خاص: حاورته- سماح عادل
“إلياس أيوب” فنان تشكيلي سوري، من مواليد دمشق 1986، خريج قسم التصوير- كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق عام 2009، حاصل على ماجستير في تعليم الفن من جامعة “كورسك” الحكومية في روسيا 2016، منذ عام 2016 يقوم بالتحضير لنيل درجة الدكتوراه في تاريخ و نظريات الفن من معهد “سوريكوف”- موسكو- روسيا.
إلى الحوار:
(كتابات) كيف بدأ شغفك بالرسم وكيف طورته؟
- كأي طفل بدأت الرّسم كنشاط موازِ للّعب أحيانا ومحمّل ببعض الوعي للشّكل وطريقة إظهاره أحيانا أخرى, لا أخفي عامل الغيرة وأثره في تحفيزي على القيام بالرّسم في مواقف مختلفة حين كان ابن خالتي يرسُم وأُبهَرنا بما يصنع, كذلك أخي الأصغر منّي عمراً حين أتقن مرّة نسخ بعض الشّخصيّات الكرتونيّة. لكنّي كنت أرى الدّهشة في عيون الأقرباء حين يرَون ما أرسم و أستلذ بإطرائهم وهذا كان مصدر ثقة بالنّسبة لي.
(كتابات) هل تلقيت الدعم من الأسرة والمجتمع ساهم في ثقل موهبتك؟
- للأسف في بلادنا لا يُعتبر الفنّ مهنة- فلنقل كاملة- فالموهبة مهما كانت حقيقيّة وكبيرة فهي بكثير من الأحيان تتعرض للإهمال سواء في المدرسة وحتى في الأسرة والمجتمع, رغم أن الغنى الثّقافي في بلادنا شكل مصدرا كبيرا للإلهام على مر العصور، ومازال يعطي الفنّانين الكثير من المواد المدهشة للعين والعقل وعلينا فقط أن نستلهم منها. وللأسف كان الفنّانون الأوروبيّون أسرع منّا في اكتشاف مواطن الإلهام في تراثنا.
(كتابات) كيف كانت بداياتك وهل تأثرت بأحد؟
- القرار الذي غير مسار حياتي كان التّقدم إلى كلّية الفنون الجميلة بدمشق, حيث كانت بداية تعرّفي الحقيقيّة على العالم, وكانت الكلّيّة المجال الرحب للتّعلم من أساتذة كبار كانوا ملهِمين حقيقيّين لي ولزملائي وكذلك مكتبة الكلّية والعلاقات الجديدة مع أتراب من مختلف مناطق سوريا, كلّ هذا ساهم بتشكّل شخصيّتي الحاليّة, ليس فقط على الصّعيد الفنّي إنّما على الصّعيد الاجتماعي أيضاَ.
(كتابات) حدثنا عن المعارض التي شاركت فيها ورد فعل الجمهور على أعمالك؟
- دائماَ أتحدث عن معرضي الأوّل في غاليري قزح بدمشق 2009 كأهم خطوة دفعتني إلى الأمام في عملي كفنّان تشكيلي صاعد, تعرّفت في تلك الفترة على أهم فنّاني سوريا وخضنا ورشات عمل مليئة بالنّقاشات والحوارات الفنّية العديدة والمفيدة . في معرضي الأوّل حرصت على توسيع دائرة الجمهور الفنّي, فتقصّدت دعوة أناس عدّة لم يزوروا معرضا فنّيا من قبل وحاولت أن أسمع منهم آراءهم المبنيّة على تجارب شخصيّة ربّما وعلى أحاسيس خاصّة، رغبة منّي بفهم أوسع للمجتمع والتّفاعل معه بشكل ألصق وأصدق, والنّتيجة كانت فعلا مفاجئة, حيث أنّ نظريّة (الفن للشّعب) أثبتت صحّتها.
(كتابات) ما هي المواد التي تحب استخدامها في الرسم؟
- الشّكل والمضمون, هذه المسألة هي مفتاح عملي كمصوّر. وهي المدخل لفهم أغلب ثقافات وحضارات العالم, التّشكيل هو لغة بصريّة والمتعة الأكبر تكمن في قراءتها والإحساس بأنغامها ومعانيها.
لكل مادّة شكل, أقصد هنا بكلمة شكل اللّون والملمس والكثافة بالإضافة إلى المساحة الّتي تشغلها في الفراغ, أي بمعنى آخر الشّكل يتعلق بإدراكنا له, الفنّان يقوم بترتيب هذه الأشكال ضمن منظومة معيّنة خاصّة به لتأتي النّتيجة نصّاَ بصريّا قابل للفهم, هذا ما ميّز الإنسان عن الحيوان على مرّ العصور, إنّ الإنسان قادر على ترميز الأشياء مهما كانت مجرّدة, إنّ أي عنصر أقوم بتحميله على سطح لوحتي هو عنصر بصري ذو معنى أو أثر نفسي, وهذا مسعاي الأساسيّ حين أتكلّم عن ما يسمونه أسلوب فنّي, فأنا أسمّيه لغة بصرّية, أحاول باستمرار أن أدخل عناصر جديدة ومواد ذات معانِ ورمزيّات خاصة على لوحتي, وهذا من باب الحاجة للتّعبير عن أشياء أعمق في ما يخصّ مجتمعنا الشّرقيّ . آخر مادة أقوم باختبارها هي الألوان الذّهبية, محاولةَ منّي أن أعيد لها الرّصانة والاحترام الّذي تكلّم عنه فاتح المدرّس في إحدى الوثائقيّات.
(كتابات) الفن التشكيلي في سوريا.. هل تأثر بالأحداث السياسية المتلاحقة.. وهل يستطيع فرض حضوره في الوقت الحالي؟
- سوريا بلد لم تعرف الاستقرار على مدى تاريخها, أقصد سوريا الكبرى, فهي دائما في حالة توتّر بسبب غناها وموقعها الهام, لكنّ الحرب الحاليّة جلبت آثاراَ أصعب من جميع سابقاتها برأيي, ذلك لأنّها وسّعت الفارق بين مستوى التّطوّر العالمي وبينها, ولأنّه في الوقت الحاليّ ما من شيء يخفى على المتتبّع عبر الانترنت, فكلّ شيء واضح و لكن ما باليد حيلة, هذا هو لسان حال الشّعب السّوري حاليّاَ, وكذلك كان العراقيّ والفلسطينيّ كما تعلمون.
أستطيع القول وهذا من صلب موضوعي البحثيّ في الدّكتوراه إن لهذه الحرب نوعان من الآثار على الفن السّوري, الأوّل سلبيّ جدّا يتجلّى كما تعرفون بتردّي الحال المعيشي واضطرار الفنّانين للاعتياش بأي شكل من الأشكال كما هو الحال العام في المجتمع, فتأتي زمرةُ من ضعاف النفوس للاستفادة من هذا الضعف واستغلال جهد الفنّانين, وأكبر التأثير يأتي هنا على الفنّانين الشّباب مجهولي المصير, فمن لم يلقَ الدّعم لن يستطيع الاستمرار والدّعم شبه معدوم, فيلجأون جميعا للهجرة إلى الخارج وراء الفرصة بالحياة والنّجاح.
أمّا النوع الثّاني من التّأثير فهو ما يتعلّق بالفوضى الخلّاقة, وقلّة من الفنّانين من أدركها جيّداَ, فكما ظهرت اتّجاهات فنّيّة مهمّة في الفترة ما بين الحربين العالميّتين, الآن سوريا تشهد نشوء أساليب تعبيريّة جديدة عميقة جدّا برأيي, أحبّ أن أذكر كمثالين مهمين على هذه الظّاهرة “نزار صابور” و “إدوار شهدا”. لكن تبقى الحرب أسوأ مصير يمكن أن تعانيه أمّة ما.
في بداية الأزمة انتشر الفنّ السّوري بشكل كبير و توجّهت إليه الأنظار, وهناك فعلاً نخبة مهمة في الفنّانين السّوريّين, لكن الآن هناك إحساسٌ ما بالتّخمة في الوسط الفنّي في المنطقة, مع توسّع آثار المشاريع الغربيّة على المنطقة وتخاذل السّياسات العربيّة.
(كتابات) هل تشعر أنك نلت ما تستحقه من التقدير لموهبتك وإنجازك الفني؟
- بالنّسبة لي شخصيّاً, وبسبب إقامتي في روسيا للدّراسة لديّ شعور بالانعزال عن الوسط الفنّي العربي, هنا في المجتمع عقليّة أخرى وفهم آخر للفنّ, لكنّ تمكّنت من المشاركة في عدّة معارض جماعيّة وأقمت معرضين فرديّين في روسيا, الشّعب الرّوسي ودود ومثقّف, لديه تقبّل للآخر, ولكن لديهم الكثير من الفنّ وهنا تكمن الصّعوبة. الثّقافة الّتي أطرحها في عملي كانت بالنّسبة لهم شيئاَ جديدا وفيه روح شرقيّة غير الّتي اعتادوا أن يرَوها في معارض فنّانيهم. إنّ كثرة طرح الأسئلة على الفنّان من قبل الجمهور شيء أساسيّ لتطوّر كلّ من الطرفين, هذا كان سبب سعادتي بتجربتي في هذا البلد رغم كلّ الصّعوبة الّتي واجهتني.
أقمت معرضين فرديّين في أوروبّا, ولمست في كرواتيا (البلقان) شبها كبيراً في العقليّة والمزاج لعقليّة شعبنا المتوسّطي, ومنذ عدّة أيّام نقل لي صديقي الكرواتي ثناء على تجربتي الفنّية عن لسان مديرة المتحف الّذي أشرف على معرضي منذ عامين, والحقيقة أسعدني أنّها كوّنت ذاكرة جيّدة عن عملي. أمّا في البلطيق فكانت تجربتي أضيق بمعرض أقمته في العام الفائت في مدينة فيلنوس عاصمة لتوانيا, الشّعب ودود جدّا و يحترم أي نشاط ثقافي, وهذا كان من حظّي.
(كتابات) حرصت أن يكون لك أسلوبك المتميز.. كيف استطعت ذلك؟
- أعمل بأسلوب رمزي تعبيري بقسط متفاوت, تسود أعمالي فضاءات تجريدية تهدف لتكوين جملة بصرية قادرة على تفعيل دور الرمز في عناصري, تعبيرية ألواني تظهر في تصويري للأجساد البشرية بعض الأحيان بهدف خدمة النص البصري, و يرمز كل عنصر لدي لمعنى سيميائي من موروثاتنا الجمعية بشكل خاص أو من الثقافة الإنسانية بشكل عام.
التشكيل لدي مستوحى من الرؤية الشرقية للتكوين والخط والرسم, فأنا في الآونة الأخيرة أعيد صياغة المنظور العكسي الأيقوني والمنظور المسطح واللولبي المستمد من المخطوطات الشرقية, وأبني علاقة متداخلة زخرفية أحيانا بين خطوط الرسم ومساحات اللون معتمدا الأقواس والمستقيمات, وأصعّد من الإيقاع اللوني للوصول إلى روح التناغم في الزخارف الإسلامية, ولا أنكر تأثري ب”بيكاسو” و”شاغال” و”ماتيس” على أصعدة مختلفة.
أما عن التقنية فأنا لا أحد تجربتي بمادة محددة, فلكل مادة أستخدمها على سطح لوحتي رمز وتأثير نفسي, سواء كانت قماش ذي لون محدد ملصق على مساحة كبيرة في الفراغ أو أوراق ذهبية فضية أو بيضاء أو حتى استخدامي للتدهيب في بعض الأماكن للتعبير عن نورانية وروحانية الأشياء, إضافة إلى استخدامي الرماد كامل الاحتراق والفحم والحبر الأسود للتعبير عن الأسى الذي حل ببلدي الحبيب سوريا, استفدت من تجربة أستاذي الفنان الكبير “نزار صابور” ومن تشخيصات الفنان السوري “إدوارد شهدا” لأمضي في تجاربي على الأشكال والمواد بهدف الوصول إلى شخصيتي الفنية الخاصة.
(كتابات) هل واجهتك صعوبات.. وما هو جديدك؟
- أنا في المحصّلة فنّان أعمل بمعزل عن سلطة صالات العرض, وهذا سلاح ذو حدّين, الصّعوبات كثيرة وأكثرها مادّية في غياب دعم السبونسور, فأنا أسافر وأعمالي في حقيبتي, حتى بين مدن روسيا, و أتمنّى ألّا يُقرأ كلامي تذمّراً إنّما تشخيصاَ لحالٍ عامة لدى العديد من الفنّانين, غياب المؤسّسات الدّاعمة وغير المسيّسة يصعّب مهمّة الفنّان. أنا الآن بصدد التّحضير لمعرض في بيروت – وكم أتمنّى لو أنّه في دمشق- لأنّ ما يحمله عملي من رسالة لابد أن يصل إلى هذا الجمهور الّذي أنتمي إليه.
الطّموح كبير وأظنّ هناك الكثير بعدُ لأقدّمه لذا أقول إنّي سائرٌ قدُماَ والوقت فقط هو الحكم.
شارك “إلياس أيوب” بعدة معارض ومهرجانات في دول متعددة أهمها:
– معرض لقاء غاليري قزح- دمشق 2008.
– مشاركات دورية بمعرض الربيع السنوي للفنانين الشباب السوريين بين 2009- 2012.
– معرض ومسابقة (بيتروكندا) للشباب السوريين 2009.
– بيروت (آرت فير) 2012 -2013 .
– معرض شباب سوريين في غاليري (لي بلوم) بيروت- لبنان 2012.
– معرض افتتاح المركز الوطني للفنون البصرية بدمشق 2015.
– معرض الفايناليست ( آرت ليفل ) كييف – أوكرانيا 2015
– معرض (أربع كلمات عن السلام) في بيلغورود – روسيا 2016.
– معرض (70 عام على استقلال سوريا) في بيت القوميات- موسكو- روسيا 2016.
– معرض (جيلان من الفن السوري) في غاليري آرت هاوس- دمشق 2017.
– معرض (أربعة فنانين من سوريا) في أوسيتيا الجنوبية 2017.
– معرض (صرخة جمالية سورية) في ساندفيكن- السويد 2018.
– معرض (فصول النحت) في متحف الفن المعاصر – روستوف على الدون – روسيا 2018.
– ملتقى التصوير السنوي في مدينة أوبوله – بولونيا 2018.
أقام خمسة معارض فردية في أماكن مختلفة وهي:
– معرض (إيقاعات بأشكال حية) بغاليري قزح- دمشق 2009.
– معرض (الحب في دمشق) بتنظيم متحف مدينة دوبروفنيك- كرواتيا 2017.
– معرض (يوميات) في صالة اتحاد الفنانين (رودينا) مدينة بيلغورود – روسيا 2017.
– معرض (مدن قديمة) في فضاء الفن (آرتيس) مدينة كورسك- روسيا 2018.
– معرض (مستوى حياتي) في (أيديا بلوك) فيلنوس- ليثوانيا 2018.
نال عدة جوائز و تقديرات منها:
– جائزة الفنان عبد اللطيف الصمودي في مسابقة اللقاء- غاليري قزخ 2008.
– الجائزة الثالثة لصالات العرض في مسابقة بتروكندا– دمشق 2009.
– تقدير من اتحاد فناني مدينة كورسك الروسية عام 2015.
– الجائزة الثالثة للفن الطليعي في مسابقة آرت بلاي – موسكو 2016.