15 نوفمبر، 2024 7:49 ص
Search
Close this search box.

مع (كتابات) .. الشاعر “سعدني السلاموني” : كان نجيب محفوظ بوابتي إلى العالمية

مع (كتابات) .. الشاعر “سعدني السلاموني” : كان نجيب محفوظ بوابتي إلى العالمية

حاورته – سماح عادل :

الشاعر “سعدني السلاموني” مصري مكافح.. حارب لكي يجد مكاناً وسط المبدعين، عندما ترجمت أعماله وجد احتفاء في الغرب لشعره، كما ابتكر “الرواية الشعرية”.. حاورته (كتابات) لمعرفة تفاصيل كفاحه..

(كتابات): حدثنا عن مشوارك الكفاحي بداية من مراحل تعلمك حتى خوض غمار الكتابة الإبداعية إلى أن أصبحت شاعراً معروفاً ؟

  • كنت طفل يعيش في قرية ريفية لم تصل لها الكهرباء.. وأنا ابن لأب له 5 أبناء، أنا أصغرهم، وهو رجل طيب يمتهن مهنة نجارة السواقي، مهنة الآباء والجدود، وكان الفقراء يهربون بأبنائهم من الخفراء حتى لا يتم تعليمهم بالمدارس الرسمية.. وأنا كأي طفل يحلم بالتعليم من أجل ارتداء القميص والبنطلون وحمل الحقيبة وأدوات الرسم كان هذا حلم حياتي، حتى حدثت الكارثة، حين توجه غفير القرية إلى بيتنا وقال لوالدي “ابنك مطلوب للمدرسة صباحاً حياً أو ميتاً”، وحتى يهرب والدي من المحضر قال له “اكتبوه ميت”، سقطت على الأرض باكياً بانهيار حلم عمري، وراح حلم التعليم يطاردني أكثر من عشرين عاماً حتى وصل سني إلى 27 عاماً.. قررت أن أتعلم القراءة والكتابة حتى أقرأ الخطابات التي تصلنا من شقيقي الذي يعمل في العراق، من باب أنه لا يليق أن يطلع احد على سر بيتنا، وبالفعل تعلمت وظهرت موهبة الشعر العامي، وانقرضت “السواقي” التي أقوم بتصليحها وأنفق على أسرتي منها.. قررت أن أطير إلى القاهرة وراء حلمي وهو الشعر.

ودار القتال الأكبر بيني وبين القاهرة، والحق أقول، كانت ضرباتها قاتلة، طرحتني القاهرة على أرصفتها بين الجوع والجوع حتى وصلت بي الشوارع إلى محطة مصر، وهناك طلب مني رجل صعيدي أن أكتب طلب تعيين لابنه وكتبته، أخرج خمسون قرشاً ثمناً لكتابة الطلب، استأجرت غرفة وتحولت إلى كاتب عمومي أمام المحاكم والوزارات صباحاً، وفى المساء أتوجه إلى الندوات، حتى دخلت في سبحة الكتاب والأدباء واسمي الميت تم إحيائه وراح يتردد في الندوات.

(كتابات): ما حكايتك مع الكاتب الكبير نجيب محفوظ ؟

  • في يوم التقيت بالمترجم الكبير “طلعت الشايب”، وكان مؤمن بموهبتي، وأنا كنت قد تفرغت للشعر تماماً، أخذ مني “العم طلعت” أول ديوان لي وهو (رغاوي الألم) وتوجه به إلى الأديب الكبير “جمال الغيطاني” رئيس تحرير “أخبار الأدب”، واندهش جمال كثيراً بالديوان ونشره في الجريدة على حلقات، وكان يتابعه الأديب العالمي “نجيب محفوظ”.

وفى يوم وأنا جالس على مقهى الأدباء بين الغربة والاغتراب، تمردت على  هاجس الانتحار، وقررت أن أعلن انكساري أمام القاهرة وأعود إلى قريتي، حيث أن هذه القاهرة قاتلة لكل المواهب الجادة.. وفجأة ظهر لي صديق عمري ابن القاهرة القاص “أحمد سعيد”، قال في لهفة “قوم نجيب محفوظ طالبك لأنه طاير بشعرك”، لم أصدق نفسي وأنا جالس مع الأديب العالمي “نجيب محفوظ” وهو يصفق لشعري بحرارة ويقول كلام أكبر من ثقافتي، وبعد هذا اللقاء بأسبوع حاوره الأديب الإعلامي “يوسف القعيد”، حيث أشاد الأديب العالمي بعبقريتي وعبقرية شعري، حتى ختم بي الحوار وكانت حواراته تترجم إلي أربعة وعشرون لغة، ومن هنا كل قنوات العالم تعرفت على العبقري الذي قدمه “نجيب محفوظ”، فتحولت إلى نجم وهاتفتني على الفور الجامعة الأميركية لتقوم بترجمة ديواني وتدريسه على الطلبة بقيادة الأستاذة الدكتور “سامية محرز”، وهنا دخلنا الميدان العالمي.

وفى اليوم الثاني لموته خرجوا عليَ الحيتان من كل الجحور المصرية والعربية والعالمية، وقرروا تصفيتي شعرياً وجسدياً.. وعلى الفور أصدرت مجلة “الرصيف” الشهيرة، وكان يعمل معي 25 صحافي حر وأفرجنا عن كل الأجيال الجديدة من معتقلها الإبداعي، وحين انتشرت المجلة عالمياً قامت الدولة بمصادرتها بعد أن وصلت إلى عددها العشرين، وكانت تترجم إلى لغات كثيرة.

(كتابات): حين ترجمت أعمالك تم الاحتفاء بك في الغرب.. هل وجدت ذلك الاحتفاء في بلدك ؟

  • كان “نجيب محفوظ” بوابتي إلى العالمية، واحتفى بي الإعلام الألماني احتفاء لم يحدث لشاعر عالمي ثم أميركا وفرنسا، أما بلدي لا ترى رموزها، لم تحتفي بي مصر.. لأن مصر تتكون من عظماء وقتله، من يقاتل من اجل البناء وهناك من يقاتل من اجل الهدم، الذي التف حول إبداعي بعض القنوات الرسمية مثل “القناة الثقافية” أو “القناة الأولى” والثالثة ولهم الشكر، ولكن أين القنوات الخاصة لا تجدون لقاء واحد على مدى تاريخي في قناه واحدة خاصة، وبرغم كل هذا وإنتاجي العلمي والإبداعي، لم أحصل على جائزة واحدة من “وزارة الثقافة” حتى الآن.

(كتابات): لما الكتابة بالعامية.. هل تشعر أنها لغة غنية “لغة أجدادك المصريين القدماء” وقادرة على توصيل الإبداع ؟

  • إن أهم أمهات الكتب كتبت بالعامية ثم تفصحت، مثل: “ألف ليلة وليلة”.. وأنا عاشق للعامية، وحين اشتغلت على “العلم البصري” وقدمت مشروعي الشهير “محو الأمية البصرية علم الخيال”، تعاملت مع النظريات بلغة كادت أن تكون أبسط من اللغة العامية، وهي القادرة على توصيل النظرية العلمية أو قادرة على توصيل الشعر والإبداع للجماهير، لأنها تكونت من روح ووجدان الشعب المصري.

(كتابات): حدثنا عن “الروايات الشعرية” التي كتبتها.. ولما اخترت هذا الشكل من الكتابة ؟

  • ما حدث في العلم والإبداع بشكل عام أن الكل داخل الصندوق، والويل لمن يتمرد ويخرج ويبنى خارج الصندوق، ليس هناك مقدس لأنه في النهاية منتج بشري، وتوجهت إلى كتابة “الرواية الشعرية” وقدمت خمس روايات للأجيال الجديدة، لأن الرواية الشعرية عمارة كاملة وقائمة بذاتها، أي داخل الرواية شخصيات تتحدث بالشعر وتنام بالشعر وتحارب بالشعر وتنتصر بالشعر من عشرين شخصية إلى خمسين شخصية، أما القصيدة لا تعبر إلا عن ذات الشاعر المفرد وعين الشاعر أي الديوان ما هو إلا شقة ضمن العمارة الشعرية ناطحة السحاب الشعري.

(كتابات): طبعت بعض كتبك من خلال منافذ النشر الخاصة بوزارة الثقافة.. هل وجدت صعوبات في النشر خلال طريق إبداعك ؟

  • حين قدمني الأديب العالمي “نجيب محفوظ”، فتحت لي كل الأبواب المغلقة، منها “وزارة الثقافة”.. ما قدمته من منتج علمي وشعري يتجاوز 15 كتاب، منهم 7 من نشر وزارة الثقافة، وكل كتاب من كتبي يجلب المعارك.. فحين تقوم المعركة على الكتاب تقوم الوزارة بسحب الكتاب من الأسواق على الفور وبعد أن تنتهي المعركة تطرحه في كل الأسواق المصرية والعربية، حتى أخر كتاب علمي وهو “محو الأمية البصرية”، هذا الكتاب نظريات علمية مكتشفة حديثاً لي وأنا ليس لدي رصيد من التعليم الرسمي، وحين هاتفت الوزير “حلمي النمنم” وافق على الفور وقال “أنت بتهاتفني ليه ؟.. وديه لصديق عمرك”.. يقصد الدكتور “هيثم الحاج علي” رئيس الهيئة العامة للكتاب الذي قام على الفور بنشر الكتاب، وقامت جريدة “أخبار اليوم” بتوزيعه.

(كتابات): هل نجحت تجربة مجلة “الرصيف”.. ولماذا ؟

  • طبعاً نجحت نجاح دولي.. وقالوا عنها في الإعلام إنها قامت بتشكيل وجدان الإعلام المصري والعربي، وكانت تجربة مهمة في حياتي وحياة الأجيال الجديدة، وبعد نجاحها الدولي، صادرتها الدولة لأني أعلنت في أحد الأعداد بأني سوف أصدر “قناة الرصيف” من على الـ”يوتيوب”، وهذا التصريح افزع آلهة الإعلام والسياسيين، فتوحدوا جميعاً لمصادرة المجلة ومنعوني من تأسيس “قناة الرصيف”.. من هنا خصصت حياتي لمشروعي العلمي الذي يقوم على تعليم موازي وهو التعليم البصري، ويتكون من (مدرسة محو الأمية البصرية – معهد محو الأمية البصرية – جامعة محو الأمية البصرية).

وحين جمعت المشروع في كتاب، اتفقت مع الدكتور “أحمد زويل” على كتابة مقدمة الكتاب ورحب على الفور لأنه كان متحمس للمشروع، ولكن للأسف كان السرطان أقوى مني ومنه، فكتب مقدمة الكتاب الدكتور “حسين محمود” عميد كلية الترجمة واللغات.

(كتابات): ما هي حكاية فيلم “من الرصيف إلى العالمية” ؟

  • بعد موت عمنا “نجيب محفوظ” تم حصاري.. كما تمت مصادرة مجلة “الرصيف”، وحوصرت أكثر من عشر سنوات، ثم دخلت عليَ فتاة بالكاميرا وقالت “قوم يا عبقري اتكلم.. أنا حاعملك فيلم من الرصيف إلى العالمية”.. كانت هذه الفتاه هي المخرجة السودانية الاسترالية “فتحية عمر بلة”، وكانت ضمن صديقات العمر، صورنا الفيلم على مدى خمس سنوات عن قصة حياتي، نصور ليل نهار بين قريتي والقاهرة حتى انتهينا من الفيلم، وقومنا بعرضه في “مركز نبتة”، وهذا مركز ثقافي سوداني عالمي لا يعرض إلا للمتمردين على مستوى العالم، ثم عرضنا الفيلم في “اتيلية القاهرة”، وحضر العرض مئات من الجماهير والإعلاميين و”فرقة آسيا مدني” الشهيرة، ثم تم حصار الفيلم لأنه يفتح ملفات شائكة، فعرضته المخرجة في أستراليا وحظا بنجاح دولي، ولم أعلم عن الفيلم شئ حتى الآن من بعد الثورة بأسبوع حتى وقتنا هذا اختفت المخرجة واختفى الفيلم.

(كتابات): كيف تمت سرقة روايتك الشعرية (دافنشي) والتي أصبحت فيما بعد مسلسل (هي ودافنشي) ؟

  • هي لم تكن أول رواية يستولي عليها الصديق النجم “خالد الصاوي”.. فمن قبل استولى على روايتي الشعرية (جنون رسمي)، ثم (دافنشي) التي صدرت من أعوام بعيدة عن المجلس الأعلى للثقافة.

(كتابات): هل استطعت أن تثبت حقوقك ؟

  • توجهت إلى كبار محامي مصر وكل منهم يقبل القضية بترحاب ثم يعتذر.. حتى قدمتها إلى المستشار “محمود درويش” وقبلها على الفور، لانه رجل شجاع، وعلى الفور دخلت القضية المحاكم بين التأجيل والتأجيل والحسم قريب.

(كتابات): هل تتم مراعاة حقوق الملكية الفكرية للكاتب في مصر ؟

  • الروايات صدرت من على أعلى منابر “وزارة الثقافة” المصرية وللأسف لم تقف معي، والمدهش أنني عضو “إتحاد كتاب مصر” أي نقابي والاتحاد أيضاً لم يهتم.

(كتابات): هل تنكرت للشيوعية كمبدأ وايديولوجية.. أم تغيرت أفكارك مع مرور الزمن.. ولماذا ؟

  • في بداية حياتي اعتنقت فكر “الإخوان” لمدة عامين.. ثم اعتنقت الفكر الشيوعي ثلاثة أعوام، وعند بلوغ الخمسين يخرج الإنسان من عالم الأحلام والكوابيس ويدخل عالم الحقيقة، والحقيقة الوحيدة في هذا الكون منذ خلق الإنسان هي الحياة والموت فالإيمان والإلحاد مراحل في حياة الإنسان خاصة المبدعين والعلماء والفلاسفة، وأنا أميل كثيراً الآن للصوفية.. ولكن صوفية من نوع خاص.

(كتابات): هل عملك في “محو الأمية البصرية” محاولة لمساعدة من تعرضوا للحرمان من التعليم مثلك ؟

  • في كتابي الجديد (ما بعد العقل) أصدر هذا الكتاب بجملة اعتقد أنها مهمة جدا في مشروعي وهي: “أخطر أنواع الجهل جهل المتعلم”.. إن العالم يحكم بالخداع العلمي والخداع البصري، من هنا جاء مشروعي العلمي لأن الجهل البصري جهل عام يعيش فيه العالم قبل الأمي، من هنا كان شعار مشروعي، (تعلم كيف تتعلم.. تعلم كيف تُعلم)، أي عليك أن تعلم المعلم أولاً، مدرس كان أو معيد أو محاضر… إلخ، حتى يستطيع أن يُعلم، وخلل العلم والتعليم للأسف مصري وعربي وعالمي، من هنا جاء مشروعي ليمحو أمية الجميع، ويؤكد للعالم على أن الأمية البصرية هي الأم الحقيقة لكل الأميات.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة