خاص: حاورتها- سماح عادل
“الزهرة رميج” قاصة وروائية مغربية، من مواليد 1950. عضو اتحاد كتاب المغرب. كتبت في مجالات الرواية والقصة القصيرة والنقد الأدبي والترجمة، وترجمت بعض قصصها إلى اللغات الفرنسية والإسبانية والبرتغالية والإنجليزية.
حصلت على الإجازة في الأدب العربي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، انخرطت في حركة اليسار التي ساهمت في بناء نظرتها المتعددة الأبعاد للواقع، وإيمانها بقيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. ونالت شهادة الكفاءة التربوية بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط سنة 1973. مارست مهنة التدريس قبل أن تتقاعد في إطار المغادرة الطوعية سنة 2005، وتتفرغ للكتابة.
قدمت في رواياتها نموذج المرأة المستقلة، المعتزة بكرامتها، والرافضة للاستسلام. اهتمت في بعض رواياتها بفترة النضال أيام المد الاشتراكي بالمغرب، والدعوة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية ، كما تناولت تيمة الاعتقال السياسي والتغييرات المجتمعية بعد الربيع العربي.
كان لي معها هذا الحوار الشيق..
* في رواية “الناجون” رصدت الحركة الطلابية السبعينية في المغرب، وحركة اليسار بشكل عام، وكيف كان قمع السلطة مؤثرا هاما على مسار تلك الحركة حدثينا عن ذلك؟
– تعتبر مرحلة السبعينيات مرحلة مهمة في التاريخ الحديث مغربيا وعربيا وعالميا، إذ عرفت بالصراع العالمي بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي، وبانتشار الفكر الاشتراكي في دول العالم الثالث، وبثورات الشعوب، وحركات التحرر الوطني. وقد انعكس هذا الواقع على الحركة الطلابية المغربية التي تبلور داخلها الفكر اليساري بمختلف تياراته، وتأسست تنظيمات سرية تسعى للتغيير الجذري، أي إقامة نظام اشتراكي تتحقق فيه العدالة الاجتماعية.وقد خرجت هذه التنظيمات من رحم الأحزاب الوطنية التي اعتبرها الطلبة اليساريون آنذاك أحزابا إصلاحية. وهذا ما جعل النظام يواجه الحركة الطلابية والتنظيمات اليسارية بالنار والحديد، ويستعمل كل أساليب القمع الوحشية لاجتثاثها من الجذور.
* تناولت في رواية “الناجون”عدة نماذج من النساء الثوريات والعاديات، كما تناولت الأفكار التي كانت تشغل بال اليساريات حول علاقات الحب والزواج والحرية بمفهومها الواسع، هل عايشت كل تلك الأفكار، ووجهات النظر، وهذا الزخم الفكري؟
– في رواية “الناجون” احتفيت بالنساء الثوريات الحالمات بالتغيير وبوطن تتحقق فيه العدالة الاجتماعية، والمساواة بين الرجال والنساء، ويلغى فيه الفكر الذكوري الذي كان يهيمن بقوة على المجتمع. فالمرأة في ذلك الوقت لم تكن تحظى بنفس الحقوق التي تحظى بها اليوم، فكانت رغم مكانتها العلمية لا تستطيع السفر خارج بلدها دون إذن زوجها، وكان من حق الزوج أن يطلقها غيابيا، وأن يتزوج عليها دون موافقتها، وأن يرفض تطليقها إن رغبت هي في الطلاق، فيتركها “معلقة” كما يقول المثل المغربي: “مرات المنحوس لا هي مطلقة ولا هي عروس”.
ولذلك، كان تغيير واقع المرأة جزءا لا يتجزأ من تغيير الوضع السياسي العام. والمناداة بالحرية والمساواة بين الجنسين طرحت العديد من الأفكار حول مفهوم الحب والزواج. كانت الأعراف تقتضي أن يكون الحب مرتبطا بالزواج. وبما أن الحركات اليسارية كانت متأثرة بالتيارات الفكرية الغربية وخاصة بأفكار سيمون دي بوفوار وجان بول سارتر وعلاقتهما الحرة، فقد كان النقاش يدور حول مدى صحة هذا النموذج في مجتمعنا العربي الإسلامي. كما كان النقاش يدور حول مسألة إنجاب الأطفال في ظل نظام سياسي مستبد، إذ كان البعض يرفض ذلك بدعوى أنه يساهم في خلق المزيد من العبيد الذين سيتعرضون للاستغلال، إذ كان أفق المستقبل مظلما في ظل بلد محكوم بالنار والحديد.
لقد عايشت كل هذا الزخم الفكري وهذه النقاشات التي كانت تتصارع فيها الأفكار. ولذلك، أحببت توظيفها في الرواية لتكون شاهدة على مرحلة فكرية ساخنة ساهمت فيما بعد في تغيير مدونة الأسرة وتحسين وضعية المرأة المغربية من خلال نضال الحركة النسائية اليسارية التي لعبت فيها نساء اليسار السبعيني الدور الأساسي باعتبارهن مؤسسات هذه الجمعيات، ورائدات النضال من أجل تحسين وضعية المرأة، وتوسيع هامش الحرية التي تتمتع بها.
* تناولت أيضا في هذه الرواية صراع الهوية بالنسبة للمناضلين أمثال عبد العاطي الذين لجأوا إلى فرنسا، وقرروا العيش فيها، لأنهم رغم تحولهم لمواطنين فرنسيين ظلوا يحتفظون بالوطن في داخلهم كجرح غائر لا يندمل. حدثينا عن ذلك.
– كان حب الوطن هو الدافع الرئيسي لمناضلي حركة اليسار التي تهدف إلى تغيير الأوضاع الاجتماعية والدفاع عن الفئات المقهورة وعلى رأسها طبقة العمال والفلاحين الصغار. ولذلك، لم يكن واردا بالنسبة للمناضلين اليساريين الصادقين مغادرة بلادهم للعيش في بلدان أخرى. ولكن حملة القمع التي تعرضت لها الحركة، وأدت إلى اعتقال المناضلين واختطافهم، جعلت بعض المبحوث عنهم من القياديين يفرون إلى فرنسا نظرا للعلاقات المتينة التي تربط المغرب بفرنسا، وللثقافة الفرنسية التي تسهل عملية الإقامة والاندماج في هذا البلد.
وكونهم لجئوا إلى فرنسا إجبارا وليس اختيارا جعلهم ذلك يشعرون بالاغتراب خاصة وأن اليسار كان يحارب التبعية السياسية لفرنسا التي كانت تستعمر المغرب، ويحارب الاستلاب اللغوي المتمثل في هيمنة اللغة الفرنسية على اللغة العربية. ولذلك، بمجرد ما صدر العفو الملكي في حق المناضلين الفارين خارج البلاد، عادوا كلهم إلى الوطن، وانخرطوا في تنظيمات علانية، ليستمروا في النضال بأساليب جديدة.
شخصيا، لا أعرف أحدا من المناضلين فضل العيش في فرنسا بدل العودة إلى المغرب. ولا توجد نسخة واقعية من شخصية عبد العاطي الخيالية التي حاولت من خلالها التركيز على تجذر حب الوطن في قلوب مناضلي اليسار الحقيقيين. وتفضيل المناضلين المغتربين العودة إلى الوطن رغم قضائهم سنوات كثيرة في فرنسا، لأن حبهم للوطن وإيمانهم بدورهم في تغيير أوضاعه كان أقوى من مصالحهم الخاصة. وهذا يؤكد أن حب الوطن ظل جرحا غائرا في أعماقهم. وقد اتخذت من عبد العاطي نموذجا للمناضل الذي ظل حب الوطن يسكنه رغم الامتيازات الكبيرة التي كان يتوفر عليها في فرنسا، لأنه كان مناضلا حقيقيا لا يسعى من وراء نضاله إلى مصلحة خاصة وإنما مصلحة عامة وهي سيادة العدالة الاجتماعية في البلد الذي ينتمي إليه، والذي تمتد فيه جذوره.
* ذلك التشتت والتبعثر الذي حدث لجيل السبعينات كيف كان تأثيره عليك، وهل واجهت صعوبات كونك تنتمين لجيل السبعينيات اليساري؟
– لقد كان تأثير إجهاض حلم التغيير عليّ قويا، وكانت صدمتي بقدر إيماني الشديد بضرورة تغيير الواقع، وتحقيق مجتمع عادل يضمن للمواطن العيش الكريم، ويحفظ له كرامته وعزة نفسه. ولأني كنت منشغلة بهذا الهدف، فقد وجدت نفسي بعد تشتت حركة اليسار أعيش فراغا مهولا. كنت أشعر بقيمة حياتي في النضال والتضحية من أجل هدف سام. ولذلك، شكل الفراغ الذي عشته بعد انكسار حلم التغيير أزمة وجودية حقيقية عانيت منها عدة سنوات، وأعدت فيها النظر في أمور كثيرة.
ولكني رغم مأساوية ما حدث، إلا أني أجد نفسي مدينة له لكوني لو لم أعش تلك الأزمة لما كنت اليوم الكاتبة التي تحاورينها. لقد أعادتني تلك الأزمة إلى نفسي، وإلى التفكير في الكتابة الإبداعية التي كنت قد بدأتها في مراهقتي، وتخليت عنها عندما انخرطت في النضال السياسي. فالفراغ الذي عشته بعد الضربة القاضية التي تعرض لها اليسار، هي التي نفضت الرماد عن جمرة الكتابة الثاوية في أعماقي، وجعلتني أتخذ منها الحزب الوحيد الذي أنتمي إليه، ومن خلاله أعبر عن أفكاري ومواقفي مما يجري حولي، وأنتقد الظواهر السلبية التي يعاني منها مجتمعي.
* في رواية ” الذاكرة المنسية” هل يختلف الأمر حينما تركز الكاتبة على كتابة ذاتها، وتستبطن ماضيها وتاريخها الشخصي والتراكمات المعرفية والنفسية التي تزاحمت في داخلها؟
– الكتابة عن الذات في جنس السيرة الذاتية أمر صعب للغاية. ذلك أنها كتابة بوجه مكشوف، بخلاف الكتابة الإبداعية التي تحضر فيها الذات من خلف الستار التخييلي، إما متسترة وراء شخصية أو عدة شخصيات في نفس العمل الإبداعي، أو خلف السارد. فهناك صعوبة البوح بالجراح الدفينة التي يمارس عليها القلم سحره الجبار، فيجعلها تغادر كهفها المظلم، متسلقة شعاع النور. وهناك صعوبة انتقاء ما ينبغي الاحتفاظ به من التاريخ الشخصي الحافل والتراكمات المعرفية والنفسية على امتداد عقود كثيرة من الزمن.
فقد كنت في البداية أكتب كل ما يتبادر إلى ذهني من ذكريات، ولكني بعد ذلك، أخضعت ما كتبت لعملية غربلة للاحتفاظ فقط بما يهم القارئ، وما يمكنه أن يستفيد منه، ويستخلص منه العبر.
* في رواية “الذاكرة المنسية” كيف أثرت الظروف الاقتصادية الاجتماعية السياسية على البطلة وتكوينها وتوجهها فيما بعد؟
– “الذاكرة المنسية” كما تعلمين تتناول حياتي في مرحلتي الطفولة والمراهقة، أي حتى نهاية مرحلة التعليم الثانوي. وفي هذه المرحلة تلعب الظروف التي يترعرع فيها الفرد دورا كبيرا، إن لم أقل حاسما، في تكوين الملامح الأساسية لشخصيته. وقد لعبت الظروف الاقتصادية التي عاشتها عائلتي القروية دورا مهما في تعليمي، إذ كان أبي تاجرا وليس فلاحا. وحبه للتجارة هو الذي جعله يترك أرضه، ويشتري قطعة أرض محاذية لمدرسة القرية، يبني عليها بيتا ومركبا تجاريا مما أتاح لي فرصة ولوج المدرسة بسهولة، علما أن الفتيات في زمني كن يتزوجن في سن الثانية عشرة، وحتى الفتيات القليلات اللواتي ولجن المدرسة غادرنها بعد سنتين أو ثلاث.
فكنت الفتاة الوحيدة في محيطي التي واصلت تعليمها. كما أن الحالة المادية الميسورة لعائلتي كانت تجعلني أقارن بين وضعي ووضع التلاميذ الفقراء الذين كانوا يأتون إلى المدرسة من أماكن بعيدة جدا، وأكثرهم حفاة عراة. وهذا دون شك، ما جعلني أحس بالفقراء، وأتعاطف معهم.
كذلك كان للظروف الاجتماعية التي نشأت فيها دور في حياتي، وخاصة منها واقع المرأة التي كانت تعاني من الاستغلال ومن العنف الجسدي سواء من قبل الزوج أو الحماة. وهذا ما جعلني فيما بعد من المدافعين عن حقوق المرأة، والداعين إلى تعليمها، وتوظيفها لتحقق الاستقلال المادي الذي يخرجها من التبعية الاقتصادية للزوج، ومن ثم يضمن لها كرامتها، وحرية التصرف في مصيرها.
أما الظروف السياسية، فقد لعب المكان والزمان اللذين عشت فيهما في طفولتي ومراهقتي دورا كبيرا في انفتاح وعي على الواقع العام الذي يجري حولي سواء داخل المغرب أو خارجه. فقد تفتح وعيي في السنوات الأخيرة من الاستعمار الفرنسي للمغرب، وكنت شاهدة على الحرائق التي كان الطيران الفرنسي يقوم بها في القبائل المجاورة لنا، ورأيت وأنا طفلة صغيرة أحد أقرباء أمي مضرجا في دمائه نتيجة قصف الطائرات لمواطنين أبرياء.
كما أن انتقال عائلتي من البادية إلى مدينة وادي زم المشهورة بمقاومتها الشرسة للاستعمار الفرنسي، والتي كان يطلق عليها “المدينة الشهيدة” جعلني أسمع الكثير من حكايات المقاومة وتضحيات النساء في سبيل الاستقلال. وهذا ما جعلني أمجد المقاومة بكل أشكالها، وأرفض الظلم والاستغلال والاستعباد، وأقف دوما إلى جانب الحق.
* في كتاب “العالم في كبسولة” هل سعيت لكتابة شهادة حية عن جائحة كورونا كمأساة من المآسي التي تتعرض لها الإنسانية؟
– نعم. كان هذا هو الهدف من كتابتي ليوميات جائحة كورونا. ذلك أني لم أكن من كتاب اليوميات. ولكن غرابة الجائحة وغموض أسبابها وآثارها، وكونها الجائحة الوحيدة في تاريخ الجوائح التي عمت الكرة الأرضية قاطبة، وشملت الدول الغنية والفقيرة على حد سواء، كل هذا جعلني أفكر في كتابة يوميات الحجر الصحي لتكون شهادة للأجيال القادمة على ما عانته البشرية جمعاء من قيود وآلام وأحزان لم يسبق لها مثيل. كنت أتمنى أن تكون جائحة كورونا درسا تستفيد منه الشعوب والأنظمة، وتجنح أكثر للسلم والتعاون والتآخي، ولكن ما عشناه مع الأسف بعد الجائحة، وما نعيشه اليوم من مجازر وإبادة جماعية للفلسطينيين، وتواطؤ صارخ مع إسرائيل، ودعم لها من أمريكا وحلفائها الغربيين يؤكد أن الإنسان لا يستفيد من المآسي التي يتعرض لها، وتؤكد مقولة أن الإنسان سمي إنسانا لأنه ينسى.
* في رواية “عزوزة” هل حاولت التطرق لمشاكل المرأة الاجتماعية وصراعاتها مع قيود وتقاليد المجتمع بخصوص الزواج وإنجاب الأنثى وأمور أخرى تخص حياة النساء في مجتمعات شرقية محافظة؟
– اعتبر بعض النقاد “عزوزة” رواية نسوية بامتياز ليس فقط لكون بطلتها امرأة وإنما أيضا لأنها زاخرة بأنماط عديدة من النساء، ويتفوق فيها حضور المرأة على حضور الرجل، وتساهم شبكة العلاقات النسائية في تطور الأحداث؛ ولأن الشر الذي يعتبر محرك الصراع داخل الرواية تجسده امرأة وهي الحماة. فهذه الرواية تغوص عميقا في عالم المرأة المغربية، وتطرح مشاكلها، وما تعانيه في ظل هيمنة الفكر الذكوري في المجتمع الذي لا يرى فيها سوى وسيلة لتحقيق المتعة الجسدية، واستمرار السلالة عن طريق إنجاب الذكر.
ذلك أن المرأة التي لا تنجب الولد الذي سيحمل اسم أبيه وأجداده، لم تكن لها قيمة، وكان من حق الزوج أن يطلقها لهذا السبب، أو أن يتزوج عليها. وهو الأمر الذي عانت منه عزوزة بطلة الرواية. كما أن المجتمع يمنح الحماة سلطة هائلة داخل نظام الأسرة، ويجعلها تتحكم في زوجة الابن، وفي الابن نفسه، مما يجعل الزوجة تعاني من قهر مزدوج من زوجها ومن حماتها. وبما أن معظم شخصيات الرواية نسائية، فقد جسدت العوالم الحميمية للأنثى من خلال الطقوس والعادات المتبعة سواء في نوعية الأزياء، أو طرق الزينة، أو وضع الحناء، أو الوشم الذي ظل سائدا في المغرب حتى منتصف القرن الماضي.
لقد جسدت هذه الرواية معاناة المرأة من الفكر الذكوري، وما تتعرض له من قهر وهضم للحقوق، وأعطت صورة مغايرة للمرأة الخانعة والمستسلمة من خلال عزوزة المتمردة على هذا الفكر، والمقاومة له بكل الأسلحة الممكنة آنذاك.
* ماهو رأيك في مصطلح “الأدب النسوي”، وهل تسعين في أدبك إلى الدفاع عن قضايا المرأة وحقوقها، وكشف التمييز الواقع على المرأة في المجتمع؟
– “الكتابة النسوية” كما عرفت في الغرب هي الكتابة التي تنذر نفسها للدفاع عن قضية المرأة، وتتخذ منها موضوعها الأساسي، ومشروعها الإبداعي.وأنا شخصيا، لا أحبذ هذا النوع من الكتابة الذي يفصل قضية المرأة عن قضية الرجل، بل وتجعل من الرجل عدو للمرأة، والسبب الرئيسي في كل ما تعيشه من معاناة، وهضم للحقوق. والحال أن النظام السياسي الذي يترتب عنه الواقع الاجتماعي الذي يعلي من قيمة الرجل، ويحتقر المرأة هو المسئول. ولذلك، فأنا في كتابتي لا أحارب الرجل، وإنما النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يؤدي إلى هذا التمييز بين الرجل والمرأة.
وأدعو دوما إلى إقامة نظام ديمقراطي يحقق المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، ويضمن بذلك للمرأة نفس حظوظ التعليم والشغل، ومن ثم الاستقلال الاقتصادي الذي يخرجها من التبعية للرجل، ويجعلها قادرة على التحكم في مصيرها. أدافع عن المرأة في قصصي ورواياتي بتوعيتها بحقوقها، ودعوتها إلى التعليم والتمرد على الظلم والاستغلال بكل أشكاله، وليس بنصب المقصلة للرجل كما تفعل بعض الكتابات النسوية المتطرفة.
* هل توجد اختلافات بين الكتابة لدى النساء وبين الكتابة لدى الرجال في رأيك، وما هي ملامح هذه الاختلافات؟
– موقفي منذ بداية انخراطي في عالم الكتابة، هو عدم اتفاقي مع مصطلح “الكتابة النسائية” الذي كان رائجا بقوة في بداية الألفية الثالثة، وكان النقد يحتفي بهذه الكتابة باعتبارها مختلفة عن كتابة الرجل. ذلك أن شروط الكتابة الإبداعية واحدة سواء تعلق الأمر بالمرأة أو الرجل. وهذه الشروط هي التي تؤهل النص ليكون داخل الإبداع أو خارجه. وكم من نصوص نسائية اتسمت بجرأة في الغوص في عوالم النساء وخاصة في عالم الجسد، وتم الاحتفاء بها في نطاق “الكتابة النسائية”، ولكنها سرعان ما فقدت بريقها، أو ماتت لأنها تفتقر إلى شروط الإبداع التي وحدها تضمن الحياة المستمرة والمتجددة للنصوص. وأعتقد أن النقاش حول الاختلاف بين كتابة المرأة وكتابة الرجل أصبح متجاوزا اليوم، بعدما أثبتت الكثير من الأقلام النسائية العربية قيمتها الفنية، ونديتها للأقلام الرجالية.
* ما تقييمك لحال الثقافة في المغرب، وهل يتم دعم الكاتبات؟
– منذ مطلع الألفية الثالثة والساحة الثقافية المغربية تعرف حراكا متصاعدا. فقد عرفت الكتابة الإبداعية والنقدية زخما كبيرا خلال العشر سنوات الأخيرة. والإحصائيات السنوية تظهر تزايد المنشورات بشكل لافت، وظهور أسماء جديدة في كل مجالات الإبداع. أما الدعم من الجهات الرسمية، فهو شبه منعدم سواء بالنسبة للكتاب أو الكاتبات لأن الثقافة ليست من الأولويات، والدعم على قلته لا يستفيد منه الكتاب لا ماديا ولا معنويا، لأن الكتب المدعومة غالبا ما تطبع منها أعداد قليلة، ولا توزع على نطاق واسع.
والدعم الحقيقي للكاتب هو التعريف بأعماله والاحتفاء بها، وتسهيل وصوله إلى القارئ أينما يكون. ومع ذلك، فإن كتابة المرأة تحظى بالدعم على مستوى النقد والبحث الجامعي من خلال محترفات الكتابة النسائية في بعض الجامعات المغربية، وتشجيع الطلبة على الاشتغال عليها.