خاص : حاورته – سماح عادل :
“بدر أحمد”؛ كاتب يمني.. مواليد 1978 محافظة “آب” اليمن، حاصل على ليسانس آداب، شغل منصب المدير التنفيذي لمؤسسة “رواق الأدب العربي” قبل الحرب، صدرت له رواية (أمطار سوداء) 2012، ورواية (بين بابين) 2018، وكتب عدد من المجموعات القصصية والروايات غير المنشورة.
إلى الحوار:
(كتابات) : كيف ظهرت رغبتك في الكتابة وكيف تطورت ؟
- بدأت رغبتي في الكتابة في بداية سني الشباب الأولى، كتبت عدداً لا بأس به من القصص القصيرة التي كانت تحاكى في أسلوبها ومضمونها أسلوب الكاتب المصري الشهير، “نبيل فاروق”، لكنها (الكتابة) لم تكن منتظمة ولم أكن أملك مساراً محدداً أسلكه أو هدف أصل إليه، وإنما كنت أكتب وأكتب وحين انتهى من الكتابة أمرر العمل على الأصدقاء والرفاق، ثم وبعد تلقى الملاحظات و الآراء، كنت أدفنها في أقرب صندوق من صناديق الكتب خاصتي، ظل الأمر كذلك لسنوات طويلة، وكأنه كان محاولة للتنفيس وإفراغ طاقة ذهنية وعاطفية حبيسة.
في 2006 تقريبا وتحت وطأة التأثير الجميل لكتابات الروائي اليمنى “وجدي الأهدل” وجدتني أمسك بالقلم وأكتب و أكتب دون توقف ودون سابق تخطيط، استمر الحال على ذلك المنوال لزمن لا أتذكر مقداره، انتهيت بعده من كتابة أول رواية متكاملة وهى “ثورة الخصيان” وهى عبارة عن فانتازيا سياسية اجتماعية وفى تلك المرحلة أيضا كان ينقصني الهدف النهائي أو الغاية النهائية من الكتابة، فانتهى الأمر بالرواية في أحد الصناديق بين أكداس من الأوراق القديمة!
مرت السنوات التي تلت 2006 لم أحاول خلالها أن أكرر تجربة كتابة الرواية بل أنني تخليت أيضا عن كتابة القصة القصيرة، شعرت بأني قد وصلت إلى مرحلة التشبع منبع ذلك الشعور أنى وجدت في الأقاصيص والخواطر والنثر ملجأ سهلا لإشباع النهم للكتابة، فاستمر الحال على ذلك المنوال حتى العام 2010 حين بدأت نذر الربيع العربي وجدتني وتحت وطأة بعض الآثار الجانبية للربيع العربي أكتب روايتي “أمطار سوداء” أمضيت أوقات طويلة أعمل عليها وكنت أثناء كتابتها قد وجدت بعض الأهداف التي يمكن أن نقول إنها شكلت غاية وهدفا لكتابة الرواية، كان أبرزها إثبات الذات واثبات مقدرتي على خلق شيء جديد متكامل ومتناسق.
مررت الرواية على بعض الزملاء والرفاق والحق يقال تفاجأت كثيرا من ردة فعل من قرأها وإشادتهم بها، وشجعني بعض الزملاء على تقديمها لدور النشر، لم يطل بحثي كثيرا، و صدرت الرواية فعليا عبر دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر -الرباط-، نجاح رواية “أمطار سوداء” وكذلك الصدى الطيب الذي أحدثته على الرغم من كوني كاتب مبتدئ لا أملك تاريخا أدبيا، كل ذلك أعطاني دفعة قوية للاستمرار في الكتابة وتطوير إمكانياتي اللغوية والروائية، وقررت أيضا اختيار الرواية والاستمرار فيه، ولذلك جمعت ما استطعت من الروايات القديمة والجديدة و ما كتبه النقاد والكتاب عن فن الرواية، تلك القراءات غيرت كثيرا في نظرتي للرواية والقصة وأكسبتني معرفة جديدة بطرق وأساليب جديدة في الكتابة.
(كتابات) : كتبت القصة والرواية أيهما أقرب إليك؟
- حين سئل ماركيز عن الفرق بين القصة القصيرة والرواية أجاب: “القصة كصب الخرسانة، أما الرواية كالبناء بالطوب” في إجابته وضح ماركيز بشكل دقيق الفرق بين الرواية والقصة القصيرة. فالقصة القصيرة تتطلب تركيز المعاني وتكثيف الأحداث واختزالها مع ترك مساحة واسعة لخيال القارئ كي يخلق الأحداث ويشارك فيها، أما الرواية فهي بناء منظم مرتب مترابط حين يضع الكاتب حجر الأساس يشرع في بناء الأحداث وربطها بسلاسة مهتديا بالأساسات التي وضعها.
بالنسبة لي أجد نفسي في الرواية، فالقصة القصة القصيرة لا تشبع نهمى لكتابة وخلق أحداث جديدة، على عكس الرواية التي تتيح لي قول ما أريد وفعل ما أريد وتمكنني من الحركة بسهولة. وهذا لا يعنى يقينا أن كتابة القصة أصعب من كتابة الرواية، ولذلك لا غرابة إن قلت أن قصصي التي أدعوها قصيرة تتجاوز كلماتها 3 آلاف كلمة.
(كتابات) : في رواية “أمطار سوداء” تناولت وحشية الحرب ومصير الربيع العربي، حدثنا عن ذلك؟
- يجب أن أوضح شيئا مهما هنا، أنا لست معارضا للربيع العربي، وكذلك لست معه بالطريقة التي حدثت، أنا مع ثورة المظلومين، وثورة الشعوب المقهورة، لكنى أيضا مع خلق أسباب موضوعية وبنية ملائمة للثورة، يقودها فكر ثوري منظم يسير بها إلى بر الأمان، ما حدث أن الشعوب ثارت ثورة غير منظمة استفاد منها نخب سياسية أتاحت المحال لإعادة تدور الأنظمة البائدة وظلت الشعوب تعاني ضعفي المرارة التي كانت تتجرعها في حقبة النظم البائدة.
الثورة في مجملها إن كانت تفتقد إلى خطة وإلى قاعدة جماهيرية و إلى شرعية شعبية واسعة، فإنها تتحول إلى فوضى وإلى ثورة من لون واحد. شخص “لينين” الحالة الثورية الحركات الثورية الناشئة قائلا…”لا ثورة بدون فكر ثوري” الجماهير في حقبة الربيع العربي كانت تسعى إلى إسقاط النظم الحاكمة ولم يكن لديها أي تصور مسبق لمرحلة ما بعد إسقاط النظام، ولم يكن لديها كوادر جاهزة لاستلام أجهزة الدولة المنهارة، بل ظلت تهتف بإسقاط النظام ورموز النظام، وحين سقط النظام سقطت معه الدولة بكامل مؤسساتها دون أن تبادر الجماهير لاستلام تلك المؤسسات وهذا هو الخطأ القاتل الذي وقعت فيه معظم ثورات الربيع.
سقوط الدول وأجهزتها أدى إلى ظهور جماعات مسلحة تتغذى من إرهاب الناس، أحالت حياتهم إلى جحيم فعلى، أما أن تحدثنا عن وحشية الحرب، فالحرب حرب، وكما قيل لا يوجد حرب رحيمة وحرب وحشية، حرب نظيفة وحرب قذرة، الحرب في كل حال مهرجان مفتوح للقتل بالجملة، هدف المشاركين فيها هو قتل بعضهم البعض وليس شيء آخر.
يرافق الحرب تهتك للنسيج الاجتماعي وانتشار للفقر والفاقة والجريمة والأوبئة، الحرب في الواقع تختلف اختلافا كليا عن تلك التي نراها في شاشات السينما، فهي في نسختها الحقيقة مأساة بشعة لا يمكن لبشري أن يتخيلها أو يتخيل وجوده فيها.
(كتابات) : لماذا اخترت أن تدور روايتك “بين بابين” في زنزانة؟
- في الحقيقة لم أتوقع أن يسألني أحد هذا السؤال سواء كان قارئا أو ناقدا، فقد وجدت في الزنزانة وفى إبهام شخصية بطل الرواية أرضية مناسبة كي أحيك النسيج الروائي المبنى في الأساس على توليد الحيرة في ذهن ونفس القارئ، في البداية وبعد أن قطعت شوطا في كتابة الرواية اكتشفت أنى اخنق بطل القصة في تلك الزنزانة وهو بدوره يخنق القارئ ويمنعه من الاستمرار في القراءة، حينها ولكي لا أقضى على الرواية قررت أن أخرج بطل القصة ذهنيا من الزنزانة، وجعلته يتذكر حياته السابقة بحيث أحافظ على البناء الروائي المبنى على الحيرة والتساؤل وأدخلت إلى الرواية قصصا جديدة من خارج إطار وجو الزنزانة تكسر رتابة وجمود المشهد الواحد، واعتقد أن اختيار الزنزانة كمسرح لفصول رواية واحدة هو إسقاط نفسي لحالة من الكبت والإحباط يعيشها الكاتب.
(كتابات) : في روايتك “بين بابين” بعداً فلسفيا حدثنا عن ذلك؟
- هذا السؤال يشرح ما قبله، الرواية في مجملها تحكي قصة شخص مجهول الهوية، فتح عينيه في الظلام وبمرور الوقت اكتشف أنه في زنزانة مظلمة صامتة، بطل الرواية لا يتذكر من حياته السابقة أدنى شيء، ولا يتذكر كيف أتى إلى محبسه، ومضات تباغته بين الحين والآخر تحمل له قصصا من حياته السابقة، تتدرج هذه القصص بين الموت والخيانة والفانتازيا وغيرها، هذا التدرج يعطى القارئ شعورا خفيا عن حياة سابقة كاملة لبطل القصة، ومع أن الحكايا غير مرتبة زمنيا إلا إن ذهن القارئ سيرتبها تلقائيا. في مجمل الحكايا والأحداث ذابت مقولة فلسفية تقول: “ليست الحياة سوى سجن صغير، الخروج من هذا السجن لا يعنى بالمطلق أنك ستكون حرا”. كل الأحداث وكل ما يصادف بطل القصة وكذا خروجه في نهاية المطاف من زنزانته كلها مبنية على هذه المقولة.
(كتابات) : هل واجهت صعوبات في النشر في اليمن و لمّ؟
- في حقيقة الأمر النشر في اليمن بشكل عام شبه معدوم، وإن وجد فهو ينحصر على دور نشر محلية تكدس ما تطبع ولا تضع أية معايير فنية لما تطبع، كما أنها لا تملك أية خطط للتوزيع والإشهار، كل ذلك مرده إلى طغيان الحس التجاري على الناشر وكذلك غياب دور المؤسسات الثقافية سواء الأهلية والرسمية، ولذلك فضلت أن تكون بداية انطلاقي من خارج اليمن، ولست الوحيد من كتاب اليمن من اتخذ هذا القرار، بل هناك الكثير من الكتاب اليمنيين يفعلون الشيء ذاته، وتستحوذ دور النشر المصرية والسورية واللبنانية على معظم نتاجات الكتاب والأدباء اليمنيين.
(كتابات) : ما تقييمك لحال الثقافة في اليمن والبلدان العربية في الوقت الراهن؟
- في اليمن وعلى الرغم من مآسي الحرب التي نشاهدها ونعيشها يوميا، هناك طفرة أدبية في مجال الرواية والقصة والشعر، أحد الأصدقاء كتب قائلا: “اليمنيون يقاومون الحرب بالرواية والقصة” وهنا أشير إلى أن معظم هذه الطفرة الأدبية هي نتاج جهود فردية في ظل غياب تام للمؤسسات الرسمية والأهلية، والأمر ينسحب نوعا ما على المشهد العربي فخلال السنوات الأخيرة ظهرت أسماء جديدة على الساحة الأدبية تكتب بلغة جديدة وأسلوب ممتاز يبشر بولادة كتاب كبار.
إجمالا المشهد الثقافي يسير في اتجاه معاكس للمشهد السياسي الذي يعانى من انتكاسات وإحباطات، وهذا مرده إلى أن الثقافة شعور إنساني وليد للمعاناة المجتمعية بمعزل عن المواقف السياسية، كما أن الطفرة المعلوماتية وسهولة التواصل أتاحت لكل المبدعين الوصول والتواصل ولم يعد الإبداع مقيدا بطبقة أو بدار نشر أو بصحيفة.
(كتابات) : هل تشعر أن الأدب اليمنى مظلوم ومهمش في باقي البلدان العربية؟
- الأدب اليمنى ككل شيء يمنى لم ينل حقه وافيا، فهو (الأدب اليمنى) تتنازعه عدة تيارات منها ما يريد ربطه وتقيده بالمحيط المحلى وأخرى تحاول الخروج من وصاية التيارات السالفة الذكر والاتكاء على الخارج، وفى ظل هذه التجاذبات و غياب دور المؤسسات الأهلية والرسمية وعدم وجود دور نشر ثقافية محلية تقوم بما تقوم به دور النشر العربية، كل تلك العوامل تكالبت على الأدب اليمنى وعلى الكاتب اليمنى ونالت من حظه، ولذلك نجده غريبا في محيطه العربي ينتقص من شأنه أدبيا وماديا. واعتقد أنه لو ذللت كل تلك العقبات أمام الأدب اليمنى لنال المكانة التي يستحقها.
(كتابات) : من الكتاب الذين تأثرت بهم؟
- على الصعيد المحلى تأثرت كثيرا بكتابات ولغة كاتب يمنى لم ينل حظا كبيرا من الشهرة ولم تنل أعماله حظا من الرواج الذي يليق بها، إنه الكاتب (محمد على الصباحي) هذا الكاتب الذي لا أعرفه معرفه شخصية ولطالما بحثت عنه وعن أعماله، فهو يملك لغة نقية قوية أسرتني وأشعلت بدواخلي رغبة عظيمة في الكتابة شأنه شأن الروائي (وجدي الأهدل)، الحق يقال تتملكنا الحسرة عندما نجد بينا قامات روائية كهذه لم يتطرق إليها أحد أو طواها النسيان وخذلان المؤسسات الثقافية، لكنى على ثقة أن الأيام ستأتي بالأفضل وسينال هؤلاء المظلومون حقهم من التكريم والتعريف، وسيتربعون على المكانة التي يستحقونها. أما على الصعيد العالمي، أميل كثيرا إلى الأدب اللاتيني وقرأت غالبية ما كتبه الروائيين العرب.
(كتابات) : ما هي طموحاتك ككاتب؟
- أطمح أن أصل حد الارتواء من الكتابة، مع يقيني أن هذا من سابع المستحيلات.