27 ديسمبر، 2024 5:10 م

مع كتابات.. أنور السباعي: الدين يهب حضنا دافئا للذين يشعرون بالقلق الوجودي

مع كتابات.. أنور السباعي: الدين يهب حضنا دافئا للذين يشعرون بالقلق الوجودي

 

خاص: حاورته- سماح عادل

“أنور السباعي” كاتب سوري، من مواليد مدينة حمص، حاصل على الماجستير في الاقتصاد، والدبلوم العالي في أصول الفقه. صدر له كتابان: رواية بعنوان ( الأعراف, برزخ بين جنتين)، ومجموعة شعرية بعنوان (اغتيال امرأة الظل الأسود).

إلى الحوار:

(كتابات) لم بعد دراسة الاقتصاد اتجهت لدراسة الفقه؟

• لا شيء كالدين يهب حضنا دافئا ًللذين يشعرون بالقلق الوجودي, يضفي على حياتنا المعنى, فلنتخيل إنسانا ًتائها في صحراء فقمنا بإعطائه خريطة تخبره من أين جاء وإلى أين سيذهب, هذا ما يفعله الدين.لذلك كانت دراستي تركز على أصول الفقه, فلطالما استهوتني المسائل الأصولية, فهي الوحيدة القادرة على تقديم إجابات حاسمة لمأزق الوجود الإنساني, أو هكذا ظننت.

ثمّ في المقام الثاني كانت الرغبة في تغيير العالم وجعله يوتوبيا نسقية من لون واحد, و لذلك أغرتني مقولات الإسلام الشاملة الذي صرفت جزء ً طويلا ً من عمري منافحا ًعنها. كل هذا جعلني أدرس  الإسلام بشكل عام والإسلام السياسي بشكل خاص, تلك الشعارات التي أغرت كثيرا ً من شباب جيلي ببريقها.

هذا من الناحية الفكرية, أما  من الناحية العملية, فقد أحببت ردف شهادة الماجستير في الاقتصاد بشهادة شرعية لعلّي أتخصص في الاقتصاد الإسلامي, وهذا لم يحدث, ولا أظنه سيحدث.

(كتابات) لم قررت الخوض في قضية شائكة وهي قومية دين الإسلام؟

• كل ما فعلته هو وضع النصوص المتعلقة بتلك المسألة في سياق واحد, رتلّتها بحسب الدكتور شحرور, و من ثم ّتوصّلت إلى استنتاج معيّن بدا لي متماسكا ً وصلبا ً في مواجهة مطارق التراثيين, يتلخص ذلك الرأي في أن رسالة الإسلام هي رسالة خاصة للعرب, أو المتحدثين بالعربية (بغض النظر عن انتماءهم القومي), وبالتالي تم إخراج غير المتحدثين للعربية من دائرة الخطاب التكليفي, فلم يعد لوصفهم بالكفر أي معنى.

أما عن الغاية من وراء ذلك البحث, فهي إنهاء حالة التعالي والتفوق الكاذب التي نعيشها, وربما إعادة ذلك الغول السلفي إلى قواعده, ذلك الوحش القرأوسطي الذي التهم جزء ً كبيرا ًمن ضميرنا الإنساني, إن صح التعبير, جميعنا نتلّمس حالة الإنكار والضحك على الذات التي يعيشها الفرد المسلم, فرغم أنّه يعاني الأمرين في حضيض الحضارة البشرية على جميع المستويات, لكنّه برغم ذلك يؤمن بتفوقّه المطلق بسبب تلك الصدفة الجغرافية التي جعلته يولد في عائلة مسلمة ويرث دينه ( كأي إنسان آخر على هذه الكرة الأرضية). هذا الاجتهاد سحب منه ذلك الامتياز حيث لم يعد بمقدوره وصف الآخر المخالف بالكفر, و بالتالي لا يمكنه التعالي عليه.

(كتابات) مجموعة (اغتيال امرأة الظل الأسود) الشعرية هي أول أعمالك.. ماذا تحقق لك كتابة الشعر؟

• الشعر هو همسي لنفسي, حوار داخلي أخوضه لأعبر عن جوعيّ الروحي, صدرت لي مجموعة شعرية واحدة, و قد أصدر واحدة أخرى في المستقبل, لكنّي لا أعتبر نفسي شاعرا ً.

(كتابات) في رواية “الأعراف برزخ بين جنتين” هل جمعت بين “الإمام البلقيني” والشاعر الثوري “غياث” ليتسنى لك مناقشة القضايا الشائكة الخاصة بالدين والإسلام السياسي من وجهتي نظر متعارضتين؟

• هذا ما فعلته بالضبط, و إن كان “الإمام البلقيني” لا يعتبر شيخا ً تقليديّا ً بل هو خليط من مدارس إسلامية متعددة, فهو سلفي ّالظاهر, صوفي ّالروح, معتزلي ّالعقل, وفي أحيان كثيرة يصعب تنميطه في مذهب معين, لذلك وصفته بأنه خامس الأئمة وآخر المذاهب, وبالتالي فإن الحوارات الفكرية بينه و بين “غياث” لم تكن باهتة كما هي حوارات المشايخ مع مخالفيهم. ولعل أكثر ما يسعدني أن معظم من قرأ الرواية حفّزته تلك الحوارات لكي يتوسع في المواضيع التي طرحتها ويقرأ كتبا ًأخرى, أو يبحث عن مصداقية ما ورد في النص على أقل تقدير.

(كتابات) في رواية “الأعراف برزخ بين جنتين” طرحت تساؤلا “كيف تحولت الثورة السورية من ثورة مدنية سلمية إلى ثورة إسلامية مسلحة؟.. هل لديك إجابة؟

• في الرواية يقدم كل بطل إجابته, “غياث” يرى أن الإرهاب جزء لا يتجزأ من الإسلام (التراثي), بينما “الإمام البلقيني” له رأي آخر, أنا ككاتب أفضل عرض الآراء ومن ثم ّالوقوف على الحياد, وأترك للقارئ حكمه الأخير. لكن كمواطن سوري مهتم بقضايا وطنه فإني أميل للمقاربة التي يطرحها “الإمام البقليني” وأجدها أقرب للحقيقة.

(كتابات) كيف كان رد الفعل على روايتك “الأعراف برزخ بين جنتين” وهل أخافك ذلك؟

• ردود الفعل حتى الآن جيدة جدا ًفي المجمل, ولا يمكنني أن أصف سعادتي حين يخبرني أحدهم بأنّه خرج من الرواية بغير الأفكار التي دخل بها, أو أنها أثارت عنده زوبعة من التساؤلات. بعضهم لامني لأني أخرجته من حالة اليقين الكاذب التي كان يعيشها, لكن بالتأكيد ما أفزعني هي رسائل التكفير التي تلقيتها, رسالتين حتى الآن, لكنهما كانتا كافيتين ليشعرانني بالفزع.

(كتابات) في رأيك هل دراسة الدين وسيلة منطقية لإصلاح الممارسات الخاصة به أم وسيلة لانتقاد أصوله؟

• الدين ليس جسما صلبا يمكن إدخاله المختبر وإجراء التجارب المعملية عليه, بل هو عبارة عن فكرة, فكرة معينة في رؤوس معتنقيها, وإذا أشرنا إلى الحالة الإسلامية كمثال, فإن الإسلام غير موجود في الواقع المادي, وإنما الذي يوجد هو (إسلامات) متنوعة في أذهاننا, ربما بعدد المسلمين.

لعلّي أبالغ إذا قلت: لا يوجد إسلام, و إنما مليار ونصف إسلام.. المعركة هي أي ّفهم, أو أي إسلام بالضبط هو الذي سيكتب له الانتشار ويتم تبنيه من قبل المجتمع. هل هو الإسلام المتأنسن الذي يتوافق مع مفاهيم الحضارة البشرية اليوم؟ أم إسلام القرون الوسطى القائم على الجهاد والغزو والسبي؟.

إصلاح الدين أمر معقد للغاية, يحتاج إلى مؤسسات وإرادة دول, مهمة المثقف تكون في خلق الوعي الجمعي بالحاجة إلى الإصلاح في المقام الأول وذلك بالإشارة إلى مكامن الضعف, ومن ثم اقتراح حلول معينة, هذا ما فعله “مارتن لوثر” في المسيحية, وسيظهر مفكر مثله في الإسلام عاجلا أو آجلا. و لا شك أن أولى خطوات الإصلاح تكون بمعرفة ما نريد إصلاحه بالضبط, و ذلك بدراسة الدين والتعمق فيه.

(كتابات) في رأيك هل من ضمن أدوار الأدب أن يحارب تزييف الوعي ويكشف حقائق المسكوت عنه؟

• هي وصفة ذهبية أثبت التاريخ نجاحها, النبي أو الفيلسوف يقوم بإنتاج الأفكار, يقوم الفن بتبني تلك الأفكار وينشرها بكافة الوسائل التي يملكها, قصيدة, رواية, أغنية ,,,,الخ.

ثم يقوم المجتمع بتبني تلك الأفكار ويحدث التغيير, لكن للأسف التاريخ أيضا ًيخبرنا بأن تلك العملية تأخذ وقتا ً طويلا, وتستهلك طاقات المجتمع, بل ربما تتغذى على لحمه ودمه أيضا.

(كتابات) هل واجهت صعوبات ككاتب؟

• بشكل عام لا توجد ثمرة في هذه الحياة من دون معاناة, و لكن كانت عملية الكتابة سلسة, فالحبكة الرئيسية للرواية كانت عالقة في ذهني لسنوات قبل أن أجد الوقت لأترجمها على الورق, لكني واجهت صعوبات جمة في إخراج النص إلى الضوء, فبسبب الإشكاليات التي طرحتها الرواية كان متوقعا ًلها المنع في عدة بلدان عربية, لذلك أحجمت عنها كثير من دور النشر, وحدث ما توقعته دور النشر بالضبط, فلقد تعرضت الرواية للمنع في أكبر الأسواق العربية.

فضلا ً عن التبعات القانونية التي حذرني منها البعض, والتي تختلف باختلاف البلدان و القوانين.

(كتابات) ما هي روافد تكوينك الفكري ومن هم الكتاب الذين تأثرت بهم؟

• لا أستطيع أن أضع أصبعي على كاتب معين أو فلسفة ما لأقول بأنّي أتبناها بحذافيرها, فأنا أظن أن الحضارة الإنسانية لم تكتمل بعد, وبعكس بعض  الذين يتهموني بالانبهار بالغرب, لكنّي أعتقد أن الحضارة البشرية مازالت في مرحلة المراهقة والتاريخ لم ينته بعد, و أنا متفائل بأن هذا المراهق قد يدخل مرحلة الشباب قريبا ًوبالتالي قد نصل إلى ذروة حضارتنا كبشر, هذا في حال لم نشهد انتكاسات رجعية.

بشكل عام أنا منفتح على جميع الأفكار وأنهل من جميع النظريات, فالنسبية المعرفية تخبرنا أن كل ما في هذا العالم من أفكار وفلسفات وأديان يحمل جزء ًصغيرا ًمن الحقيقة.

أما الحديث عن الكتاب المفضلين فسيكون مجحفا بعض الشيء, و لكن يمكنني القول أني أجد نفسي منجذبا ً ل”جورج طرابيشي” رحمه الله ومقولاته التفكيكية, أما في الأدب فإن الروائي الكبير “الطيب صالح” رحمه الله أكثر روائي استمتعت بقراءته, و الأستاذ “مصطفى خليفة” الوحيد الذي جعلني انتحب أثناء القراءة.كلما غالبتني الحياة تحمست لقصائد “محمود درويش”, وهو الكاتب الوحيد الذي أملك جميع إصداراته في مكتبتي. ولا بد أن أعترف بأني مقل ّجدا ًفي قراءة الرواية, ربما لم أقرأ  أكثر من خمسين رواية في حياتي كلّها, وذلك بسبب انشغالي بالكتب الفكريّة. اعتبر نفسي الآن مكتفيا ً, أو لنقل متخما ًبالأفكار, ولذلك اتخذت قرارا ًبالانكباب على الكتب الروائية في قادم الأيّام.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة