27 ديسمبر، 2024 11:26 ص

مع (كتابات) .. “أمين دراوشه” : ظهور الفلسطيني في الأدب الإسرائيلي هو إعتراف بوجوده

مع (كتابات) .. “أمين دراوشه” : ظهور الفلسطيني في الأدب الإسرائيلي هو إعتراف بوجوده

حاورته – سماح عادل :

انشغل الكاتب الفلسطيني “أمين دراوشة” بإشكالية الأنا والأنا الآخر، وتجلى ذلك في أعماله النقدية.. وهوعضو اتحاد الكتاب الفلسطيني، وقد حاز على  جائزة “منظمة الصحة العالمية” للقصة القصيرة جداً والخاصة بفلسطين، والمقامة بمناسبة مرور 50 عاماً على النكسة، كما حصل على جائزة “ناجي نعمان” الدولية – لبنان 2016.. تناقشت معه (كتابات) في انتاجه الأدبي والنقدي..

(كتابات): في كتابك “الأنا والآخر في الرواية الفلسطينية”.. هل كنت تفتش عن جوهر الذات الفلسطينية التي تتجلى في الروايات.. أم تحاول تمييزها من خلال التضاد مع الآخر.. أم ماذا ؟

  • في كتابي “الأنا والآخر في الرواية الفلسطينية” حاولت ان أصل إلى جوهر الذات الفلسطينية من خلال الروايات المدروسة، لذلك تم اختيار كاتبين كبيرين (جبرا إبراهيم جبرا، وليد أبو بكر)، وثلاث روايات لكتّاب من الجيل الجديد (منى الشرافي تيم، أكرم مسلم، إسراء عيسى)، كي أتتبع صورة الفلسطيني والتغيرات التي يمكن أن تكون حصلت له من خلال الفن الروائي.. هل تعب من الصراع مع المحتل ؟.. هل استكان أم مازال قوياً وعنيداً ولا يرضى عن فلسطين بديلاً ؟.

ولا شك أن “الأنا” لا تتضح صورتها إلا مقابل “الآخر”، وخاصة إذا كان “الآخر” عدو شرس يحاول أن يهدم الذات الفلسطينية، ويذيبها، ويعمل بقوة على محاولة القضاء عليها وتلاشيها، فمفهومي “الأنا” و”الآخر” في علم النفس والاجتماع والأدب، والعلاقة المتشابكة بينهم، غالباً ما تكون قائمة على الاختلاف والتضاد، وإن “الأنا” لا توجد إلا في مقابل “الآخر”.. فهي لا تشعر بوجودها إلا بوجود “الآخر”، و”الآخر” بالنسبة للفلسطيني جحيم يذيقه العذاب والهوان، لذا تحاول “الأنا” الفلسطينية تحصين نفسها وتقويتها وجمع ما تستطيع من عوامل الصمود لتقف بثبات أمام “آخر” قوي وعنيف وعنصري ويحظى بالدعم من الدول الكبرى المخاتلة.

(كتابات): أصدرت كتاب “الأنا والآخر في الرواية الإسرائيلية” وكتاب “الأنا والآخر في الرواية الفلسطينية”.. وتنتوي إصدار “الأنا والآخر في الرواية العربية”.. هل هو مشروع نقدي تنوي إنجازه.. ولما اخترت ذلك المبحث بالذات ؟

  • الحقيقة أنني أحلم بإنجاز مجموعة من المشاريع النقدية والتي تتعلق بالأدب الفلسطيني والعربي والإسرائيلي، وحالياً أنهيت المشروع الأول وهو “الأنا والآخر” إذ أملك أيضاً مخطوطة “الأنا والآخر في المسرح الإسرائيلي”.. وقد اكتفيت من هذا الموضوع، أما لماذا اخترت هذا الموضوع بالذات، فالصدفة شاءت أن ألتحق بدورة بحثية مطولة عن المجتمع الإسرائيلي في مركز “مدار” للدراسات الإسرائيلية في رام الله، حيث أشرف على الدورة الدكتور “إسماعيل الناشف” الخبير في الشأن الإسرائيلي وكذلك الدكتورة “هنيدة غانم” مديرة المركز، وقد استفدت كثيراً منها، وكنت مطالباً بالقيام ببحث معمق حول موضوع إسرائيلي، فاخترت “الأنا والآخر في رواية العاشق” للكاتب الإسرائيلي “أ. ب. يهوشواع”، وهو أحد أعمدة الأدب الإسرائيلي، وقام المركز بنشر البحث، وهذا شجعني على الاستمرار وخصوصاً أنني بت متشوقا لمعرفة التطور الحاصل على الشخصية الفلسطينية في الأدب الإسرائيلي والتي انتقلت من الإنكار التام إلى الاعتراف بوجوده نتيجة صموده الأسطوري ومقاومته لآلة القتل والقمع الإسرائيلي.

وانتقلت حالياً إلى مشروع نقدي جديد حول المكان في الرواية الفلسطينية والعربية، وأتمنى أن أجد من يتبنى نشر دراساتي لأني ما زلت أواجه صعوبة في ذلك.

(كتابات): لما ينشغل الفلسطينيون بالآخر الإسرائيلي.. هل لأن وجوده مفروض عليهم بشكل يومي.. وهل وجود الفلسطيني في روايات إسرائيلية يعد مؤشراً إيجابياً ؟

  • بالتأكيد ان الكاتب الفلسطيني ينشغل بالإسرائيلي الذي ينغص عليه حياته بشكل يومي.. فالاحتلال يملأ كل الأشياء والأمكنة، فهو موجود في الماء والهواء، وعند الانتقال إلى العمل وعند السفر، فالحواجزالاحتلالية موجودة في كل “كيلو متر” لتذكر الفلسطيني أنه تحت الاحتلال، وأنه من جنس بشري أقل مستوى، ويقف كل العالم ضد طموحات الشعب الفلسطيني في الحرية، لذلك لا غرابة أن الكاتب الفلسطيني تؤرقه تصرفات الاحتلال، التي تجعل حياته جحيماً لا يطاق، كما أن الإطلاع على ما ينتجه العدو من أدب، والأدب قادر على التعبير عن الواقع وتصويره، وبالتالي فالأدب الإسرائيلي يشي بتوجهات الواقع، وكيفية تعامله مع القضايا المختلفة، والتي يعتبر الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي لبّها.

أما بالنسبة لوجود الشخصية الفلسطينية في الأدب الإسرائيلي، فهذا مؤشر على توجهات المجتمع الإسرائيلي بالنسبة للصراع مع الفلسطينيين، فمن خلال دراستي لروايات إسرائيلية، والرواية هي الأقدر على التعبير عن حياة المجتمع، فإن الفلسطيني في البدايات لم يكن موجوداً مطلقاً، ثم ظهر كشبح، ومن ثم ظهر كشخصية سلبية مليئة بالمساوئ، ولكن صمود الشعب الفلسطيني على أرضه رغم كل الظلم والبطش الواقع عليه، فرض على الرواية الحديثة إظهار الفلسطيني كشخصية فاعلة رغم ما تحمله من صفات سيئة يطلقها عليها الكاتب الإسرائيلي، وقال الناقد الإسرائيلي “إيهود بن عيزر” في مقالة له “مقتحمون ومحاصرون”: إن “العرب واليهود، كلّ منهما يصوغ الآخر ويجسده بشكل سلبي، والمشكلة العربية مشكلة يهودية بالنسبة لنا”، فوجود الفلسطيني في الأدب الإسرائيلي هو اعتراف بوجوده وأنه ابن الأرض الأصلي وأن لا فكاك منه، بعد فشل مشارع التهجير والتشريد، إذاً وجود الفلسطيني مهم كونه يعبر عن عجز الاحتلال التخلص منه بإنكاره.

(كتابات): ما رأيك في حال الأدب الفلسطيني.. وهل هناك جيل من الشباب الواعد ؟

  • يبقى الأدب الفلسطيني حي.. ويعبر عن أحلام وتطلعات الشعب الفلسطيني، وقد فرض الكتّاب الكبار حضورهم العربي والعالمي، أما الكتاب من الجيل الجديد ففيهم بذرة طيبة ومبدعة وهم يفرضون حضورهم بقوة على الساحة الثقافية الفلسطينية والعربية، وإن كنت لا أستطيع أن أتابع الكم الهائل من المؤلفات الصادرة إلا أنني أقول أن المستقبل مزدهر بالنسبة للثقافة والأدب الفلسطيني، فمن الروائيين هناك “أكرم مسلم، ومشهور البطران، وعاطف أبو سيف، ووليد الشيخ، ووليد الشرفا، وأسامة العيسة” وغيرهم ومن الروائيات هناك “أماني الجندي، ومايا أبو الحيات، وعبلة الفاري”، وكذلك بالشعر “سميح محسن، وعبد السلام العطاري، ووسيم الكردي، ومحمد حلمي الريشة، وفراس الحج، ورولا سرحان” وغيرهم، وفي القصة هناك “مازن معروف، وأحلام بشارات” وغيرهم.

(كتابات): هل تشهد الثقافة الفلسطينية انفراجة في الوقت الحالي بعقد مؤتمرات واحتفاليات لجوائز أدبية وثقافية داخل فلسطين وحضور كتاب عرب فيها ؟

  • لا شك أن الأوضاع السياسية الخطيرة والمتردية في فلسطين تسبب أوجاع لا تحصى للثقافة الفلسطينية وتطورها وانتشارها، ولكن مؤخراً شهدنا عدة فعاليات ثقافية مهمة في فلسطيني كمعرض الكتاب والمهرجانات التي شارك فيها كبار الكتّاب العرب. وهذا ولا ريب يعطي دفعة للثقافة إلى الأمام.

(كتابات): كتبت القصة في بداية حياتك الإبداعية.. لكنك أصدرت ديواناً شعرياً “وخزات الحنين”.. لم اتجهت لكتابة الشعر ؟.. وهل الشعر مغري لأنه ينقل دفقات شعورية شديدة الوضوح كالحزن.. والغضب.. واليأس.. والفرح.. ؟

  • بعد أن أصدرت مجموعتين قصصيتين “الوادي أيضاً” و”الحاجة إلى البحر” دخلت بحر الشعر من خلال مقطوعات قصيرة.. ومن خلال الشعر الياباني “الهايكو” حيث وجدت إنني أستطيع أن أعبر عما يجول في نفسي من اضطراب، وفوضى، وألم، وجمال، وآمال، بكلمات قليلة ومقتصدة لذا أعجبتني الفكرة.. ولقد راقت مقطوعاتي للشاعر التونسي “عبد الكريم الخالقي” فقام بطباعتها في دار المبدعين التي يقوم على إدارتها.. فمن خلال بضعة كلمات يقدر الشاعر على الولوج إلى عمق الحياة، ووجع الموت، والاستمتاع بألوان الطبيعية، وهذا لا يكون إلا من خلال الشعر الذي يمنح قائله دفقات لا شعورية تنساب كجدول ماء نقي.. فالشعر ليس إلا صوراً وألوان.

(كتابات): ما تقييمك لحال النقد العربي في الوقت الحالي.. وهل شهد ازدهاراً في العصر الحديث ؟

  • إن الحركة النقدية في الوطن العربي تعاني بشدة من علل لا تخفى.. فأعداد النقاد قليل بالقياس للكم الهائل من المؤلفات التي تطرح في الساحة الأدبية، ويعود سبب ضعف الحركة النقدية لأسباب كثيرة، وقد ذكر الباحث والناقد “بوعلي ياسين” أن النقد في العالم العربي يشكو من تداخل وتشابك الشخصي مع الموضوعي عند الناقد، والحساسية المفرطة تجاه النقد من قبل الكتّاب.

فبعض النقاد يجاملون في نقدهم، ويتعاطفون مع من يحبونهم، والبعض قد يكون شديداً في نقده اللاذع بحيث يحطم الكاتب وخاصة إذا كان مبتدئاً في عالم الأدب.. ولكن في النهاية العمل الأدبي القوي والجميل والمحبك بحرفية لا يخفى على المتلقي، ونظراً لاستسهال النقد دخل إلى ساحته الكثير من الغث، وهؤلاء عادة يكونوا مدعومين من مدراء التحرير والقائمين على الصحف والمجلات، فتجد مقالاتهم السطحية وقد غزت الجرائد والمجلات، وكذا يفعل التلفاز والإذاعة إذ يكفي من يدعي النقد أن يكون له بعض المعارف ليظهر على التليفزيونات والإذاعات، وهذه ظاهرة قميئة ومنتشرة وممكن ملاحظتها بسهولة.

وصرنا نجد النقاد الذين لا يملكون تحصيل أكاديمي ولا أعمال تثبت جدارة اللقب، وهذا ينطبق على الروائيين والشعراء وكتاب القصة المتحذلقين الذين لفرط الاحتفال بهم أصبحوا ماكينة تفريخ كل عام، ولا تزيد مؤلفاتهم أي قيمة للمشهد الثقافي الوطني أو العربي عامة.

(كتابات): في رأيك هل كانت هناك إمكانية لظهور نظرية نقدية عربية ولم يتم استغلالها ؟

  • وإذا كنا نهاجم ظاهرة ما يسمى النقاد الذين لا يملكون الثقافة اللازمة لولوج هذا النوع الهام، وعدم اهتمام النقاد في التخصص كما هو حاصل في الغرب.. فأننا أيضاً نعيب على النقاد الكبار الذين نقلوا لنا النظريات النقدية الغربية وأرادوا فرضها عنوة على الأعمال الأدبية العربية، وإذ نعترف بأهمية النظريات الغربية، ونطالب بالاستفادة القصوى منها إلا أننا نتحفظ على المصطلحات النقدية الغربية التي يتم ترجمتها دون فهم لمعناها.

ورغم هذه الصعوبات والإشكاليات لا ننكر وجود نقاد كبار في مختلف الدول العربية أثروا المشهد الثقافي، وكان لهم تأثيرهم العميق على الحركة الأدبية، وجابهوا الهجومات ضدهم، فهناك بعض النقاد الذين تعرضوا لحملة مسعورة ضدهم لأنهم قدموا دراسات نقدية جريئة في مؤلفات مشهورة أخذت جوائز أدبية كبرى، وبيّنوا هشاشة هذه الأعمال، ودوافعها السياسية البغيضة، كما أن بعضهم يتعرض للتهميش في وطنه ولكن كيف يمكن للغربال أن يحجب الشمس ؟.

إن إنتاجات النقاد الكبار تعتمد على المجهود الشخصي لكل منهم، وإذا ما تم التعاون والتنسيق بين نقاد الوطن العربي الذي عرف نقاداً أفذاذ في القديم والحديث يمكن أن تشكل إبداعاتهم  نظرية نقدية متكاملة.. غير أن الأوضاع الثقافية في البلدان العربية مزرية وبحاجة لنقلة نوعية حتى يمكن الاستفادة من إبداعات النقاد والاهتمام بها، فنقاد مثل “جميل لحميداني، عبد الملك مرتاض، وليد أبو بكر، سعيد يقطين، عادل الأسطة، غسان عبد الخالق، محمد برادة” وغيرهم الكثير لا ريب نثروا جواهرهم النقدية، وفرضوا أنفسهم من خلال أعمالهم القيمة والغنية والثرية.

(كتابات): هل الكتاب الفلسطينيون يمرون بصعوبات أكثر من غيرهم في طريق الكتابة والإبداع ؟

  • يمر الأدباء الفلسطينيين بصعوبات جمة في طريقهم الشائك.. فوقوع وطنهم في براثن المحتل يجعل الانفكاك من هذا الموضوع أمراً عسيراً، غير أن الكثير من الكتاب استطاع تجاوز ثيمة الاحتلال والانطلاق إلى القضايا الفلسفية والجمالية ولكن دون التقصير في التعبير عن الهم الإنساني والفلسطيني الخاص.

* إصدرات الكاتب “أمين دراوشه” هي:

– “الوادي أيضاً”، مجموعة قصصية، عن اتحاد الكتاب الفلسطيني 2001.

– “الحاجة إلى البحر”، مجموعة قصصية، عن مركز أوغاريت الثقافي 2007.

– “الأنا والآخر في الرواية الإسرائيلي”، دراسات، مركز أوغاريت الثقافي 2013.

– “الأنا والآخر في الرواية الفلسطينية”، دراسات، وزارة الثقافة الفلسطينية، 2016.

– “وخزات الحنين”، ديوان شعر، دار المبدعين- تونس، 2017.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة