26 ديسمبر، 2024 6:12 ص

مع (كتابات) .. الناشر “أسامة إبراهيم” : عراقيل عديدة تواجه صناعة الكتاب !

مع (كتابات) .. الناشر “أسامة إبراهيم” : عراقيل عديدة تواجه صناعة الكتاب !

حاورته – سماح عادل :

زادت في السنوات الأخيرة أعداد دور النشر الخاصة في مصر، وانتشرت ظاهرة صناعة الكتاب الورقي المدفوع الثمن من قبل الكاتب، بعد أن تراجع النشر التابع لوزارة الثقافة والمدعوم من الدولة، كما ظهرت اتهامات كثيرة لدور النشر، أبرزها أنها تسعى للربح، ولا تلتفت للقيمة الثقافية للكتاب الذي تصنعه.. تحاورت (كتابات) مع الناشر المصري “أسامة إبراهيم”، مدير دار النخبة للنشر، لمناقشة بعض القضايا الخاصة بالنشر الخاص..

(كتابات): لما اخترت مجال النشر الخاص ؟

  • منذ حوالي عامين، قررت الانخراط في مهنة صناعة ونشر الكتب.. رغم علمي الكامل أن ممارسة هذه المهنة ليست بالأمر السهل، بسبب كثرة المشاكل التي تكاد تفجر صناعة هذا المنتج الهام، وفي صادرتها الارتفاع المستمر في أسعار الأوراق ومكوّنات إنتاج الكتاب، والضرائب المفروضة عليها، وضعف التوزيع الناتج عن عوامل كثيرة ومعقدة.. ومع ذلك قررت – من خلال إطلاق دار النخبة – خوض غمار هذه التجربة واستطاعت الدار خلال فترة وجيزة أن تثبت وجودها وسط كبار الناشرين العاملين في المجال منذ عقود طويلة.

أما الشئ الأساسي الذي جعلني انخرط في صناعة النشر أنني كاتب وإعلامي من حيث الأساس، كما اعتبر الكتاب قيمة قبل أن يكون سلعة تجارية، حيث ارتبطت بالكتاب طوال حياتي الشخصية والعملية.

(كتابات): هل الأحوال الاقتصادية الحالية أثرت على عملية النشر.. وكيف ؟

  • بالتأكيد تردي الأوضاع الاقتصادية أثر على عملية النشر بشكل سلبي.. مثلاً تضاعف أسعار العملات الصعبة أدى بالتالي إلى تضاعف أسعار متطلبات الطباعة، وفي الوقت ذاته انخفاض الإقبال على شراء الكتب باعتبارها – في ثقافتنا العربية – سلعة كمالية وليست أساسية. ومن المعروف أن إصدار الكتب في السنوات الأخيرة أصبح غير مربح مادياً، مقارنة بالاستثمارات الأخرى لكن استطيع القول أنه غير خاسر أيضاً.. وأنا ضد مقولة أن “الكتاب يحتضر”، رغم كل ما نتحدث عنه من مشاكل.

وإذا كان من السهل نشر مقال أو دراسة أو قصة فور الانتهاء من كتابته في موقع إلكتروني، أو جريدة يومية، أو مجلة إسبوعية، لكن الوضع يختلف كثيراً في صناعة الكتب حيث يحتاج إعدادها وتجهيزها إلي وقت أطول وجهد أكبر ومراحل أكثر تعقيداً.

(كتابات): هل انسحاب الدولة من دعم الثقافة والنشر يؤثر بالسلب أم بالإيجاب على دور النشر الخاصة ؟

  • ليت الدولة انسحبت من دعم الثقافة والنشر واكتفت بذلك.. بل إن معظم الحكومات العربية تلعب دوراً سلبياً للغاية في تكبيل الناشرين من خلال فرض الضرائب على صناعة الكتاب، ووضع العراقيل أمام تصدير الكتب واستيرادها، خصوصاً فيما يتعلق بتوحش أسعار الورق المستورد ومتطلبات الطباعة وتكاليف النقل وغيرها، إضافة إلى توقف المؤسسات الحكومية وغير الحكومية عن شراء بعض الكتب وتوزيعها على المكتبات العامة مثلاً.

(كتابات): ما رأيك في الاتهامات التي يوجهها بعض الكتاب لدور النشر بأنها لا تهتم إلا بالربح.. ولا تقوم بتوزيع الكتب كما ينبغي.. وتفضل أنواع معينة من الكتابات ؟

  • الحقيقة أن الاتهامات متبادلة بين الطرفين.. فالعلاقة بين الناشرين والمؤلفين، بين الكاتب وناشره حكاية ملتبسة أحياناً ويشوبها الشك والشكوى أحياناً أخرى.. فالكاتب يشكو ظلم الناشرين، والناشر يصرخ من ظروف السوق وضعف المبيعات وواقع النشر المتردي، وأرى أن الحل الأمثل لفك هذا الاشتباك هو إلتزام الطرفين بعقود قانونية، تتضمن بنوداً واضحة تحدّد حقوق كل طرف، لكن هذه العقود ربما لن تغيّر شيئاً في الواقع إلا إذا توفرت المصداقية والثقة بين الطرفين.

وبالنسبة لمشكلة إصدار بعض الإصدارات الجديدة فإننا لتجاوزها نعتمد على إصدار الكتب التي لها رواج في السوق، التي نملك حقوق نشرها، فنموّل منها الكتب الجديدة غير مضمونة التسويق لعدم شهرة كتابها، المبدأ الأساسي بالنسبة لنا هو المحافظة على أعلى معايير النشر الاحترافية التي نستطيع من خلالها المنافسة مصرياً وعربياً، ولتغطية مصاريف الطباعة المتنامية.. فإننا نتشارك مع المؤلف أحياناً في تسديد تكاليف نشر كتابه، والاقتصاد في عدد الإصدارات.

(كتابات): ما هي الحلول التي من شأنها حل مشاكل الناشرين ؟

  • نحن في “دار النخبة” نعتمد على العديد من الوسائل لحل مشاكل النشر، من بينها تأسيس مكتبة في مكان مميز بوسط القاهرة يكون نقطة توزيع رئيسة لمطبوعاتنا وغيرها من دور النشر.. والإلتزام بالمصداقية وبناء أعلى درجة من الثقة بيننا وبين المؤلفين من ناحية وبين القراء من ناحية ثانية.

وأحياناً نغامر بنشر كتب نعرف ضعف احتمالات بيعها، لكننا نؤمن بقيمتها الأدبية، وفي المقابل نضطر إلى نشر أعمال غير راضين عنها لضمان الاستمرار في الصناعة، ومن وسائل الترويج المتعارف عليها حالياً لبيع الكتب وزيادة المبيعات وتغطية تكاليف الطباعة إقامة حفلات التوقيع، والطريف أن بعض المؤلفين يعمد إلى بيع أكبر قدر من الكتاب على أقاربه وأصدقائه خلال حفل التوقيع.

(كتابات): ما رأيك في حال الثقافة العربية بشكل عام وفي مصر بشكل خاص ؟

  • المؤكد أن حال الثقافة في مصر والعالم العربي في أدنى مستوياتها.. وهذا يرجع لأسباب مختلفة من بينها انتشار المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، التي ساهمت في إبعاد الإنسان العربي عن الكتاب رغم أنه كان على مدار عقود طويلة مصدراً أساسياً وجوهرياً من مصادر المعرفة والثقافة والعلم.. وهذا الوضع يؤدي بمرور الوقت إلى تخلف الكتاب ويكرّس اغترابه عن عصره وعما يدور فيه من تطورات وتحولات حضارية وعلمية وثقافية متسارعة يعيشها العالم الحالي.

كما ساهم ضعف التوزيع في تعميق الهوة التي تتسع باستمرار وبشكل مخيف بين المواطن والكتاب وبين الموزعين.. فعزوف القارئ العربي مثلاً عن القراءة، وخوف الناشر من الإخفاق في صناعته، كل هذه العوامل وغيرها ساهمت سلبياً في تعميق الفجوة المعرفية والعلمية والحضارية بين عالمنا العربي والعالم الغربي.

(كتابات): لماذا في رأيك يسعى بعض الكتاب العرب للنشر في مصر ؟

  • معروف أن مصر هي قبلة المثقفين والفنانين العرب.. ومن خلال تجربتنا الشخصية نعرف أن الكثير من المفكرين والمبدعين العرب يسعون للنشر في مصر لأسباب مختلفة، من بينها ارتفاع مستوى جودة صناعة الكتاب مقارنة بتكاليف الطباعة، فضلاً عن توفر خدمات التسويق والترويج الإعلامي للكتاب بعد الطباعة.

(كتابات): ما هي المجالات التي تلقى رواجاً من القراء.. الرواية، الشعر، الكتب السياسية، الاقتصادية…. ؟

  • أدت مشكلة العزوف عن القراءة، ونسبة الأمية المرتفعة في الوطن العربي، وتفاقم الأزمات الاقتصادية، وازدياد نسب الفقر، واعتبار الكتاب من الكماليات، إلى ضيق رقعة رواج الكتب بشكل عام.

كما أدت الأحداث المؤسفة التي شهدتها الكثير من بلداننا العربية في السنوات الأخيرة إلى تمزيق الوطن العربي، مما يجعل من مهمة توزيع الكتب بين هذه الأقطار أمراً بالغ الصعوبة، فما هو مقبول هنا مرفوض هناك، لتتحول بعض الدول إلى جدار سميك غير قابل للاختراق، إضافة إلى التعقيدات الجمركية حيث يعامل الكتاب في بعض الدول كأحد الممنوعات الرئيسة، ناهيك عن ارتفاع تكاليف التوزيع بسبب الإجراءات الضريبية المتزمتة وازدواجها وتكلفة الشحن خصوصاً الجوي.

لكل هذه الأسباب فإننا في “دار النخبة” نعتمد على التوزيع المباشر، من خلال إقامة علاقة تسويقية بيننا وبين مكتبة في بلد معين من دون وسيط، ومحاولة البيع النقدي، إضافة إلى المشاركة في معارض الكتب العربية التي تقام سنوياً، والتي نشارك فيها مباشرة، ونبيع عبرها للمكتبات أو الموزعين في ذلك البلد، إلى جانب الأفراد العاديين، وبهذه المناسبة فإنني أدعو إلى خفض رسوم الاشتراك العالية في المعارض إلى سعر رمزي، مما يساعد الناشر في تسويق الكتاب وإيصاله إلى القارئ بسعر منخفض، وتوزيعه في ظروف مناسبة، وملائمة.

(كتابات): هل أثر الكتاب الالكتروني والنشر على مواقع التواصل الاجتماعي على صناعة الكتاب الورقي ؟

  • الكتاب الرقمي والفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة جعلت صناعة النشر في العالم العربي أمام امتحان صعب.. وعلينا كناشرين المساهمة في حل هذه المشاكل، والنهوض بالكتاب العربي إلى المكانة التي تليق به في مصاف الناشرين الدوليين، وهذا لم يحصل إذا لم يكن هناك دعم من الحكومات العربية في دعم الكتاب العربي، وتشجيع الطلاب على القراءة، لذلك ينبغي أن يكون هناك تغطية إعلامية للكتاب، وواقعه وطرق النهوض به.

(كتابات): هل يوجد إقبال من القراء على شراء الكتب ؟

  • استطيع القول من خلال مشاركاتنا في معارض الكتب بالعديد من العواصم العربية، أن كثير من شرائح المجتمع العربي ما زالت ترتبط بالكتاب، لكن عملية توزيع الكتاب وتسويقه في الدول العربية أزمة خانقة تمثل خطورة كبيرة ليس فقط على صناعة النشر وإنما على مستوى الوعي وامتلاك أسباب التقدم العلمي والحضاري، فالمؤكد أن هناك أزمة عميقة نشراً وتوزيعاً، حيث تشير الإحصائيات إلى أن كل الدول العربية تنتج من الكتب أقل مما تنتجه أصغر دولة أوروبية، وأن معدل الترجمة في بلد أوروبي مثل إسبانيا ضعف ما يترجمه العالم العربي من أعمال في هذا المجال الحيوي.

هناك أيضاً الأمية وأنظمة التعليم ومناهج التدريس وعدم توافر مراكز البحث العلمي، والعزوف عن القراءة والفقر، وغياب التوجه لدى الدول في جعل الثقافة ضمن سلم أولوياتها.

(كتابات): ولكن ما الذي يعيق عملية توزيع الكتاب في الوطن العربي ؟

  • نحن كناشرين نعاني من عدم وجود شركات متخصصة في توزيع الكتاب ومن ثم المزيد من تراجع صناعة الكتاب وتسويقه بشكل عام.. فإنتاج الكتاب يصبح عبئاً إذا لم يوزع، وقد أدت الجهود الفردية لحل هذه المشكلة إلى حالة من الفوضى وتضارب المصالح وتخبط الناشرين والموزعين على السواء، وقد تسبب ضعف الموزعين في غلق الكثير من المكتبات لأن الكتاب لا يصل إليها، وغلق المكتبات وانحسارها كان وراء فشل الكثير من مشاريع التوزيع في العالم العربي إلى الآن.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة