل مولود شغوف بالكتابة، أنها سبيله الأوحد للتفاهم مع نفسه والعالم، الكلام كتابة، الإشارات كتابة، المشي، الضحك، الموت، الجنس، الحجر، العصافير، الفضاء، الليل، الحدس، الحدس، الحدس، الله، المقت، القتل، الحقد، الدسائس، الخسارات…الخ، كل شيء، وكل لاشيء هو كتابة، ولا يكتب كاتب إلا عن شغف.
كيف ينمو الشغف ؟.. هكذا بمعرفتك بك، معرفتك المجتزأة من اللانهائية، والنمو يتأتي جراء التربص العنيد ثم الإنهمار، تتكون الموجة من عناق الماء وارتفاعه للحد الأقصى لذا العناق، فيتفاوت بذا الموج، ويتمايز بحر عن بحر، لغة عن لغة، نمو عن نمو…
(كتابات) : في ديوان (طريق منسي في يدي) نستشعر غربة الروح والأسى على الذات والوطن.. هل الشعر يحركه الحزن ويغنيه ؟
- الحزن قيل، وأظنني القائل اللحظة، هو عنق الأصابع ورائحة الروح، والكتابة منوجدة بأنابيب العنق وحبرها الرائحة، لذا وعليه، والحال ماثل في أضابير طريقي المنسي أحسبه، ولعله في كل كتب الكون المطبوعة والآتية، لعله في الأنفس وهي تتساوق والحياة ساقاً بساق، جاءت مما يراكض ذواته المتجذرة والمتجزئة في النفس، غربة الروح والأسى، وإن هي على الذات، فهي على الوطن، على ما يعتور الكون جملة، وإن هي على الوطن، فهي بذات الصفات، هي على الذات… الخ.. وليس من صفة أكثر تجمهر من الحزن، كأنها أصل كل شيء، كأنها كل شيء، بدايته وأخمصه ومنتهاه، ليس كالحزن من شيء.
(كتابات) : في ديوان (طريق منسي في يدي) هناك احتفاء باللغة والموسيقى .. حدثنا عن ذلك ؟
- اللغة، اللغة سرير الأحاسيس، إليها تركن بحمولاتها كلها، أدق وأقصى الأحاسيس تتدفق للغة، اللغة الحبر، المأوى الدافئ للروح، ولكل حرف بالضرورة موسيقاه، حتى وهو متمنع عن أصابع الحس، تقترن موسيقاه من ثنايا كتابة لروح قارئ/ ناظر/ متأمل، اللغة موسيقى في حد ذاتها…
وحين أكتب لا أتعمد سوى الكتابة، لا يشكل أي شيء خلاف الكتابة عينها منشودا لي، ولها وفيها وبها يتمحور كدحي، وأعني الإخلاص الحاد اللحوح للتكثيف، وإن أرقت دما خارج منظومة اللغة المنكتبة لحظة الخلق.
(كتابات) : مارأيك في وصف الشعر الذي يصف تفاصيل العشق بجرأة بالايروتيكي.. وهل تحب كتابة هذا النوع من الشعر؟
- لست من هواة شيء بعينه أو من مناوئيه، كما سلف، وهو شعر بالضرورة، بالمقدور إتيانه دون حاجة له، بالمقدور إتيانه كما هو، كما ينوجد لحظته، الشاعر جمهور متباين، وأعني أمزجة شتى، وأعني حالات متداخلة، وأعني قصدية كتابية، وأعني طرائق وعرة، وأعني هو هكذا لا يضبط، لا ينفلت، لا يعقلن، لا يبارى في نقصه ونقائضه واكتماله المكتوم أو المكتوب، فلا حجر عليه ولا رسن، إن أراد فليكن.
(كتابات) : كيف هي المرأة في شعرك ؟
- هي شعري كله، أنا الجثة السائرة للمرأة، أنا جرحها المفتوح إلى الأبد، جنينها وجنونها، وهي كل كائنات كتابتي، وكلي كذلك.
(كتابات) : ما هو تقييمك لحال الثقافة في السودان؟
- في زمان ليس بالقريب، سئلت السؤال عينه، فقلت بأني غير معني بحال الثقافة في السودان، وحتى اللحظة فإني كذلك، غير معني بحال الثقافة في السودان، الثقافة المؤسسية المعلقة على مقاصل نزق الساسة، ولكني معني جدا بحال المثقف السوداني، بحال النتاجات الفردية، وأسعى وسعي، للإلمام بها، للمشي والأصابع اللاعبة على لوحة اللغة، متشابكون، ناقمون، ظالمون، مظلومون…، فثقتي مطلقة في الفرد، ومعدومة تماما في الدولة.
(كتابات) : في رأيك لما لا يتواجد الأدب السوداني على الساحة الثقافية العربية باستثناء بعض الكتاب السودانيين الذين حققوا انتشارا؟
- هذا السؤال ملغوم، ولكني سأختصر الإجابة عليه فأقول: الأدب ليس سلعة يأخذها صاحبها وينادي عليها الناس، أنه اشتغالات وجدان، والوجدان النفيس لا يعرج نبضه على الموائد.
(كتابات) : ما رأيك في قصيدة النثر وهل أصبحت راسخة في أدبنا العربي؟
- كتبت مرة إفادة بذات الشأن، وأذكر أني أشرت لخصيصة الحروف العربية الضاجة بالموسيقى، وإلى الروح العربية التي لن تتنصل أبدا عن الموسيقى في الكتابة، وبذا فإن قصيدة النثر العربية لها خصوصيتها فوق اتفاقها مع قصيدة النثر العالمية، ورسوخها قديم قدم الكتابة ذاتها في أي قوم كانوا، والحق إن قصيدة النثر قد قتلت بحثا واعتراضا.
(كتابات) : هل أفادتك وسائل التواصل الاجتماعي في الوصول إلى القراء؟
- بالطبع، وهو القارئ الفاعل، القارئ المنتج والشريك في العملية الإبداعية.
(كتابات) : في رأيك هل لابد للكاتب أن يكون له موقف ثوري داخل مجتمعه؟
- كونك كاتب فأنت في موقف ثوري على كل الأصعدة، غير ذلك فإنه كاتب دوام في بهو السلطان، أي أن أي كاتب غير ثائر هو موظف دولة.
(كتابات) : هل واجهتك صعوبات في طريق الكتابة؟
- إطلاقا، إلا داخل غابة الكتابة ذاتها، وتلك لذاذات لا صعوبات.
قصيدة أُشجِّرُ أُغنِيَّاتِي بِالحنِينِ
1
الوجهُ بابٌ كذلك
فأحذرْ من طرقِهِ وأهلِهِ غيابُ.
2
أُشجِّرُ أُغنِيَّاتِي المُمزِّقةَ بِالحنِينِ، فأجِدُني مِثلَهُ، تأْكُلُنِي نارٌ، ويُحَشرِجُ ظَلِّي بِالرَّمادِ والرَّملِ.
3
على مرايا الغيم تستعِيدُ الشَّمسُ سِيرتَها في الدّلالِ.
4
الغيمُ الهاطِلُ على الأرضِ بِالبردِ
يجِيءُ برِفقِهِ أيضاً ثُقُوبُ الدِّفءِ.
5
الآن، والبردُ يُرهِقُ الأنفاسَ
يتجزَّأُ فتًى بِأورِدةِ حبيبتِهِ
كي لا يخنُقَهُ العِناقُ.
6
الشَّارِعُ مُنذ أولِ طارِقٍ صباحِيٍّ
على أُهبةٍ للأدمُعِ والسُّهوِ.
7
يحفلُ الشَّارِعُ كثِيراً بِرقِّي عابرِيِهِ، فيلُوحُ لأخيِلتِهم بِأحلى الحُللِ.
8
أتذكَّرُ الهزائِ مَواحِدةً إِثر أُخرى، وبِعينينِ مطوِيَّتينِ في شجنِ الكونِ أشرعُ في إِخمادِها بِنارِ الأملِ المُطفأةِ..
***
سعاد مستغفر لقد قلت شقيقتي:
((عينان مهزومتان رغم تحديهما الناعم))
9
أُفكِّرُ، هل الجُرحُ قبل إغماءةِ النَّصلِ؟
أم أنه فِكرةٌ في يدِ الحدِيدِ؟
أم قِطارُ أُغنيَّاتٍ حمراءَ سيُغنِّي لِلقلبِ عن حرائِقَ لم يرها
وهي تنصُّتُ إلى مُوسِيقاها في أزِقَّةِ الماشين إلى الحربِ؟
فما الذي يُهِمُّ حقِيقةً:
الجُرحُ أم النَّصلِ أم التَّفكِيرُ قبلهما؟
10
قال:
لم أزلْ اتَّبعُ تلاوةَ صمتِي عليها
بِتِلاوةِ صمتِي
وعلى كفِّي لأوتارِها:
الشَّارِعَ واللَّيلَ، حنِينِي ووجدِي
كيفما تقَلَّبَ القلبُ في صلواتِهِ
مسَّدَهُ خيالٌ مِنها
فربضَ في مكامِنِه لها
وهي لِلعِلمِ: بين أنفاسي ونفسِي
الحُبُّ مُشعِلُهُ: قلبٌ إلى القلبِ مِحرابٍ
فلو اذُ المدُّ بالجذرِ..!!
11
القلبُ
رِيقُ البِنتِ
الّتي لم يحتمِلْ الشَّجرُ عصافِيرَهَا المُغرِّدةَ
فحطَّتْ على كفِّي..!!
12
ضعِي وردتينِ على جُثَّتِي
وارسُمِي في الفضاءِ قُبالةَ قلبِي
قلباً
واثقِبِيهِ
أنهضُ..!!
13
أُقلِّبُ في وفيرِ الفزعِ ذِكراكِ
فكيف إليك قد فرَّتْ من الأشواكِ
دندنتِي وأشواقِي؟
14
وظِلِّي
لو أردتَ
فكُن جِداراً
إنقلبِي كُلُّقلبٍ
لا محالة
بِحاجتِهِ اتكاءٍ
أو سُقُوطاً في التّواريّ..!!
15
قالت:
لن تجِدَنِي
في اِمتِلاءِ الصُّبحِ بِأنفاسِ الغمامِ
أو حين يمتحُ الشَّطُّ من زُرقةِ الولهِ
فكيف يشظئك حنينٌ راكِعٌ
لِينهلَ من جُبِّ الكلامِ رحيقَهُ
ويفِرُّ نحو الماءِ
بما ليس في الماءِ
من أفانينِ المرِحِ، وشوشةُ الضِّياءِ، آهاتُ النَّدى…..
والشَّطُّ لِلشَّطّ بُالحُبِّ والاِمتِلاءِ..!!
16
نقشٌ ضئِيلٌ لِذِكرى
——-
ويعرِفُنِي صباحُ البيتِ
منذ الحُلةِ الزّرقاء في الماءِ
ومنذ حدِيثِها المدسُوسِ لمسمعي وحدِّي
فمنذ رحِيقِها الهامِس
ومنذ أحبُّها والقلبُ مسرحُها
ويطغى يملأُ الأكوانَ بِالحُبِّ
وبِالحُبِّ يجئُ الشَّجَرُ والحجرُ كما الطِّفلِ
وبِالحُبِّ أُزاوِلُ رغبةَ الإيقاظِ لِلوترِ
أُغنِّي: مابهِ الكفُّ؟
حدائِقُ أم مرَّتْ بهِ الألوانُ والنّهرُ
وأورادٌ ومدرسةٌ
وليلُ الوجدِ والحبقِ
وقلبي والهُوى والنّورُ
وشمسُ الماء والزّمنِ..!!